بعد آية حجازي.. هل يتحرك ترامب للإفراج عن وليد فتيحي؟

عبدالرحمن سليم | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في منتصف ليلة رطبة من ليالي شتاء جدة، فزعت أسرة الدكتور وليد فتيحي من وقع أقدام غليظة لم تراع حرمة منزل ولا سكون ليل، لتعتقله وتحتجزه في فندق "ريتز كارلتون" برفقة 200 شخص من الأمراء ورجال الأعمال والوزراء السابقين وغيرهم في حملة وسمت بـ"محاربة الفساد"، ثم نقل بعد ذلك إلى سجن الحائر المعروف، ومر عليه حتى الآن قرابة الـ 500 يوم دون محاكمة أو اتهام رسمي بأية جريمة.

لكن الأمر الذي لم يعرفه الكثيرون وقتها، هو أن الدكتور فتيحي مزدوج الجنسية؛ حيث يحمل الجنسيتين السعودية والأمريكية، وهو على قوائم الناخبين بولاية ماساتشوستس الأمريكية وفق ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز". لكن العائلة لم تستغث بالسفارة الأمريكية في السعودية وقتها خشية تعرضه لمزيد من العقاب، لكنها اضطرت لاحقا لطلب المساعدة، بعد تواتر الأخبار عن تعرضه للتعذيب الشديد على يد السلطات السعودية، حسب ما نقل حساب "معتقلي الرأي" في "تويتر".

من هو.. ولماذا اعتقل؟

الدكتور وليد فتيحي طبيب أسنان، ومحفز تنموي، أمضى سنوات من عمره في الولايات المتحدة وحصل على شهادته من جامعة جورج واشنطن، ثم أكمل دراسته العليا في جامعة هارفارد قبل أن يعود إلى بلاده في عام 2006، وفي عام 2009 تم تكريمه كأفضل رئيس تنفيذي في القطاع الصحي بالسعودية، وفي عام 2012 اختارته مجلة "أرابيان بزنس" ليكون ضمن قائمة أكثر الشخصيات تأثيرا في المملكة.

جاء اعتقاله في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، على خلفية اتهامات بالفساد، لكن ناشطين ربطوا بين اعتقاله وبين اعتقال وزير الاقتصاد والتخطيط السابق عادل فقيه، إذ تجمع بينهما صلة مصاهرة. لكن الأغرب من ذلك أن عادل فقيه تم اعتقاله أصلا على خلفية تهمة بأنه يبذل جهودا كبيرة، من أجل "الانفصال بالحجاز عن المملكة" وفق ما نقل حساب "العهد الجديد" في "تويتر"، مما يعطي انطباعا واضحا عن كيفية التعامل مع صهره الدكتور فتيحي أثناء التحقيق.

يضاف إلى ذلك حديث الدكتور فتيحي المتكرر في برنامجه التلفزيوني وتغريداته في "تويتر" عن مقاومة الطغيان والتصدي له في معركة وعي حاسمة قد تطول أمدا لكنها لن تستمر أبدا، إذ ستنتهي بالنصر عاجلا أم آجلا، الأمر الذي يذكر باعتقال سليمان الدويش وقتله تحت التعذيب لاحقا بسبب تغريدات تربوية اعتبرها محمد بن سلمان موجهة له شخصيا.

أمريكيان.. والموقف مختلف

من المعروف أن الرئيس ترامب لديه اهتمام كبير باستعراض مفاخره وأعماله التي يمن بها على العالم في مقابل صراحته المفرطة في عرض أهدافه من علاقته مع الدول الأخرى، لذا فلن يكون الأمر مستغربا حين يتفاخر بجهود الولايات المتحدة وجهوده شخصيا في الاهتمام بمواطنيه المحتجزين خارج الولايات المتحدة، ومن ذلك ما صرح به خلال مقابلة له مع مجلة "واشنطن إكزامنر"، إذ قام بتأمين الإفراج الناشطة المصرية آية حجازي، بعد أن قضى 10 دقائق فقط مع رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

وصف الصورة: ترمب يتوج المئة يوم الأولى من رئاسته للولايات المتحدة باستقبال آية حجازي
وتطرح القضية تساؤولات مفادها: لا شك أن آية حجازي تعرضت لكثير من المتاعب في سجون نظام السيسي، وتستحق -وغيرها من الناشطين والناشطات- الحرية الكاملة في ممارسة أعمالهم كما يريدون في إطار القوانين والأعراف الدولية. لكن ما الاستثناء الذي وضعه ترامب في حالة الدكتور فتيحي؟ ألا يستحق هو أيضا أن يتم التعامل معه وفق القوانين الدولية في الاحتجاز والمحاكمة وغير ذلك؟  فقد تعرض لتعذيب لدرجة أن تصف أسرته "انهياره الكامل جسديا وعاطفيا"، حسب ما صرح به محاميه هوارد كوبر لشبكة "سي. إن. إن".

