خوفا من "خطتها السرية".. لماذا تفضل أميركا وأوروبا خسارة لوبان؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت التحذيرات من مخاطر فوز مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان بانتخابات الرئاسة الفرنسية على مستقبل التحالف الغربي في مواجهة روسيا.

وأجريت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا التي يحكمها نظام شبه رئاسي، في 10 أبريل/نيسان 2022، تنافس فيها 12 مرشحا.

ولم يحصل أحد من المرشحين على النصاب القانوني اللازم من أجل الفوز برئاسة البلاد، والمحدد بـ 50 بالمئة.

وأظهرت الأرقام التي أعلنتها وزارة الداخلية الفرنسية في 11 أبريل، أن ماكرون جاء على رأس قائمة المرشحين الـ12 بحصوله على 27.84 بالمئة من الأصوات، وجاءت لوبان في المركز الثاني بنسبة 23.15 بالمئة.

وحل المرشح اليساري جان لوك ميلينشون في المركز الثالث، وخسر بصعوبة الجولة الثانية، إذ حصل على 21.95 بالمئة من الأصوات، حسب أرقام وزارة الداخلية.

وسيحسم الناخبون الفرنسيون السباق بين ماكرون ولوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المقررة في 24 أبريل.

انفراط العقد؟

تواجه لوبان اتهامات بالتقارب المفرط مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأعلنت أنه من الممكن أن تصبح روسيا مرة أخرى شريكا للغرب، بمجرد انتهاء الحرب في أوكرانيا.

وتخشى الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي أن يؤدي فوزها إلى إضعاف التحالف الغربي ضد روسيا، وتتردد تكهنات عن تدخل واشنطن لتشجيع القوى السياسية الفرنسية المختلفة على التصويت لمنافسها الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون.

وكشفت لوبان في 12 أبريل أنها إذا فازت بالرئاسة في الجولة الثانية في 24 من ذات الشهر، فلن تمنع إجراء استفتاء على غرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 

وبشأن ما إذا كان يتعين على فرنسا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، قالت لمجلة "تايم" الأميركية: "يمكن للفرنسيين إعادة تقييم وجودهم في أي منظمة دولية يختارونها".

وهو قرار، لو حدث، من شأنه أن يعيد تشكيل أوروبا بشكل جذري، مع تداعيات دراماتيكية في جميع أنحاء العالم.

وتسعى لوبان أيضا إلى جعل فرنسا تنسحب من قيادة منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ما قد يشكل ضربة قوية له خاصة أمام روسيا التي تسعى لاستعادة مجد الاتحاد السوفيتي وضم جمهورياته السابقة بالقوة لها. 

وفي عام 2017، أعربت لوبان عن دعمها غزو بوتين لشبه جزيرة القرم ومعارضتها لعقوبات الاتحاد الأوروبي ردا على الضم وتعهدت حينئذ بأنها إذا فازت فسترفع العقوبات عن روسيا.

وتشير صحيفة "بولتيكو" الأميركية إلى أن "سيرة لوبان الذاتية تقلق البيت الأبيض بشدة لأنها أحد المعجبين بالرئيس بوتين"، وأن الجانب الأميركي يعتبر وصولها إلى السلطة في الواقع أكبر انتصار سياسي لروسيا بعد غزوها أوكرانيا.

وذكرت في 8 أبريل أنه "على الرغم من أنها نأت بنفسها إلى حد ما عن الرئيس الروسي منذ غزو أوكرانيا، فقد تحدثت بتعاطف عن منطق بوتين للحرب ورفضت العقوبات الغربية المتشددة ضد روسيا".

ونقلت صحيفة "بوليتيكو" عن ثلاثة من كبار المسؤولين بإدارة الرئيس جو بايدن أن فوز لوبان قد يؤدي إلى زعزعة استقرار التحالف الغربي ضد موسكو، ويحتمل أن يضعف مواقف الدول الأوروبية داخل الناتو.

وأوضحت أن كبار المسؤولين الأميركيين يراقبون بحذر "أي مؤشرات على تدخل روسي محتمل في الانتخابات" بعدما أقلقهم تقدم لوبان في المرحلة الأولى.

ونقلت عن مسؤولي البيت الأبيض، تأكيدهم أن "السيناريو الأسوأ" سيكون فوز لوبان وانسحاب فرنسا من التحالف الذي يقف حاليا إلى جانب كييف ضد موسكو. 

