يني شفق: هكذا تتعامل المعارضة التركية بازدواجية مع الديمقراطية

12

طباعة

مشاركة

يختلف الكثير من السياسيين في تركيا بشأن مفهومهم وموقفهم من الديمقراطية، فيتعامل بعضهم معها بحسب ما تقتضيه مصلحتهم؛ فحين تكون لصالحهم يقولون إنها (الديمقراطية) كل شيء، وفي حالات أخرى يرونها فقط وسيلة للوصول إلى الصناديق، وخدمة أهداف ضيقة تخدم مصالح أضيق.

هكذا علّق الكاتب إيرجون يلدرم، في مقاله الذي نشرته صحيفة "يني شفق"، بشأن عزل ثلاثة من رؤساء بلديات في تركيا، هي "مردين، وفان، وديار بكر"، بتهم تتعلق بالإرهاب ومساعدة حزب "العمال الكردستاني" المصنف إرهابيًا في تركيا.

وقال الكاتب في مطلع مقاله، إنّ الديمقراطية ليست صندوقًا للاقتراع فقط، وإن كان الجمهور يختار عبر هذه الصناديق من يريده. إنما يجب أن يمتثل المنتخبون لمبادئ الديمقراطية، مثل سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية المعارضة؛ وإلا فإن الديمقراطية لا تعني التصرف كما تشاء بأغلبية الأصوات القادمة من صندوق الاقتراع.

"الأقلية المسيطرة"

وتابع يلدرم أن الديمقراطية ليست فقط إرادة الشعب، لكن الكثير من المتنطعين والمنادين بها يقولون ذلك. في حين يجب أن ترافق هذه المعايير إرادة الشعب.

ورأى يلدرم أن السياسات التي تربط إرادة الشعب بالصناديق وتحصرها فقط في الانتخابات، هي التي تصنع الشعوبية.

ويبدو أن سياسة اليمين هي الغالبة، في تركيا، بحسب الكاتب، فهم الذين يستبعدون إرادة الشعب الحقيقية، وينظرون فقط إلى الجانب المعياري للديمقراطية من خلال الالتزام بتلك المبادئ السطحية.

وعاد المقال إلى الوقت الذي نادى فيه الأتراك البيض بأن "الصناديق ليست كل شيء"، لكنهم ظلوا في الوقت نفسه يعزوون المعنى المطلق للدولة، وأنها تمجد الحكم وفقًا للمبادئ السياسية المنقولة من الغرب كقواعد في هذا الصدد.

يذكر أن هذا المصطلح "الأتراك البيض" خرج في منتصف التسعينيات، بعد تعرض الشريحة المحافظة من المواطنين الأتراك للإقصاء والإجراءات الاستئصالية بحقهم، وأطلقته الخبيرة الاجتماعية السياسية، نيلوفار غولا، إضافة إلى مصطلح "الأتراك السود" و"الأتراك الرماديون".

أرادت غولا بهذه المصطلحات تعريف الشرائح الأساسية للمجتمع التركي، ووصفت "الأتراك البيض" بأنهم الصنف الذي تعود أصوله إلى المدينة، الذين يرون أنهم النخبة المتقدمة التي أسست الجمهورية التركية، ويجب الحفاظ على جذورها وفقًا لمبادئ العلمانية والتقدمية والأفكار الغربية.

يتألف هذا القسم، وفقًا لغولا، من تحالف يضم الجنرالات ورجال الدولة المدنيين رفيعي المستوى والمفكرين الذين يدرسون في الخارج، خاصةً في الدول الغربية، كما يضم ثلة تحتضن مواطنين من الطبقة الثرية التي يؤيدها ثلة من مواطنين الطبقة الوسطى، وتبني هذه الطبقة ثراءها من خلال العلاقات الشخصية الموجودة بين منتسبيها العسكريين والمدنيين.

يُعرف هؤلاء المواطنون بطراز "المتحرر" في اللباس الذي يصفه الطرف المعارض لهم بـ"بالخليع"، وأحاديثهم المدافعة باستماتة عن العلمانية ومبادئ أتاتورك، تُنيط غولا بهذا القسم لقب "الأقلية المسيطرة".

