تشتبك مع أميركا وروسيا.. ما فرص نجاح حفتر في توريث أبنائه حكم ليبيا؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

عقب لقاء الجنرال الليبي الانقلابي "خليفة حفتر" مع مدير المخابرات المركزية الأميركية "وليم بيرنز" وليم بيرنز شرق ليبيا يوم 13 يناير/ كانون الثاني 2023، انتشرت تسريبات تفيد بأن حفتر اقترح حل أزمة ليبيا، عبر سحب ترشحه للانتخابات الرئاسية مقابل السماح لأبنائه بخلافته.

وفي 18 يناير 2023، أكد الكاتب الروسي "إيغور سوبوتين" في مقال بصحيفة "نيزافيسيمايا" المحلية، أن حفتر (79 عاما) مستعد للتنازل بالفعل عن ترشحه لرئاسة ليبيا لصالح أحد أبنائه.

مصادر ليبية أكدت أيضا لـ"الاستقلال" أن كواليس لقاء حفتر مع "بيرنز"، ومن قبله لقاؤه بالقاهرة في 9 يناير 2023 مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، أظهرت رغبته في الانسحاب من تصدر المشهد لصالح أحد أبنائه.

انسحاب مشروط

أكدت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن حفتر يشعر أن عهده اقترب من نهايته لمعاناته من أزمة صحية، وشعوره برفض الليبيين له وتخلي دول مؤيدة له عنه، لذلك يسعى لتهيئة نجله "صدام" ليخلفه ويتولى زمام الأمور رغم أنه مرفوض شعبيا أيضا.

وأوضحت أن حفتر طلب من شركائه في شرق ليبيا، ومن رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، والمنفي خلال لقائه في القاهرة، دعم نجله "صدام" لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة بدلا منه.

فيما يقول الكاتب الروسي "إيغور سوبوتين"، إن المفاوضات التي انعقدت في مصر يوم 9 يناير كشفت عن عدم اهتمام حفتر بالترشح للانتخابات الرئاسية، المتوقع تنظيمها هذا العام تحت إشراف وسطاء دوليين، ما قد يُعجل بتحول شرقي ليبيا إلى طرف موال للغرب.

وأوضح الكاتب أن البعض يرجع المرونة التي أظهرها حفتر فيما يتعلق بشروط إطلاق العملية الانتخابية إلى تدهور حالته الصحية، فضلا عن الضغوط التي يمارسها عليه المجتمع الدولي.

وأكد سوبوتين أن الظرف الصحي هو الذي دفع حفتر للمطالبة أثناء المفاوضات في مصر بعدم وضع عقبات أمام احتمال ترشيح أحد ابنيه صدام أو خالد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مقابل انسحابه.

على الجهة المقابلة من روسيا، كانت لقاءات "وليم بيرنز" مع حفتر وقبله رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة، مؤشرا على أن الملف الليبي تحول إلى قضية أمنية بالنسبة لواشنطن.

الحديث عن رغبة واشنطن في طرد قوات "فاغنر" الروسية من ليبيا ضمن عمليات التضييق على موسكو في أوكرانيا، كان العنوان الرئيسي في مباحثات "بيرنز" مع حفتر وفق تأكيد مصادر ليبية لـ "الاستقلال".

وأوضحت أن حفتر ليس غريبا على الأميركيين، فهو يحمل الجنسية الأميركية وله ممتلكات عديدة في أميركا.

وفي أبريل/ نيسان 2019، أجرى حفتر مكالمةً هاتفية مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ما أثار شائعات بأن واشنطن ستدعم الجنرال لكن العلاقات توترت بين الجانبين بعد وقتٍ قصير.

المصادر أكدت أن الاهتمام الأميركي بليبيا جاء ضمن الصراع مع روسيا في أوكرانيا واستغلال انتقال قوات فاغنر للحرب في أوكرانيا لمحو ما تبقى منهم في ليبيا وحصار النفوذ الروسي في منطقة البحر المتوسط.

وأوضحت أن جانبا من الاهتمام الأميركي بليبيا يأتي ضمن السعي للحفاظ على تدفق النفط الليبي وزيادته، ضمن خطة الحصار على مصادر الطاقة الروسية.

وذكر موقع "ميدل إيست مونيتور" في 16 يناير، أن "بيرنز" نبه حفتر لمخاطر الإضرار بالموانئ وحقول النفط لأن الولايات المتحدة مهتمة بشدة بضرورة الاستقرار في القطاع النفطي وعدم تأثر الصادرات.

