المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.. سنوات من الإزعاج المتواصل للعسكر

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ تأسيسها عام 2002، كانت منظمة "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، حاضرة في المشهد، خلال نحو عقدين من الزمن مرت خلالهما الدولة المصرية بأحداث جسام، وتغيرات عميقة في بنية السلطة الحاكمة، ترتب عليها مستجدات مجتمعية هامة.

في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، اعتقلت أجهزة الأمن المصرية 3 من موظفي "المبادرة" بشكل تعسفي، وهم، مديرها التنفيذي جاسر عبد الرازق، ومديرها الإداري محمد بشير، ومدير وحدة العدالة الجنائية كريم عمارة، وأعقب التوقيف موجة استنكار وتنديد من قبل حكومات دول غربية، ومنظمات مجتمع مدني.

خارج السرب

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والتي تعرف بـ (EIPR) كاختصار لـ (Egyptian Initiative for Personal Rights)، هي منظمة مستقلة غير حكومية، ولا تهدف للربح، تأسست قبل نحو 18 عاما، على يد الناشط الحقوقي حسام بهجت.

وحسب موقع المبادرة فهي "تعمل على تعزيز وحماية الحقوق والحريات الأساسية في مصر، وذلك من خلال أنشطة البحث والدعوة ودعم التقاضي في مجالات الحريات المدنية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والعدالة الجنائية".

ولا يتوقف نشاط المنظمة "عند القضايا المتعلقة بالانتهاكات السياسية، والاجتماعية، بل يمتد إلى مجالات التطوير والتعليم والأسرة وحقوق العمال والأبحاث وتطوير المهارات".

وعن رسالة العاملين في تلك المنظمة، قال الموقع الرسمي للمبادرة: "الناشطون في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يتشاركون فكرة مناهضة اختزال الفرد ليصبح مجرد مكون من مكونات المجتمع أو الدولة".

وأضاف: "لذلك، يجب أن تؤكد المسؤوليات والواجبات المترتبة على الفرد بموجب الانتماء إلى المجتمع أو الدولة قدرته على الاختيار والمحافظة على استقلاله بوصفه كيانا حرا". 

لذلك عندما بدأت المنظمة عملها عام 2002، تمت مجابهتها على عدة مستويات من قبل الأجهزة الأمنية، كما هاجمتها الصحف ووسائل الإعلام التابعة للنظام، بدعوى "اعتبارها منفذة لأجندة غربية تمس قيم المجتمع".

بعض الأذرع الإعلامية وصفت المنظمة بأنها "تعمل ضد مبادىء الدين والدولة"، ما دفع النظام يصدر تشريعا يتعلق بتمويلات منظمات المجتمع المدني غير الحكومية، محاولا الحد من نشاطها ووقف ترخصيها، كما حدث مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

أحداث مفصلية 

منظمة هيومن رايتس ووتش، الحقوقية الدولية، قالت: إن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هي إحدى الجماعات الحقوقية الرائدة في مصر وكانت في صلب استهداف الحكومة للجماعات الحقوقية والجماعات المستقلة الأخرى منذ 2013، وقد جمدت السلطات في عام 2016 أموال حسام بهجت، مؤسس المبادرة، ومنعته من مغادرة البلاد منذ ذلك الحين".

من أبرز القضايا التي دافعت عنها المبادرة المصرية، خلال حقبة مبارك، هي "الاعتقال في ظل قانون الطوارئ" وشاركت مع منظمات أخرى عام 2010، في إصدار بيان مشترك حول إنهاء ذلك القانون، الذي اعتبر وصمة عار في جبين النظام آنذاك، وتسبب في اعتقال آلاف الأشخاص على مدار 30 عاما. 

وفي يناير/ كانون الثاني 2011، نددت المبادرة بموقف النظام حول حادثة تفجير "كنيسة القديسين" بالإسكندرية، وأدانت حملة الاعتقالات التعسفية، التى حدثت فى صفوف المواطنين بعدها.

اهتمت المبادرة بشكل خاص بقضية وفاة المعتقل السلفي سيد بلال، الذي قتل جراء التعذيب في مقر أمن الدولة بالإسكندرية (شمالا)، واستمرت فى التصعيد الدولي بالبيانات، حتى وصل الأمر إلى منظمات دولية كبرى مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية "أمنيستي".

ضد المذابح

بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، تصاعدت لهجة الاستقطاب، في ظل أنباء عن فض الاعتصامات السلمية في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وبدأت نذر الفض وتوقع مذبحة دموية بحق المتظاهرين.

مطلع أغسطس/ آب 2013، أصدرت المبادرة بيانا قالت فيه: "تنوه المنظمات الموقعة على هذا البيان أنه في حالة حدوث قتل للمعتصمين في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي، فإن هذا يمكن أن يشكل جريمة ضد الإنسانية يترتب عليها وقوع مسؤولية جنائية دولية فردية ليس فقط على كل من شارك في عمليات القتل، بل أيضا على المسؤولين والقادة الذين كان يتحتم عليهم اتخاذ إجراءات واضحة لمنع وقوع تلك الجرائم".

