"أعيد تأهيله".. هكذا يقود بن سلمان المملكة إلى العلمانية وسيطرة الدولة

12

طباعة

مشاركة

قالت فتيحة دازي هيني، الباحثة بمعهد الأبحاث الإستراتيجية بالمدرسة العسكرية، حيث تعمل كمتخصصة في ممالك شبه الجزيرة العربية والخليج الفارسي: إن "الإجراءات الجديدة التي يتخذها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تصدر تدريجيا لإنهاء السيطرة الدينية على المجتمع، تحت إطار أكثر علمانية وسيطرة متزايدة للدولة".

وأضافت الباحثة، في تقرير نشرته مجلة "لوبوان" الفرنسية، أن الاتفاق التأسيسي للمملكة –التربية الاجتماعية لرجال الدين والسياسية لآل سعود– التي عقدت في القرن الثامن عشر بين محمد بن عبدالوهاب وعائلة آل سعود، تتأرجح. 

وتابعت المجلة: "تضاءلت سلطة الشرطة الدينية، التي كانت تراقب ملابس النساء في شوارع المملكة العربية السعودية، إلى حد كبير، بينما أصبح العلماء الأكثر تحفظا خلف القضبان". 

الاتفاق التأسيسي يتأرجح

ونقلت "لوبوان" عن دبلوماسي وخبير بشؤون المملكة: "المتدينون لا يحتجون، لأنهم تأكدوا أن الإصلاحات جارية وأنها إرادة الملك وابنه، اللذان يريدان العودة إلى وجهة نظر أكثر اعتدالًا للإسلام، لكن السعودية لا تزال الوصي على الأماكن المقدسة، وعلى هذا النحو، يجب أن تكون دائمًا مثالية تجاه احترام الدين".

وقال التقرير، إنه رغم الإصلاحات الأخيرة، لا يزال يجب على المرأة الحصول على إذن من ولي أمرها للدراسة في الخارج أو الموافقة على الزواج. وتؤكد الباحثة فتيحة دازي هيني أن الملكية الوهابية هي نسخة متطرفة من الإسلام السني والشريعة لا تزال قانونا في السعودية والتقنين الموجود في دول إسلامية أخرى غير مخطط له. 

من جهته اعتبر الدبلوماسي أن هناك مأزقا آخر يقف أمام زيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة، وقال: "الغالبية العظمى من السعوديين لا يزالون عائليين وقبليين للغاية، بما في ذلك في المدن (85٪ من السعوديين يعيشون في المناطق الحضرية)، وإذا كانت المرأة السعودية يمكنها الآن قيادة السيارة، فلا شيء يقول إن أسرتها توافق على ذلك. 

صدمة المواطن

ونقلا عن مرسوم أصدرته الحكومة، قالت مجلة "لوبوان" الفرنسية، إن النساء السعوديات اللائي تتجاوز أعمارهن 21 عامًا تحتجن موافقة مسبقة من ولي الأمر (قريب من الذكور: الأب، الزوج، الابن...) للحصول على جواز سفر أو السفر خارج البلاد، وكذلك حق تسجيل المواليد والزواج والطلاق وإصدار وثائق رسمية خاصة بالأسرة بالإضافة لحق الوصاية على الأطفال القصّر.

وبيّنت المجلة أنه هربًا من قبضة أسرهن، هربت نساء سعوديات شابات من بلادهن في الأشهر الأخيرة، بهدف الفرار من استعباد "ولي الأمر".

"نحن لا نزال تحت تأثير ثقافة أبوية"، أضاف الدبلوماسي للمجلة: "محمد بن سلمان يتقدم بحذر مع الإصلاحات لتجنب صدمة المواطن السعودي العادي، لكننا نتحرك نحو إلغاء الوصاية".

وقالت هدى الحليسي للمجلة، وهي واحدة من 30 امرأة في مجلس الشورى: إنه "إصلاح مهم للمملكة كجزء من سلسلة من التغييرات التي يشهدها أحد البلدان النامية، إنه جزء من تاريخ وتقاليد المملكة وهو يتبع الإصلاحات الأخرى التي سبقته". 