لماذا آية حجازي؟

الإجابة عن هذا السؤال تكمن بين حروف خطاب ترامب الذي ألقاه بمناسبة مرور 100 يوم على توليه رئاسة الولايات المتحدة، فقد أكد أن الإفراج عن آية حجازي يعد أحد أهم إنجازاته في تلك الفترة. وقال أيضا: "عملنا في صمت مع الحكومة المصرية وطلبنا الإفراج عنها بعد أن كانت ستقضي في السجن 28 عاما إضافيا"، وذكر أن سلفه الرئيس السابق أوباما حاول جاهدا لتحقيق ذلك لكنه لم ينجح، حسب ما نقلت وكالة "رويترز".

إذن فقد كان الأمر مجرد بند إضافي في قائمة إنجازات ترامب، وليس لأنها مواطنة أمريكية في ظروف سيئة خارج البلاد، وأن لقاءه مع السيسي وضغطه عليه في الإفراج عنها كان لمجرد استعراض القوة على حساب ناشطة حقوقية قضت وزوجها وسبعة آخرين ثلاث سنوات ظلما في سجون مصر، في نفس الوقت الذي تجاهل فيه ثلاثة مواطنين أمريكيين آخرين معتقلين في سجون السيسي، وفق ما نقلت صحيفة "هاف بوست" عن أسر هؤلاء المعتقلين.

موقف السيسي أيضا غير مستغرب؛ فقد استخدم قضية آية حجازي عربون صداقة مع ترامب، واستجاب لرغبته في إضفاء نكهة الإنجاز على قائمة المئة يوم الأولى، مما يؤكد تصريحات الصحفية مي عزام لـ "القدس العربي" أن السيسي يستخدم -هو الآخر- المعتقلين السياسيين في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

مؤسسات أمريكية تتحرك

في ظل صمت ترامب عما يحدث للأكاديمي السعودي الأمريكي الدكتور وليد فتيحي، تحركت جهات أمريكية لإنقاذ الموقف مما تتعرض له صورة الولايات المتحدة بسبب الضغط العالمي للإفراج عن الدكتور فتيحي بعد أنباء عن تعرضه للتعذيب.

كان آخرها بيان مشترك أصدره رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي مايكل ماكول والعضو إليوت إنجل، عبرا فيه عن "قلقهما العميق مما نشر بشأن تعرض فتيحي للتعذيب، وأن مثل هذا الادعاءات مستغربة وتفتقر إلى الإجراءات القانونية وهو أمر غير مقبول تماما". كما طالب البيان –الذي أذاعته شبكة "سي. إن. إن"- بالإفراج الفوري عن الدكتور فتيحي والسماح له بالسفر خارج السعودية.

ونقلت الشبكة أيضا، بيان الخارجية الأمريكية والذي ينص على زيارة وفد أمريكي للدكتور فتيحي، الثلاثاء الماضي، في مقر اعتقاله بسجن الحائر، كما زاره قبل ذلك في 20 فبراير/ شباط الماضي.

كما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا عن تعرض الدكتور فتيحي للتعذيب، وقام السيناتور الأمريكي البارز بوب منديز بإعادة تغريدة معبرا عن غضبه الشديد من تلك التقارير، "وأن على إدارة ترامب أن تتخذ موقفا واضحا: أن "الولايات المتحدة لن تتهاون مع تعذيب مواطنيها وستدافع عن حقوق جميع أولئك الذين تم اعتقالهم بشكل خاطئ"، على الرغم من أن هذا السيناتور كان متهما بقضايا فساد كبيرة في 2015.

لكن تلك التحركات لن تقدم شيئا ملموسا، لأن الدستور الأمريكي ينص على أن السلطات الدبلوماسية من اختصاص الرئيس والتحركات الدبلوماسية من أجل مواطن أو غيره لا بد أن تكون عن طريقه، حسب ما قرره عصام عبد الشافي في دراسته بعنوان "كيف يصنع القرار في الولايات المتحدة".

