عن أحداث 1915.. هكذا يؤثر "قرار بايدن" على علاقات تركيا وأرمينيا

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية الضوء على "أحداث عام 1915" بين تركيا وأرمينيا، كأهم قضية يتناولها الرأي العام الدولي بحلول شهر أبريل/نيسان من كل عام.

وذكرت الصحيفة بنسختها التركية في مقال للكاتبة يلديز ديفيجي بوزكوش: "نظرا لما لهذه الأحداث التي مضى عليها أكثر من 100 عام، أبعاد قانونية وسياسية وتاريخية ونفسية عديدة، فلم يكن من الممكن إحراز أي تقدم حقيقي". 

وأكدت أنه "بسبب الجهود المكثفة لشتات الأرمن واستخدام الدول الغربية لهذه القضية أداة في سياساتها الداخلية والخارجية، فلم يتم إحراز أي تقدم على الساحة الدولية".

وقد بدأت هذه القضية، التي يمتد تاريخها حتى معاهدة "كوتشوك كاينارجا" (عام 1774) والمعروفة الآن باسم "أحداث 1915"، في الظهور في المصادر لأول مرة تحت مسمى "المسألة الشرقية" أو "المشكلة الشرقية".

روابط تاريخية

وبحسب بوزكوش، "لم يكن هناك كراهية عرقية أو دينية تجاه الأرمن أو أي من الجماعات الأخرى في الإمبراطورية العثمانية، فبالنظر إلى الصحافة الأرمنية في ستينيات القرن التاسع عشر، أو إلى ورقة الحوادث من عام 1863 (صحيفة تركية مكتوبة بأحرف أرمينية)، يمكن أن نرى بوضوح أنه لم يكن هناك مثل هذه الكراهية بين الطرفين".

وأردفت قائلة: "من أبرز الأدلة على ذلك عمل الأرمن في العديد من المجالات البيروقراطية والدبلوماسية من مثل غرفة الترجمة والخزينة الخاصة ووزارة الخارجية منذ بداية العصر الكلاسيكي في الإمبراطورية العثمانية وحتى القرن التاسع عشر". 

وتابعت: "فقد عمل مواطنونا الأرمن جنبا إلى جنب مع النخبة الأتراك في المجالات العسكرية والبيروقراطية والدبلوماسية والعديد من المجالات الأخرى في تلك الفترة، ولا ينبغي أن ننسى أن الأرمن خدموا الدولة في عدة مجالات إلى جانب كبار المفكرين والبيروقراطيين في تلك الفترة، من مثل مصطفى رشيد باشا وعلي باشا وفؤاد باشا".

ومن المفيد أن "نتذكر مساهمات الأرمن في صك النقود، وفي مصنع البارود، وفي المجال المعماري، أما المناصب التي تولاها الأرمن في طبقة الأميرالات في الإمبراطورية العثمانية، فهي أكثر بكثير من أن يتم عرضها هنا"، وفقا للكاتبة التركية.

وأضافت: "أما في الفترة التي ظهرت فيها التيارات السياسية في الإمبراطورية العثمانية، فقد شغل الأرمن وظائف مهمة في ترجمة العديد من الكتب الأساسية التي أصبحت تدرس في دار الفنون في مجالات عديدة، مثل الطب والزراعة والهندسة واللغة، من اللغات الغربية إلى التركية العثمانية".

وقالت بوزكوش: "لم يكن هناك أي استياء أو انزعاج أو مشاكل بين المجتمعين حتى ساء جو التسامح والسلام هذا بتدخل الدول الغربية في العملية ودخول الأنشطة التبشيرية على الخط، وبدأت المشاكل في العلاقات التركية الأرمنية تزداد يوما بعد يوم؛ نتيجة للسياسات التي تتبعها روسيا ودول أخرى تجاه الأرمن، إلى جانب تأثير الحركة القومية في فرنسا".

وتابعت: "لهذا حان الوقت لحل هذه القضية التي بدأت كـ"مشكلة شرقية" وتواصل كونها كذلك إلى يومنا هذا.

عوائق الحل

وترى بوزكوش أن "القضية الأرمنية التي تظهر اليوم كمشكلة عالمية خطيرة، قد تحولت الآن إلى عقدة يصعب حلها، وأصبحت هذه المشكلة عاملا حاسما في علاقات الأتراك والأرمن مع جميع القوى العالمية".

وقالت: "نظرا لأن المشكلة لها أبعاد عديدة، يجب تناول هذه القضية ككل، كما يجب أن تتضمن مقترحات الحل التي سيتم طرحها، جميع عناصر القضية، ومع ذلك، يبدو أنه لم يتم إحراز أي تقدم في حل المشكلة رغم أن تركيا مدت يد السلام مرات عديدة". 

وأضافت بوزكوش: "مع أن الشتات الأرمني والسياسات التي تنتهجها أرمينيا لها دور مهم في هذا، إلا أن القوى العظمى التي عرفت كيف تستغل العملية منذ بدايته لها دور مهم أيضا، فمثلا، يمثل السرد المتحيز لأحداث عام 1915 في المناهج الدراسية للولايات المتحدة وألمانيا وكندا وفرنسا.. مشكلة في حد ذاتها".

