توترات خطيرة.. هل الحرب هي الحل لنزاع الحدود بين السودان وإثيوبيا؟

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة جنوب إفريقية إن الحدود المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا تشهد خلال الأسابيع الأخيرة، توترا واحتداما للصراع؛ بسبب النزاع حول ملكية منطقة حدودية خصبة، وسط احتمالات ببدء حرب مباشرة.

وأشارت صحيفة "ميل آند جارديان" إلى أن "السلطات الإثيوبية دعت إلى الحوار بشرط خروج القوات السودانية من المنطقة الحدودية المتنازع عليها، لكن كبار القادة في الجيش السوداني شددوا على أن الخرطوم لن تتراجع عن أراض تشكل بحسبهم أراض ذات سيادة".

ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري في مجلس السيادة السوداني قوله: إن "العودة إلى الوراء لن تكون من بين خيارات جيشنا.. لا يوجد تفاوض، هذه أرضنا".

فيما قال رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، في خطاب ناري مؤخرا، إن "السودان كان صبورا على هذه المنطقة الحدودية لفترة طويلة، وتحمل 25 عاما من التجاوزات والتهديدات والاتهامات، لكن كل شيء له حدود، لم نبدأ الصراع كما فعلت إثيوبيا، والآن العين بالعين".

صراع الحدود

ولفتت الصحيفة إلى أن "كلا الجانبين يدعي ملكية منطقة الفشقة الخصبة، ولطالما ادعى السودان أن الفشقة الحدودية المتنازع عليها تقع تحت السيادة السودانية، وفقا لترسيم الحدود الاستعماري عام 1902".

وأضافت أن "السلطات الإثيوبية رفضت الاعتراف بهذا الإجراء الحدودي خلال محادثات ديسمبر/كانون الأول 2020 في العاصمة الخرطوم، وانتهى الاجتماع كما انتهى عام 1998، دون اتفاق".

وأكدت الصحيفة أنه "مما زاد الطين بلة حقيقة أن الرئيس السوداني السابق عمر البشير قد حافظ على حدود ناعمة على مساحة 600 كيلومتر مربع من الأراضي الحدودية الخصبة لعقود، حيث سمح للمزارعين الإثيوبيين بالاستقرار في الفشقة مقابل دعم سياسي".

لكن منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وفي ظل حكومة انتقالية جديدة، تمركزت القوات السودانية على طول الحدود المتنازع عليها، بينما شنت إثيوبيا هجمات متفرقة احتجاجا على هذا الإجراء السوداني.

وقتلت العصابات الإثيوبية المسلحة المعروفة باسم "الشفتا" 8 مدنيين على الأقل في قريتي "ود عرود" و"الليا" على طول الحدود في وقت سابق من الشهر الماضي.

وأعلنت السلطات في المنطقة الحدودية بولاية القضارف السودانية، نزوح سكان 34 قرية قرب الحدود.

وبحسب المحلل السياسي السوداني محمد عبد العزيز، فإن الهجمات تنفذ من مليشيات من قبيلة الأمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، في محاولة لـ "تنفيذ هجمات إرهابية ضد المدنيين لترهيبهم ودفعهم لإخلاء المنطقة" .

وفي 13 يناير/كانون الثاني 2021، قالت وزارة الخارجية السودانية إن الطائرات الحربية الإثيوبية قد عبرت المجال الجوي السوداني، وهي خطوة وصفتها الوزارة بأنها "خطيرة وغير مبررة".

أزمة السد

ولا يتركز التوتر فقط على هذه المنطقة الحدودية ولكن أيضا في الجنوب، على طول حدود ولاية النيل الأزرق السودانية ومشروع إثيوبيا لتوليد الطاقة الكهرومائية الأكثر طموحا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى "سد النهضة الإثيوبي الكبير".

وشدد السودان منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، موقفه من المفاوضات الثلاثية بين إثيوبيا ومصر بشأن السد وتأثيره على مياه النيل.

وعلقت المحادثات بشأن السد، بعد أن طالب السودان بتغيير منهجية التفاوض، داعيا إلى دور أكبر للاتحاد الإفريقي في التوصل إلى اتفاق ملزم. 

ويعد أحد مطالب السودان الرئيسة هو اتفاق ملزم لتجنب ما فعلته إثيوبيا العام الماضي، أي ملء السد في يوليو/تموز 2020 دون تشاور.

وفي هذا السياق، قال وزير الري السوداني، ياسر عباس: إن "المضي في الملء بدون اتفاق يمثل مخاطرة كبيرة للسودان.. نحن بحاجة إلى العمل على عدم جعل هذا السيناريو يحدث، السودان ليس دولة ضعيفة يتسول من أجل حقوقه".

وعلقت الصحيفة قائلة: "لا تعد حقيقة أن السودان أصبح صارما فيما يتعلق بالمنطقة الحدودية والسد في الوقت الذي تركز فيه اهتمام إثيوبيا على نزاع إقليم تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مجرد صدفة".

