حكومة سعيد تحمل المواطن المسؤولية.. من المتسبب بأزمة الوقود في تونس؟

عالي عبداتي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ألقت أزمة غياب البنزين في محطات الوقود بظلالها على الشارع التونسي، لتخلق طوابير طويلة من السيارات التي تنتظر دورها لتغذية محركاتها، دون أن تظفر بما تريد.

هذه الأزمة تأتي ضمن قائمة طويلة من أزمات تونس الاقتصادية التي خلقها الرئيس قيس سعيد منذ استحواذه على جميع السلطات.

ومنذ يوليو/تموز 2021 حل سعيد الحكومة، ثم أقال البرلمان، وغير الدستور وكثير من القوانين والنظم الانتخابية دون الاستماع لوجهات النظر الشعبية والحزبية الرافضة لما تطلق عليه وصف "انقلاب".

نفاد المخزون

وقال سلوان السميري، كاتب عام الجامعة العامة للنفط التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن احتياطي تونس من الوقود يكفي أسبوعا واحدا فقط.

ووفق ما نقل موقع "ألترا تونس"، ذكر السميري أن "ناقلة البنزين التي فرغت في بنزرت (في ذات التاريخ) ستمنح تونس إمدادات تكفي لما بين عشرة أيام وأسبوعين، انخفاضا من 60 يوما المعتادة للاحتياطي الإستراتيجي".

وتابع: "قد يستأنف نقص إمدادات الوقود إذا لم تجد الدولة سيولة كافية لدفع ثمن الشحنات القادمة".

بينما قالت وزيرة الطاقة التونسية نائلة القنجي نويرة، إن "ناقلة جديدة بصدد تفريغ حمولتها، وإن الطوابير الكبيرة في محطات الوقود نتجت عن تهافت المستهلكين"، الذين يأخذون أكثر مما يحتاجون.

ووفق المصدر ذاته، ألقت الوزيرة باللوم في النقص على سلوك المستهلك ومشاكل التوزيع العالمية، مقرة أيضا فيما يبدو بأن المدفوعات للمستوردين تساهم في عقبات في الإمداد، بسبب الوتيرة الفورية للدفع التي يطلبها البائعون.

وحملت الحكومة المواطن المسؤولية، ومن ذلك، تأكيد الناطق الرسمي باسمها نصر الدين النصيبي أن تونس ليست بمنأى عن مشاكل التزويد في العالم، خاصة مع تخفيض عدة بلدان من نسق تزويدها للسوق العالمية مما خلق مشكلات.

وأشار النصيبي في 11 أكتوبر 2022 إلى أن الدولة التونسية حافظت على نفس نسق اقتناءاتها للمواد الأساسية، موضحا أن نسق تزود المواطنين بالمادة هو ما خلق الإشكال المتعلق بعدم توفرها في محطات الوقود، وفق تصريح لإذاعة "جوهرة إف إم"،.

وأضاف المتحدث ذاته: "لو لم يحدث ذلك الإقبال المكثف في اليومين الماضيين على محطات الوقود لكانت المحروقات متوفرة بشكل طبيعي".

ودعا "المواطنين إلى عدم الانسياق وراء مخاوف فقدان مختلف المواد من الأسواق، بما في ذلك المحروقات".

في هذا السياق، أكد المحلل السياسي والكاتب الصحفي نصر الدين السويلمي أن المواطن التونسي تأثر بأزمة الوقود بشكل غير مسبوق، مشددا أن "المشاهد (الطوابير) التي نراها في مختلف المدن التونسية وفي العاصمة لم نرها من قبل".

وأوضح السويلمي في تصريح لـ "الاستقلال" أن هذا الوضع ضاعف معاناة الشركات وأصحاب السيارات الخاصة، وخلق اضطرابا في حركة المرور وفي مختلف الأنشطة الاقتصادية الأخرى، لأن لها ارتباطا مباشرا بالنقل والوقود.

ومن ذلك، أردف المتحدث ذاته، أن سيارات الأجرة والنقل أصبحت شحيحة في شوارع العاصمة، وتتصرف وفق إملاءاتها الخاصة وليس بحسب التعريفة المعروفة، أي أنها تتصرف بعشوائية بسبب غياب البنزين وارتفاع ثمنه.

وأردف أن هذه العشوائية دفعت سيارات النقل والأجرة لغلق عداد الفوترة في كثير من الأحيان، وجعلت البعض الآخر يضع تعريفته الخاصة، وهو ما أدى إلى مشاكل وصراعات بين الراكب والسائق المهني، والوصول إلى مراكز الأمن بسبب هذا في حالات عدة.

