حماية الملاحة البحرية بالخليج.. هل تكون الصين بديلا عن أمريكا؟

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم بعدها الجغرافي، تعد الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، أكثر المتضررين من حروب الملاحة البحرية، حيث تمرر كل تعاملاتها الاقتصادية مع دول العالم عبر البحر، ومن خلال الممرات المائية الإستراتيجية.

ويعد أمن المياه أولوية مهمة بالنسبة للصين التي تبحث عن موطئ قدم لها في منطقة الخليج لحماية مصالحها الاقتصادية، بالرغم من أنها لا تزال غير مستعدة للانخراط كليا في تأمين المنطقة.

وفي ظل تهديد إيران لأمن الملاحة البحرية في الخليج بشكل متسارع خلال الفترة الماضية، واتهامها باستهداف عدد من ناقلات النفط، وإعلان أمريكا أن أمن الخليج لا يهمها بقدر مصالحها السياسية، وتوجيهها الدول الأخرى للدفاع عنه، هرولت دول الخليج نحو بكين، ورأت في تقوية علاقاتها معها خيارا جذابا في ظل توتر العلاقات مع الغرب.

تجلى التقارب الخليجي مع الصين في زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لبكين، في فبراير/شباط الماضي، وتبعه محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي في يوليو/تموز الماضي، وتأكيده على أهمية التعاون مع الصين لتحقيق سلامة الملاحة وضمان تدفق آمن لإمدادات النفط، فضلا عن الكويت والبحرين. 

وفي المقابل، تزداد أهمية منطقة الخليج بالنسبة للصين، خاصة في ظل مواجهتها لمشاكل تجارية مع أمريكا، لذلك فهي بحاجة للحفاظ على شركائها في دول الخليج، كما تطمح إلى حماية مصالحها الاقتصادية سواء "النفطية أو التجارية".

الصين سعت على مدار السنوات الماضية للتوغل أكثر في الأسواق الخليجية لتحقيق أهداف تنموية خاصة بها بالدرجة الأولى، وأثمرت جهودها عن إنشاء المدينة الصناعية الصينية الأكبر في الخليج بسلطنة عمان.

وتمكنت بكين من استقطاب دول الخليج للمشاركة في مشروع الحزام والطريق لبناء أطول جسر بحري في العالم "طريق الحرير"، الذي يربط الصين بأوروبا مرورا بالخليج، والذي يبلغ إجمالي تكلفته تريليون دولار، لكنه يقع في قلب التوترات الأمنية في منطقة الخليج.

الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة أبرزها: "هل يمكن أن تصبح الصين بديلا لأمريكا في حماية أمن الملاحة البحرية؟، وهل يمكن أن تسد الصين الفراغ الأمني في المنطقة حال تقليص الوجود الأمريكي؟".

موطئ قدم

الصين تعتمد سياسة إرضاء الجميع،‎ وتدرك أنها لن تكون بديلا عن الولايات المتحدة كحليف إستراتيجي لدول الخليج، كما أنها ترغب في الحفاظ على علاقاتها مع إيران خاصة الاقتصادية، لأنها مستفيدة من علاقتها مع جميع الأطراف سواء الخليجي أو الإيراني.

هذا ما ذهب إليه علي حسين باكير -الكاتب والمحلل السياسي، إذ رأى: أن احتمال أن تتولى الصين حاليا الأمن في منطقة الخليج العربي بدلا عن الولايات المتحدة لا يزال بعيدا وغير ممكن.

وأشار في مقال له بعنوان "هل ستلعب الصين دورا في أمن الخليج بالمرحلة المقبلة؟"، إلى: أن الصين لا تزال بعيدة عن كونها قوة بحرية عالمية، لكنها عازمة على زيادة وجودها البحري رويدا رويدا، لا سيما في المناطق الحيوية.

ولفت "باكير" إلى: أن الولايات المتحدة لم تنسحب تماما من المنطقة، كما أن الصين ليست مستعدة الآن لدفع التكاليف المرتفعة لتولي مهمة من هذا النوع، سواء من الناحية المالية أو العسكرية، فضلا عن السياسية.

وأكد: أن الصين لا تريد أن تكون في موقع تضطر فيه إلى أن تختار بين إيران من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى، لكنها في الوقت ذاته تبحث عن موطئ قدم لها في الخليج استعدادا للتوسع لاحقا. 