 وبالتالي فإن أي خطوة دبلوماسية في قضية الدكتور فتيحي لن يكون لها كبير أثر، إلا إذا تحرك ترامب شخصيا، وإلا فإن الأمر إما أن يكون رفاهية سياسية يمارسها شخصيات أمريكية بارزة أو أن يؤدي إلى ازدياد الضغط العالمي الذي قد يدفع ترامب لفعل ما لم يفعله في قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

ترامب.. ماذا ينتظر؟

ووفقا لظروف ترامب، فإن الأمر يبدوا مختلفا في حالة الدكتور فتيحي؛ لأن الرئيس الأمريكي هذه الأيام منشغل بصد هجمات مولر، وتعويض رجاله الذين يفقدهم يوما بعد يوم، وكان آخرهم بول مانافورت مدير حملته الانتخابية السابق والذي حكم عليه بالسجن لمدة 47 شهرا (أربع سنوات تقريبا).

ولا يمكن إغفال الكفاح الذي تمارسه إدارة ترامب تجاه ردود أفعال عنيفة من الجمهوريين والديمقراطيين تجاه السعودية بسبب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، مع أن ترامب يحتاج لكل ما من شأنه تخفيف الضغط على إدارته، وقد يكون التدخل للإفراج عن الدكتور فتيحي جزءا من ذلك.

ومع وقوع ترامب بين مطرقة القيم الأمريكية وسندان علاقته ومصالحه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكنه يتعامل مع كل شيء ببراجماتية صارخة، فلا بأس بأن يضرب بالقيم الأمريكية عرض الحائط في سبيل حفاظه على مصالحه المالية، حسب ما نقلت مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية عن السيناتور الديمقراطي آدم شيف رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الذي يعد العدة للتنقيب عن معاملات ترامب المالية في الخليج والتي أثرت في قراراته خصوصا فيما يخص قضية اغتيال خاشقجي وغيرها.

قالت الناشطة الحقوقية حصة الماضي، في تصريح خاص لـ"الاستقلال" إن "عدم تدخل ترامب في موضوع الدكتور فتيحي مع أنه مواطن أمريكي، سببه وجود مصالح شخصية مع ولي العهد السعودي، والتي تتم بالسر ويحاولان إخفاءها بينما يعرف الجميع أنها مصالح مالية في الدرجة الأولى".

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن آية حجازي، أن "عدم جعل قضية الدكتور فتيحي أولوية يوصل رسالة مفادها أن أمريكا ليست في المقام الأول، وإنما الصفقات المالية والبترول".

وجهة ابن سلمان الجديدة؟

في 21 فبراير/شباط الماضي، زار ولي العهد السعودي الصين، حيث جاءت في أعقاب قيام "الإمبريالية الأمريكية بالتكشير عن أنيابها" في الفترة الأخيرة في التعامل مع السعودية، وهو ما دفع الأخيرة إلى فتح آفاق إستراتيجية بديلة تكتمل بالوصول إلى الصين والدول الكبرى لخلق بديل عن التعامل الأمريكي، على حد تعبير ظافر العجمي مدير مجموعة "مراقبة الخليج" بالكويت.

ونشرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، تقريرا مفصلا يفيد بأن تلك الزيارة أول مسمار في نعش علاقة ترامب بابن سلمان، لأن العلاقة بينهما مبنية على أساس مادي بحت، وتحركات ولي العهد السعودي تشير إلى رغبته في الفكاك من هذا الارتباط، الأمر الذي قد يؤدي بترامب إلى التلويح بأوراق ضغط، مثل "فضح دور ولي العهد السعودي في اغتيال خاشقجي".

حماية دبلوماسية 

كما أنه يمكن أن يقوم ترامب بمنح الحماية الدبلوماسية للدكتور فتيحي؛ أسوة ببريطانيا والتي منحت حمايتها للبريطانية من أصول إيرانية نازانين زاغاري راتكليف، المسجونة في طهران، لتتحول قضيتها إلى نزاع قانوني رسمي بين بريطانيا وإيران.

لكن المشكلة تكمن في شخصية ابن سلمان، إذ إنه -حسب ما ذكره محللون لشخصيته كالخبير الروسي سيرغي بليخانوف- قد يأخذ ذلك التصرف على محمل التحدي، وهو "أمر خطير نظرا لشخصيته التي تقوم بأمور غير منطقية إذا وصلت لنطاق الندية".