كراهية أوروبا لتركيا.. كيف ظهرت معالمها في الملاعب الرياضية؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحية عسكرية أداها اللاعبون الأتراك خلال مباريات كرة القدم الأخيرة لمنتخبهم الوطني، لدعم جنودهم المشاركين في عملية "نبع السلام" شمالي سوريا، أججت نار العنصرية بشكل عام ضد الأتراك في أوروبا، وتورط سياسيون غربيون في نقل الأزمة من الملاسنات الكلامية، إلى تعكير صفو ميادين الرياضة.

حنق الحكومات الأوروبية ووسائل الإعلام، على تركيا ظهر جليا في ملاعب كرة القدم، والفعاليات الرياضية المختلفة، بل تطور الأمر إلى اشتباكات، واعتداءات من قبل الجماهير على فرق رياضية تركية، كما حدث مع فريق السيدات التركي لكرة اليد، الذي تعرض لاعتداء آثم في اليونان. 

وكذلك لاعب كرة القدم الألماني من أصل تركي مسعود أوزيل، الذي واجه عنصرية شرسة من صحف ألمانية، أجبرته على إعلان اعتزاله اللعب دوليا للمنتخب الألماني.

جدليات التحفز الأوروبي ضد تركيا ليست وليدة "نبع السلام" بل لها جذور وعداوة دفينة من لدن التاريخ.

التحية العسكرية

هاجمت الصحف الأوروبية اللاعبين الأتراك الذين أدوا تحية عسكرية احتفالا بهدف الفوز الذي أحرزه جينك توسون بمرمى ألبانيا في المباراة المقامة بينهما في إسطنبول 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في تصفيات بطولة أوروبا 2020.

وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تجدد الجدل حول طريقة احتفال المنتخب التركي بهدف التعادل الذي سجله في شباك نظيره الفرنسي بطل العالم خلال مواجهتهما التي انتهت بالتعادل 1-1 في الجولة الثامنة للمجموعة الثامنة من التصفيات المؤهلة إلى بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم (يورو 2020)، حيث قام اللاعبون الأتراك بأداء التحية العسكرية للمرة الثانية على التوالي.

وجاء أداء اللاعبين للتحية العسكرية دعما للجنود الأتراك الذين يقاتلون في شمال شرق سوريا، لتتم المطالبة بإجراء تحقيق من جانب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا).

ودفعت الإشكالية المثارة حول طريقة الاحتفال، وزير الشباب والرياضة التركي محمد قصاب أوغلو، إلى دعوة اليويفا، إلى التعقل بشأن احتمالية التحقيق حول التحية العسكرية التي أداها لاعبو المنتخب التركي في مباراته ضد فرنسا، ضمن تصفيات كأس أمم أوروبا 2020.

وتساءل قصاب أوغلو عن سبب الصمت على تحية عسكرية مماثلة أداها في مناسبة سابقة لاعب المنتخب الفرنسي أنطوان غريزمان والانشغال فقط بتحية لاعبي المنتخب التركي.

ودافع مدرب المنتخب التركي شينول جونيش عن تصرف اللاعبين، وقال: إن ما حدث كان نوعا من التقدير للقوات المسلحة ولا يحمل أي إشارة سياسية أو أي نوع من الاستفزاز.

وأضاف جونيش في مؤتمر صحفي عقب المباراة: "محاولة البحث عن نوايا خبيثة خلف التحية العسكرية أمر خاطئ تماما. فعلنا ذلك لتحية جنودنا، لكننا لا نقول اذهبوا واقتلوا البشر".

روح انتقامية

التوتر السياسي ألقى بظلاله على مباراة تركيا وفرنسا، حيث قال المهاجم الفرنسي أوليفييه جيرو، قبل المباراة: "سيكون لدينا روح انتقامية، لكن الشيء الأهم هو العمل على أنفسنا، ونحن نعلم أننا مجموعة جيدة".

ورغم أن تصريحات جيرو جاءت في إطار المباراة على الصعيد الرياضي، لكن حالة التحفز القصوى ظلت قائمة، وظهرت أثناء الأداء الشرس بين الفريقين، كأنه "دربي" بين غريمين تقليديين.

وجاءت المباراة بعد تدهور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبعدما شجبت فرنسا التدخلات العسكرية التركية في سوريا، وأوقفت بيعها الأسلحة. ونقلت صحيفة ليكيب الفرنسية، أن بعض المسؤولين السياسيين طالبوا بإلغاء المباراة لأسباب دبلوماسية.