أوضحت أن بعض مساعدي بايدن يرون أنه حتى لو تمكن ماكرون من الفوز مجددا سيظل لـ "لوبان" تأثير مخيف على القادة الأوروبيين الذين قد يقلقون بشأن مستقبلهم السياسي النهائي ضد الشعبويين على غرار مارين. 

واعتبرت الصحيفة الأميركية أن انتصار لوبان، الذي لم يكن من الممكن تصوره في يوم من الأيام، سيعرض الاتحاد الأوروبي لأكبر أزمة له منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويجعله يعاني سكرات الموت، ويهز بشدة التحالف الموالي لأوكرانيا.

"انتخابها سيكون كارثة لأوروبا وتحالف الأطلسي لأنها تعارض العقوبات على روسيا وتسليح أوكرانيا"، بحسب ما قال بنجامين حداد، مدير مركز أوروبا في المجلس الأطلسي، لـ "بوليتيكو".

وأضاف: "إذا هُزم ماكرون أمام لوبان هذه المرة، فقد يحدث صدع كبير في الجدار عبر المحيط الأطلسي الذي بناه بايدن ونظراؤه الأوروبيون، بعد أربع سنوات مضطربة خلال حكم (الرئيس الأميركي السابق) دونالد ترامب أثرت على تحالفات واشنطن التقليدية".

ووصف وزير المالية الفرنسي، برونو لو مير، لإذاعة "آر تي إل"، قبل الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية، لوبان بأنها "حليفة لفلاديمير بوتين"، حسب ما نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 13 أبريل.

كما وصفها "جدعون راشمان" المعلق الرئيس للشؤون الخارجية في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية بأنها "مثل بوتين ودونالد ترامب، تدعي أنها تمثل الشعب ضد النخبة والأمة ضد العولمة".

أوضح في 12 أبريل أن شعار حملة لوبان الانتخابية المتمثل بـ"دعم الفرنسيين بلدهم" مشابه لشعار ترامب "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وشعار بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي وهو "استعادة السيطرة".

ويقول الخبير في القانون الدستوري، دومينيك روسو، لصحيفة الغارديان البريطانية في 18 أبريل إن برنامج لوبان "سيشكل قطيعة جذرية مع هوية فرنسا"، ويضعها على نفس مسار المجر وبولندا التي تسيطر عليها الأحزاب اليمينية.

وحذر رئيس الوزراء الإيطالي السابق أنريكو ليتا من فوزها قائلا: "في حال فازت مارين لوبان، فعلى فلاديمير بوتين أن يجمد دباباته، لأنه يكون قد انتصر باقتحامه قلب أوروبا". 

إفشال لوبان

كان ملفتا عقب فوز لوبان في المرحلة الأولى، بدء حملات هجومية شرسة ضدها. 

وقد شهدت أكثر من 50 مدينة فرنسية، بينها العاصمة باريس، في 16 أبريل مظاهرات مناهضة لـ "لوبان"، واليمين المتطرف، شارك فيها 22 ألف شخص حسب بيانات نشرتها وزارة الداخلية الفرنسية.

بالتزامن مع الهجوم الغربي عليها، اتُّهمت المرشحة اليمينية المتطرفة مع شخصيات قريبة منها، باختلاس نحو 600 ألف يورو من الأموال العامة الأوروبية خلال فترة ولايتهم في البرلمان الأوروبي.

موقع "ميدا بارت" الإعلامي الفرنسي، كشف في 6 أبريل أن هذا الاتهام صدر عن "المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال"، وأرسِل إلى القضاء الفرنسي.

وفي إشارة إلى أن إعلان تقرير "ميديا بارت" الآن له أهداف سياسية لإسقاط لوبان، قال محاميها رودولف بوسلو إنه مندهش من التوقيت الذي كشف فيه هذا التقرير ومِن استغلاله.

وأكد أنه مستاء من الطريقة التي يتصرف بها المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، مشددا على أن "جزءا من التقرير يتعلق بوقائع قديمة تعود إلى أكثر من عشر سنوات".

ووصفت "لوبان" التقرير بأنه "لعب شرير من قبل الاتحاد الأوروبي قبل أيام قليلة من الجولة الثانية للانتخابات"، في إشارة لتعمد الاتحاد الأوروبي تسريب التقرير لإسقاطها.