وفي هذا السياق، يضم محتوى القرار الذي طرحته الولايات المتحدة هذا العام فيما يضمه، مسألة تضمين هذه القضية في المناهج الدراسية، وفق الكاتبة.

وأكدت أن "الأوان لا يبدو قد فات بعد على إيجاد الحل والسلام، فقبل كل شيء من الملاحظ أن الإدارات الأرمينية استخدمت هذه القرارات لتحقيق مصالح سياسية، لذا من الضروري أن يكون الجانب الأرمني على رغبة في حل القضية كما الجانب التركي".

وأردفت "كما يجب أن تكون أرمينيا جاهزة للمفاوضات مع تركيا، حيث يظهر أن هناك شرائح في أرمينيا لا تتعلم الدروس مما يحدث خاصة بعد التطورات في المنطقة بعد حروب إقليم قره باغ، ومع ذلك فإن اقتراح المنصة السداسية التي قدمتها تركيا مع باكو عقب حرب قره باغ الثانية مهم أيضا".

ويجب على أرمينيا أن تقرر ما ترغب به بعد التطورات الإقليمية والعالمية خاصة وأن الانتخابات التي ستجرى في يونيو/حزيران المقبل ستحدد مصير أرمينيا، بحسب الكاتبة التركية.

دبلوماسية الحل

واعتبرت بوزكوش أن "نشر تركيا لرسائل تعزية في السنوات الأخيرة في 24 أبريل/نيسان هو أوضح دليل على رغبتها في حل سلمي لهذه العملية".

وفي هذا السياق، يمكن لتركيا أن تقوم بفتح الحدود التي أغلقتها بناء على التعابير الواردة في الدستور الأرميني وحروب "قره باغ" وأحداث 1915، بعد التصالح مع أرمينيا ضمن أطر وشروط معقولة.

ومع أنه تم اتخاذ مثل هذه الخطوات سابقا من خلال طرح اقتراح "لجنة التاريخ المشترك" و"دبلوماسية كرة القدم" وما إلى ذلك، إلا أنه يمكن لتركيا تجديد هذه العروض بصفتها واحدة من أقدم وأهم الفاعلين في المنطقة، وهنا من الضروري أن تقدم الولايات المتحدة وروسيا والدول الغربية دعما إيجابيا لعملية التطبيع هذه، وفقا لما تراه الكاتبة.

واستطردت قائلة: "وهكذا يمكن التوصل إلى حل عادل من خلال تشكيل لجنة مؤلفة من أكاديميين موضوعيين من الدولتين وعرض ما حدث في التاريخ بكل شفافية، وهنا تماما تبرز أهمية اقتراح تركيا عام 2005 بتشكيل لجنة تاريخية مشتركة".

وأوضحت بوزكوش أن "تركيا ستتولى بمثل هذه المبادرة، دورا رائدا في إنشاء السلام والاستقرار في منطقة القوقاز، كما ستمهد الطريق أما السياسات التي ستنفذها في المنطقة في الفترة الجديدة، فيما ستقوم المشاريع التنموية الإقليمية التي تقودها تركيا في مجال الطاقة وخط سكة الحديد بفتح الطريق أما التعاون مع أرمينيا".

واستدركت قائلة: "جدير بالذكر أن الخطوات العديدة التي اتخذتها تركيا والمتعلقة بالجانب الاجتماعي والثقافي للقضية الأرمنية، قد انعكست إيجابا على تقارير الاتحاد الأوروبي".

فقد كان افتتاح أقسام اللغة والآداب الأرمينية في الجامعات التركية، والبث الإذاعي باللغة الأرمنية في "تي آر تي"، وإدراج اختبار للطلاب الأجانب باللغة الأرمينية قد خلق جوا إيجابيا، ولا ينبغي أن ننسى أنه يمكن الحفاظ على هذا الجو باتخاذ خطوات مماثلة اليوم.

كما يجب أن نتذكر أن بعض البرلمانات والدول الأعضاء في الناتو تتخذ مثل هذه القرارات ضد تركيا لـ"أسباب سياسية واقتصادية ودينية وعداء محض"، بحسب بوزكوش.

وتابعت: "لذلك، يجب أن يكون حل المشكلة على رأس أولوياتنا، لما لذلك من أهمية كبيرة بالنسبة للعلاقات التركية الأرمينية، فضلا عنها لعلاقات تركيا مع الدول الغربية، وإلا، فإن هذا الموقف سيستمر في خلق مشاكل خطيرة في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة والدول الأخرى كل عام".

وختمت بوزكوش مقالها قائلة: إن "استخدام بايدن لكلمة (إبادة جماعية) أو (كارثة كبرى) في رسالته هذا العام يشكل نقطة تحول في العلاقات التركية الأميركية في جميع الأحوال".

وفي 24 أبريل/نيسان 2021، وصف بايدن، أحداث 1915 بـ"الإبادة" ضد الأرمن، في مخالفة لتقاليد أسلافه من رؤساء الولايات المتحدة الراسخة في الامتناع عن استخدام المصطلح.