كما طلب من حفتر التعاون مع حكومة الدبيبة وتمكينها من العمل في شرق ليبيا، للمحافظة على مبدأ وحدة المؤسسات التنفيذية.

وبعدما التقى "بيرنز" حفتر بأسبوع، وشدد على ضرورة وقف التعامل مع مرتزقة فاغنر، أعلن البيت الأبيض في 20 يناير، تصنيف فاغنر "منظمة إجرامية دولية"، ما يعني تصنيف حفتر كذلك أيضا لو استمر في التعامل معها.

وتؤكد المصادر الليبية أن مدير الاستخبارات الأميركية رفض حضور أي من أبناء حفتر الاجتماع، وخصوصا ابنه "صدام"، رغم أن كل المؤشرات تؤكد أن صدام يستعد لخلافة أبيه.

وكشفت السفارة الأميركية في ليبيا، في 19 يناير عن لقاء آخر جرى بين حفتر، والقائم بالأعمال الأميركي ليزلي أوردمان، ونائب قائد القوات الجوية الأميركية في أفريقيا، الجنرال جون دي لامونتاني.

وقالت إن اللقاء خصص لمناقشة التنسيق الأمني، بما في ذلك الطيران، وأهمية إعادة توحيد الجيش الليبي تحت قيادة مدنية منتخبة ديمقراطيا.

وكان لافتا أن مدير المخابرات الأميركية زار مصر لاحقا في 23 يناير 2023 بحضور اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة.

واكتفى المتحدث باسم الرئاسة المصرية بالقول إن الهدف من الزيارة "تبادل وجهات النظر بشأن المستجدات المتعلقة بعدد من القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك".

بيد أن مصادر دبلوماسية مصرية تشير إلى أن اللقاء ركز على ليبيا وإنهاء ظاهرة حفتر والتحذير من دور مرتزقة فاغنر الروسية في ليبيا الذي استضافهم حفتر في شرق ليبيا، وربما تطرق لخلافة حفتر.

حليف للروس أم الأميركيين؟

برغم أن حفتر أميركي الهوى والجنسية، إلا أنه عمق علاقاته مع روسيا وفتح لها الباب لنفوذها في شرق ليبيا مقابل دعمه بقوات "فاغنر" التي لعبت دورا في تقوية هجماته على طرابلس عام 2019.

وسبق أن زار حفتر روسيا عدة مرات والتقى للمرة الأولى الرئيس الروسي بوتين مطلع يونيو/حزيران 2019 وطلب مساعدة روسيا في تطوير وتحديث منظومة الأسلحة التي يمتلكها جيشه في شرق ليبياÇ

لكن العلاقات تدهورت مع روسيا عقب هزيمة قوات حفتر أمام قوات طرابلس وضغوط الغرب عليه كي يطرد المرتزقة الروس من شرق ليبيا.

فضلا عن ضغوط أميركا أيضا عليه عقب رفع ليبيين دعاوى ضده تطالب بتعويضات بصفته ارتكب جرائم حرب وهو حامل جنسية أميركية.

وذكر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 10 أغسطس/آب 2022، أن آل حفتر يملكون مجموعة عقارات دولية ضخمة في عدة دول لكن حيازات العائلة داخل الولايات المتحدة هي الأكبر.

وتُشير وثائق قدمت لمحكمة فيرجينيا لمحاكمة حفتر وطلب تعويضات منه إلى امتلاك عائلة حفتر 17 عقارا على الأقل داخل فرجينيا فقط. 

ولا يثق الروس بحفتر رغم تحالفهم معه، ولا يراهنون عليه كشريك، بل يعدونه "رجل أميركا" في ليبيا، بحسب "معهد واشنطن للشرق الأدنى" في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

ولأن جنسية حفتر الأميركية مثلت عقبة كبيرة أمام طموحاته السياسة في ليبيا والترشح للرئاسة واستخدم خصومه ورقة الجنسية ضده تصاعدت قضية وريث حفتر السياسي من بين أبنائه.

وتواجه إدارة بايدن ثلاثة ملفات مهمة في ليبيا تجعل ليبيا هدفا لا مفر منه للإستراتيجية الأميركية الخارجية، أولها "الإرهاب" بسبب قناعتها أن جماعات معادية لها تنتشر في الجنوب الليبي وجنوب غرب ليبيا.

