الحوادث العنصرية والإرهابية والطريق إلى تفاديها

د. عبدالله الأشعل | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مذبحة المسجدين فى نيوزيلاندا، لا يجب أن تمر دون تبصّر وتحليل ووقفة جدية لمعالجة الظاهرة الإرهابية عند المسلمين وضد المسلمين. فقد كتب القاتل على رشاشه الذي حصد به أرواح المصلين الأسباب التاريخية لهذه المذبحة، ولن تكون هذه المذبحة هي الأخيرة.

أما الظاهرة الإرهابية فلها أبعاد متعددة تنفخ فيها وتغذيها عوامل مختلفة بعضها يرجع إلى التاريخ كما فى حالة القاتل في نيوزيلاندا، وبعضه يرجع إلى سلوك بعض المسلمين والقيادات الإسلامية كما يرجع بعضها إلى ضعف الدول الإسلامية وضعف مركز المسلمين في الدول غير الإسلامية، مثلما ترجع بعض العوامل إلى حالة الكراهية والمؤامرة ضد الدين وضد أتباعه. وهذه العوامل كلها يجب أن يجتمع العقلاء من جميع المعسكرات لتحليلها ووضع التوصيات اللازمة لتوقيفها.

ذلك أن حركة السكان لا يمكن وقفها والاختلاط بين المجتمعات لايمكن الحد منه، وأن اليمين المتطرف فى كل الشرائع من العوامل المباشرة لهذه الحوادث. وعلى سبيل المثال فإن داعش (تنظيم الدولة) اختراع غربي حل محل القاعدة وطالبان وكافة التيارات الإسلامية المتطرفة فى الدول الإسلامية. وقد استخدمت داعش من جانب بعض الدول الإسلامية ضد بعضها الأخر يوم صار الإرهاب أداة سياسية فى إطار الصسراعات الإقليمية والدولية، ولكن يجب أن نقدم للموضوع بعدد من الملاحظات التي قد تفيد فى أى لقاء محتمل لأن الخطر على الجميع.

الملاحظة الأولى؛ هى أن الشرائع منزلة من الله كما أن الشرائع الأرضية فلسفات إنسانية راقية تمثل أكثر من نصف عدد سكان الكرة الأرضية وكلها تحض على الفضيلة والتسامح والعودة إلى القيم الإنسانية وحفظ النفس الإنسانية.

وتطبيقا لذلك لا يوجد إرهاب إسلامى أو إرهاب مسيحي أو إرهاب يهودي أو إرهاب بوذي أو غيره، وأن تفسيرات رجال الدين للدين ليست بديلا عن الدين فالدين مصدر الهداية وأتباع الدين هم الذين يتصارعون لمكاسب مادية، وعندما يتصارعون فإنهم ينقلبون إلى الطابع الإجرامي الذي يفارق كل شريعة وعقيدة.

الملاحظة الثانية؛ هي أن المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية والبوذية وغيرها فقدت مصداقيتها لعدم قدرتها على الالتزام بصحيح الدين، وبسبب تدخل الهوى السياسي في تصرفاتها، فقدَ العامة القدوة بل وجدوا ارتباكا لمواقف المؤسسات الدينية المختلفة مما أفقد العامة الثقة فى الدين نفسه فانتشر الإلحاد. هذه الحالة هي المسؤولة عن جميع الجرائم بما في ذلك مفارقة المؤمن لطريق الله إلى طريق الضياع والإلحاد.

الملاحظة الثالثة؛ هي أن مختلف الأطراف في أي صراع دولي أو داخلي توظف الدين ولعل الوضع فى مصر والسعودية وغيرها من الدول الإسلامية مرآة لما نقول دون تفصيل لأن التفصل له سياق آخر.

الملاحظة الرابعة؛ هي أن الأقليات الإسلامية عندما تغادر بلادها إلى بلاد غير إسلامية تحمل معها ثلاثة عقد.

