ليس لزيادة الاعتقالات فقط.. لماذا يبني السيسي سجونا رغم حاجة مصر لمدارس؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فيما كانت وزارة داخلية النظام المصري تنفذ حملات دعاية لافتتاح مجمع سجون بنته في 10 أشهر فقط، من بين 7 أو 8 مجمعات جديدة يجري بناؤها بتكاليف باهظة غير معلنة، كانت وزارة التعليم تتسول أموالا من "المالية" لتعيين مدرسين بهدف "سد العجز".

"المالية" وفرت المليارات لبناء السجون وأبراج صحراء العاصمة الإدارية وقصور رئاسية لرئيس النظام عبدالفتاح السيسي، لكنها رفضت توفير أموال لسد عجز المعلمين في المدارس وطالبت الوزارة المعنية بالاستعانة بـ"مدرسين متطوعين" بالمجان.

كارثة كبيرة

وزير التعليم ونائبه كشفا عن كارثة كبيرة في التعليم، أقلها أنه لا توجد ميزانية لتعيين مدرسين، بينما هناك عجز في المدرسين يبلغ أكثر من 300 ألف معلم، يحتاجون 9 مليارات جنيه (نحو 5 مليون دولار)، بجانب العجز عن بناء مدارس جديدة.

وقال وزير التعليم طارق شوقي، إنه لا يستطيع تعيين مدرسين جدد لأنه "لا توجد ميزانية والحكومة أغلقت باب التعيين".

وأوضح لصحيفة "أخبار اليوم" في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن كل ما سمحت به وزارة المالية هو تشغيل مدرسين بالحصة بـ20 جنيه (1.3 دولار) أي حوالي 2000 جنيه (128 دولارا) في الشهر.

وقال إن وزارته تحاول إيجاد حلول أخرى، بدون موازنة، مثل فتح باب التطوع لمن يريد التدريس للطلاب مجانا، أو الاستعانة بمدرسين محالين للمعاش أو التكليف الإجباري للخريجين بالمجان.

وبينما كانت الداخلية وإعلام السلطة يقيمون الاحتفالات، وينشرون دعاية غريبة للسجن الجديد، كأنه أحدث منتجع أو فندق للنزلاء، وتدشن أغاني وفيلما بعنوان "الحق في الحياة".

كانت المدارس تلغي الحصص لعدم توفر المدرسين والعجز الشديد بهم، وتقوم بتدوير المدرسة الواحدة كي تعمل 3 فترات يوميا منذ الصباح حتى المغرب تقريبا، بسبب العجز في المدارس والتغلب على تكدس الطلاب.

سجون استثمارية

لم يفهم المصريون سر لجوء السلطة لبناء مجمعات سجون جديدة وادعاء رأس السلطة أنها على الطراز الأميركي للعمل على راحة المساجين، لأن نفس السجون بها 65 معتقلا ويموت فيها سنويا ما لا يقل عن 70 شخصا جراء الإهمال الطبي.

واعتبروا هذا تناقضا وتحدثوا عبر مواقع التواصل عن أن بناء السجون الجديدة لا بد وأن وراءه أهداف أخرى بخلاف الدعاية وبروباغندا غسيل السمعة أمام الغرب، للظهور كمن يقوم بتحسين أحوال السجون.

ودشنوا حملات إلكترونية للسخرية من هذه الزفة الإعلامية والإعلانات التي ملأت الصحف والفضائيات حول السجن الجديد كأنه "بلازا" أو "منتجع" جديد يجب على المصريين أن يهرعوا للسكن فيه.

والحقيقة كما كشفها اثنان ممن شاركوا في الجولة التفقدية بأول مجمع سجون في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021 ضمن ممثلي بعثات دبلوماسية وحقوقيين وبرلمانيين ومراسلين أجانب"، تتلخص في "البيزنس".

وأكدا لـ"الاستقلال" أن السلطة تسعى للاستفادة اقتصاديا من السجون الجديدة، عبر تحويلها إلى سجون استثمارية تدر دخلا، وفي الوقت ذاته بيع سجون قديمة سيتم غلقها، لأنها تقع في أماكن حيوية وأراضيها تدر مليارات الدولارات.

أكاديمي مصري مطلع على خطط وزارة الداخلية قال إن "النظام ينفق على السجون لا التعليم ولا الصحة، لأسباب أمنية واقتصادية معا".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "نظام السيسي ينتهج أسلوب الجباية من الشعب لتوفير الأموال لمشاريعه في العاصمة الإدارية، وتحويل أي مشروع لاستثمار، بما فيه الكباري (الجسور)، لذا لجأ لفكرة الاستثمار أيضا في السجون والمساجين".

