أساليب عسكرية.. كيف تسببت مصر بتدشين 3 موجات من الانقلابات في تاريخ إفريقيا؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

استعرض معهد "الدراسات الأمنية" الإفريقي تاريخ الانقلابات في القارة الإفريقية، مقسما إياها إلى 3 موجات رئيسة.

وقال المعهد إن "الإطاحة بالملك فاروق عام 1952 على يد الجيش المصري كانت بمثابة طليعة التدخلات العسكرية للاستيلاء على السلطة السياسية في إفريقيا".

منذ ذلك الحين، حدث 100 انقلاب ناجح في 35 دولة، ولذلك لا يرى المعهد أن الزيادة الأخيرة في عدد الانقلابات مثيرة للقلق، لأن الظاهرة ليست جديدة.

وأضاف: "لم تكن الانقلابات في إفريقيا تحدث بشكل منتظم عبر الزمن"، مشيرا إلى تباين أسبابها، والجهات المشاركة فيها، والعواقب من انقلاب لآخر.

وكل موجة من الانقلابات أدت عادة إلى تشديد استجابات الدول والمنظمات الإقليمية والقارية، الأمر الذي أسهم غالبا في السيطرة على تهديد الانقلابات لفترة، حتى تشكل موجة أخرى منها، وفق المعهد.

وأردف: "بينما تترنح القارة تحت وطأة الموجة الثالثة حاليا، فإن الهيئات الحكومية الدولية مثل الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) تعتمد على الاستجابات التي طُورت بعد الموجتين السابقتين".

وطرح معهد "الدراسات الأمنية" سؤالا: كيف تطورت الانقلابات منذ عام 1952، وهل نحتاج إلى تطوير السياسات الرامية لمنعها؟

3 موجات انقلابية

وأورد المعهد الإفريقي أن "هناك ثلاث موجات كبرى من الانقلابات في إفريقيا ما بعد الاستقلال".

الأولى كانت بين الستينيات والسبعينيات، وشهدت الإطاحة بقادة التحرير الذين تعارضت رؤيتهم السياسية مع مصالح القوى الاستعمارية الكبرى، وتفاقم ذلك بسبب فشل القادة في تلبية تطلعات المواطنين.

ونظرا للتنافس بين القوى العظمى في الحرب الباردة وظهور دول الحزب الواحد والديكتاتوريات، فقد ألهمت مجموعة من المشكلات كبار الضباط العسكريين لقيادة الانقلابات.

وأوضح المعهد أن "عمليات الاستيلاء على الحكم كانت دموية بشكل عام، وأدت إلى مقتل 12 من القادة الأفارقة، بالإضافة إلى عمليات قتل خارج نطاق القضاء، وانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، خاصة في غرب إفريقيا".

وأفاد أن "بعض الانقلابات أشيد بها، لأنها أوقفت حكم الحزب الواحد والحكم مدى الحياة، وأسفرت الموجة الأولى عن إعادة ترتيب مبكرة للمشهد السياسي في إفريقيا ما بعد الاستقلال".

وجاءت الموجة الثانية من عام 1990 حتى 2001، في أعقاب فشل الزعماء الأفارقة في الثمانينيات، وأغلبهم من العسكريين، في تبني الديمقراطية وتلبية احتياجات المواطنين.

وعلى الرغم من تشابه دوافعها مع الموجة الأولى، فإن الموجة الثانية قادها إلى حد كبير ضباط عسكريون من الرتب الوسطى، ووعدوا بمعالجة سوء الإدارة الاقتصادية.

"وعلى عكس ما حدث من قبل، كانت عمليات قتل القادة في هذه الموجة 14 بالمئة فقط، وشهدت انتهاكات أقل لحقوق الإنسان"، وفق المعهد.

وأورد أن "الموجة الثانية من الانقلابات هددت العديد من الزعماء الأفارقة، وكذلك الديمقراطية التي بدأت تتكشف في القارة في ذلك الوقت".

وتابع: "ردا على ذلك، تشددت المعايير الإقليمية والقارية تجاه الانقلابات، ما أدى إلى قرار الجزائر بشأن التغييرات غير الدستورية للحكومة، وإعلان لومي عام 2000".

واقتضى القرار الأول منع مدبري الانقلاب من حضور مؤتمرات قمم "منظمة الوحدة الإفريقية"، بينما اتخذ الثاني موقفا متشددا بعدم التسامح مطلقا مع الانقلابات.

وقال المعهد: "أدت هذه الإجراءات، إلى جانب انتشار الديمقراطية، إلى خفض أعداد الانقلابات بشكل كبير، منهية بذلك الموجة الثانية".

أساليب مختلفة

ومنذ عام 2021، اختلفت الموجة الثالثة - في السودان ومالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر والغابون - عن تلك التي حدثت في العقود السابقة.

وأفاد المعهد بأن دوافع هذه الموجة "شملت التلاعب بالدساتير الوطنية لتمديد فترات الرئاسة، وتزوير الانتخابات، وتدهور الأمن، وتزايد المشاعر المناهضة للاستعمار".

