حرب باردة.. هل تستطيع بريطانيا كبح الاستحواذ الصيني على هونغ كونغ؟

محمود سامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تواجه بريطانيا كُلفة اقتصادية وسياسية كبيرة، بعد أن اختارت الصين "بابا خلفيا" يسمح لها بتطبيق قوانين من جانب واحد، على مدينة هونغ كونغ (ذات الحكم شبه الذاتي)، والتي تعد جوهرة التاج البريطاني الاقتصادي والمستعمرة السابقة.

وفي 28 مايو/ أيار 2020، وافقت الجمعية الوطنية الشعبية الصينية (البرلمان)، على قرار بالمضي قدما نحو تشريع الأمن القومي لهونغ كونغ، الذي يخشى ناشطون في المدينة، ودول غربية من تهديده استقلالها وحرياتها الخاصة.

وينص القانون بشأن الأمن القومي -لم يتم الانتهاء منه بعد- على عقوبات للأنشطة الانفصالية والإرهابية والتخريب والتدخلات الأجنبية في المنطقة الصينية.

وقررت بكين فرض هذا القانون بعد موجة من المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في العام 2019، مما أثار معارضة دولية وأدى لعودة الاضطرابات إلى المدينة، التي تعد مركزا ماليا عالميا، يضم سبعة ملايين نسمة.

وحال تمرير القانون، وفق مراقبين، سيسمح للصين بوضع إجراءاتها الأمنية الخاصة، مثل الشرطة السرية والاحتجاز التعسفي للناشطين والمعارضين لبكين في هونغ كونغ، بخلاف تدمير وعد "دولة واحدة، ونظامان" المقرر أن يستمر حتى عام 2047.

وكانت المملكة المتحدة قد أعلنت في إطار الاحتجاجات الدولية على القانون الصيني عن خطط لمنح مزيد من الحقوق لسكان المستعمرة البريطانية السابقة، ممن يحملون "جواز سفر بريطانيا لما وراء البحار".

كما أدانت بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا الخطوة الصينية، حيث حث وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، بكين على "التراجع عن حافة الهاوية". فيما ردت الصين "بسخط" على الانتقادات لقوانينها الأمنية الجديدة المقترحة في هونغ كونغ، وهددت بـ"الإجراءات المضادة".

ليس مجرد قانون

الباحث المغربي في العلاقات الدولية والمتخصص في الشأن الصيني، عثمان أمكور، قال: إن توجه بكين نحو إقرار مشروع قانون للأمن القومي في هونغ كونغ " سيعرض وضع المدينة المتمتع بالحكم الذاتي للخطر، ويظهر ما يمكن أن يحدث مع الجموح الصيني، الذي لم يعد مقيدا بالخوف من توبيخ دولي".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، توقع أمكور أن يكون للقانون آثار أكثر عمقا بكثير من مشروع قانون تسليم المجرمين، الذي تم التخلي عنه (من جانب بكين) بعد أن تسبب في احتجاجات المنطقة الإدارية الخاصة عام 2019.

وأوضح أن "بريطانيا لا يمكنها فعل الكثير تجاه القانون؛ وذلك بفعل موقفها السياسي من هونغ كونغ؛ التي لم تعد مستعمرة بريطانية".

وعزز ذلك، وفق أمكور، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أفقدها غطاء سياسيا مهما، ووضعها الاقتصادي المتأثر بالخروج أو تداعيات جائحة فيروس كورونا، بخلاف سعيها نحو عقد شراكات اقتصادية جديدة مع شركاء جدد الصين على رأسهم.

وأي تدخل محتمل لبريطانيا في المدينة، بحسب الباحث المغربي، قد يدفع الصين ليس فقط إلى عدم إنجاز اتفاق (تجاري/ اقتصادي) ثنائي متوازن، ولكن أيضا إصدار مقاطعات اقتصادية للسلع البريطانية، وهو ما سيخلف ضررا كبيرا على المملكة المتحدة، ستكون عاجزة عن مواجهته.

وشدد على أنه "يمكن القول: إن بريطانيا لا تملك الكثير لتقوم به للضغط على الصين فيما يخص الحاصل في هونغ كونغ".

