بعد لقاء السيسي- إبراهيم رئيسي.. هل بإمكان إيران ومصر إقامة تعاون إستراتيجي؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بدأ نظام عبد الفتاح السيسي في مصر عملية تقارب مع إيران في الأشهر الأخيرة على إثر عقود من الخلافات والتوترات منذ عام 1979.

وقال معهد دراسات إيطالي إن البلدين "قطعا خطوة مهمة إلى الإمام نحو إقامة علاقات دبلوماسية كاملة" بعد اللقاء الذي جمع السيسي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش القمة العربية الإسلامية المشتركة في الرياض في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وتساءل معهد تحليل العلاقات الدولية إن "كان التشارك في المصالح الإستراتيجية مثل حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كافيا لتحقيق المصالحة"؟ 

تاريخ العلاقات 

كان البلدان يتمتعان بعلاقات ودية خاصة في عهد الشاه رضا بهلوي والرئيس المصري أنور السادات قبل أن تبدأ الخلافات بينهما في عام 1979.

في ذلك العام، قرر قائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر بعد توقيع معاهدة سلام كامب ديفيد واعتراف مصر بإسرائيل وهو ما أثار استياء الجمهورية الإسلامية.

وتصاعد العداء عندما منح السادات الشاه بهلوي المخلوع حق اللجوء في مصر وبلغ الأمر ذروته بوفاته ودفنه في عام 1980. 

واستمرت التوترات في الثمانينيات وتفاقمت بسبب دعم مصر للعراق خلال الحرب الإيرانية العراقية التي دارت في الفترة من 1980 إلى 1988.

وبعد تسجيل علامات تحسن في التسعينيات، وقعت نقطة التحول المهمة في العلاقات بين البلدين بعد عقود من العزلة في ديسمبر/كانون الأول 2003 بلقاء تاريخي جمع بين الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك بنظيره الإيراني محمد خاتمي.

وبعد اندلاع الثورة المصرية عام 2011، عاد التفاؤل بشأن احتمال تحسن العلاقات خاصة مع زيارة الرئيس الراحل محمد مرسي إلى طهران عام 2012 التي كانت الأولى لزعيم مصري منذ عام 1979. 

وفي فبراير/شباط 2013، زار الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد مصر وشارك في قمة منظمة التعاون الإسلامي.

لكن العلاقات عادت إلى الفتور مجددا بعد صعود عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2014.

ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، وفق المعهد الإيطالي. 

ومنذ مايو/أيار 2023، شرع البلدان في التقارب مرة أخرى بفضل وساطة العراق وعمان وبدفع من الوضع الإسرائيلي الفلسطيني المعقد.

مصالح للطرفين 

السبب الرئيس للتقارب الذي أكده اجتماع السيسي ورئيسي في الرياض يتمثل بالرغبة المشتركة بإنهاء "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" على الرغم من وجود دوافع مختلفة وراء ذلك. 

وبينما "تهدف إيران إلى وقف عدوان إسرائيل والدفاع عن القضية الفلسطينية، يريد نظام السيسي تجنب توسع الصراع وانتشاره إلى الأراضي المصرية المتاخمة لإسرائيل وغزة"، وفق المعهد.

ويضيف أن إقامة حوار مع حركة المقاومة الإسلامية حماس "سيكون مفيداً للغاية" للسيسي ومن الممكن أن تلعب إيران دور الوسيط في هذه العملية. 

وتابع بأنه "رغم أن مصر تفضل حتى الآن الحوار مع إسرائيل للحد من دور حماس في غزة، فإن أي دعم لتل أبيب حاليا قد يتسبب في خلافات بين مصر والدول العربية والإسلامية الأخرى".

وفي نفس السياق الأمني، أردف المعهد الإيطالي أن نظام السيسي يسعى إلى الحصول على دعم إيران في مواجهة الأنشطة العدائية للحوثيين في مضيق باب المندب.

وذلك لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر ولا سيما عبر قناة السويس خاصة أن الأخيرة تعد مصدرا مهما للإيرادات.

