سلطان عمان الجديد.. هل ينجح في كبح التوتر بين إيران والخليج؟

12

طباعة

مشاركة

سلط المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الضوء على مستقبل سياسات سلطنة عُمان عقب رحيل سلطانها قابوس بن سعيد الذي حكم البلاد قرابة نصف قرن.

وأشار تقرير المجلس إلى أن الانقسامات التي تشهدها منطقة الخليج قد تدفع السلطان الجديد هيثم بن طارق إلى الاحتذاء بسلفه والدفاع عن دبلوماسية الحوار.

ولفت إلى أن خسارة العمانيين للسلطان الراحل جاءت في لحظة صعبة يتجدد فيها التصعيد بين إيران والولايات المتحدة.

إنجازات قابوس

وتابع التقرير: "اكتسب السلطان قابوس طيلة حكمه سمعة كأحد أكثر الوسطاء تميزا وفعالية في الدبلوماسية بمنطقة الخليج".

وحصل قابوس على مدار فترة حكمه، على مكان فريد لبلده في المنطقة المضطربة، كما حافظ على العلاقات مع إيران قبل الثورة الإسلامية وبعدها.

ودعا السلطان الراحل إلى الحوار بين طهران وواشنطن بقدر ما دعا إلى الحوار بين الجمهورية الإسلامية والرياض وعواصم دول الخليج الأخرى، وفق التقرير.

وساهمت عُمان في إنجاح الاتفاق النووي الموقع بين طهران والدول الكبرى عام 2015، وظلت ملتزمة بتوفير قناة خلفية بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الصفقة في مايو/أيار 2018.

وأضاف التقرير "في عهد السلطان قابوس، حافظت عمان على بعدها عن أشكال الاستقطاب التي ظهرت في جميع أنحاء المنطقة بعد الربيع العربي، والتي حرضت السنة ضد الشيعة، والإسلاميين السنة ضد المعادين لهم".

كما ظلت محايدة في حربي اليمن وليبيا، وحافظت على علاقات دبلوماسية مع نظام بشار الأسد في سوريا، ولم تقف إلى جانب المقاطعة السياسية والحصار الاقتصادي الخليجي لقطر.

وبحسب التقرير، اعتز السلطان قابوس بعضوية سلطنة عمان في مجلس التعاون الخليجي، ولكن في عام 2013 نسف بفعالية وبصوت عال آفاق اتحاد خليجي اقترحه الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

وأضاف "أراد السلطان قابوس قيادة دولة تتمتع بالاستقلال، وهي الدولة التي عملت من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي وترتيب أولوياته، ورأى في الحزم الاستباقي للقادة الشباب في السعودية والإمارات تهورا وتخريبا".

قضية الخلافة

وأشار تقرير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أنه "عند وفاة السلطان قابوس أثار اختلاف النهج العماني مخاوف في مسقط من أن يستفيد جيرانها من لحظة الضعف هذه، بما في ذلك التدخل المحتمل في اختيار خليفة له".

فلم يكن للسلطان وريث، ولذا فقد وضع عملية محددة لاختيار خليفة له تنطوي على إشراك مجلس الأسرة الحاكمة للاتفاق على الاسم.

وفي حالة عدم تمكنهم من القيام بذلك، يؤخذ باقتراحه هو للشخص الذي يرى أنه أنسب للمنصب في مظروفين مختومين محتجزين في مكانين سريين، يفتتحهما مجلس دفاع السلطنة.

وأشار إلى أن العائلة المالكة فضلت الوصول مباشرة إلى اختيار السلطان قابوس من خلال فتح الخطاب، وأصبح هيثم بن طارق سلطان عمان الجديد.

وتابع التقرير "كان الاختيار سريعا وغير مؤلم نسبيا، والأهم من ذلك أنه كان يمثل سدا للثغرات لحماية العائلة الحاكمة".

ومضى التقرير "كان يشاع منذ فترة طويلة أن السلطان هيثم من بين المرشحين الأكثر احتمالا، حيث يشبه قابوس في شخصيته الهادئة كما قضى سنوات نشأته الأولى في المملكة المتحدة، حيث ذهب إلى جامعة أكسفورد".

وأضاف "هيثم الذي لديه خلفية دبلوماسية - وعلى عكس المرشحين الآخرين – ليس لديه خبرة عسكرية، شغل مناصب في وزارة الشؤون الخارجية وأصبح وزيرا للثقافة والتراث في عام 2002".