وشرح ذلك بقوله إن "مشاريع وبيزنس الجيش قائمة على السخرة لجنود الجيش والإعفاء من الضرائب والجمارك والرسوم، لذا تحقق أرباحا ضخمة لكنها تذهب للجنرالات".

ولجأ السيسي لـ"بيزنس المعتقلين" عبر استثمار المساجين في مشاريع تدر ربحا للنظام، وهذا ما لاحظه الأكاديمي من تفاصيل مجمع السجون الجديد، حيث المشاريع الاستثمارية داخله أكبر من السجن.

وللتهرب من الكشف عن تكاليف بناء المجمع الباهظ في 10 شهور فقط، قالت وزارة الداخلية في بيان إنه سيتم عقب تشغيله إغلاق 12 سجنا تمثل 25 بالمئة من إجمالي عدد السجون العمومية في مصر، ما يعني التوفير في الميزانية.

واعترفت أن الهدف هو تحويل السجون الجديدة لمشاريع استثمارية يجري فيها تشغيل المساجين، وأن "القيمة الاستثمارية لمواقع السجون العمومية المقرر إغلاقها تفوق تكلفة إنشاء تلك المراكز".

وأظهرت الفيديوهات التي روجتها الداخلية لمجمع السجون، مناطق الزراعات المفتوحة والصوب الزراعية والثروة الحيوانية والداجنة والمصانع والورش الإنتاجية ومنافذ بيع المنتجات على أسوار السجون.

ويضم مجمع سجون وادي النطرون الواقع على الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية، على مساحة 475 فدانا، و175 فدانا للزراعات والصوب، و12 فدانا للإنتاج الداجني، ومثلها للإنتاج الحيواني، وإنتاج أخشاب وصناعات أخرى.

كما يوجد به منافذ لبيع منتجات المركز ومصنع للأثاث الخشبي وورش فنية مختلفة.

موقع "BBC" البريطاني قال في 29 أكتوبر/ تشرين أول 2021 إن "هناك خشية من أن تكون الغاية من افتتاح مجمع السجون الجديد هو إبعاد المعتقلين عن رقابة المنظمات الحقوقية وعزلهم عن أهاليهم، نظرا لوجوده في منطقة صحراوية بعيدة عن المناطق السكانية".

مسجونون سابقون سخروا من الدعاية للسجن الجديد وما به من مزايا وقدموا روايتهم لما شاهدوه من أهوال في سجون مصر.

تساوي المليارات

الحديث عن تحويل السجون الجديدة إلى "استثمارية" للانتفاع منها، يرتبط أيضا بتفكير السلطة في بيع أراضي السجون القديمة التي سيتم إغلاقها بعد افتتاح المجمعات الجديدة للسجون، بمليارات الدولارات.

الأمر ليس مرتبطا بنوايا غلق سجون قديمة لعدم إنسانيتها بقدر ما هي خطة لنقل مسجونيها إلى الصحراء في مجمعات سجون جديدة، والاستفادة من القديمة، لبناء منتجعات سكنية مرتفعة الثمن لصالح الشرطة المصرية.

ومنذ سنوات يدور الحديث عن بيع أراضي سجون تاريخية مثل "ليمان طره" الذي يقع على النيل، وقريب من منطقة المعادي الراقية، وغيره، بمبالغ خيالية لشركات استثمارية لبناء مساكن فاخرة.

رئيس تحرير "الشروق"، عماد الدين حسين، الذي زار مجمع السجون الجديد مع كل رؤساء التحرير وكبار المذيعين للدعاية له، أكد نية السلطة بيع السجون القديمة لارتفاع أسعار أراضيها في مقاله 29 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وأوضح أن "أراضي السجون القديمة سيتم الاستفادة منها اقتصاديا، لتمويل إنشاء السجون أو المراكز الجديدة، وبالتالي لن تتحمل الموازنة أي أعباء".

وأشار إلى أن "غالبية أراضي السجون القديمة يمكن تسويقها في أكثر من نشاط خصوصا العقارات بصورة كبيرة لأنها تقع في مناطق حيوية وسط المدن، مثل سجون طرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة وشبين الكوم ودمنهور والمنيا".

وسبق أن كتب الشاعر فاروق جويدة مشيرا إلى أن "قيمة أراضي هذه السجون تقدر بالمليارات حيث تقع في المناطق السكنية وستتحول إلى مبان وعقارات وربما تكون سببا في أزمات أخرى في التكدس والزحام والمرور والمرافق".

وكشف عبر جريدة "الأهرام" الحكومية في 11 ديسمبر/كانون الأول 2013 أن "الحكومة تسعى لتوفير بعض الموارد المالية من بيع السجون القديمة، وسجن واحد، هو طره على مساحة 50 فدانا، على نيل المعادي، يمكن أن يباع بمئات الملايين".