وقد تجلت هذه القضايا بشكل مختلف عبر البلدان، فقد كان الدافع وراء الانقلاب في النيجر هو "التدهور المستمر للوضع الأمني وسوء الإدارة الاجتماعية والاقتصادية".

وفي غينيا، انتقد المجلس العسكري الرئيس، ألفا كوندي، بسبب "سوء الإدارة والفساد وسوء الحكم".

وبينما أُطّر انقلاب الغابون على أنه محاولة لاستعادة الديمقراطية، فإن الدوافع كانت أكثر تعقيدا وتنوعا.

وذكر المعهد أن "عمليات الاستيلاء على السلطة في غينيا والنيجر والغابون كانت كلها بقيادة نخبة من الحرس الرئاسي، وليس الجيش".

وترتبط هذه السمة من سمات الانقلابات الحديثة بالدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية، حيث يكون الحرس الرئاسي في كثير من الأحيان أفضل تسليحا وتدريبا من الجيش النظامي.

وعلى هذا، فإن قربهم من الرئيس يتيح لهم إمكانية الإطاحة به، وبعد ذلك يمارس البعض الضغط من أجل تدخل الجيش، حسب معهد "الدراسات الأمنية" الإفريقي.

وفي النيجر، تلاشت التوقعات بأن الجنود سيقمعون الانقلابيين، عندما أعلن رئيس أركان الجيش، عبده صديقو عيسى، دعم العسكر للإطاحة بالرئيس محمد بازوم.

وشدد المعهد على أن "هذا يعكس تيارا خطيرا من التوترات الناشئة عن تسييس الجيش والمحسوبية في صفوفه".

انقلابات ذكية

ويعتقد المعهد أن الدوافع الأساسية المشتركة لهذه الموجة من الانقلابات تتمثل في أوجه العجز في الحوكمة وفشل النخب السياسية في تلبية توقعات المواطنين.

وأوضح أنه "على عكس الموجات السابقة، كانت الموجة الثالثة عبارة عن انقلابات ذكية غير دموية، فكثيرا ما احتُجز الزعماء المخلوعون لفترات مختلفة قبل إطلاق سراحهم بسبب الضغوط الدولية".

وفي النيجر، حد خوف الجيش من تعريض حياة الرئيس للخطر من دوره في قمع الانقلابيين، بحسب رئيس الأركان عبده صديقو عيسى.

وقال المعهد: "في حين أن البعد الدولي للانقلابات السابقة تمحور حول الأيادي الخفية للقوى الخارجية، فإن عمليات الاستيلاء الأخيرة كانت تحمل مسحة من المشاعر المناهضة للإمبريالية، ومعظمها ضد فرنسا".

وفي مالي، أدى ذلك إلى طرد القوات الفرنسية وإثارة اضطرابات مماثلة في النيجر.

وفي الوقت نفسه، استُخدمت عناصر عسكرية أجنبية -مثل مجموعة فاغنر الروسية- لتأمين البلاد بعد الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو، مع توقعات مماثلة في النيجر.

وأشار المعهد إلى أن "القائمين على الانقلاب في النيجر قاوموا الأعراف الإقليمية والقارية ضد التغييرات غير الدستورية للحكومات، بل تجنبوا التعامل مع "إيكواس" (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا).

وألمح إلى أهمية ما أسماه بـ"التحالف الانقلابي" بين الغابون والنيجر وبوركينا فاسو.

وبعد الانقلاب في النيجر، تعهدت بوركينا فاسو وغينيا ومالي بدعم المجلس العسكري، وهددت بالانتقام من التدخل العسكري الذي اقترحته "إيكواس".

وفي حين أن هذه الديناميكيات تميز الانقلابات المعاصرة عن سابقاتها، فإن الدوافع الأساسية مشتركة، وهي عجز الحوكمة، وفشل النخب السياسية في تحقيق توقعات مواطنيها، وفق معهد الدراسات الأمنية.

لذا، فرغم أن الموجة الثالثة عبارة عن انقلابات من نوع مختلف، فإنها في الأساس ظلال متباينة لنفس التهديد.

وأكد المعهد أنه "ينبغي لمجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي أن يدعو إلى إجراء مراجعة شاملة للأطر القائمة لمواجهة الانقلابات العسكرية وغيرها من التغييرات غير الدستورية للحكومات".

وشدد على أن "هناك حاجة إلى نهج متعدد الأوجه يعالج التحديات المباشرة التي تفرضها الانقلابات ومشكلات الحوكمة التي تغذيها".

وأضاف أنه لا بد من معالجة تناقضات "مجلس السلام والأمن الإفريقي" والتطبيق الانتقائي للمعايير القارية في التعامل مع الانقلابات، لأن هذا يقوض السلطة الأخلاقية للاتحاد في الاستجابة للأحداث.

واقترح المعهد "إنشاء لجنة العقوبات التابعة لمجلس السلم والأمن"، مؤكدا أن هذا يمثل أولوية من شأنها إظهار الإرادة السياسية ضد الانقلابات.

وختم بالإشارة إلى أن "هذا من شأنه أيضا أن يعزز جهود الاتحاد الإفريقي لمراقبة الدول التي علق عضويتها".

الكلمات المفتاحية