في ذكرى طرد البريطانيين.. كيف أعادت الإمارات أطماع الغرب إلى عدن؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 14 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، يحتفل اليمنيون بذكرى ثورتهم التي اندلعت عام 1963، ضد الاستعمار البريطاني جنوبي اليمن.

كانت ثورة 26 سبتمبر/أيلول التي اندلعت عام 1962 في الشمال قد ألهمت الجنوبيين للقيام بثورتهم ضد الاستعمار البريطاني، ولم تمر إلا سنة واحدة حتى قام الجنوبيون بثورتهم التي أسفرت لاحقا عن طرد البريطانيين وإعلان  جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

نجاح ثورة اليمنيين في شمال اليمن التي أنهت نحو 1000 عام من حكم الإمامة، شجعت الجنوبيين للقضاء على نحو 129 عاما من الاستعمار البريطاني لعدن.

ويأتي احتفال اليمنيين بذكرى ثورة 14 أكتوبر التي طردت الاحتلال البريطاني، بالتزامن مع أطماع دول غربية كبرى للعودة إلى احتلال عدن وبناء قواعد عسكرية فيها، عبر الإمارات، التي تمثل أداة بيد دول كبرى، وتقوم بدور وظيفي يجعل عدن خاضعة لها، وذلك حسب حديث للاستقلال أدلى به القيادي الجنوبي عادل الحسني.

يضيف الحسني: "الإمارات اليوم تنفذ مخططا لدول كبرى، وذلك للعودة إلى عدن والمدن الجنوبية، في وقت زادت فيه التجاذبات الإقليمية والتنافس على النفوذ في المنطقة، غير أن الشعب أصبح أكثر وعيا بهذه المؤامرة، وإن تغير شكلها وتبدلت أدواتها".

دور مشبوه

منذ تدخل الإمارات في عدن صيف 2015، بحجة إنهاء الانقلاب الحوثي ودعم الحكومة الشرعية، وهي تعمل على فصل الجنوب عن الشمال، وذلك بإنشاء مليشيات مسلحة، ودعم الانقلابات على الحكومة الشرعية، ومنع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن وممارسة مهامها هناك.

بالإضافة إلى ذلك، عملت الإمارات على إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يدعو إلى فصل الجنوب عن الشمال بناء على الأسس الجغرافية التي كانت موجودة أثناء الاستعمار البريطاني.

كان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي قد أجرى زيارة إلى بريطانيا في مارس/آذار 2019، ومن أحد فنادقها أدلى بتصريح ووجه تحية إلى بريطانيا بصفتها شريكا أسهم في إرساء النظام والقانون بعدن.

تصريح الزبيدي أثار غضب الكثيرين الذين انتقدوا تصريحه ووصفوه بأنه "قلب للحقائق، من خلال توصيف بريطانيا بالشريك لا بالمحتل الذي استعمر عدن لأكثر من 129 سنة".

علاقة بريطانيا بالشخصيات والكيانات الانفصالية عرفت بها منذ عقود، فهي تستضيف شخصيات سياسية انفصالية من بعد محاولة الانفصال في مايو 1994، ثم قللت، بعد ذلك، من شأن المجلس الانتقالي الذي بات المتحكم بعدن وعدد من المحافظات الجنوبية.

ويلعب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفث، البريطاني الجنسية دورا مشبوها بهذا الخصوص، حيث سعى وراء اتفاق الرياض الذي منح المجلس الانتقالي شرعية ومنحه نصف الحكومة.

وتشرف بريطانيا على الشأن اليمني ضمن اللجنة الرباعية المختصة باليمن، بجانب أميركا والسعودية والإمارات، ومنذ إشرافها على ملف اليمن، والحكومة الشرعية يتزايد تقويضها، في مقابل تقوية موقف المجلس الانتقالي في عدن والمحافظات الجنوبية.

قصة الاحتلال

كانت عدن بما لها من موقع إستراتيجي، محط أنظار البريطانيين، لكن بريطانيا كانت تبحث عن سبب للاحتلال، فحصل أن وقعت حادثة جنوح ثم غرق سفينة هندية تحمل العلم البريطاني بالقرب من ساحل عدن، فادعى الإنجليز أن سكان عدن هاجموا السفينة ونهبوا حمولتها.

بعدها طالب الإنجليز بالتعويض، ثم تراجعوا عن مطلبهم وقرروا عدم القبول بالتعويض، وشن القبطان البريطاني ستانفورد هينس قصفا مدفعيا على سكان عدن، أسفر عن احتلالها والاستيلاء عليها في 19 يناير/كانون الثاني 1939.

ورغم نجاح ثورة اليمنيين في الجنوب في إنهاء الاحتلال البريطاني لعدن، إلا أنها لم تتمكن من طرد آخر جندي بريطاني إلا في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، أي بعد حوالي 4 سنوات من اندلاعها، خاضت فيها القوات اليمنية الجنوبية، بما لديها من أسلحة متواضعة، مواجهات مسلحة مع القوات البريطانية، أسفرت عن خروجهم في نهاية المطاف.

القضاء على الملكيين شمالي اليمن، مر بنفس التجربة التي خاضها الجنوبيون في عدن، فلم يتمكن الثوار الجمهوريون في الشمال من القضاء على الملكيين إلا بعد مرور أكثر من 5 أعوام بسبب دعم السعودية للملكيين وقيامهم بثورة مضادة، غير أن المعركة انتهت بهزيمة الملكيين في فبراير/شباط 1968، عقب حصار السبعين (حصار صنعاء 70 يوما)، ثم اعتراف السعودية بالجمهوريين عام 1970.