وخلال جولة الإعلاميين والمنظمات والدبلوماسيين داخل المجمع الجديد، أبلغهم مساعد الوزير لشؤون قطاع السجون، اللواء طارق مرزوق، أن المجمع الجديد به "ستة مراكز فرعية للاحتجاز"، أي ستة سجون في سجن واحد.

وأوضح أنه بذلك "سيستوعب المسجونين الموجودين في 25 بالمئة من كل سجون مصر، ومع تشغيل هذا المركز فعليا سيتم إغلاق هذه السجون الـ 12".

منظمة "نحن نسجل" الحقوقية قالت في تقرير 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 عن مجمع سجون وادي النطرون المطور أن "طاقته الاستيعابية تعتبر الأكبر في تاريخ السجون في مصر".

وتابع: "تم تصميم السجون بداخله بشكل يشابه التصميم الخارجي لسجن العقرب"، أي أنه أكثر وحشية من السجون العادية التي سيتم غلقها.

عجز المدرسين

خلال زيارته إلى فرنسا في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وفي مؤتمر صحفي مع الرئيس إيمانويل ماكرون، اعترف السيسي: "معندناش تعليم جيد، معندناش صحة جيدة، معندناش إسكان جيد"، لتبرير تهربه من حقوق الإنسان.

ويصوت البرلمان المصري على أي مبالغ تطالب بها وزارة الداخلية، بينما "تجاهلت الحكومة للعام السادس على التوالي التزامها بالحد اﻷدنى الدستوري للإنفاق على التعليم"، بحسب "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في 24 يونيو/حزيران 2021.

ولم ترق نسبة الإنفاق على التعليم إلى نصف المعدل المقرر في الدستور كحد أدنى، حيث بلغت نحو 2.42 بالمئة من الناتج المحلي، بحسب أرقام العام المالي 2021-2022.

وذلك في مقابل النسبة المقررة دستوريا وهي 6 بالمئة كحد أدنى، يشمل 4 بالمئة للتعليم قبل الجامعي و2 بالمئة للتعليم الجامعي.

وفي تبريره عدم وجود ميزانية لسد عجز المدرسين، قال وزير التعليم، في حواره السابق مع أخبار اليوم: "كل 30 ألف معلم يكلفون الدولة مليارا بالحد الأدنى للأجور أي 9 مليارات جنيه لسد العجز.

وتابع: "ما نقدرش نطلب من المالية المبلغ ده"، مع أن بناء سجن واحد يكلف أضعاف أضعاف هذا المبلغ.

الوزير ونائبه أظهرا عدم معرفتهم حتى بحجم العجز في المدرسين بدقة، وكلاهما قال تصريحات متضاربة.

شوقي قال إن الوزارة لديها عجز في المدرسين يبلغ 260 ألف معلم، بينما نائبه، رضا حجازي، قال إن العدد الحالي لعجز المعلمين على مستوى مصر وصل إلى 323 ألفا و675 معلما.

وقال إن الزيادة السنوية للطلاب 800 ألف إلى مليون و200 ألف، وذلك يحتاج زيادة سنوية في عدد المعلمين بـ25 ألف معلم سنويا، بينما يحال إلى المعاش سنويا 40 ألفا، ما يزيد من الفجوة والعجز في المعلمين.

حجازي، أكد لـ"بوابة أخبار اليوم"، أن هناك مذكرة تفصيلية "تناولت أبعاد مشكلة عجز المعلمين أرسلها الوزير لرئيس مجلس الوزراء ووزير المالية".

وأضاف: "الوزارة طالبت وزارة المالية بتعيين معلمين على مراحل، لسد العجز في المدارس، والوزارة في انتظار رد وزارة المالية على طلبنا!".

مبالغة الداخلية وإعلام السلطة في نشر إعلانات مجمع السجون والحفاوة به مقابل مشاهد الطلاب البائسة في المدارس، جعلت المصريين يسخرون من عدم توفر "الحياة الكريمة" في مصر إلا داخل السجون!.

مع قراءتهم عن الحملة الدعائية عن مجمع السجون الجديد، ضمن هاشتاج "السجن الجديد "، قارنوا بين زحام المدارس وجلوس أبنائهم على الأرض وبين رفاهية السجن الجديد كما يجري الترويج له، مطالبين بـ"ذهاب التلاميذ للسجن!".

وانتقد مدونون ما وصفوه بـ"تجاهل النظام المصري لتطوير البنية التحتية للمستشفيات والمدارس التي تعاني من مشاكل جمة".