قاتل الأئمة.. من هو رجل الإمارات في عدن المتورط بعمليات اغتيال؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لطالما ظلت الأيادي تشير إلى مسؤولية الإمارات والعناصر التابعة لها في عدن عن وقائع الاغتيال التي طالت، في الفترة من 2015 وحتى 2018، نحو 103 شخصيات من أبناء مدينة عدن المناهضين للأجندة الإماراتية في الجنوب.

تلك الظنون أكدتها محاضر تحقيق للنيابة العامة بعدن، والتي سربها القيادي الجنوبي عادل الحسني، حيث كشفت أن نائب رئيس ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" هاني بن بريك، رجل الإمارات المدعوم من قبل أبوظبي، هو المسؤول عن تصفية 30 داعية سلفيا وآخرين من حزب الإصلاح.

حسب اعترافات الجناة المثبتة في محاضر التحقيقات، فإن رجل الدين السلفي هاني بن بريك كلّف بتشكيل فريق اغتيالات بهدف تصفية قائمة حوت 25 اسما، من الدعاة وأئمة مساجد بعدن، على رأسهم الشيخ سمحان العريقي، المعروف بالشيخ "الراوي"، الذي عرف بمعارضته للأنشطة الإماراتية في عدن.

يقول الجناة، في محضر التحقيق، إن "بن بريك كان يلتقيهم في معسكر يتبع الإمارات في منطقة البريقة بعدن، وذلك للتخطيط لعمليات الاغتيال، وأنهم كانوا ضمن فريق يتبعون الحزام الأمني، الذي قامت الإمارات بتشكيله في وقت سابق".

المهمة الأولى

بحسب الجناة، كان الشيخ الراوي أول رجل في قائمة التصفيات وهو ما تم بالفعل برصاص مسلحين اعتبروا مجهولين حينها، وكانت تلك العملية فاتحة لسلسلة من الاغتيالات التي طالت نشطاء وسياسيين ورجال دين بارزين، قيدت حينها ضد مجهول.

كشفت محاضر التحقيق أن الراوي قتل بمسدس من نوع "تاتا" حصل عليه القتلة من هاني بن بريك شخصيا، بحسب إفادة الجناة المدونة في محاضر التحقيق، الذين ذكروا كيف تمت الحادثة بالتفصيل.

بعد تنفيذ عملية اغتيال الراوي ورمي الجثة، أفاد الجناة أنهم استلموا مكافأة عن طريق صلاح بن بريك، شقيق هاني بن بريك، وكانت المكافأة عبارة عن 4 قطع رشاش آلي ( كلاشينكوف) بالإضافة لسيارتي تويوتا (كورولا) وجيب (شاص)، ومبلغ مليون ريال (2000 دولار)، وقابل الجناة بعد تنفيذ العملية، أيضا، ضابطا إماراتيا يدعى "أبو سلامة" في شقة بمدينة عدن.

ووفقاً لإحصائيات حقوقية، بلغت حصيلة الاغتيالات التي طالت شريحة الخطباء وأئمة المساجد في عدن ابتداءً من الأشهر الأولى التي تلت انتزاع السيطرة على مدينة عدن من أيدي الحوثيين في يوليو/ تموز 2015 وحتى مارس/ آذار 2019، 23 عملية اغتيال لشخصيات دعوية.

12 من هذه الشخصيات محسوبون على التيار السلفي، و4 من المحسوبين على حزب "الإصلاح"، الذي تعتبره أبوظبي وحلفاؤها خصماً سياسياً في مناطق نفوذها، ومثّلت هذه القائمة جزءا من أكثر من 100 واقعة اغتيال شهدتها المدينة، ووثّقها تقرير حقوقي لمنظمة سام.

اعترافات بن بريك

بعد تسريب محاضر التحقيق وكشفها عن تورطه كتب بن بريك عدة تغريدات، لم ينف فيها صحة ما جاء في تلك المحاضر، بل كتب ما يمكن أن يفهم أنه اعتراف ضمني بمسؤوليته عن تلك الحوادث.

بن بريك قال: "عهد قطعناه سنحارب الإرهاب وسنقضي عليه - بإذن الله- حيث كان، والبداية الصحيحة من حزب الشيطان خونة الإسلام والمسلمين الإخونج، وما تفرع منه في البلاد وأفراخهم القاعدة وداعش، لن يستقيم الأمر في بلداننا العربية بالذات، ولن يستقر بوجود هذا التنظيم الخبيث؛ ولهذا لابد من العزم القوي في مواجهتهم".

وكتب في تغريدة ثانية: "خططنا الأمنية في مكافحة التنظيمات الإرهابية، ومقدمتها الإخونج، قائمة ومرتكزة أولا: على محاربة الفكر بالفكر، وذلك بنشر الاعتدال والتسامح ووسطية الإسلام التي يضيق بها دعاة التكفير والتفجير الإخونجية، ثانيا بمحاربتهم بالسلاح وبتضييق الخناق على رؤوس دعاة الخوارج التكفيريين المارقين"، ما اعتبره مراقبون اعترافا ضمنيا بمسؤولياته عن تصفية عدد من شيوخ السلفية والإخوان الذين عرفوا برفض الأنشطة الإماراتية في عدن.

