حال هزيمة ترامب.. ما هو مستقبل العلاقات الأميركية السعودية؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حضرت المملكة العربية السعودية بقوة في خطاب مرشحي الحزب الديمقراطي بالولايات المتحدة الأميركية، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

لا يكاد يخلو خطاب لمرشح ديمقراطي من انتقاد وهجوم حاد على المملكة وسياساتها في المنطقة، وعادة ما يكون ذكر الرئيس الجمهوري دونالد ترامب مقترنا بذكر ولي العهد محمد بن سلمان في الحديث عن مستقبل العلاقات بين واشنطن والرياض.

مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وحرب اليمن، وبيع السلاح الأميركي للسعودية، وحملات الاعتقال الجنونية التي تشنها الرياض بحق المعارضة، كلها كانت ضمن محور الهجوم الذي اتسمت به خطابات مرشحي الحزب الديمقراطي بالولايات المتحدة.

مآخذ سياسية

حسب مراقبين، فإن الانتهاكات السعودية لم تزعج الرئيس دونالد ترامب، ولم تدفعه لاتخاذ إجراءات ضد المملكة، بل العكس استمر في تقوية علاقاته مع ابن سلمان، وهو ما شكل مأخذا سياسيا على الحزب الجمهوري، وبالتالي كانت مناسبة لأن تكون إحدى نقاط الدعاية الانتخابية ضده، حيث استغلها الحزب الديمقراطي واستثمرها في الهجوم على ترامب.

البعض يرى أن الانتهاكات السعودية شكلت إزعاجا حقيقيا لدى بعض أعضاء الكونجرس الأميركي من الجمهوريين، وأخذت بعدا أخلاقيا تجاوز الحدود الحزبية، بدليل أن عددا من أعضاء الحزب انتقدوا الرياض وشنوا عليها هجوما حادا.

"قتلة وسفاحون"

في 19 فبراير/شباط 2020، شن المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، بيرني ساندرز، هجوما حادا على ابن سلمان، ووصف القادة السعوديين بأنهم "قتلة وسفاحون"، في إشارة إلى مقتل خاشقجي.

وقال ساندرز في لقاء مع قناة سي إن إن الأميركية: "لسنوات أحببنا السعودية كحليف رائع، لكن المشكلة الوحيدة هي أن الناس الذين يديرون ذلك البلد قتلة سفاحون".

وأضاف: "بدلا من أن نكون على علاقة ودية جدا مع الدكتاتور الملياردير محمد بن سلمان، يمكننا أن نجمع السعوديين والإيرانيين، على الإدارة الأميركية أن تقول للسعوديين والإيرانيين إن عليهم العمل معا، وإن واشنطن تعبت من إنفاق ترليونات الدولارات على حروب لا تنتهي".

من جانبه انتقد نائب الرئيس الأميركي السابق جون بايدن، موقف البيت الأبيض من قضية خاشقجي، وشن هجوما في المناظرة التي تمت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على طريقة تعاطي ترامب مع المملكة السعودية قائلا: "يجب على الرياض أن تدفع ثمن قتلها خاشقجي".

وتناول بايدن ملف الأسلحة والحرب في اليمن، قائلا: "سأكون واضحا في أننا لن نبيع أسلحة جديدة، بل سنجعلهم في الحقيقة يدفعون الثمن ونؤكد لهم في الحقيقة أنهم مارقون، لا توجد قيمة اجتماعية مستردة في الحكومة السعودية الحالية، سأقوم بوقف بيع المعدات إلى السعوديين من أجل وقف قتل الأطفال".

أحداث هامة

حسب نيويورك تايمز، فإن 3 أحداث هامة تسببت بالسمعة السيئة للنظام السعودي، وباتت هذه السمعة لصيقة به، وتلاحقه في كل المحافل الدولية، والمنظمات الحقوقية، وتكتب عنه الصحف العالمية.

الحدث الأول هو الحرب الكارثية التي تشنها السعودية في اليمن، وحسب الصحيفة، فإن التحالف الذي تقوده السعودية مسؤول عن مقتل عشرات الآلاف من اليمنيين في الحرب، حيث استهدفت السعودية المدنيين بشكل واسع ومنهجي، وفقا لما ذكره خبراء تابعون لمجلس الأمن الدولي.