السلطة مسؤولة

مسؤولية ما يقع من غياب للمحروقات والطوابير التي أصبحت تظهر في تونس للحصول على البنزين للسلطة السياسية، يحملها السويلمي للرئيس قيس سعيد وحكومته.

ويقول المحلل السياسي لـ "الاستقلال" بأن البنوك الأجنبية رفضت تمويل حركة الشحنات والبواخر الناقلة للمحروقات المتوجهة إلى تونس، لأنه لم يعد لها ثقة في القدرة المالية التونسية وفي قدرة الدولة على الوفاء بتعهداتها.

وأوضح السويلمي أن غياب هذه الثقة أو تزعزعها راجع للتصنيف المالي للمؤسسات العالمية لتونس، والتي تهوي تباعا وبشكل متواصل.

وهو ما جعل الشكوك والريبة تدخل إلى البنوك وجهات التمويل، وبالتالي ترفض أو تتوجس من التعامل مع تونس.

ومن دلالات هذه الأزمة، يسترسل المتحدث نفسه، أن نجد الشركات التي لها بواخر تبقى في عرض البحر دون أن تفرغ حمولتها في موانئ تونس، لأنه لا ثقة لديها بأن السلطات ستدفع لها ثمن تلك الشحنات.

وتعتمد تونس لتغطية احتياجاتها النفطية على التوريد بنسبة تناهز 60 بالمئة، أغلبها من المواد النفطية المكررة التي يجري اقتناؤها من دول مختلفة بناء على مناقصات دولية.

بينما تتحمل الدولة كلفة التعويض بين الكلفة الحقيقية والسعر عند المضخة في محطات البيع.

ويقول الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق سليم بسباس، إن أزمة الطاقة في تونس تحولت إلى أزمة هيكلية، نتيجة تراجع الإنتاج المحلي الذي كان يوفر 90 بالمئة من حاجيات السوق في العام 2010 إلى 40 بالمئة فقط حاليا.

وأكد بسباس في 12 أكتوبر 2022 وجود مؤشرات فعلية لأزمة تزود بالمحروقات في البلاد نتيجة الوضع المالي الصعب لمؤسسة "ستير" الحكومية التي تتولى حصريا توريد المحروقات كمواد خام أو مواد نفطية مكررة، وفق موقع "العربي الجديد".

وأشار إلى أن المؤسسة الحكومية (ستير) تعاني كغيرها من المؤسسات من أزمة سيولة ووضع مالي صعب يؤثر على انتظام التوريد وتزويد السوق.

وأفاد بأن تراجع الترقيم السيادي يعمق أزمة الطاقة نتيجة عدم ثقة المزودين في قدرة البلاد على سداد الفواتير، وهو ما يدفعهم إلى طلب الدفع المسبق مقابل تفريغ شحنات النفط في الموانئ.

ولم يستعبد وزير المالية السابق تواصل أزمة التزويد في حال استمرار الصعوبات المالية للمورد الحصري للطاقة.

ورأى أن انتقال تونس نحو الطاقات البديلة يعد من بين الحلول الجدية التي يجب العمل عليها، لكنه قال أيضا إن الانتقال الطاقي يحتاج إلى طمأنة المستثمرين وقرار سياسي واضح في هذا الملف.

سبق لتونس أن أقرت سلسلة زيادات/تعديلات في أسعار المحروقات، آخرها كان في 17 سبتمبر/أيلول 2022. وأكد المختص في الاقتصاد عز الدين سعيدان أنه "من المنتظر أن تكون هناك تعديلات أخرى قبل نهاية السنة".

وشدد سعيدان في 18 سبتمبر 2022 أن "الاقتصاد التونسي معرض لكل الهزات دون أن تكون لدينا إستراتيجية إصلاح أو برنامج إنقاذ واضح"، وفق "ألترا تونس".

وأرجع ذلك إلى أن "ميزانية الدولة بنيت على أساس 75 دولارا كسعر لبرميل النفط، دون اتخاذ أي إجراءات لتغطية مخاطر الميزانية من أي ارتفاع للأسعار".

وحول الترفيع الأخير للمحروقات في تونس، أوضح المختص في الاقتصاد أنه "لم يجر العمل بآلية الترفيع الآلي للمحروقات كل شهر حسب سعر برميل النفط في السوق العالمية، لأسباب واضح أنها سياسية" وفق قوله.

