بعد طوفان الأقصى وتعطيلها لسنوات.. لماذا تسرع أميركا تشريع "مكافحة الإسلاموفوبيا"؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بعد تعطيل صدروها لفترة، ومع تصاعد "جرائم الكراهية" التي يقودها تيار "المسيحية الصهيونية" الإنجيلي، ضد المسلمين بسبب حرب غزة، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أنها ستضع إستراتيجية لمكافحة الإسلاموفوبيا.

البيت الأبيض، أوضح في بيان مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أن الإستراتيجية، التي يعدها مجلسا السياسة الداخلية والأمن القومي، ستضع خطة لحماية المسلمين من التمييز ضدهم بسبب الدين أو العرق، والكراهية والتعصب والعنف.

لكن السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، لم تقدم، وهي تعلن هذه الإستراتيجية، أي تفاصيل محددة حول إنشائها، مكتفية بالقول إنه "سيتم العمل مع قادة المجتمع والدعاة والمسؤولين، وأعضاء الكونغرس لصياغته".

تداعيات العدوان

وعد إدارة بايدن باتخاذ خطوة لحماية الجالية المسلمة "ليس جديدا"، وسبق طرح خطط سابقة، لكنها "ظلت ضعيفة".

إلا أن حرب غزة التي خلقت أجواء مشحونة بالتوتر داخل المجتمع الأميركي، وزادت الكراهية للمسلمين، ربما عجل بهذه "الإستراتيجية"، وفقا لـ"وكالة الأنباء الفرنسية" مطلع نوفمبر 2023.

وكان إطلاق إستراتيجية مكافحة الإسلاموفوبيا متوقعا منذ أشهر، بعدما أصدرت الإدارة الأميركية في مايو/آيار 2023 إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية وجرى الحديث عن أخرى لمكافحة الكراهية ضد المسلمين.

لكن إستراتيجية مكافحة الإسلاموفوبيا تأخرت، حتى تم الإعلان عنها بعد تداعيات حرب غزة على الداخل الأميركي وتصاعد العداء للمسلمين، وأيضا ضد اليهود، وفقا لوكالة "رويترز" البريطانية في 2 نوفمبر 2023.

فيما قال شخصان مطلعان على خطط إدارة بايدن بشأن هذه الإستراتيجية لوكالة "أسوشيتد برس" في 2 نوفمبر 2023 إن الإعلان عنها تأخر لما بعد لقاء بايدن مع زعماء مسلمين، بسبب مخاوف الأميركيين المسلمين من افتقار الإدارة إلى المصداقية بشأن هذه القضية نظرا لدعمها القوي للجيش الإسرائيلي.

وأظهر استطلاع للرأي أن دعم بايدن بين الناخبين المسلمين والعرب الأميركيين انخفض منذ الحرب بين إسرائيل وحماس، من 59 بالمئة عام 2020 إلى 17 بالمئة فقط. 

ويعد هذا الاستطلاع الأولي منذ 26 عاما الذي يجريه المعهد العربي الأميركي والذي لا يختار فيه أغلبية من العرب والمسلمين بايدن أو الحزب الديمقراطي، بحسب موقع "ذا هيل" في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وعقب "طوفان الأقصى"، استغلت الدعاية الصهيونية وأبواق التيار المسيحي الصهيوني الإنجيلي الذي يدعم الاحتلال ما جرى بصورة تشوه المقاومة وأنها "مجموعة إرهابية قتلت وخطفت أطفالا ونساء إسرائيليين"، ما انعكس على تزايد الكراهية ضد المسلمين.

ورغم وضوح الصورة عقب بدء المجازر الصهيونية في غزة وأن هذه الدعاية كان هدفها التمهيد لإبادة الفلسطينيين، استمرت حملات الكراهية واضطهاد مسلمين.