أما الحدث الثاني فهو القتل المروّع للصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه جاء بأمر من رأس الهرم الملكي في السعودية، وحسب الصحيفة، فإنه في الأشهر التي سبقت القتل، كان ولي العهد منشغلا في تقديم نفسه على أنه مصلح مستنير، وهو تصوير رغم أنه غير معقول، إلا أن كثيرين في واشنطن ولندن كانوا سعداء بتصديقه.

أما الحدث الثالث فهي حملة القمع المكثفة على المعارضة في السعودية، وأضافت الصحيفة أن الجريمة باتت رمزا للقسوة وعدم النضج والحكم السيئ لولي العهد.

ديكتاتورية متوحشة

الدكتاتورية إحدى الصفات التي لصقت بنظام المملكة، وفق تحليل لمجلة ذا إنترسبت الأميركية، التي سردت مجموعة آراء لمرشحين آخرين شاركوا بايدن في المناظرة، حيث وصف السيناتور بيرني ساندرز النظام السعودي بـ "الديكتاتورية المتوحشة"، وأن "السعودية ليست حليفا يوثق به"، وأنه يجب إعادة التفكير بمن هم حلفاؤنا حول العالم والعمل مع الأمم المتحدة لعدم دعم الديكتاتوريات المتوحشة.

وعلق السيناتور عن نيوجيرسي كوري بوكر، عن دعم إدارة ترامب للسعودية في الحرب الدائرة باليمن قائلا: "هذا خرق لحقوق الإنسان، أي عدم إعلام الكونجرس بصلاحية تزويد المقاتلات السعودية بالوقود من أجل قصف أطفال اليمن".

صحيفة واشنطن بوست الأميركية، أوردت مقالا للكاتب المعروف كريستيان كاريل اتهم فيه ترامب بدعم الديكتاتوريات وتشجعيها، وقال: "زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية تعبر عن استمرار السياسات السابقة للولايات المتحدة والتي ساعدت على إدامة الدكتاتوريات الفاسدة في منطقة الشرق الأوسط".

وقال كاريل: "إذا كان هناك من يظن أن زيارة ترامب للسعودية شكلت بداية جديدة وجادة فهو مخطئ، وليكن معلوما أنها لم تكن في الواقع سوى تكرار لسياسات قائمة منذ وقت طويل، وهي في الحقيقة نفس السياسات بالضبط التي ساعدت على إدامة الدكتاتوريات الفاسدة والنزاعات التي لا نهاية لها والفشل الذريع والبطالة المتفشية في كافة أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

ووفق تحليل "ذا إنترسبت" الأميركية، فإنه في الوقت الذي عارضت فيه السعودية الموقف الأميركي من الربيع العربي والمعاهدة النووية مع إيران، إلا أن هذا لم يمنع واشنطن من تقديم الدعم العسكري للحرب السعودية في اليمن، ولم يمنعها من بيع المملكة أسلحة بقيمة 100 مليار دولار.

لذلك، فإن تصريحات بايدن تشير لحدوث تغير في موقف الحزب الديمقراطي بعد حملة القمع غير المسبوقة التي قام بها ولي العهد ضد الناشطات، وقتل خاشقجي، ما دفع بالديمقراطيين لتغيير موقفهم بشكل جذري من العلاقة الأميركية - السعودية.

 معسكرات المعارضة

لم يكن الديمقراطيون وحدهم من انتقدوا سياسة ابن سلمان، بل كان بعض الجمهوريين جزءا من تلك الحملة الغاضبة على سياسية ولي العهد، وكان ليندسي جراهام أحد أكبر حلفاء ترامب في مجلس الشيوخ، أبرز مثال لتلك الحالة.

ومع أنه لم يدعم كل الجهود المعادية للسعودية في الكونجرس إلا أنه كان من أشد منتقدي ابن سلمان، حيث أيد مع جمهوريين آخرين كالسيناتور تود يونج مشروع قانون صارم يفرض عقوبات على أي مسؤول سعودي ثبت تورطه عن مقتل خاشقجي.