كما تسعى القاهرة إلى إقامة علاقات تجارية مع لاعب إقليمي رئيس مثل طهران لمعالجة الأزمة المالية الحادة الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والصراع الروسي الأوكراني. 

يذكر في هذا الصدد، اعتماد القاهرة الكبير على أوكرانيا وروسيا في توريد احتياجاتها من الحبوب.

ففي عام 2020، جاءت 86 بالمئة من واردات القمح المصري من هاتين الدولتين وبالتالي يستنتج المعهد أن التوصل إلى اتفاقية تجارية مع إيران سيكون "مربحًا جدًا" لمصر.

وعلى الجانب الإيراني، أكد المعهد أن تحسين العلاقات مع مصر "مفيد خاصة لتعزيز موقفها الإقليمي وزيادة الردع ضد إسرائيل". 

وقال إن إيران تحاول منذ فترة طويلة التقرب من دول ذات أغلبية سنية توترت علاقاتها بها تاريخياً، كما يتضح من بدء حوار مع السعودية في مارس/آذار 2023 بوساطة صينية.

هدف إيران وراء ذلك يكمن في التخفيف من آثار العقوبات الغربية سواء من الناحية الاقتصادية أو فيما يتعلق بالعزلة على المستويين الإقليمي أو الدولي.

كما أن تجديد العلاقات مع مصر يشكل إنجازاً سياسياً كبيراً لإيران ويشير إلى تحول في ميزان القوى الإقليمي لصالحها، يقول المعهد. 

وأضاف: "يشير ذلك إلى اعتراف متزايد بموقع إيران من قبل الدول العربية بما في ذلك تلك المتحالفة مع الكتلة الموالية للغرب".

آفاق المستقبل

ويرى أن مصر تلعب أيضًا دورًا إستراتيجيًا في الوصول إلى قناة السويس مما يوفر لإيران طريقة بديلة لممارسة نفوذها على البحر الأبيض المتوسط ​​واستغلال مضيق باب المندب بفضل الحوثيين. 

ومن خلال مصر، يصبح لإيران طريق بديل لإرسال الدعم إلى حماس وحزب الله خاصة خلال أوقات التوتر مثل الصراع الحالي.

استبعد المعهد الإيطالي فرضية إرساء تعاون كامل على نطاق 360 درجة نظراً للتوترات التاريخية والاختلافات في التحالفات والمصالح بين إيران ومصر. 

ويعتقد أن التطبيع لا يعني بالضرورة الحل الكامل لجميع الخلافات وإنما اتباع نهج براغماتي يرتكز على التعاون في السعي لتحقيق المصالح المشتركة سواء الثنائية أو الإقليمية خصوصا أن إيران أظهرت دائماً تفضيلاً للتعاون بدلاً من تشكيل تحالفات. 

لا يقتصر هذا النهج على العلاقات مع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإنما يمتد أيضًا إلى العلاقات على المستوى الدولي خاصة مع موسكو وبكين.

ونوه المعهد أن هذا النهج يستجيب للمرونة والقدرة على التكيف مع الديناميكيات الإقليمية والعالمية المتغيرة.

ويتيح لطهران قدرًا أكبر من الاستقلالية وحرية اتخاذ القرار مما يسمح لها باستغلال أو عدم استغلال أشكال التعاون المختلفة بناءً على مصالحها.

وأكد كذلك على ضرورة الأخذ في الاعتبار عدم القدرة على التنبؤ بالديناميكيات الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على العلاقات بين الدول المعنية مما يجعل مستقبل أي تحالف أو تعاون غير مؤكد.

وعلى الرغم من ذلك، يرى المعهد أن التطورات الأخيرة، وخاصة "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، تشير إلى إمكانية تحسن العلاقات بين إيران ومصر.

 لاسيما وأن البيئة الحالية مواتية للحوار والمصالحة خاصة على ضوء وجود حوافز مهمة مثل الاستقرار الإقليمي والتعاون الاقتصادي.

وخلص إلى التأكيد على أن "قدرة طهران والقاهرة في تجاوز العقبات والبدء في فصل جديد في علاقاتهما ستكون حاسمة خلال الأشهر المقبلة."