مصدر إلهام

بحسب مختصين، فإن صنعاء لم تكن مصدر إلهام لعدن فحسب، بل كانت ملتقى الثوار الجنوبيين، وملاذهم الآمن من بطش البريطانيين في عدن، وقد مثلت صنعاء بما فيها من قيادات ثورية فرصة لرسم المخططات الثورية التي تم تنفيذها لاحقا في الجنوب.

في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2010، وفي الذكرى 47 لاندلاع ثورة 14أكتوبر، تناقلت صحف يمنية مقالا مطولا لعلي أحمد السلامي أحد مؤسسي حركة القوميين العرب، فرع اليمن التي تشكلت عام 1959 في عدن.

السلامي قال: "ثورة 26 سبتمبر 1962 خلقت في عدن وفي كل مناطق الجنوب ظرفا هيأ ومهد وأوجد مناخا ممتازا لقيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة، ولذلك هب الشعب كله لمقاومة الاحتلال البريطاني بدعم وتأييد من ثوار سبتمبر العظيم".

علاوة على ذلك، فإن عددا من القيادات الجنوبية بعدن، تم تعيينهم في مناصب رسمية في حكومة الشمال التي تم تشكيلها بعد ثورة 26 سبتمبر، فقد تم تعيين قحطان الشعبي مستشارا لرئيس الجمهورية العربية اليمنية لشؤون الجنوب.

عقب ذلك، أصبح الشعبي أول رئيس لجمهورية اليمن في الجنوب في الفترة من 1967 إلى 1969 والتي عرفت فيما بعد بجمهورية اليمن.

وبخلاف الشعبي كثير من القيادات السياسية الجنوبية التي كانت جزءا من التشكيلة الحكومية في الشمال، وقامت بدور في إعلان الثورة على البريطانيين في عدن.

علاقة وجودية

في حديث للاستقلال يقول الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي: "العلاقة بين ثورة 14 أكتوبر وثورة 26 سبتمبر علاقة وجودية، بمعنى أن ثورة أكتوبر نتاج طبيعي لثورة 26 من سبتمبر، وهي تعني أن الشعب اليمني موحد حتى قبل أن يتم إعلان الوحدة بشكل رسمي".

يضيف التميمي: "كان هناك متطوعون من الجنوب قدموا لمساعدة الثورة اليمنية، وفور القضاء على النظام الإمامي، تأسست حكومة في الشمال، وكان فيها وزراء جنوبيون معنيون بملف الجنوب المحتل، كان يسمون على سبيل المثال، وزير شؤون الجنوب، وزير شؤون الوحدة، وهكذا".

وتابع: "ليس غريبا أن تكون قاعدة انطلاق ثورة 14 أكتوبر في الشمال، وفي مدينة تعز على وجه التحديد، وأن الاجتماع التي اتخذ فيه قرار إطلاق ثورة 14  أكتوبر كان في تعز، وفي إحدى مدارس "الأعبوس"، فقد اتخذ القرار هناك، ثم انطلقت الثورة".

ورغم أن السردية التاريخية تقول: إن ثورة الجنوب انطلقت من جبال ردفان بعدن، لكن التأسيس والتحضير وانطلاق الفكرة كان من الشمال، ثم بعد ذلك انحصر الإمداد التسليحي والقتالي والمادي والمعنوي بالشمال، أي كان مصدره الشمال، وفق التميمي.

الوحدة اليمنية

يتابع الكاتب اليمني: "لهذا فأهداف ثورة 14 أكتوبر جاءت متناغمة مع أهداف ثورة 26 سبتمبر، وكانت الوحدة اليمنية حاضرة في قلب هذه الثورة، وكانت واحدة من أهدافها هي إعادة الوحدة اليمنية، وليس غريبا أن تتأسس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على هذا الأساس، على أنها صيغة مؤقتة إلى أن يصل اليمنيون إلى اتفاق لتأسيس وإعادة دولتهم الموحدة".

مضيفا: "إذن لا أحد يستطيع أن ينكر فكرة أن ثورة 14 أكتوبر في الجنوب كانت منتجا من منتجات ثورة 26 سبتمبر في الشمال، وبالتالي اليوم إذا كان هناك من استثمر في إعادة تقسيم المجتمع وخلق تلك الفرقة والانقسام بين مكونات المجتمع اليمني، على أساس مناطقي أو على أساس مذهبي".

ويجزم التميمي: "أعتقد أن هذا الاستثمار لن ينجح في طمس حقيقة أن اليمنيين متفقون على أهمية أن تبقى بلدهم موحدة، بدليل أن تطورات الأحداث خلال الست السنوات الماضية مضت باتجاه ما أراده من استثمر أصلا لتمزيق اليمن وإعادة تقسيمها".

وتابع: "اليوم بات هناك من يرفض فكرة تقسيم البلاد، بعد أن قدم المتآمرون على اليمن نموذجا سيئا، وبات اليمنيون مدركين، خصوصا في المحافظات الجنوبية، أن المستقبل سيكون سيئا إذا ما استمر هذا الانقسام وهذه الفرقة بين مكونات المجتمع، لأن الخارج واضح أنه خطط لتدمير بلد بكامله".

ويختم المحلل السياسي: "الشعب اليمني أصبح في حالة يقظة تامة، وفي حالة استعداد تام لمواجهة مخططات الدول حتى تلك الدول التي تدعي أنها جاءت لدعم اليمن  (السعودية والإمارات)، على الأقل بعضها الذي أراد أن ينحاز للجنوب ولمشروع الانقسام".