وتعد هونغ كونغ محطة مناسبة للتحالفات الاقتصادية، ليس فقط لدورها التجاري؛ ولكن كموقع جيوإستراتيجي مهم مطل على منطقة بحر الصين.

وفي 1984 أعلن عن معاهدة مسجلة لدى الأمم المتحدة، نصت على أن تعود هونغ كونغ إلى السيادة الصينية بعد استعمار بريطاني بحلول عام 1997.

ونصت على أن يبقى النظام السياسي والاقتصادي الخاص بالجزيرة دون تغيير لمدة 50 عاما قادمة، أي حتى العام 2047، بموجب "دولة واحدة، ونظامان".

كما ينص الدستور المصغر لهونغ كونغ (القانون الأساسي)، على أن المنطقة الإدارية الخاصة، لها صلاحية تمرير قوانينها في مسائل الحماية من الانفصال والفتنة والتخريب.

وتدعي الصين أن عرض منح الجنسية البريطانية لمواطني المدينة، ينتهك إعلان 1984 بشأن استئناف سيادتها على هونغ كونغ، إذ تجادل الآن أنه بمجرد اكتمال التسليم، أصبح الإعلان لاغيا فعليا.

وفي العام 2019، أعلن مواطنو هونغ كونغ تمسكهم بالديمقراطية ونظامهم الأساسي في الانتخابات المحلية التي أجريت بعد ستة أشهر من نزاع بالمدينة حمَّلته السلطات الصينية وقتها لـ"أقلية من المخربين" و"التدخل الأجنبي".

توابع المشروع

وفق المؤشرات السابقة، أكد الباحث المغربي أمكور أن بكين تخرق من خلال تدخلها في النظام السياسي لهونغ كونغ التزامها لعام 1984 بالحفاظ على حقوق وحريات الشعب، وتوجه ضربة للنظام الأساسي المستقل للمدينة.

وأوضح أن صعود القوى الديمقراطية في هونغ كونغ يشكل تهديدا ملازما للحزب الشيوعي الحاكم في الصين.

وأشار أمكور إلى أن الحزب الحاكم الصيني يرى في مشروع التشريع الجديد حماية لنفسه من ذلك التحدي الذي تثيره الاحتجاجات في المدينة، بخلاف حمايتها من عدم الاستقرار والفتنة.

وأضاف: "لذلك ترى الصين أحقية لها في التشريع بدون موافقة المشرعين في هونغ كونغ". كما ذهب أمكور إلى أن الإعلان المشترك حول هونغ كونغ، باعتباره معاهدة ملزمة قانونا بين المملكة المتحدة والصين، لا يمكن تطبيقها في هذه الظرفية الحالية.

وأشار إلى أن المنظمات الدولية الكبرى تشهد أسوأ أوضاعها بسبب تجاذبات الصين والولايات المتحدة، مستشهدا بما يجري في منظمة الصحة العالمية التي انسحبت منها واشنطن وكذلك المنظمة العالمية للتجارة التي تهدد أيضا بالانسحاب منها.

وأضاف أن الأمم المتحدة بدورها ليست في أحسن حالاتها؛ لذا حتى وإن كانت الاتفاقية معاهدة ملزمة للطرفين فالواقع يجعل دولا من بينها الصين تعلو على قواعد القانون الدولي الملزمة عادة لأطراف المعاهدات.

كما اعتبر أن ما يجري في هونغ كونغ وعلاقته بالمجتمع الدولي، قريب الصلة باستيلاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، ما مثّل انتهاكا للقانون الدولي والالتزامات الدبلوماسية السابقة لموسكو، وجعلها منبوذة دوليا لفترة من الوقت فقط.

وتابع: أن "الوضع في هونغ كونغ مستتب أصلا للصين منذ 1997 رغم حيز الديمقراطية العالي الممنوح لهذا الإقليم".

وردا على سؤال حول مقدرة رئيس الوزراء بوريس جونسون منح الجنسية البريطانية لنحو نصف سكان هونغ كونغ، أوضح أمكور أنه قرار "مثير للمخاطر مع الصين، ومن الصعب أن يتجسد على أرض الواقع؛ رغم كونه ورقة ضغط حقيقية".