وفي عام 2013، أصبح السلطان الجديد رئيسا للجنة التي وضعت رؤية عمان 2040، وهي خطة لتنويع الاقتصاد السياسي للسلطنة بعيدا عن النموذج الريعي.

أول اختبار

ومضى التقرير يقول: "تعهد السلطان الجديد بالحفاظ على سياسات عُمان التقليدية المتمثلة في حسن الجوار، أي الدعوة للتعايش السلمي بين شواطئ الخليج العربية. ومع ذلك، يبقى أن نعرف ما إذا كان سيحظى بالشرعية ورأس المال الدبلوماسي لمتابعة هذا الأمر بفعالية".

وتابع "في أعقاب اغتيال أمريكي قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، تعتقد عواصم الخليج أن الأشهر المقبلة قد تشهد سعي إيران إلى المزيد من الانتقام لموته، ربما من خلال عمليات سرية".

وهذا الأمر "سيكون أول اختبار للسلطان الجديد من حيث مدى قدرته على الضغط بفعالية على طهران من أجل ضبط النفس تجاه جميع دول مجلس التعاون الخليجي".

ومضى التقرير يقول: "في بعض عواصم دول مجلس التعاون - الرياض وأبوظبي والمنامة - الاعتقاد السائد هو أن الانتقام قد يحدث بشكل جيد ضد الأصول العسكرية الأمريكية على أراضيها، أو حتى الأهداف الإستراتيجية غير الأمريكية".

ويمكن أن يشمل هذا الانتقام، البنية التحتية الحيوية مثل المطارات والأحداث الكبرى، أو الناقلات التي تعبر مضيق هرمز.

لكن، "في الواقع، مع تشتت سلطنة عُمان في إعادة تنظيم الدولة حول السلطان الجديد، فإن مضيق هرمز - الذي تتقاسمه سلطنة عمان وإيران - قد يكون معرضا للخطر بشكل خاص".

وتأمل كل من السعودية والإمارات أن تقلل المحادثات التكتيكية التي أجرتاها مع إيران منذ خريف عام 2019 من هذه المخاطر.

قطر والكويت

في الأثناء، يرى التقرير أن كلا من الكويت وقطر "تتمتعان بعلاقات أقل تصادمية وأكثر براغماتية مع إيران، ومن غير المرجح أن تحتل صدارة قائمة الأهداف الإيرانية".

لكن حكوماتهم تدرك جيدا أنهم قد يجدون أنفسهم عالقين بين المطرقة والسندان في حالة اندلاع صراع في الخليج.

وأضاف "منذ مقتل سليماني، سافر أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، مرتين إلى طهران. مع تركيز العمانيين على السلطان المريض وقتها ومن ثم الخلافة، من المرجح أن تكون الدوحة قد دفعت إلى الأمام جهود الدبلوماسية وتخفيف التصعيد".

وأردف التقرير: "تستضيف قطر قاعدة أمريكية في العُديد، وتعمل كذلك على الحفاظ على علاقات عمل مع إيران والتي تعمقت عندما تدخلت الأخيرة لتوفير طرق بديلة حيوية لصادرات الطاقة القطرية عند اندلاع الأزمة داخل دول مجلس التعاون الخليجي في يونيو/حزيران 2017".

ومضى يقول: "في الوقت نفسه، فإن أمير الكويت الذي كان يلتقي قابوس كثيرا، رفع مستوى التأهب الأمني، في إدراك تام منه لحقيقة أن الكويت التي تقع على الحدود مع العراق، تستضيف عشرات الآلاف من القوات الأمريكية".

وأضاف "وسط هذا السياق، تهدف دول الخليج إلى تجنب أي تصعيد إضافي، كما أنها ترى بشكل متزايد أن سياسات الولايات المتحدة تجاه إيران لا تولي أهمية لمصالح شركائها الخليجيين".

وأردف "لهذا السبب، أصدرت جميع عواصم دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك العواصم الأكثر تشددا بشأن إيران، بيانات في الأيام الأخيرة توضح أنها لم تتم استشارتها بشأن عملية سليماني، أو حذرت من ذلك. لقد دعوا جميع الأطراف إلى إظهار ضبط النفس وعدم التصعيد".

واختتم التقرير "الأهم من ذلك، سواء أكانوا يعترفون بذلك أم لا، فإن منطقة الخليج ستحتاج في مرحلة ما إلى أصوات محلية للدفاع عن حوار دبلوماسي إقليمي لحل هذه القضايا العالقة، وقد يكون الوسطاء مثل عمان مرة أخرى هم الذين يدفعون ذلك إلى الأمام".