وأثار رد فعل بايدن الذي ذهب إلى إسرائيل لإظهار الدعم لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ودعم الإبادة الجماعية في غزة وتوفير الأسلحة والدعم المالي الكبير للصهاينة، انتقادات من مسلمين وعرب أميركيين، توعدوا بايدن بعقابه في انتخابات الرئاسة 2024 وعدم التصويت له.

موقع "أكسيوس" الأميركي كشف في تقرير نشره مطلع نوفمبر 2023 أنه منذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 أكتوبر 2023، ارتفعت جرائم الكراهية والعداء للعرب والمسلمين بشكل كبير في المدن الأميركية وتحديدا في نيويورك ولوس أنجلوس.

وأكد أنه حتى وقبل اندلاع الحرب، كانت جرائم الكراهية ضد المسلمين في ارتفاع بالفعل، حيث زادت بنسبة تزيد عن 10 بالمئة عام 2022 .

عداء متصاعد

وتُظهر دراسة أصدرها "مركز دراسة الكراهية والتطرف" صيف 2022، أن الصراعات في الشرق الأوسط والاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية وراء كثير من جرائم الكراهية في أميركا، وأنها تشهد قفزات في هذا العداء.

وما أغضب المسلمين أن إدارة بايدن أنشأت "إستراتيجية لمواجهة معاداة السامية" لحماية اليهود من العداء لهم في أميركا في 2 يونيو/ حزيران 2023.

كما قامت بتوسيع قانون الحقوق المدنية لعام 1964 ليحظر معاداة السامية وكراهية الإسلام، لكنها لم تصدر إستراتيجية مماثلة لمكافحة الإسلاموفوبيا.

لكن واقعة قيام أميركي متطرف بذبح طفل أميركي فلسطيني يبلغ من العمر 6 سنوات بطعنة 26 مرة بسكين وطعن والدته أيضا بدعوى أنهم مسلمون وأغضبه خطف "حماس" أطفال إسرائيليين وقتلهم، وفق ما روجت وسال الإعلام الأميركية كذبا، حرك إدارة بايدن.

وفتحت وزارة العدل "تحقيقا فيدراليا في جرائم الكراهية" بسبب طعن الصبي الفلسطيني الأميركي ووالدته، ودفع إدارة بايدن للحديث عن إستراتيجية لمكافحة الإسلاموفوبيا.

ومن المتوقع أن يستغرق الأمر عدة أشهر قبل أن تخرج الإستراتيجية في شكل رسمي، بعد عملية مماثلة لخطة مكافحة "معاداة السامية" التي تشمل مختلف الوكالات الحكومية، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس" في 2 نوفمبر 2023.

وسبق في عام 2021 وبعد ضغوط مارسها نواب مسلمون بسبب تصاعد العداء والتهديدات ضد مسلمي أميركا ووصولها لنواب الكونغرس أنفسهم، أن صادق النواب الأميركي في 15 ديسمبر 2021، على مشروع قانون لمكافحة العداء ضد المسلمين قدَّمته النائبة، إلهان عمر.

القانون عد انتصارا مهما للمسلمين في الولايات المتحدة والعالم بعدما صوت لصالحه 219 نائبا في مجلس النواب مقابل امتناع من 212، بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية.

ويستهدف إنشاء مكتب خاص داخل وزارة الخارجية لمكافحة الإسلاموفوبيا على مستوى العالم، لا أميركا فقط، ويعالج تزايد حوادث الإسلاموفوبيا حول العالم، لكن تعطل تمريره من قبل مجلس الشيوخ قبل تحويله إلى الرئيس بايدن للتوقيع عليه ليصبح قانونا.

مظاهر الكراهية

لم تنعكس مظاهر الكراهية للمسلمين على سلوكيات بعض الأميركيين بسبب التغطية الإعلامية المنحازة لإسرائيل والتي تشيطن "حماس" والمسلمين، ولا بسبب الموقف الرسمي المنحاز لإسرائيل وتشجيعها على الإبادة للفلسطينيين فقط.