وبعد وقوع مذبحة فض الاعتصام يوم 14 أغسطس/ آب 2013، كانت المبادرة ضمن كثير من المنظمات المحلية والدولية التي نددت بعملية الفض باعتبارها "جريمة ضد الإنسانية"، وطالبت بمحاسبة الفاعلين.

كما رفضت المبادرة أحكام الإعدام الواسعة الصادرة بناء على قضايا سياسية، وعلى سبيل المثال أدانت المبادرة حكم المحكمة العسكرية بالإسكندرية الصادر يوم 2 مارس/ آذار 2015، بإعدام 7 مواطنين، ضمن القضية المعروفة إعلاميا بقضية "استاد كفر الشيخ".

وفي 18 يوليو/ تموز 2017، أصدرت المنظمة مع مؤسسات حقوقية أخرى، بيانا طالبوا فيه بوقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، وقالوا: "يعيد الموقعون تأكيد مطالبتهم بإلغاء أحكام الإعدام، وإعادة محاكمة المتهمين أمام محكمة مدنية مختصة بعد النظر في جميع الانتهاكات والثغرات القانونية، حيث تتصف تلك القضايا بافتقادها أدنى معايير المحاكمات العادلة، بداية من الاختفاء القسري للمتهمين إلى إساءة المعاملة والتعذيب"

باعث القلق

الحقوقية المصرية سلمى أشرف، مديرة منظمة هيومن رايتس مونيتور في بريطانيا، استنكرت ما تعرضت له "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" مؤخرا من اعتقالات تعسفية بحق أفرادها.

وقالت أشرف لـ"الاسقلال": "باعث القلق من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لدى الأنظمة السلطوية المتعاقبة، أنها لا تعنى فقط بالحقوق السياسية والمدنية، وإنما تشمل كل أنواع الحقوق بما فيها الاقتصادية والاجتماعية والحقوق الشخصية كذلك، فهي مؤسسة متكاملة غير انتقائية في توجهاتها تجاه حق الإنسان في حياة حرة كريمة آمنة". 

وأضافت: "قوة المبادرة نابعة من دورها التاريخي القديم نسبيا في الشأن المصري الحقوقي، فهي تأسست عام 2002، واستطاعت في هذا الوقت المبكر أن تكون معروفة لدى السياسيين والحقوقيين في العالم، المهتمين بمتابعة الأوضاع الحقوقية في مصر، وكان للمبادرة دور بارز وسبق في هذا الأمر". 

وتابعت: "المبادرة وغيرها من المنظمات الحقوقية، قامت بالعمل على رفع الوعي بانتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك محاولة الحد من هذه الانتهاكات، وهو ما نقوم به كذلك في منظمة هيومن رايتس مونيتور".

مضيفة: "هذه المنظمات الحقوقية تتابع مع المقررين الخواص لدى الأمم المتحدة، وهو دور من شأنه إحداث قلق لدى الأنظمة المستبدة التي انتهكت تلك الحقوق بشكل مفزع، كما حدث في مصر قبل ثورة 25 يناير خلال عهد المعزول مبارك، وما بعد الانقلاب العسكري، ما جعل المنظمات تشعر بمسؤولية تاريخية أمام الشعب المصري، لتخفيف وطأة الخروقات الإنسانية بحقه".

دوافع الهجوم

الحقوقية المصرية قالت: "السبب الحالي لهجوم نظام السيسي، على المبادرة، يكمن في مجموعة من العوامل، أولها التواصل مع منظمات حقوقية عالمية، وشخصيات حكومية غربية، والتي تأخذ حديث منظمات المجتمع المدني غير الحكومية، بجد وثقة، بالإضافة إلى التغيير المحتمل في السياسة الأميركية مع وصول جو بايدن إلى منصب الرئاسة، وهو أكثر ما يقلق السلطات المصرية، ويجعلها في حالة تحفز".

وأوضحت أن العالم يدرك أن الوضع في مصر فيما يخص الحقوق والحريات، ومنظمات المجتمع المدني، "بلغ الحد الأقصى من التدهور، فكل العاملين في ذلك الحق تم إرهابهم، ومعظم رؤساء المنظمات، وممثلو المجلس القومي لحقوق الإنسان في السجون، وهو الوضع الذي حاولت المبادرة المصرية تغييره في الآونة الأخيرة، ولعل هذا من دوافع لقائهم بمسؤولي السفارة الألمانية بالقاهرة".

وختمت سلمى أشرف حديثها بالقول: "كان متوقعا أو مأمولا لدى السلطة في مصر، أن يحدث صمت كامل من قبل المنظمات المنددة بسياسات النظام، لكن تحرك المبادرة، أثار حفيظتهم فاعتقلوهم بهذا الشكل الذي ورطهم وجعلهم يتعرضون الآن بالفعل لضغوط خارجية، من أجل إطلاق سراحهم، وتغيير السياسة التعسفية القائمة".