لم يشمل ذلك الغضب المؤسسات التشريعية والحزبية في الولايات المتحدة بل شمل المؤسسات الفكرية وجماعات الضغط، حيث رفضت قبول أي تمويل سعودي، حسب ذي أتلانتك الأميركية.

ووفق نيويورك تايمز، فإن هناك معسكرين بالكونجرس يشكلان المعارضة للحالة الراهنة للتحالف مع السعودية. الأول: يتضمن ديمقراطيين وبعض الجمهوريين، ملتزمين بالعلاقة الأساسية، لكنهم قلقون من أن سوء إدارتها من قبل ترامب وابن سلمان يجعل من الصعب الحفاظ عليها سياسيا. وهم يريدون حل مصادر الأزمة الحالية، وليس تركها تتفاقم، ويسعون إلى وضع نهاية سريعة للحرب اليمنية، ومحاسبة مرضية عن مقتل خاشقجي.

المعسكر الثاني: يمثل اليسار الناشئ داخل الحزب الديمقراطي، أمثال السيناتور بيرني ساندرز وإلهان عمر، وهو يعبّر عن مخاوف أكثر جوهرية حول الدعم الأميركي للسعودية، هدفهم  تغيير جوهري في السياسة، وليس الحفاظ على العلاقة الأساسية، وعندما يظهر جيل أصغر وأكثر تنوعا من الناخبين يتحدي السياسة التقليدية، لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال، وفق الصحيفة.

إجمالا، فإن الكونجرس سئم من الكلفة الإنسانية الكارثية للتدخل العسكري السعودي في الحرب الأهلية في اليمن، كما شعر بالفزع من مقتل خاشقجي، بحسب مجلة ذا أتلانتك.

فوز الديمقراطيين

دائما ما يبرز سؤال عن مصير العلاقات السعودية الأميركية، في حال فوز مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يتوقع البعض أن تتغير طبيعة العلاقة جذريا، لأنها أصبحت التزاما حزبيا للمرشح، وغدت إحدى النقاط الأساسية في البرنامج الانتخابي.

صحيفة نيويورك تايمز تقول: إن التقييم الحقيقي للشراكة الأميركية - السعودية، سيحدث إذا تم انتخاب أحد الديمقراطيين رئيسا في عام 2020. جميع المشرعين الديمقراطيين تقريبا، إلى جانب العديد من أعضاء الكونجرس الجمهوريين والعديد من جماعات الضغط والمحللين والمسؤولين السابقين، يتجنبون السعوديين لدرجة أنه لا يمكن تصور قيام ولي العهد بزيارة إلى واشنطن في أي وقت قريب، في حين تم الترحيب به بشكل كبير في عامي 2017 و 2018.

وفي تقرير لها بعنوان "التحالف الأميركي السعودي على حافة الهاوية"، قالت  صحيفة ذا أتلانتك: "عادة ما كان ترامب يبرز كأكبر عقبة لتغيير طبيعة التحالف، وفي حال رحيله سوف تزول تلك العقبة".

وتضيف الصحيفة: "واشنطن تجري جهودا لإصلاح جذري، إن لم يكن إنهاء، للتحالف الأميركي السعودي المستمر منذ عقود. إلا أن ترامب يبرز كأكبر قوة مقاومة لتغيير طبيعة هذا التحالف".

وتابع التقرير: "الكونجرس يحاول إقرار نوع من الإجراءات للرقابة على المملكة كل أسبوع، ومع ذلك، يقوم البيت الأبيض، في كل منعطف، بالحظر أو التحايل على هذه التحركات، إذ يقف بقوة إلى جانب ولي العهد السعودي، مع تصعيد المواجهة مع إيران".

أما صحيفة نيويورك تايمز فتختم أحد تقاريرها بالقول: "الجهود السعودية الأخيرة للبقاء على مقربة من البيت الأبيض في عهد ترامب كانت ناجحة بلا شك. لكن مع ذلك، قد تندم المملكة بالمراهنة بكل شيء على رئاسة تبدو أكثر تمثيلا للجوانب الأقبح في ماضي أميركا من مستقبلها، وفي السنوات المقبلة، يخاطر النظام السعودي بأن يجد نفسه بلا مال وبلا أصدقاء".