وثانيها: أزمة الطاقة العالمية، خاصة بعد تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث تحاول روسيا بسط سيطرتها على النفط الليبي من خلال فاغنر التي تنتشر قرب بعض الحقول النفطية مثل حقل الشرارة. 

أما الملف الثالث، فهو ملف الروس أنفسهم ودورهم في ليبيا، فلا يبدو أن الروس سيتخلون عن هذا الدور قريبا، لذا تحتاج الولايات المتحدة إلى تبني خطاب أكثر وضوحا بخصوص علاقاتها بليبيا وهو ما يبدو أن زيارة "بيرنز" سعت لحسمه.

من يرث حفتر؟

دفع تدهور صحة حفتر في السنوات الأخيرة إلى تفويض بعض صلاحياته لبعض من أبنائه وأبناء عمومته ورجاله الذين يدينون له بالولاء المطلق.

ومن بين 6 أبناء لحفتر، هم: (خالد، وصدام، وعقبة، والصادق، والمنتصر، وأسماء)، ويبرز اسم نجليه خالد وصدام، باعتبارهما ضابطين بالجيش، وأبرز شركاء أبيهما في المحطات البارزة التي خاضها الجنرال لتحقيق طموحه السياسي.

وبحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني 10 أغسطس/آب 2022، يمكن اعتبار عائلة خليفة حفتر بمثابة عائلة تجارية عسكرية.

ونجله "صدام"، بجانب كونه ذراعا عسكرية لأبيه فهو أشبه بمبعوث دبلوماسي لوالده خصوصا في الرحلات المتجهة إلى الإمارات وإسرائيل، بحسب تصريحات مصدر مطلع للموقع البريطاني.

و"صدام" هو من يجرى إعداده وتصعيده في المناصب العسكرية ويتولى ملف التواصل مع الغرب وإسرائيل، وترشحه الأوساط الليبية والأجنبية ليكون مرشح أبيه للرئاسة المقبلة رغم أنه أيضا عسكري وأميركي الجنسية.

أيضا عمل صدام على بسط نفوذه إعلاميا وأمنيا والأهم اجتماعيا، كما حاول استقطاب الدعم الدولي والإقليمي وهو هدف انعكس في زيارته لإسرائيل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

حيث طلب الحصول على دعم سياسي وعسكري إسرائيلي مقابل علاقات دبلوماسية مستقبلية بين إسرائيل وليبيا.

ويؤكد معهد واشنطن أن زيارة حفتر لإسرائيل "عكست فهم صدام ومستشاريه للحظة الدولية التي يمر بها الشرق الأوسط للالتحاق بالاتفاقيات الإبراهيمية".

لكن خلافة صدام لأبيه ليست مؤكدة على الإطلاق، فهناك معارضين لتوريث صدام لمنصب قائد جيش أبيه، وعدم تحويل الجيش إلى إرث عائلي لحفتر وأبنائه. 

وقبل زيارة بيرنز لليبيا ولقائه حفتر، أبلغ خبير في الشئون الليبية "الاستقلال" أن هناك مؤشرات قوية أن نجل حفتر طلب من الإسرائيليين عرض أمر ترشيح أبيه على الأميركيين لمعرفة موقفهم، بحيث يمكن ترشيح بديل من الأسرة لو رفضوا. 

وأوضح أن فرص صدام حفتر الابن أفضل من والده، على الرغم من اتهامه بالفساد والبذخ؛ لذا كان جزء من زيارته لإسرائيل هو تسويق نفسه كمرشح رئاسي بدل والده، حال أبلغ الأميركيين إسرائيل أن "هناك فيتو على حفتر".

مع هذا كان لافتا أن قناة الجزيرة القطرية، كشفت في 20 يناير 2023 إملاءات "بيرنز" للقاء حفتر، مؤكدة أنه طلب استبعاد أي من أبناء حفتر وخاصة صدام من الاجتماع ما قد يشير لتحفظ على خلافة "صدام" لأبيه.

وتعود معركة خلافة حفتر إلى عام 2018 حين أشيع أنه أصيب بسكتة دماغية ونقل لمستشفى في باريس لتلقي العلاج منذ 9 أبريل/ نيسان 2018.

وما أعقب ذلك من "بدء حراك دبلوماسي إقليمي ودولي لترتيب خلافته" بحسب وكالة الأنباء الفرنسية في 20 أبريل 2018.

وقالت "إذاعة فرنسا الدولية" إن اجتماعات متعددة بدأت في ليبيا وفي بعض العواصم الضالعة في الأزمة مثل أبوظبي لدراسة "خلافة حفتر".