وأضافت نقلا عن مسؤول بالاتحاد الفرنسي: "اليويفا وحده من يملك قرار الإلغاء، الأمر غير مطروح من جانبنا، إلا أن بعض المسؤولين يضغطون علينا بسبب جهلهم باللوائح الرياضية ويعتقدون أن الحكومة بإمكانها إلغاء المباراة". 

وقال مكتب وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان: إن "الوزير قرر عدم حضور مباراة كرة قدم أمام تركيا في باريس في أعقاب العملية العسكرية التي تنفذها تركيا في شمال سوريا، بعدما كان ينوي حضور المواجهة".

مسعود أوزيل

في 23 يوليو/ تموز 2018، أثار قرار لاعب وسط المنتخب الألماني لكرة القدم التركي الأصل مسعود أوزيل، اعتزال اللعب دوليا واتهامه منتقديه بـ"العنصرية" جدلا في ألمانيا.

اللاعب ذو الأصول التركية تعرض لحملة إعلامية شرسة، قادتها صحيفة "بيلد" الواسعة الانتشار، وتضمنت أقسى التعليقات ضد أوزيل، ولم تتوان عن شن حرب ضده منذ لقائه في مايو/ أيار 2018، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتقاطه صورة معه، ما اعتُبر بمثابة تأييد لزعيم غير محبوب في أوروبا، واتهموا اللاعب بنقص في الولاء لألمانيا، قبيل أسابيع من انطلاق نهائيات كأس العالم في روسيا.

وهاجم أوزيل في رسالة من 4 صفحات نشرها على تويتر، وسائل إعلام قال إنها: "أساءت معاملته معتبرا أنه ضحية ممارسة عنصرية".

 ووجه الاتهام بشكل خاص لرئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم رينهارد غريندل، النائب السابق عن حزب المحافظين والمنتقد السياسي الشرس للتعددية الثقافية.

وقال أوزيل الذي سجل 23  هدفا في 92 مباراة خاضها مع منتخب ألمانيا: "لن أكون بعد الآن كبش فداء (لغريندل) بسبب عدم كفاءته وعدم قدرته على القيام بعمله بشكل صحيح"، مضيفا: "في نظر غريندل ومؤيديه، فأنا ألماني عندما نفوز، لكني مهاجر عندما نخسر".

وفي 26 سبتمبر/ أيلول 2018، قال الرئيس أردوغان: "الهجمات العنصرية التي تعرض لها اللاعب الألماني ذو الأصول التركية مسعود أوزيل، دفعته إلى اعتزال اللعب مع منتخب بلاده".

وأوضح أردوغان، في مقابلة مع مجموعة "فونكا" الإعلامية الألمانية: أنه "على اللاعبين أن يتصرفوا بملء إرادتهم الحرة. أوزيل لم يترك اللعب مع المنتخب الألماني دون سبب، وأي لاعب يتعرض لهجمات عنصرية مماثلة لتلك التي تعرض لها أوزيل، سيصدر عنه رد الفعل نفسه".

وعن الصورة التي جمعته بمجموعة من اللاعبين بينهم أوزيل في العاصمة البريطانية لندن، قال الرئيس التركي: "هؤلاء اللاعبون لم يفعلوا شيئا يستوجب الندم، فكما تعلمون فإن النجم الألماني السابق لوثر ماتيوس التقى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإنني أحزن على من ينتقد أوزيل من أجل تلك الصورة".

محاولة طعن

التحريض ضد أوزيل في وسائل الإعلام على خلفية أصوله التركية، كاد أن يتسبب في موته، ففي 26 يوليو/ تموز الماضي، تعرض أوزيل المحترف في نادي أرسنال الإنجليزي، لمحاولة طعن بالسكاكين من قبل شخصين مجهولين، في العاصمة البريطانية، لندن، دون أن يصاب بأذى.

ووفق صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فقد هاجم شخصان مجهولان على دراجة نارية، السيارة التي يقودها أوزيل برفقة زميله اللاعب البوسني سعيد كولاسيناك، في منطقة "غولديرز غرين" شمالي لندن.

وأضافت: أن أوزيل ترك سيارته وتوجه إلى مطعم تركي في المدينة طلبا للمساعدة، حيث سارع موظفو المطعم بالخروج لملاحقة المهاجمين، إلا أنهما فرا بعيدا.