ولكنها انعكست على مزيد من العداء وممارسات الكراهية ضد المسلمين لمجرد دعمه غزة ضد الإبادة الصهيونية، لحد طرد جهات إعلامية مذيعين مسلمين، وفصل جامعات أستاذة مسلمين.

أيضا واجه الطلاب الأميركيون سواء المسلمون أو غيرهم من الرافضين لقصف غزة والمؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني اتهامات بمعاداة السامية، وتم استهدافهم بسبب تحدثهم علنا ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء الحرب الأخيرة.

ووصل الأمر للبصق على المسلمات ونزع للحجاب بالقوة وفصل لطلاب من مواقعهم النقابية، ومذبحة للحريات الأكاديمية والسياسية تشهدها الجامعات الأميركية المرموقة تستهدف الحركة المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني بشكل غير مسبوق.

وهو ما يؤشر إلى وجود خطة ممنهجة وراء هذه الحملة، حسبما ورد في تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني مطلع نوفمبر 2023.

ومنذ أن شنت المقاومة الفلسطينية هجوما مفاجئا على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وردت إسرائيل بإعلان الحرب على غزة، احتدمت التوترات في الجامعات والكليات الأميركية بصفتها أماكن تقليدية للنشاط السياسي.

وفي جامعات النخبة مثل هارفارد وكولومبيا وييل، من بين جامعات أخرى، يقول الطلاب إن محاولاتهم للتحدث علنا ضد الفظائع الإسرائيلية التي يتم إطلاق العنان لها في غزة يتم الخلط بينها وبين معاداة السامية.

بل وأصدر مجلس الشيوخ الأميركي في 3 نوفمبر 2023 بيانا يصف المجموعات الطلابية الفلسطينية في العديد من الجامعات بأنها "معادية للسامية وبغيضة ومحتقرة أخلاقيا".

وزعم أنهم "يتعاطفون مع أعمال العنف والإبادة الجماعية ضد دولة إسرائيل ويخاطرون بالسلامة الجسدية للأميركيين اليهود".

وقال طلاب بالعديد من الجامعات الأميركية لموقع "ميدل إيست آي" إنه حتى الدعوة إلى وقف إطلاق النار، أو تنظيم محاضرة لتسليط الضوء على الاحتلال الإسرائيلي، قوبلت بادعاء أنها "محاولات شريرة لتدمير إسرائيل!!"، وتم تجريم المطالبين بها.

وكان غريبا على بلد يدعي أنه يحمي الحريات والحقوق يلاحق طلابا ويعرضهم لمضايقات بوصفهم أنهم "مسلمون" وتهديدهم بهدم مستقبلهم ومنع الشركات الأميركية من توظيفهم لمجرد أنهم وقفوا ضد إبادة غزة وطالبوا بوقف إطلاق النار.

ووصل الأمر لمطالبة رجال أعمال أميركيين منهم البليونير بيل أكمان، ممن يقدمون هبات للجامعات بالكشف عن أسماء طلاب وقعوا على بيان مؤيد لفلسطين في جامعة هارفارد.

وهددوا بإدراجهم على قوائم شركاتهم السوداء، حتى لا يتم توظيفهم عقب التخرج، وفقا لمجلة "فوربس" الأميركية في 2 نوفمبر 2023.

كما ظهرت "قائمة الإرهاب الجامعي" على الإنترنت والتي نشرت المعلومات الشخصية للطلاب الموقعين عليها، كنوع من التهديد لهم وخسارة فرص العمل بسبب التعبير عن مواقف تتناقض مع التوجهات الأميركية الداعمة للاحتلال.

هجوم مقزز

ومطلع نوفمبر 2023، شهدت حلقة برنامج "ذا فايف" التي بثتها قناة "فوكس نيوز" وتحظى بشعبية عالية، تحريضا على الأميركيين من أصول عربية، حيث قال مقدم البرنامج، جيسي واترز، إنه "سئم من العرب الأميركيين والعالم الإسلامي برمته!".

