بعد وأد الاحتلال "حل الدولتين".. ما قصة "الدولة الواحدة" التي يدعمها دحلان؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم أن الرواية الرسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة تزعم دعم "حل الدولتين" للقضية الفلسطينية، لكن أدواتها السياسية تكبحه وتعمل ضده، وفق مراقبين.

ويظهر ذلك بوضوح مع إعلان محمد دحلان القيادي المفصول من حركة "فتح"، مستشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد،  بإعلان أن حل الدولتين "لم يعد قابلا للتنفيذ على أرض الواقع".

خيارات محددة 

وقال دحلان مطلع مارس/ آذار 2023 خلال حوار ببرنامج "مع جيزال" المذاع على فضائية "سكاي نيوز عربية" الإماراتية، إنه "لم تعد هناك أراض متصلة يمكن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة عليها".

وأرجع القيادي الفلسطيني المثير للجدل وجهة نظره إلى تعنت الاحتلال، والإجراءات التي اتخذها على مدى 30 عاما خاصة مع التوسع في إقامة المستوطنات على أراضي الضفة الغربية.

ومنذ بدايتها عام 1991 من خلال مؤتمر مدريد للسلام، تقوم عملية السلام في الشرق الأوسط على فكرة "حل الدولتين" الفلسطينية والإسرائيلية على أرض فلسطين التاريخية.

وكان مفترضا أن تنتهي عملية السلام عام 1999 بإقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس الشرقية وقطاع غزة، لكن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة والقدس، والذي تضاعف مرات عديدة منذ انطلاق عملية السلام، يحول فعليا دون إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.

ودعوة دحلان المحسوب على الإمارات إلى حل "الدولة الواحدة" ليست بدعة بين الساسة الفلسطينيين، فبعد عقود طويلة من مطالبته بـ"دولتين تعيشان بسلام جنبا إلى جنب"، حذر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إسرائيل من أن الوقائع على الأرض قد تفرض خيار "الدولة الواحدة" فقط.

ومع أن عباس لم يوضح خلال خطابه في 24 سبتمبر/ أيلول 2021 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ماهية هذه الدولة وكيفية إنشائها والجهة التي تقودها.

 لكنها تظل تثير تساؤلات واستغرابا كبيرا في خضم ما رشح عن هذا الخيار من معلومات قليلة، وفي ظل رفض إسرائيل الخيار "الأفضل منه"، بحسب ما يرى مراقبون، وهو الانفصال وسيطرتها على الجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وربما بنى عباس ومن بعده دحلان رؤيتهما على طرح قديم قدمته حركة التحرير الوطني الفلسطينية "فتح" في السبعينيات.

وحينئذ قدمت مقترحا بعنوان "الدولة الديمقراطية العلمانية"، لكنها تخلت عن الفكرة لمصلحة "حل الدولتين" وشجعها على ذلك إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988 واتفاق أوسلو في 1993.

مستجدات مقلقة

وذلك المسار التاريخي لا ينقطع عن المستجدات في السنوات الأخيرة، تحديدا مع توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل في 15 سبتمبر/ أيلول 2020. 

وعدت منظمات فلسطينية التطبيع الإماراتي ضربة لصميم القضية، وإعداما لمبادرة السلام العربية، التي تقضي بإقامة دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والتوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين.

المستجد الآخر ما تعيشه الأراضي الفلسطينية المحتلة من مخاوف متصاعدة بسبب توجهات التيار اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل حاليا، تحت مظلة حكومة بنيامين نتنياهو، المشكلة في ديسمبر/ كانون الأول 2022,

والذي يمضي نحو إحداث تغيير جوهري في نظام الحكم، وترسيخ الهوية اليهودية للبلاد، وتعزيز التعاليم الدينية التوراتية في الحياة اليومية.

وهو ما يعني الانسحاق الكامل للبقية الباقية من الهوية الفلسطينية والعربية التي تقاوم منذ عقود، متترسة وراء مجموعة من الأطروحات، منها حل الدولتين.