بن بريك كتب في وقت سابق، تغريدات عدة تزامنت مع حوادث الاغتيال قال في واحدة منها: "بؤر المفجرين المنتحرين هي المساجد، ومن المؤسف أن يجد من يقف ضد تطهير المساجد من دعاة هذا الفكر الإجرامي"، فيما أكدت النيابة في المحاضر محاولة بن بريك تهريب المتهمين بقتل الشيخ الراوي من السجن.

توقيت التسريب

القيادي الجنوبي عادل الحسني هو من سرّب المحاضر، وتحدث لـ"الاستقلال" بمعلومة حصرية قال فيها: "المحاضر كانت موجودة لدي من قبل، إلا أن تسريبها في هذا التوقيت مرتبط بمهمة استخباراتية كان ينوي بن بريك أداءها، وأردت إفشالها، وهو الأمر الذي تم بالفعل، ولم يفصح الحسني عن طبيعة تلك المهمة التي كان ينوي بن بريك القيام بها، إلا أنه قال أن مهمة بن بريك فشلت بالفعل".

كان نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، الذي يتمتع بحضور قوي في عدن، كشف في فبراير/شباط الماضي عن تفاصيل بشأن خلايا إرهابية متورطة في اغتيال الخطباء وأئمة المساجد.

وقال الميسري إن "عمليات التصفية كانت منظمة"، مؤكدا في ذات الوقت القبض على الخلية المسؤولة عن اغتيال الشيخ الراوي، وهي الخلية التي كشفت محاضر التحقيق عن تورطها، وأكدت مسؤولية بن بريك عن تلك الجرائم.

رغم الأقوال التي أفادت بتورط بن بريك، بكونه المدبر والمخطط الرئيسي لعمليات الاغتيال، والتي يفترض أن تكون كافية للقبض على الرجل، إلا أن الأجهزة الأمنية والقضائية الخاضعة لسيطرة الأذرع الإماراتية، لم توجه حتى استدعاء للرجل لأخذ أقواله في الإفادات التي نصت على تورطه، ما يعني أن أبو ظبي تمارس سطوتها على تلك الأجهزة وتمارس عليها الإرهاب وتعيقها عن أداء عملها.

أهالي الشيخ الراوي نظموا وقفة احتجاجية أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في العاصمة المؤقتة عدن طالبوا فيها بسرعة عقد جلسات محاكمة المتهمين بقتله، ورفعوا لافتات تطالب بسرعة المحاكمة وتقديم المتهمين للعدالة.

الأهالي ناشدوا في بيان صادر عن الوقفة عدالة المحكمة الجزائية المتخصصة أن تعجل بسرعة عقد جلسات محاكمة المتهمين وجلب كل من شارك فيها من منفذين ومخططين وممولين إلى القضاء، فيما رفع متظاهرون آخرون لافتات تتهم، لأول مرة، القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك، بقتل العلماء ومشايخ الدين في عدن.

شركة للاغتيالات

التحقيقات كشفت جانبا عن تورط الأذرع الإماراتية في اليمن، من بينها ما كشفه تحقيق استقصائي أجرته وكالة باز فيد نيوز الأمريكية عن تورط أبو ظبي وأذرعها في عمليات الاغتيال.

التحقيق الذي نشرته الوكالة في 16 من أكتوبر/ تشرين الأول 2017، قال إن شركة تعهدات أمنية خاصة تدعى (مجموعة عمليات الرمح) أسسها الهنغاري الإسرائيلي أبراهام غولان في ولاية ديلاوار الأمريكية، وقعت عقدا من الحكومة الإماراتية للقيام بأجندة تتضمن عمليات اغتيال لأعضاء من حزب الإصلاح وغيرهم في مدينة عدن اليمنية.

وكشف التحقيق عن أول عملية لشركة "الرمح"، حيث استهدفت رئيسَ حزب الإصلاح في عدن القيادي أنصاف علي مايو، في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2015، وهي عملية باءت بالفشل.

يقول التحقيق: "كانت المعلومات قد وردت لفريق الاغتيال بأن اجتماعا يجمع أنصاف مايو بأعضاء من الإصلاح في مقر الحزب بعدن، ما عده الفريق وقتا مناسبا للقيام بالعملية، لكن أنصاف مايو خرج قبل 10 دقائق من العملية، حيث فشل الهجوم أيضا في تحقيق أهدافه، رغم القيام به".

تنقل وكالة باز فيد عن إبراهام غولان قائد الفريق الذي نفذ العملية ضد مايو قوله: "كان هناك برنامج اغتيالات في اليمن، كنت أديره وقمنا به، ووافقت عليه الإمارات ضمن التحالف".

ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤول أمني كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، لأسباب أمنية، أن الإمارات هي من تقف وراء عمليات الاغتيال التي تطال رجال دين وضباط أمنيين بعدن.

وشملت المعلومات اعترافات خطيرة للمرتزقة وتفاصيل بشأن بعض الشخصيات المستهدفة، تصبّ في مجملها في تأكيد مسؤولية الإماراتيين المباشرة عن جرائم وحوادث دامية شهدتها عدن ومدن أخرى جنوبي البلاد، منذ سنوات.