وشن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد هجوما على الحزب الحاكم السابق الذي تحول أتباعه إلى متمردين في ما يسمى "جبهة تحرير شعب تيغراي" شمال إثيوبيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ويبدو أن الصراع شجع السودان والجهات الفاعلة الأخرى على اتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن العديد من الخلافات المعلقة طويلة الأجل -ليس أقلها- منطقة الحدود المتنازع عليها، بحسب الصحيفة الجنوب إفريقية.

وأوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، سيطر الجيش السوداني على منطقة خور يابس الحدودية في الفشقة، وبنهاية العام، قال وزير الخارجية بالإنابة عمر قمر الدين للصحفيين إن الجيش "استعاد" جميع المناطق الزراعية التي احتلها المزارعون الإثيوبيون  والمليشيات في المنطقة الحدودية المتنازع عليها.

وأفاد القائم بأعمال الوزير بأن السودان" لديه وثائق" تؤكد ملكية المناطق الحدودية التي ينتشر فيها الجيش، قائلا إنه "يتم وضع علامات كل كيلومترين لتحديد المنطقة".

وفي السياق، اتهم سفير أديس أبابا في الخرطوم، يبلتال أوميرو، الجيش السوداني باستغلال الحرب في منطقة تيغراي للاستيلاء على الأراضي المتنازع عليها.

وادعى أوميرو أنه "عندما انتقلت قوات الدفاع الوطني الإثيوبية إلى منطقة تيغراي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، استغل الجيش السوداني الفرصة ودخل في عمق الأراضي الإثيوبية، ونهب الممتلكات، وأحرق المعسكرات، واعتقل الإثيوبيين، وهاجمهم وقتلهم أثناء نزوحهم بالآلاف".

حرب بلا جدوى

وقال الصحفي ومحلل الاستخبارات السابق بوزارة الخارجية الإثيوبية، شالاتشو تاديسي: "لم يكن السودان ليتحرك شبرا واحدا لولا حرب تيغراي، أعتقد أنهم يتحركون من خلال تنحية مفاوضات الحدود جانبا، معتقدين أن الجيش الإثيوبي لن يخاطر بالقتال على جبهتين".

وبعد تصاعد التوترات بينهما، قالت الصحيفة: "من المرجح أن يتفق الطرفان على عدم استفادة أي من الطرفين من الحرب".

فيما أوضحت الصحيفة أنه "بينما يعاني السودان من التضخم المفرط وخطوط الخبز الطويلة واتفاقيات السلام مع الجماعات المتمردة السابقة داخل حدوده، فإن الجيش الإثيوبي منهك، ويتعامل بالفعل مع صراعات داخلية متعددة".

ويتصارع آبي أحمد مع الصراع في الشمال في تيغراي، وأورومو في جنوب ووسط إثيوبيا، فيما تدعو جماعة "Sidema" العرقية في جنوب غرب إثيوبيا إلى الحصول على الحكم الذاتي، وكان في البلاد حوالي 1.8 مليون نازح داخلي حتى قبل بدء الصراع في تيغراي.

لكن النزاعات المتعددة والصداع الاقتصادي "قد لا يكون السبب الرئيس لعدم رغبة أي زعيم في خوض الحرب"، حيث يشير بعض المحللين إلى أن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك وأحمد صديقان، إذ أمضى حمدوك وقتا طويلا في العيش والعمل في أديس أبابا، ووفقا لبعض المصادر "لا يزال قريبا جدا من نظيره الإثيوبي".

لكن مدى سيطرة أي من الزعيمين على الوضع المضطرب أمر قابل للنقاش، حيث تعرضت سلطة حمدوك للخطر بشكل متكرر من قبل الجيش الذي يتخذ على ما يبدو قرارات رئيسة في السياسة الخارجية، دون استشارة الحكومة المدنية.

وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن يستفيد الجيش السوداني سياسيا من مثل هذا الصراع مع إثيوبيا، وفق الصحيفة.

وقال الصحفي ومحلل الاستخبارات السابق بوزارة الخارجية الإثيوبية، شالاتشو تاديسي: "من الواضح أن جنرالات السودان داخل مجلس السيادة يريدون حربا مفتوحة مع إثيوبيا لتعزيز سلطتهم ضد الجزء المدني من الحكومة الانتقالية، واكتساب المزيد من الشرعية من خلال التذرع بالوطنية باسم وحدة الأراضي، وهذا ما تشير إليه تصريحاتهم  الأخيرة".

وختمت الصحيفة تقريرها بالقول: "بالمثل أيضا، من غير الواضح مدى تأثير أحمد على المليشيات الأمهرية التي قامت بتهجير السكان السودانيين عمدا لاستعادة الأراضي الحدودية، حيث يعتمد على هذه المليشيات القبلية نفسها لمواجهة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي منذ أن فقد الدعم من مجتمعه العرقي الأورومو الذين يشكلون أكبر مجموعة في إثيوبيا".