  • العقدة الأولى: هي حالة الضيق التي عاناها المسلمون في بلادهم الأصلية فاستجابوا لنداء القرآن الكريم لقوله تعالى ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.
  • العقدة الثانية: هي تجذر الثقافة المنحرفة عند المسلمين المهاجرين فتصطدم بواقع جديد ونفوس مشحونة بكثير من العقد مما لاحظناه خلال حديثنا فى مختلف العواصم الغربية. ومن أسف أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية يحتضن لجنة كنت عضوا فيها وهي لجنة الحوار بين الإسلام والغرب ومن الواضح أن أسم اللجنة غير دقيق وأن عمل اللجنة لا يتسم بالجدية التي يقتضيها التحدي.
  • العقدة الثالثة؛ هي استقبال المسلمين المهاجرين لأصحاب الأرض وصورة أصحاب الأرض عندهم وكذلك صورتهم عند هؤلاء ثم أن المهاجرين يحتاجون إلى دورات حتى يمكن أن يتأقلموا في سلوكهم مع البيئة الجديدة.

الملاحظة الخامسة؛ هي أن نقاشا مطولا بدأ ولن ينتهي حول وضع الأقليات الإسلامية في أوروبا وغيرها خاصة بعد أجيال من العيش المشترك في هذه البلاد. وكان الطريق الأمثل الذي لم يحاوله أحد هو أن يسهم المسلمون بتعاليم دينهم في حضارة البلاد التى يعيشون فيها وتنقية المتناقضات الاجتماعية حتى يكون عنصرا فاعلا في المجتمعات الوطنية وألا يكون عبئا على هذه المجتمعات من الناحية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.

الملاحظة السادسة؛ لاشك أن الدول الأوروبية والدول الإسلامية لم تبذل جهداً مشتركا فى توفير الرعاية والتطور للأقليات الإسلامية، وهذه الأقليات عادة في مجملها تكون ناقمة على نظم الحكم فى بلادها وكذلك تشعر بالانكسار تجاه المجتمعات الجديدة فتبذل جهودا جبارة للتعايش، ولكن هذه الجهود ليست فى مكانها الصحيح.

صحيح أن بعض أفراد هذه الأقليات قد استفاد من البيئة الأقرب من الإنسانية ولكن عدم إدراك وضع الدين في هذه المجتمعات وبالنسبة للمهاجرين أربك الحسابات. فليس صحيحا أن هؤلاء المهاجرين مهمتهم هداية المجتمعات الأوروبية إلى الإسلام، وليس صحيحا أن هذه المجتمعات لديها اضطهاد جاهز ضد هذه الاقليات، فقد رأينا سلوك هذه المجتمعات مع المهاجرين السوريين والاحتجاجات التي اندلعت في ربوع أوروبا تندد بمذبحة المسلمين في نيوزيلاندا.

الملاحظة السابعة؛ هي ضرورة وقف خطاب الكراهية الذي تشنه جهات تنتمى اسميا إلى الشرائع السماوية الثلاثة وإلى البوذية بل إن رجال الدين البوذيين كانوا يقودون عمليات إحراق المسلمين فى بورما.

الملاحظة الثامنة؛ هى أن حقوق الأقليات الإسلامية من الناحية العددية في الدول غير الإسلامية يجب حمايتها بالقانون الدولي والدساتير الوطنية، وليس مطلوبا من الدول الإسلامية أو بعضها أن تتصدى لحماية هذه الأقليات، وبعضها أهالي البلاد التي تدين بدين مختلف، مثل الصين. وهذه القضية هي التي دفعت الأتراك إلى الدفاع عن الإسلام والأقليات الإسلامية وأنهم يشعرون أن انتصارات العثمانيين بعد فترة الحروب الصليبية هي التي دفعت إلى حالات الانتقام من المسلمين ومثال ذلك ما كتبه صاحب مذبحة نيوزيلاندا.

وأخيرا، يجب على المسلمين في الدول غير الإسلامية ماداموا يتمتعون بالجنسية أن يسلكوا سلوكا يجعلهم محل احترام المجتمعات المحلية وأن يعكسوا صحيح دينهم وليس التهويمات التى رسمت صورة سلبية لهذا الدين، ونؤكد في النهاية أن الأديان حجة على اتباعها وليس سلوك هؤلاء الاتباع هو الدين.

من ناحية أخرى، يجب الانتباه إلى بعض المقولات التي ترددت عقب المذبحة وأهمها أن المسيحيين صبروا طويلا على سخافات المسلمين وأن هذه المذبحة هي أول رد من المسيحيين على المسلمين وفي مساجدهم حتى لا يضار أحد من غير المسلمين فى المذبحة وهذه المقولة منتشرة في الكثير من الأوساط داخل الدول الإسلامية وخارجها ورغم تفاهتها وسفاهتها وعدم إنصافها إلا أنها تستحق المناقشة والتفنيد.