وأضاف شهود عيان للصحيفة: أن شخصين يرتديان ملابس سوداء ويقودان دراجة نارية، هاجما أوزيل، ولم يتم التعرف عليهما بسبب ارتدائهما لخوذة الرأس.

وكان الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن قد أعلن أن: "تعاظم ظاهرة الإسلاموفوبيا والتمييز العنصري، يولّد في العالم حالة من الشعور بغياب الأمن".

وتابع قائلا: "اللاعب الألماني من أصول تركية مسعود أوزيل مثال على ما ذكرناه آنفا، فهذا اللاعب ترك قميص المنتخب الألماني جراء كثرة الهجمات العنصرية التي تعرض لها بسبب أصوله التركية".

وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، صرح أوزيل لموقع "دويتشه فيله" الألماني، قائلا: "بعد الصورة (مع أردوغان) شعرت بعدم الاحترام وعدم الحماية، كنت أتعرض لاستهداف عنصري حتى من رجال السياسة والشخصيات العامة، دون أن يخرج أي شخص من المنتخب الوطني في ذلك الوقت ويقول توقفوا عن فعل هذا، إنه لاعبنا، لا يمكن إهانته على هذا النحو، الجميع التزم الصمت".

وكان وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، قد أعرب من قبل عن قلقه من تبعات اعتزال اللاعب مسعود أوزيل، دوليا، وتأثيرها على صورة بلاده (ألمانيا) في الخارج.

مهاجمة السيدات

الكراهية والعنصرية ضد الأتراك في الملاعب الأوروبية، لم تتوقف على كرة القدم، أو الرجال فقط، ففي 17 سبتمبر/ أيلول الماضي أدان وزير الشباب والرياضة التركي محمد قصاب أوغلو، الاعتداء العنصري على سيدات فريق بلدية "مراد باشا" لكرة اليد في اليونان.

وأكد قصاب أوغلو في بيان، أنهم سيقدمون على اتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لمعاقبة المعتدين. وقال الوزير التركي: "الاعتداء المتعمد من قِبل فريق باوك اليوناني وجماهيره، لا يتوافق مع روح السلام والصداقة للرياضة".

وأشار إلى: أن الجانب اليوناني تعمد عدم رفع العلم التركي إلى جانب العلم اليوناني، في الصالة التي احتضنت المباراة. ولفت إلى: أن هذه الخطوة لا تتوافق مع الأعراف المتبعة في المسابقات الرياضية الدولية.

وأعرب عن أمله في أن تتخذ السلطات اليونانية الإجراءات اللازمة بحق فريق باوك وجماهيره.

علاقة ملغمة

وتعود العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، إلى العام 1959، عندما تقدمت تركيا بطلب لعضوية الجمعية الأوروبية، وقبلت فيها عام 1963 بتوقيع اتفاقية أنقرة، ثم تقدمت بأول طلب رسمي لعضوية الاتحاد الأوروبي في 14 أبريل/نيسان 1987.

وخلال قمة هلسنكي التي عقدت يومي 10 و12 ديسمبر/كانون الأول 1999 اعترف بتركيا رسميا بصفة مرشحة للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، ووضعت الدول الأوروبية عدة شروط لبدء المفاوضات الرسمية مع تركيا، ومنذ ذلك الحين تحاول تركيا الدخول إلى الاتحاد، دون تقدم.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2010، كشف موقع ويكيليكس، عن رفض بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر، لفكرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي خوفا على الهوية المسيحية، وقال صراحة: "الاتحاد الأوروبي نادي مسيحي مغلق".

ونشر نفس الموقع وثيقة تكشف أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي رفض أيضا انضمام تركيا، لأنه يعارض إدخال أكثر من 70 مليون مسلم (تعداد تركيا في تلك الفترة) إلى الاتحاد.

وفي 27 يونيو/ حزيران 2018، قال وزراء الشؤون الأوروبية للاتحاد في بيان مشترك: "إن تركيا تبتعد أكثر فأكثر عن الاتحاد الأوروبي، ومفاوضات انضمام تركيا وصلت فعليا إلى نقطة الجمود"، وجاء ذلك عقب نجاح أردوغان، وحزبه العدالة والتنمية في الانتخابات المتعلقة بالاستفتاء على دستور النظام الرئاسي، وهو الأمر الذي كانت تعارضه أوروبا بشدة.

وفي 15 فبراير/ شباط 2019، قال أردوغان: "لا يقبلنا الاتحاد الأوروبي لأننا مسلمون، فليقولوا ذلك صراحة، لكنهم لا يستطيعون".