وأوضح "باكير": أن الصين شاركت في السنوات الماضية في دوريات بحرية لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، ثم أنشأت فيما بعد أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها، وذلك في جيبوتي في منطقة القرن الإفريقي، بذريعة الحاجة إلى محطة دعم لوجستي لطواقمها البحرية في المنطقة.

 شريك اقتصادي

صحيفة "لوريان لوجور" الناطقة بالفرنسية، أفادت: بأن هناك عدة عوامل تجعل الصين شريكا مثيرا لدول المنطقة، أبرزها، أنها تتمع باقتصاد متنام وقادة حذرون من الانتفاضات الشعبية ومطالب الديمقراطية، كما تتمثل أولويات السياسة الخارجية الرئيسية لبكين في الترابط الاقتصادي وأمن تدفقات موارد الطاقة وحماية الاستثمارات الإقليمية.

لكن الصحيفة ذهبت إلى: أن الصين لا تطمح إلى لعب دور سياسي كبير في الشرق الأوسط، وتتجنب التدخل في القضايا الجيوسياسية الحساسة والاستفادة من استياء قادة المنطقة من السياسة الأمريكية، وذلك من أجل تعزيز مصالحها الاقتصادية.

تلك المصالح قد تدفعها إلى تعزيز قدراتها العسكرية، فبالرغم من تأكيد مراقبين تجنبها الانخراط في المشاكل السياسية، إلا أن إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي في بداية عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كشفت: أن الصين تسعى إلى تحدي قوة ونفوذ ومصالح الولايات المتحدة، وتلاحقت التقارير التي تبين طموح بكين لزعامة العالم عسكريا.

وأشارت إستراتيجية الدفاع الوطني الصادرة من البنتاغون منتصف 2018 إلى الصين على أنها: "منافس إستراتيجي يسعى لتحديث قواته المسلحة لضمان سيطرته الإقليمية على المحيط الهادي وجنوب آسيا، ومقارعة نفوذ الولايات المتحدة العالمي".

وتهتم الصين في الوقت الراهن بحماية حدودها البرية والبحرية الطويلة، كما تمثل حماية طرق الملاحة التجارية أحد أهم أهدافها، خاصة مع استمرار اعتمادها الكبير على التجارة عبر المحيطات لتوفير موارد الطاقة التي لا ينمو الاقتصاد الصيني دونها.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد دعا أكتوبر/تشرين أول الماضي، إلى: إنشاء منظمة دولية أمنية جديدة لضمان الأمن في منطقة الخليج تعمل بمشاركة كل من روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ويرى مراقبون: أن المقترح الروسي الذي جاء على خلفية استمرار التوتر في منطقة الخليج وسط تصاعد الخلافات بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، قد يحل محل مظلة دفاع الولايات المتحدة في الخليج.

وأعلنت الصين ردا على مبادرة الرئيس الروسي: ترحيبها بالمبادرة، مؤكدة: أن ضمان أمن منطقة الخليج يخدم مصالح المجتمع الدولي برمته، لكنها أكدت بالرغم من ذلك أنها تتطلع إلى البقاء على تواصل مع جميع الأطراف المعنية.

وسبق أن أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، إبان استهداف شركة أرامكو السعودية: أن الخلافات في منطقة الخليج ينبغي أن تُحل سلميا عن طريق الحوار.

 هرولة الخليج

دول الخليج من جانبها، هرولت تجاه بكين، خاصة بعد أن أبدى الرئيس الأمريكي بعض التخلي في تصريحاته عن حلفائه الخليجيين، خاصة حين قال: إن بلاده لديها اكتفاء ذاتي من النفط وليست في حاجة إلى نفط الخليج.

وبدوره، أشار الباحث في مدرسة "راجاراتنام" للدراسات الدولية، جيمس م. دورسي، في مقال له على موقع "لوب لوج" الأمريكي، إلى: تلميح الباحث لدى مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك، "ستيفن.أ.كوك"، أن دول الخليج تخطب ود الصين.

وأشار إلى: تأكيده أن قادة الرياض وأبوظبي والدوحة والمنامة ومسقط، على دراية بأن الولايات المتحدة في طريقها إلى مُغادرة الخليج العربي وتتخذ التدابير اللازمة لذلك، لكنها لن ترحل كليا العام الجاري أو المُقبل.

ونقل "دورسي" عن "كوك" قوله: إن قادة دول الخليج احتاطوا ضد الرحيل الأمريكي، وشملت التدابير التي اتخذوها تقديم مُبادرات إلى كل من الصين وروسيا وإيران وتركيا.