وأضافت الحليسي أنه في 11 يناير/ كانون الثاني 2013، رشح الملك الراحل عبدالله النساء لأول مرة في الجمعية المؤلفة من 150 عضوًا، وهي بادرة أكسبته لقب "المصلح" في هذا البلد المحافظ للغاية، وبعد وفاته في يناير/ كانون الثاني 2015، تولى الملك سلمان السلطة، وهو يعدّ ابنه محمد بن سلمان (33 عامًا) للعرش.

حياة مضطربة

وأوضحت عضو مجلس الشورى، أنه بعد مفاجأة بن سلمان بتسهيل وصول المرأة السعودية إلى سوق العمل، إضافة إلى حصولها على رخصة القيادة، أصبح باستطاعتها الآن الحصول بسهولة على تصريح لبدء الأعمال التجارية عبر الإنترنت، والالتحاق بوظائف الشرطة مؤخرًا. 

ولفتت إلى أن هذه الإصلاحات جزء من خطة التنويع الاقتصادي لمحمد بن سلمان، التي تسمى "رؤية 2030"، إذ أن أحد أهدافها تسهيل وزيادة معدل تشغيل الإناث من 22 إلى 30 % في غضون عشر سنوات. 

وتابعت أن عدد الذكور مقابل الإناث في تعداد السكان السعوديين (20 مليون) 50/50، قبل أن تضيف: "اقتصادنا يتطلب أن يعمل الرجال والنساء، إن التغييرات التي تحدث اليوم تثبت أننا نعيش تحولات ضرورية لا تخدم المواطن فحسب، بل تخدم البلد أيضًا".

وأشارت الحليسي إلى السماح للمرأة السعودية بالدخول إلى ملاعب كرة القدم -في مدرجات منفصلة- لحضور الأحداث أو الحفلات الرياضية، في حين أن العديد من النجوم العالميين، بما في ذلك ماريا كاري، أقاموا حفلات غنائية في المملكة.

ولفتت النائبة السعودية إلى أن 70٪ من السكان تحت سن الثلاثين، كما أن الشباب السعودي يدرس بشكل متزايد في الخارج ويرتبط بالعالم الخارجي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والسفر.

ورأت "لوبوان" أنه ونظرًا لعدم مرونتها لعقود من الزمن، فقد أصبحت الحياة اليومية في المملكة العربية السعودية مضطربة بسبب بن سلمان، لا سيما فيما يتعلق بقضية المرأة، فمنذ وصوله إلى منصب ولاية العهد في يونيو/ حزيران 2017، سمح للنساء السعوديات، بحضور عدة أنشطة ترفيهية كانت محظورة.

ولي العهد والهوية

ورأت "لوبوان" أنه من المثير للدهشة أن الإصلاحات الخاصة بحقوق المرأة في السعودية صاحبتها موجة غير مسبوقة من القمع ضد ناشطات في مجال حقوق المرأة، إذ سُجنت 11 منهن منذ عام وتُجرى محاكمتهن حاليًا بسبب أنشطتهن لصالح إلغاء "الوصاية".

وفي حين تم إطلاق سراح سبع منهن بكفالة، أمضت لجين الهذلول، التي يُعتقد أنها أكثر الناشطات شهرةً في البلاد، عيد ميلادها الثلاثين داخل السجن، وتقول هي وناشطات أخريات أنهن تعرضن للتعذيب والتحرش الجنسي أثناء احتجازهن. 

وقال مسؤول في الشرق الأوسط للمجلة، طلب عدم الكشف عن هويته: "لا يزال هذا أمرًا لا يصدق، كيف يمكننا تعزيز وضع المرأة وفي الوقت نفسه نحتجز أولئك الذين يطالبون بذلك".

من جهته أكد الدبلوماسي أنه "لا يمكن للمرء أن يشك في الإرادة السياسية لمحمد بن سلمان فيما يخص حقوق  المرأة"، مضيفا: "لكن ولي العهد مقتنع بأنه هو الذي يجب أن يقرر شروطه، ويتخذ القرار السياسي ويحصل على الثناء، وأنه ووالده مصلحون ويعتبرون سلطتهم مطلقة ويشعرون أنه لا ينبغي أن يتعرضوا لضغوط من أحد". 

وأوضحت المجلة أنه في وقت أضعفه اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وفي حين اتهمته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي أيه) بالتورط في هذه الجريمة، يبدو أن ولي العهد، الذي أعيد تأهيله حاليا من قبل الغرب، قد يعيد تشكل الهوية السعودية.