وثمة عقبات أوردها الباحث المغربي تقف حائلا أمام قدرة بريطانيا على "تجنيس" مواطني هونغ كونع، أبرزها "متطلبات التغيير الكبيرة في لوائح التأشيرات، وهو ما يستوجب إمكانيات اقتصادية لا تتوفر بها".

وهناك ما يزيد عن 300 ألف شخص يحملون جوازات سفر بريطانية (في الخارج)، وقد يصبح 2.5 مليون شخص مؤهلين للحصول على جواز سفر بموجب عرض بريطانيا.

ولا يزال هناك الكثير من الغموض حول شكل "طريق المواطنة" الذي اقترحه جونسون ومن الذي قد يكون مؤهلا تماما، وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وفي 3 يونيو/حزيران، قال: جونسون إن بريطانيا ستغير قواعد الهجرة الخاصة بها وستمنح ملايين الأشخاص في هونغ كونغ خيارا بديلا للحصول على الجنسية، في حال أصرت بكين على فرض قانون جديد للأمن القومي في المنطقة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي.

وأوضح جونسون في مقال له في صحيفة "التايمز" أنه لن يكون هناك خيار أمام المملكة المتحدة إلا أن تحافظ على علاقاتها مع الإقليم.

ملاذ غير آمن

كما أفادت صحيفة الغارديان في 3 يونيو/ حزيران أنه على الرغم من أن السياسيين والمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ رحبوا بعرض بريطانيا (التجنيس)؛ إلا أن معظمهم قالوا إنهم يفضلون الجهود الدولية للتركيز أيضا على حماية المدينة - في شكل ربما عقوبات ضد الصين أو مسؤوليها - وليس فقط توفير ملاذ لأولئك الذين يريدون الفرار.

ونقلت عن لي تشوك يان، وهو ناشط مخضرم اعتقل في حملة قمع واسعة النطاق من قبل، قوله: "أعتقد أنه من العار أن يقدموا لنا مخرجا فقط ولا يعرضوا الوقوف بجانبنا في قتالنا من أجل هونغ كونغ".

وبحسب الغارديان، هناك مخاوف أيضا من أن العرض يستثني شباب المدينة، الذين كانوا في طليعة حركة الاحتجاج التي استمرت لمدة عام، حيث أن جوازات سفر BNO تصدر فقط للأشخاص الذين ولدوا قبل نهاية عام 1997 من الاستعمار البريطاني.

وجرى إنشاء جواز سفر بريطاني للمواطنين في الخارج وهو يخص سكان هونغ كونغ (BNO) عام 1985 قبل أن تعيد بريطانيا الإقليم إلى الحكم الصيني عام 1997.

كما انتقد محرر الشؤون الدبلوماسية بالغارديان باتريك وينتور، في تقرير بداية يونيو/حزيران، ما اعتبره "مقامرة جونسون الكبرى" سواء في مواجهة الصين أو في تقديم المملكة المتحدة كملاذ آمن للكثيرين، دون أن يعرف مدى وضوح مقامرته، وفق قوله.

وتهكم وينتور على وعد رئيس وزراء بلاده الملايين من مواطني هونغ كونغ بالحصول على الجنسية البريطانية، قائلا: إنه "عرض رائع من حكومة أمضت أربع سنوات في صراع خروجها من الاتحاد الأوروبي لإنهاء حرية حركة الناس من أوروبا".

بدوره طالب كريس باتن، آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ حكومة بلاده بالتدخل وطرح هذه القضية خلال قمة مجموعة العشرين المقبلة، منتقدا الخطة الصينية لتطبيق قانون الأمن القومي في المنطقة.

وقال باتن في مقال كتبه لصحيفة "فاينانشال تايمز": إنه ينبغي على بريطانيا وحلفائها في مجموعة العشرين أن تتخذ موقفا ضد نظام الرئيس الصيني شي جين بينغ "عدو كل المجتمعات المنفتحة".

وحذر من أنه "إذا دمرت الصين سيادة القانون في هونغ كونغ ، فسوف تدمر فرص المدينة في الاستمرار في كونها مركزا ماليا دوليا كبيرا تتوسط حوالي  ثلثي الاستثمار المباشر داخل الصين وخارجها".

وأشار إلى أن "العديد من الشركات الكبرى التي ازدهرت في هونغ كونغ مهمة لرفاهية بريطانيا".