ولفت إلى: أن أحدث إحصائيات ناقلات النفط بينت أن السعودية تُرسل شُحنة من النفط الخام إلى الصين تفوق في حجمها أي وقت مضى، كما سعى ولي عهد دولة الإمارات محمد بن زايد؛ إلى توطيد علاقة بلاده مع الصين من خلال إقامة علاقة شراكة إستراتيجية، وذلك أثناء لقائه الرئيس الصيني خلال زيارته لبكين الشهر الماضي.

 العلاقات الخليجية الصينية تمثل شارعا ثنائي الاتجاه، أي أن العلاقات تسير بين الطرفين في الاتجاهين، ففي الوقت الذي تحرص فيه الصين على الوجود في المنطقة، تبدي دول الخليج انفتاحا للتعاون مع بكين في شتى المجالات.

اتفاقيات مشتركة

فقد تطور حجم التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي الست بشكل سريع في السنوات الأخيرة، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية 162.6 مليار دولار أمريكي في 2018، حيث سجلت الصادرات الصينية فيها 56.9 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 105.7 مليار دولار، بزيادة 27.4% و3.5% و45.5% على أساس سنوي على التوالي، بحسب بيانات أصدرها موقع وزارة الخارجية الصينية.

كما تستعد الصين لتسريع عملية التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة بينها وبين دول المجلس، فيما باتت دول الخليج تنظر إلى الصين كسوق ضخمة ليس فقط لصادراتها من النفط الخام وإنما أيضا من المنتجات البتروكيماوية والصناعات المعدنية.

وخطت السعودية خطوة أخرى للتقارب أكثر مع الصين، فكلف ولي العهد محمد بن سلمان رجل الأعمال والدبلوماسي السعودي السابق محمد بن عبد الله الشهري ليلعب دور الوسيط في التقارب بين البلدين، بحسب مجلة "إنتلجنس أونلاين" الاستخباراتية.

ولفتت المجلة إلى: أن الشهري ساهم بشكل وثيق في تنظيم زيارة ابن سلمان إلى بكين في فبراير/شباط الماضي، مؤكدة: أن تكتل النفط الحكومي "أرامكو" يتطلع للتعاون مع الصين، أكبر عميل للنفط السعودي.

وأشارت أيضا إلى: أن الدفاع يُمثل أهمية متزايدة في العلاقات بين السعودية والصين، مضيفة: "في غضون عدة سنوات، نمت الطائرات بدون طيار لتكون أساس التعاون العسكري والتجاري بين البلدين".

أما الإمارات فقد وقعت مع الصين 16 مذكرة واتفاقية تفاهم بين مؤسسات إماراتية وأخرى صينية في العديد من المجالات. بينما أعلنت الصين أن علاقاتها مع البحرين أصبحت أكثر قوة في عامها الثلاثين.

فيما تقيم الكويت مع الصين علاقات دبلوماسية هي الأكبر بين نظرائها من دول التعاون الخليجي، إلى جانب العلاقات الاقتصادية، حيث رفعت مستويات التمثيل الدبلوماسي الكويتي لدى الصين، كمّا ونوعا؛ حتى أصبح الأكبر على مستوى دول العالم بالنسبة للكويت.

ورأى محللون: أن الصين هي الخاسر الأكبر من التوتر الحاصل في الملاحة البحرية بمنطقة الخليج، إذ تأتي نحو 50% من مواردها النفطية من تلك المنطقة، بالإضافة إلى المشاريع التي تدخل فيها مع دول الخليج وعلى رأسها مشروع "الحزام والطريق".

فدول الخليج تمثل محورا أساسيا في المشروع نظرا لموقعها الجغرافى الإستراتيجي الذي يربط الصين بالأسواق الشرق أوسطية والإفريقية والأوروبية.

المشروع الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، بهدف إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار. 

كما تعتبر الصين أن المناطق الحرة فى دول الخليج هدفا ممتازا للمصانع الصينية لما يمتاز به الشرق الأوسط من قرب جغرافى من الأسواق العالمية، كما تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية الصينية ما يقارب 50 مليار دولار،بحسب تقديرات 2018.