وأشار عز الدين سعيدان إلى أن هذه الزيادة جاءت بعد عدم إمكانية تأخير هذا التعديل الذي كان بنسبة 3 بالمئة، لافتا إلى أن التعديل قبل الأخير كان بنسبة 5 بالمئة.

وقال: "واضح أن النسبة والتوقيت فيهما جانب سياسي واضح ومسيطر". ونبه الخبير الاقتصادي إلى أن هذه الزيادة في أسعار المحروقات ستؤدي إلى "المزيد من التضخم المالي بلا شك".

تدخل حكومي

والأهم من هذا أن المحروقات تدخل في سعر كلفة جميع المنتجات والخدمات، "ما سيتسبب أيضا في ارتفاع كلفة الإنتاج لكل المؤسسات الاقتصادية في تونس التي ستضطر إلى رفع أسعارها من جديد بما يغذي التضخم المالي".

وأشارت الحكومة في البلاغ الذي أعلنت فيه الزيادة في أسعار المحروقات أن تعديل السعر يرجع إلى "تواصل ارتفاع ثمن المحروقات في السوق العالمية نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية".

وبينت أن "ما تشهده أسواق الطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة المواد البترولية، وسعي لتغطية مختلف حاجيات السوق المحلية من هذه المواد بصفة منتظمة".

وفي 13 أكتوبر، أفادت فاختة المحواشي، الرئيسة المديرة العامة للشركة التونسية لصناعات التكرير "ستير"، بأنه جرى تزويد مستودعات رادس شرقي العاصمة تونس بحوالي 16 ألف متر مكعب من البنزين. 

وأكدت المحواشي أن هذه الكميات كافية لتلبية الاستهلاك العادي لمدة 15 يوما، مشيرة إلى أن الاستهلاك الحالي غير عادي منذ أسبوع تقريبا، وستلبي الكميات الحالية استهلاك 10 إلى 15 يوما، وفق قولها.

وأوضحت أن نسق الاستهلاك شهد ارتفاعا منذ 6 أكتوبر 2022، وجرى التعامل مع ذلك وضمان التزويد اعتمادا على إنتاج المصفاة في بنزرت شمالي البلاد.

وأفادت بأن الحاجيات اليومية لا تتجاوز 2100 متر مكعب في كامل البلاد التونسية، وبأن شركات التوزيع تبذل قصارى جهدها لتلبية الطلب المتزايد، مؤكدة أن مرحلة حدة الطلب المتزايد على الاستهلاك جرى تجاوزها وأنه لا داعي للتخوف.

وأقرت الرئيسة المديرة العامة للشركة التونسية لصناعات التكرير "ستير" بوجود بعض الصعوبات، مشيرة إلى أن الفرضية التي انبنت عليها ميزانية الدولة هي 75 دولارا للبرميل.

لكن الأسعار وصلت حاليا إلى معدل 105 دولارات، وهو ما يحيل إلى فارق كبير في الميزانية بسبب ارتفاع الأسعار العالمية.

وأكدت أن علاقة تونس بمزوديها ما زالت متواصلة رغم الصعوبات، وأن البلاد تتمتع بسمعة جيدة في السوق العالمية وتحافظ على علاقة الثقة مع مزوديها.

هذه المساعي التي تركز عليها السلطات التونسية تجاه المؤسسات الدولية، أكد عليها المحلل السياسي نصر الدين السويلمي.

وشدد السويلمي أن اتفاق الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي يمكن أن يخلق حركية في الاقتصاد، لكنها ستكون جزئية ونسبية ومؤقتة.

وأوضح أن الرهان على التمويل الخارجي سيكون عبارة عن مسكنات للأزمة، وليس بالحل الفعال أو الواقعي، ذلك أنه سيعالج أزمة النقص والتمويل بشكل مؤقت فقط.

وذكر المتحدث ذاته أن السلطات التونسية، ومنذ شهر أغسطس 2021، تحشد قواها واتصالاتها لأجل الحصول على قرض من الصندوق الدولي قيمته 4 مليارات دولار.

غير أن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه يتضمن 1.9 مليار دولار على أربع سنوات. ونبه السويلمي إلى أن الرهان على هذا الاتفاق، بغية دفع الشركات المالية الأخرى إلى الاستثمار في تونس والمساهمة في التمويل، غير فعال.

وأرجع ذلك إلى أنه في العمق حل "ترقيعي" ولا يفي بالمطلوب حقا، أي إصلاحات اقتصادية جذرية، ورؤية تنموية واضحة، وبناء مؤسسات ديمقراطية قوية وفعالة.