تطبيع تونس تحت مظلة "الحج اليهودي".. أين ذهبت وعود قيس سعيد؟

تونس- الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد توقفه لسنتين بسبب جائحة كورونا، عاد كنيس الغريبة اليهودي في جزيرة جربة جنوبي تونس، منذ بداية مايو/أيار 2022، لاستقبال الآلاف من الحجاج اليهود القادمين من مختلف دول العالم ومن بينها الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومع عودة الحج اليهودي، يتجدد الحديث عن ملف التطبيع في تونس الذي ظل لسنوات منذ الثورة محل تجاذب بين مختلف القوى السياسية حول الشكل القانوني لتجريمه.

إلا أن موسم هذا العام شهد تصاعدا في نسق التطبيع بحسب ما سجلته منظمات متخصصة في دعم القضية الفلسطينية، حيث تحدثت عن مشاركة وكالات أسفار تونسية وإسرائيلية في تنظيم الرحلات.

تطبيع علني 

وتصدت قوات الأمن لوقفة احتجاجية نظمتها الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الاحتلال، في 14 مايو 2022، بالطريق المؤدي لقصر الرئاسة بقرطاج للمطالبة بسن قانون لتجريمه، وأوقفت عددا من الناشطين.

تداول التونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي صور لافتات إشهارية باللغة العبرية لوكالات أسفار إسرائيلية تروج لرحلات سياحية إلى تونس بالتزامن مع زيارة معبد الغريبة في جزيرة جربة وسط العاصمة.

ومنذ سنوات تسجل تونس حضور سياح حاملين لجنسية الاحتلال، بعضهم من أصول تونسية وآخرون يحملون جنسيات دول غربية.

فيما يتهم ناشطون السلطات بالسماح لآخرين بالدخول إلى التراب التونسي بجواز سفرهم الإسرائيلي.

في العام 2019 أثار غضب التونسيين مقطع مصور لمجموعة من السياح اليهود أثناء توجههم إلى جزيرة جربة تدعو بالنجاح والنصر لجيش الاحتلال الإسرائيلي وحكومته.

وأفادت الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان بأن "وكالات أسفار بادرت بتنظيم سفرات بين تونس والأراضي المحتلة، بالشراكة مع شركة الخطوط الجوية التونسية التابعة للدولة، وبدأت تزامنا مع ذكرى نكبة فلسطين في 15 مايو".

وذكرت خلال بيان نشرته في 12 أبريل/نيسان 2022، بأنه سبق لها التنديد والاحتجاج على هذه السفرات التطبيعية، "التي توقفت مؤقتا بسبب تعطل حركة الطيران مع جائحة كورونا".

وهذا كان يشمل ما تعلق منها بالتطبيع المباشر المكشوف (استقدام من يحملون الجنسية الإسرائيلية وزيارة المناطق المحتلة سنة 1948) أو التطبيع المقنع (زيارة الأراضي المحتلة سنة 1967 الخاضعة شكليا لسيطرة السلطة الفلسطينية) في الوقت الذي يحرم فيه من ذلك أصحاب الحق أنفسهم، وفق البيان.

وفي نفس السياق، أعلنت شركة "رويال فيرست ترافل"، المملوكة لوزير السياحة التونسي الأسبق روني طرابلسي (يهودي الديانة)، عن تنظيمها خلال مايو 2022 سفرات إلى تونس لسياح قادمين من فلسطين المحتلة (تنطلق من مطار بن غوريون بتل أبيب) تحت غطاء "حج الغريبة" في جربة.

وهي سفرات بدأت تزامنا مع ذكرى نكبة فلسطين يوم 15 مايو 2022، بالشراكة مع شركة الخطوط الجوية التونسية المملوكة للدولة.

كما تداول ناشطون تونسيون مقطع فيديو قالوا إنه لسياح إسرائيليين في مطار قرطاج يوم 14 مايو 2022.

ونشر الباحث والناشط السياسي جمال الدين الهاني فيديو لمسافرين، وعلق بالقول "شاهدت اليوم كمئات التونسيين في مطار تونس قرطاج مجموعة سياح تحاول التسويق الحذر والذكي لمشهد يختلط فيه العار بالألم".

وأضاف الناشط السياسي التونسي على حسابه على موقع فيسبوك "جمع دليل سياحي إسرائيلي الجوازات الإسرائيلية أمام الملأ ثم تحول إلى إدارة الحدود بمعية مترجم تونسي مما يعني غياب يهود تونسيين وذلك من أجل الحصول على تأشيرة عبور".

وأردف أن “الجميع رأى الجوازات الإسرائيلية وهذا كان الهدف التطبيعي المتدرج. الجميع شاهد أمنيين سريين يحيطون المجموعة برعاية حذرة، كل ذلك بعد يومين من دموع التماسيح والقوميين العرب على روح الشهيدة شيرين أبو عاقلة“.