ومنذ سنوات يحوم الجدل عن نجاعة حل الدولتين، وكلما خفت السجال يعود من جديد، خاصة في ظل المتغيرات السياسية الداخلية والإقليمية.

وفي سياق مواز هناك أطراف مهمة وأصيلة في معادلة الحل الفلسطيني باتت ترفض حل الدولتين برمته، لكن على أرضية مختلفة عن الإمارات ودحلان.

وهي معظم الفصائل الفلسطينية، التي غيرت وجهتها في ظل كثير من المعطيات الجديدة المتمثلة بتغيير الاحتلال الواقع الجغرافي والديمغرافي، وتغير ملامح الأراضي المحتلة عام 1967 التي التهمها الاستيطان خلال السنوات الماضية. 

موقف الفلسطينيين والإسرائيليين

ظهر هذا من خلال نتائج استطلاع للرأي نشر بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وأجراه مركز القدس للإعلام والاتصال (أهلي) بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية (مستقلة).

وأظهر هذا الاستطلاع تراجع نسبة المستطلعين الفلسطينيين المؤيدين لحل الدولتين لصالح حل الدولة الواحدة.

وفي التفاصيل، أظهرت النتائج انخفاض نسبة الذين يعتقدون أن حل الدولتين هو الأفضل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من 39.3 بالمئة في أبريل/ نيسان من نفس العام إلى 29.4 بالمئة في الاستطلاع الجديد.

في المقابل، ارتفعت نسبة المؤيدين لحل الدولة الواحدة ثنائية القومية في كل فلسطين من 21.4 بالمئة في أبريل إلى 26 بالمئة في الاستطلاع الجديد.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، في يونيو/ حزيران 2022، ظهر من خلاله أن سكان غزة منفتحون على إجراء تحولات عملية في السياسات.

وأن أغلبيتهم يرفضون  حل الدولتين، فقد أبدى 55 بالمئة من العينة تفضيلهم للمطالبة بـ"فلسطين التاريخية" كاملة من النهر إلى البحر، على حساب الخيارات الأخرى، فيما عبر 37 بالمئة عن قبولهم مبدأ الدولتين لشعبين.

لكن مع هذا لا يمكن إغفال أن حركات المقاومة، ترفض حل الدولتين، لكنها لا تمانع من إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، مع المضي قدما في تحرير كامل فلسطين التاريخية.

وعلى المستوى الإسرائيلي ففي زمن الحكومة الإسرائيلية السابقة التي كانت تضم طيفا من اليمين واليسار، أعرب رئيس الحكومة السابق يائير لابيد، في 22 سبتمبر/ أيلول 2022، أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة، عن دعمه لفكرة حل الدولتين.

 ورأى أن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين يقوم على دولتين لشعبين هو الشيء الصحيح لأمن إسرائيل وللاقتصاد الإسرائيلي ولمستقبل أطفال الدولة العبرية. 

وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول 2022، نشر مركز "فيتربي" التابع لـ "معهد إسرائيل للديمقراطية" استطلاع رأي، ذكر فيه أن أقل من 50 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون حل الدولتين.

وكان لافتا أن 60 بالمئة من العرب فقط أيدوا حل الدولتين، مقارنة بـ79 بالمئة في استطلاع سابق، ما يشير إلى تراجع المؤيدين للفكرة بين فلسطينيي الداخل أنفسهم.

لذلك يطرح بعض المفكرين في ساحات مختلفة أنه من الأوقع السعي إلى تحقيق "حل الدولة الواحدة" الذي يجمع الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على أرض واحدة وبهوية مشتركة.

مخاوف من التطرف

لكن السؤال الذي يفرض نفسه حول أيهما أنجع حل الدولة أم الدولتين؟ تحدده الحالة الآنية التي تعيشها الأراضي المحتلة في ظل حكومة نتنياهو المتطرفة، خاصة أن كثيرا من وزراء تلك الحكومة يحملون الآراء والمواقف الشاذة تجاه الفلسطينيين.