هل تكون بديلا؟

وبالرغم من كون الصين الخاسر الأكبر، إلا أن الدكتور أحمد ذكر الله، رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بأكاديمية العلاقات الدولية في تركيا، استبعد أن تكون الصين حامية لأمن الملاحة البحرية في الخليج، مؤكدا: أن الدور الصيني يتمدد ولكنه يحتاج إلى فترات طويلة لكي يتمدد عسكريا في دول الخليج والشرق الأوسط بصفة عامة.

وأشار في حديثه مع "الاستقلال" إلى: أن أمريكا لها 750 قاعدة عسكرية في 130 دولة، بينما لا تمتلك الصين حاليا إلا قاعدة عسكرية وحيدة خارج حدودها الوطنية والتي أقامتها نهاية 2017 في جيبوتي.

ولفت "ذكر الله" إلى: أن بعض التقارير التي نشرتها الاستخبارات الأمريكية قالت: إن الصين طبقا لمبادرة الحزام والطريق ربما تسعى إلى إقامة قاعدة عسكرية أخرى في باكستان لتأمين هذه المبادرة، والتي من المتوقع أن تؤمن التجارة الصينية إلى حد كبير إلى معظم دول العالم.

وأضاف: أن الصين في هذا السياق زادت الإنفاق العسكري إلى 170 مليار دولار عام 2018، مقارنة بـ77 مليار عام 2007، أي أنه زاد فيما يقارب 100 مليار دولار كاملة خلال العشر أعوام الماضية.

ورأى خبير العلاقات الدولية: أن هذا يشير إلى اقتناع الصين كدولة وكنظام بأهمية الإنفاق العسكري لتأمين التوسع والنمو التمدد الاقتصادي في مختلف الأسواق ومن بينها الخليجية.

وأرجع اقتناعه بأن الصين لن تشكل بديلا عن الولايات المتحدة الأمريكية في حماية أمن الملاحة البحرية بمنطقة الخليج، إلى عدة أسباب: أولها عدم وجود فعلي لقوات عسكرية صينية خارج إطار الحدود الوطنية إلا قاعدة جيبوتي فقط، في مقابل القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في كل دول الخليج.

وأكد "ذكر الله": أنه "لذلك لا يمكن المقارنة بين مستوى هذه القواعد من حيث العدد والعتاد، في تأمين الدول"، مبينا: أن السبب الثاني هو مستوى العلاقات بين أمريكا والدول الخليجية.

وجزم بأن هذه العلاقة ‘إستراتيجية حتى لو ظهر مؤخرا انسحاب تكتيكي للجانب الأمريكي من بعض دول الخليج، إلا أن سياسات ترامب مازالت حتى الآن متصلة بابتزاز كبريات الدول الخليجية بشكل مباشر، كما أن الدول الخليجية مازالت لديها الأموال التي تقايض بها الولايات المتحدة لتحقيق استقرارها الأمني.

وبين "ذكر الله": أن السبب الآخر متمثل في الانقسام الخليجي الداخلي، المتمثل في مقاطعة الإمارات والبحرين والسعودية لقطر، والذي خلق نوعا من الشرخ في دول مجلس التعاون، وأفضى إلى تكريس مزيد من الهيمنة الأمريكية على صانع القرار داخل جميع الدول لاسيما في ظل المخاطر الكبيرة التي تحيط بالمنطقة المتمثل في الخطر الإيراني.

واعتبر أن الاشتعال الحاصل في المنطقة الخليجية يجعل من الصعب استبدال الحماية الأمريكية الآن بحماية أخرى على الأقل في الأجل القصير والمتوسط، بينما قد ننظر إلى الوجود الصيني بعد عشر سنوات أو أكثر وليس الآن.

وقال: إن "العامل الأخير متمثل في الظروف الإقليمية المحيطة بدول الخليج، ومرور المنطقة بمرحلة إعادة إحلال وتركيب مرة أخرى، ما يجبر الخليج على طلب الدعم والحماية الأمريكية وعدم استبدالها حتى وإن أرادت ذلك، بأي حليف جديد يمكن أن يوفر لها الحماية".

وأوضح "ذكر الله": أن دول الخليج لها روابط ومصالح إستراتيجية مع أمريكا، ومعظم أموالها داخل البنوك الأمريكية، واحتياطاتها وصناديقها السيادية بأمريكا.

وأكد: أنه لا يمكن للدول الخليجية التخلص من الهيمنة والنفوذ الأمريكي في الداخل إن أرادت، كما أن الإدارات والسلطة الخليجية الحالية ليس لديها النية أو العزم على خفض المصالح المشتركة بينها وبين الحليف الأمريكي.