مع هذا، أعلن ممثلو الادعاء في باريس أنهم يدرسون هذا التقرير الصادر عن وكالة الاحتيال في الاتحاد الأوروبي والذي يتهمها وحزبها بإساءة استخدام الأموال العامة، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية في 19 أبريل.

واتهم ماكرون منافسته "لوبان" في 13 أبريل بأن لديها "خطة سرية لإخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي لكنها لا تجرؤ على الإفصاح عنها للناخبين"، رغم وجود بند على أجندة حزبها بعدم مغادرة فرنسا للاتحاد.

وقال إنها ستسير في الطريق نفسه الذي سلكه رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، والذي انتهى بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وتسعى لفصل فرنسا أيضا، بحسب ما نشرت صحيفة التايمز البريطانية في 14 أبريل.

وحذر من أنها تسعى إلى مخطط يسمي "فريكسيت" على غرار "بريكسيت" والأخير انفصلت بموجبه بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي.

وأشار ماكرون إلى قول لوبان إنها تريد الامتناع عن دفع رسوم الاتحاد الأوروبي، وتغيير بعض جوانب العلاقة الفرنسية معه، واتهمها بالسعي لتدشين حلف مع الحكومات الأوروبية اليمينية القومية، مثل بولندا وهنغاريا.

وقد أكد اتهامات ماكرون هذه، عضو من حزب لوبان في تصريحات لمجلة "تايم"، مؤكدا أن "إستراتيجيتها حين تتولى الرئاسة ستكون إضعاف الاتحاد الأوروبي، من خلال التحالف مع القادة القوميين الآخرين".

قال هذا العضو الذي لم يكشف عن اسمه في 12 أبريل إن لوبان تتفق في الرأي مع زعماء أوروبيين يمينيين آخرين للعمل على تغيير الاتحاد الأوروبي من الداخل، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

ويشرح "مجتبى رحمن" رئيس مجموعة أوراسيا للاستشارات في أوروبا سياسة لوبان في الاتحاد الأوروبي قائلا إنها "البقاء في الحافلة ولكن تغيير وجهتها لمنحدر، بهدف تدمير الاتحاد الأوروبي من الداخل"، وفق الغارديان.

وذكرت وكالة رويترز البريطانية في 12 أبريل أن لوبان أعربت عن اهتمامها أيضا بإزالة فرنسا، ثالث أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، من القيادة المتكاملة للحلف إذا جرى انتخابها رئيسة.

وفقا لآخر استطلاع للرأي أصدرته وكالة الرصد "إبسوس" IPSOS France، في 16 أبريل، من المتوقع أن يفوز ماكرون في الانتخابات على لوبان 55.5 بالمائة مقابل 44.5 بالمائة خلال جولة الإعادة.

لكن، تحسبا لفوز لوبان المحتمل، يسعى مرشح اليسار ميلونشون لإحياء آمال وصول اليسار إلى الحكم، من باب الانتخابات التشريعية المقبلة في 12 و19 يونيو/حزيران 2022. 

ويريد الأخير أن يعوض اليسار والتيار الاشتراكي وغيرها من القوى المعادية لليمين المتطرف خسارتهم في انتخابات الرئاسة بالاستعداد والتكتل لتشكيل أغلبية في البرلمان الفرنسي تقيد أي قرارات عشوائية لـ "لوبان" ضد مصلحة فرنسا. 

ويعول ميلونشون على رأب تفكك اليسار الفرنسي في انتخابات الرئاسة، والتحالف مع أحزاب الخضر والشيوعي والاشتراكي و"النضال العمالي" للوقوف ضد عنصرية لوبان وسياستها.

وبحسب الدستور الفرنسي، إذا نجحت هذه الأحزاب في تشكيل حكومة "تعايش"، ستكون قادرة على كبح سياسات الرئيس المفتقر للأغلبية البرلمانية حينها، وتنفذ سياساتها بقوة المؤسسة التشريعية.

ويحدد المشرع الفرنسي "حالة التعايش السياسي" في أن تكون الحكومة ورئيس الجمهورية من حزبين أو تحالفين متعارضين، وفي هذه الحالة تتضاعف قوة البرلمان في تقرير السياسات العامة، مقابل إضعاف الرئيس وعرقلة سياسته.