ربما يعبر عن هذا ما حدث يوم 20 مارس/ آذار 2023، عندما قام  وزير المالية الإسرائيلي يتسلئيل سموتريتش بالدعوة لمحو بلدة حوارة الفلسطينية من الوجود. 

وخلال فعالية شهدتها العاصمة الفرنسية باريس قال الوزير المتطرف، إن "العرب "اخترعوا شعبا وهميا ويطالبون بحقوق وهمية في أرض إسرائيل لمجرد محاربة الحركة الصهيونية، من هو الفلسطيني الأول؟ أي لغة كانت للفلسطينيين؟ هل يوجد عملة فلسطينية؟ هل يوجد تاريخ أو ثقافة فلسطينية.

وصولا إلى زعمه عدم وجود شعب فلسطيني من الأساس، وأن الشعب الفلسطيني اختراع عمره لم يتجاوز 100 عام على زعمه.

وهو ما دفع وزارة الخارجية الفلسطينية لإصدار بيان في 21 مارس، قالت فيه: "نتابع بأقصى درجات الاهتمام التصريحات غير المسؤولة والتحريضية للوزير الإرهابي الحاقد والعنصري والنابعة من الكراهية والإرهاب والحقد وادعاء التفوّق العرقي لليهود على حساب بقية شعوب المعمورة وتحديدا الشعب الفلسطيني".

وأضافت: "سنطلب من المحكمة الجنائية الدولية أن تتحرك فورا لإصدار أوامر اعتقال بحق هذا الإرهابي العنصري الذي انتهك كل القوانين وارتكب بتصريحاته ما يستحق استصدار قرار اعتقاله فورا".

وهو ما كشف الوجه الحقيقي للاحتلال بدون القناع، ولحكومة نتنياهو الجديدة، وأي عدو يواجهه الشعب الفلسطيني هذه المرة حتى ولو حاولت الدبلوماسية الإسرائيلية التبرؤ علنا من تصريحاته شديدة التطرف.

خيانة عظمى

ويعلق الأكاديمي الفلسطيني جمال حساسنة، على الأطروحات الأخيرة الرامية إلى ترك دعوة "حل الدولتين" والانخراط تحت راية دولة الاحتلال، بالقول: "هي دعوة خيانة عظمى بلا أي مجال للتأويل والتفسير".

وأضاف حساسنة لـ"الاستقلال": "هي تضرب ثابتا أصيلا للشعب الفلسطيني العظيم، ولأجيال نشأت على نضال المحتل في سبيل قضيتها الكبرى". 

وتابع: "لابد لنا أن نقرأ التاريخ جيدا، فإن فكرة حل الدولتين بدأت عام 1967 بعد هزيمة العرب في 5 يونيو، ووقتها رأى مجلس الأمن أن خريطة دولة فلسطين المنتظرة ستضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية". 

ومضى يقول: "كان الاقتراح مرفوضا من العرب والصهاينة على حد سواء، وكان الشعب العربي والفلسطيني يتمسك بفلسطين كاملة غير منقوصة، لكن ذلك الطرح ظل قائما ومدعوما من قوى عالمية". 

واستطرد: "وفي عام 1988 عندما أصدر الراحل ياسر عرفات إعلان الاستقلال، واعترف بـ (دولتين لشعبين) وأقر بإسرائيل وبسيادتها على 78 بالمئة من فلسطين التاريخية، رمي بالخيانة والتفريط في حق فلسطين، ووجد مقاومة شرسة داخليا وخارجيا". 

وشدد على أنه "إذا قبلنا طرح الدولة الواحدة فستكون نهاية مأساوية لنضال الأمة كلها، وما أظن أن هناك فلسطينيا أصيلا حر الدم يمكن أن يقبل ويمرر هذا الكلام أن نضع رقابنا بين يدي المحتل يتصرف وكأنه الحاكم والآمر الناهي".