Fox News' Jesse Watters: "I wanna say something about Arab Americans and about the Muslim world."

Yep, it is pretty much as bad as you think, including Watters saying "we have had it with them" and "we can't live in a country like that." pic.twitter.com/RNUCS3WpeC

— Justin Baragona (@justinbaragona) November 1, 2023

وهو ما دعا متحدثا باسم البيت الأبيض، لمطالبة شبكة "فوكس نيوز" بالاعتذار لمشاهديها، بعد كلام مذيع القناة الذي يدعو فيه إلى العنف ضد الأميركيين العرب والمسلمين، ويروج لخطاب الكراهية والتحريض عليهم.

وانتقد نائب المتحدثة باسم البيت الأبيض، أندرو بيتس، "واترز" وشبكة "فوكس" ووصف كلام الإعلامي بأنه "هجوم مقزز" و"غير مقبول" على "حقوق وكرامة مواطنين أميركيين مثلهم".

وقال بيتس إن "هذه الأكاذيب البغيضة عن الأميركيين العرب والعالم الإسلامي، تسلط الضوء على مدى الحاجة الملحة لعمل الرئيس بايدن من أجل ضمان عدم وجود ملاذ آمن للكراهية في أميركا".

ونبه نائب المتحدثة باسم البيت الأبيض أن المهاجم الذي قتل الطفل الفلسطيني الأميركي، كان يصرخ "أنتم أيها المسلمون يجب أن تموتوا" و"أنتم تقتلون أطفالنا في إسرائيل"، و"أنتم الفلسطينيون لا تستحقون العيش".

وكان كل ذلك وراء تحرك إدارة بايدن لإعلان نية إصدار أول إستراتيجية وطنية لمكافحة الإسلاموفوبيا"، بحسب "الغارديان" و"سي إن إن" في 2 نوفمبر 2023.

وضمن التضييق على داعمي غزة، صادق مجلس النواب الأميركي، في 2 نوفمبر 2023، على قرار من شأنه أن يدين كل مظاهر التضامن مع حماس أو حزب الله أو أي منظمة إرهابية أخرى داخل الجامعات الأميركية، وصوت بالموافقة على هذا القرار 396 عضوا وعارضه 23 آخرون.

وأتى هذا التصويت عقب تصويت لمجلس النواب لصالح تمرير مشروع قانون المساعدات الأميركية العاجلة لإسرائيل بمبلغ 14.3 مليار دولار.

وفي دراسة أجريت في أميركا حول التمييز العنصري والإسلاموفوبيا، قال أكثر من ثلثي المستطلعة آراؤهم من مسلمي أميركا إنهم تعرَّضوا لمواقف تمييز على أساس ديني في الولايات المتحدة.

استطلاع الرأي الذي أجراه "معهد الآخر والانتماء" بجامعة كاليفورنيا، ونشره موقع ميدل إيست آي البريطاني مطلع أكتوبر 2021، كشف أن 67.5 بالمئة من المسلمين قد تعرضوا للإسلاموفوبيا، التي عرفتها الدراسة بأنها "هجوم لفظي أو جسدي فردي، أو سياسة عامة، أو نزع صفة الإنسانية عن المسلمين".

ووجدت الدراسة أن بين 1123 مسلما استُطلعت آراؤهم، قالت 76.7 بالمئة من الإناث إنهن تعرضن للإسلاموفوبيا، مقارنة بـ58.6 بالمئة من الرجال.

وبحسب تقرير مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية للنصف الأول من عام 2021، وقعت أكثر من 500 حادثة معاداة للإسلام في الولايات المتحدة في ستة أشهر فقط، أي بمعدل قرابة ألف حادثة سنويا. 

وأكد التقرير أن الحوادث المعادية للمسلمين في أميركا وحوادث الإسلاموفوبيا العالمية عموما في ازدياد.