صمت وانتقادات 

وعد رئيس جمعية فداء لنصرة القضية الفلسطينية محمد وليد الجوادي أن المشكلة ليست في حج الغريبة من حيث إنه قدوم لليهود للعبادة هنا في تونس، ولكن نحن نطرح تساؤلات عما يقع خلال هذه الزيارة مثلما شاهدنا حجاجا يهودا يدعون لجيش الاحتلال بالخير".

وأضاف الجوادي في حديث لـ"الاستقلال": "ما جرى رصده أن وكالة أسفار إسرائيلية مقرها تل أبيب تنشر عرضا لجولة سياحية في تونس، إن لم يكن هذا تطبيعا فما هو؟".

وذكر بأن قانون تجريم التطبيع قد جرى التصويت عليه بأغلبية أعضاء مكتب مجلس نواب الشعب في مايو 2021 ولم يبق له سوى تمريره على الجلسة العامة للبرلمان.

 إلا أن إجراءات الرئيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021 التي جمدت عمل البرلمان قطعت ذلك. لذلك فإن السياسيين التونسيين قادرون على تمرير هذا القانون، وفق قوله.

وعد رئيس جمعية فداء أن الموقف الرسمي التونسي كغيره من المواقف الرسمية العربية لا يتجاوز بيانات التعاطف والتنديد والاستنكار، "لذلك نحن نعول على المواقف الشعبية".

وأوضح أنه "في تونس منذ العام 2011 بعد أن رفع التونسيون شعار،  الشعب يريد إسقاط النظام، طالبوا بتحرير فلسطين وتجريم التطبيع".

وأضاف الجوادي "كنا ننتظر  بعد 25 يوليو/تموز 2021 صدور مرسوم يجرم التطبيع استجابة للوعود التي أطلقها قيس سعيد في حملته الانتخابية حين عده خيانة عظمى". 

ما حصل خلال موسم حج الغريبة لهذا العام، عد خيبة أمل لدى الكثيرين ممن كانوا يثقون في وعود قيس سعيد، خاصة وأن الموسم الحالي هو الأول كون السياحة تعطلت خلال عامي 2020 و 2021 بسبب جائحة كورونا.

وعدت الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني أن "ما يزيد من فداحة هذه الجرائم هو حصولها بعد 25 يوليو، أي بعد تمكن الرئيس قيس سعيد من كل السلطات"، وهو الذي بنى جزءا مهما من شعبيته في الانتخابات الماضية على وصفه "التطبيع خيانة عظمى".

ودعت الحملة مجددا سعيد إلى أن يكون وفيا لمواقفه المعلنة حيال التطبيع، وإلى ترجمتها من خلال قرارات ملموسة. وهو ما يعني عمليا إصدار نص قانوني يجرم كافة أشكاله مع الصهيونية وكيانها المحتل.

في المقابل، منعت قوات الأمن في 14 مايو 2022، وقفة احتجاجية أمام قصر قرطاج للمطالبة بتجريم التطبيع.

كما أوقفت مجموعة من الشباب المنتمين لـ"تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين" بمحطة القطار الموصل لضاحية قرطاج بالعاصمة تونس من بينهم وائل نوار وغسان خليفة ومنعتهم من المشاركة في وقفة احتجاجية تطالب بتجريم التطبيع. 

وأعرب حراك “مواطنون ضد الانقلاب” خلال بيان صادر عنه في  14 مايو 2022 عن تضامنه الكامل مع الشبان الموقوفين، مشددا على أن شعار تجريم التطبيع الذي رفعه قيس سعيد ومن سانده لم يكن إلا شعارا للمزايدة والمخاتلة السياسية.

وأضاف أن ذلك تأكد بعد مرور 9 أشهر “من تجريف كل مقومات المواطنة أساس المقاومة وشرط التحرير”.

وبدوره، قال حزب التيار الشعبي (قومي عربي) إن "زيارة الغريبة تحولت إلى مناسبة سنوية لتعميق التطبيع مع كيان العدو وإلى فرصة لتدخل أخطر عناصره الإرهابية لبلادنا وهو ما حصل في زيارة هذا العام أيضا".

هذا إضافة إلى وجود عناصر تونسية من غير أبناء الديانة اليهودية من المتعاونين مع كيان العدو الصهيوني في تمرير أخطر مشاريعه حاليا وهو ما يسمى بمشروع "الإبراهمية" على غرار المدعو حسن الشلغومي وغيره.

وأكد التيار الشعبي خلال بيان أصدره في 20 مايو 2022، تمسكه بقانون يجرم التطبيع، وشدد على "ضرورة محاسبة كل من تساهل في دخول عناصر من الكيان الصهيوني إلى بلادنا تحت شعارات زائفة".

وبين أنه لا علاقة لهذه العناصر بحرية المعتقد وإنما هم مجموعات من المجرمين مفروض أن تجري ملاحقتهم أمام المحاكم الدولية لا استقبالهم  كضيوف. 

وسبق أن نظم حزب العمال (يساري) وقفة مساندة نصرة للشعب الفلسطيني للمطالبة بسن قانون يجرم التطبيع، بشارع الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة.

وجاءت الوقفة في في 23 أبريل، تحت شعار "تجريم التطبيع واجب لدعم المقاومة الفلسطينية".