"الديمقراطية ليست كل شيء"

وذكّر الكاتب في مقاله بأحداث "غيزي بارك" عام 2013، إذ اتهم أحزاب المعارضة ومنها حزب "الشعب الجمهوري" وكذلك حزب "الشعوب الديمقراطي"، الحكومة بممارسة الشعوبية؛ يوم قالوا إن "قوة الصناديق التي كانت تتسلح بها حكومة أر دوغان آنذاك ليست هي المعيار الوحيد".

ووجد يلدرم أنه من المثير للاهتمام الآن، أن أولئك الذين يشاركون في نفس الخط السياسي باتوا يقولون "إن الصناديق تعد كل شيء"، وقد خرجت هذه الآراء بعد عزل ثلاثة من رؤساء البلديات وكلهم ينتمون لحزب "الشعوب الديمقراطي"، ويستشهدون بنهج مقيد بالديمقراطية متجاهلين إرادة الشعب الحقيقية.

وتابع الكاتب، فإن الديمقراطية ليست مجرد صناديق الاقتراع، ولا إرادة الشعب، ولا التصويت؛ غير أن حزب الشعوب الديمقراطي يستخدم "الديمقراطية" كأداة لتعزيز الشعوبية ومطية لتحقيق أهدافه الخاصة والخفية.

ومع ذلك، يتعين على رؤساء حزب الشعب الديمقراطي الذين ينتخبهم الشعب أن يطيعوا القواعد الديمقراطية. غير أنهم بحثوا عن القانون الذي يخدمهم عندما وجدوا أنفسهم في أزمة وهم الذين خالفوه بداية.

وأفاد المقال بأن العشرات من الجرائم قام بها رؤساء البلديات المعزولين، منها "ترويج دعاية الإرهاب، والدفع بالموظفين لخدمة الإرهاب، وإقامة الفعالية التي تخدمه باسم الثقافة، والمشاركة في جنازة القتلى من الإرهابيين بل استخدام سيارات البلدية لذلك، ووضع أعلامهم عليها، والعمل المشترك والتعاوني معهم". 

وشدد على أن هؤلاء كانوا يستفيدون من مزايا الديمقراطية، لكنهم يتصرفون خارج نطاق المسؤولية الاجتماعية التي تمليها العملية الديمقراطية.

فشل في الديمقراطية

وأوقفت وزارة الداخلية التركية، رؤساء بلديات ولايات ديار بكر، وماردين (جنوب شرق)، وفان (شرق)، عن العمل لوجود تحقيقات بحقهم بتهم تتعلق بدعم الإرهاب.

وقالت الوزارة في بيان لها، إنه جرى كف يد كل من رؤساء بلدية ديار بكر، عدنان سلجوق مزراقلي، وماردين، أحمد تورك، وفان، بديعة أوزغوكجه، عن العمل. وجرى تعيين والي ديار بكر حسن بصري غوزال أوغلو، ووالي ماردين مصطفى يامان، ووالي وان محمد أمين بيلماز، رؤساء للبلديات المذكورة بالوكالة.

إن حزب الشعوب الديمقراطي، ومن يدور في فلكه، بحسب الكاتب، لا يمكنهم أن ينجحوا في الديمقراطية الحقيقية ولا يتقنوا لعبتها، إنهم يطرقون أبواب الديمقراطية ويدعون أنهم أهل لذلك، إذ تفتح بابها أمامهم وتمنحهم الفرصة للحصول على رخصة ديمقراطية؛ ومع ذلك،

واعتبر المقال أن هذه البيئة السياسية تصر على العمل في علاقة أحادية الاتجاه مع الديمقراطية بحيث يستخدمون ما يلزمهم منها وهي الوصول بالطبع للمناصب ليس أكثر. فهم لا يستطيعون أبدًا أن يروا في الديمقراطية وسيلة تغني عن العنف.

وشدد الكاتب على أن هناك قيم التسامح والديمقراطية كبديل عن العنف والخراب، وهذا معمول به في العالم كله، حيث تؤسس الحركات المسلحة تمامًا كما حصل في إسبانيا ولاحقًا الحركة المسلحة الإيرلندية في بريطانيا، أحزابًا ليخوضوا معارك الديمقراطية. 

ورأى الكاتب أنه في الأعراف الديمقراطية في تركيا فإن الإسلاميين جاؤوا من أكثر السياسات معارضة؛ لقد عملوا مع الديمقراطية واعتادوا عليها بل أصبحوا متوافقين معها وهي حكاية طويلة من الكفاح والتحدي ومن هذه الأحزاب، حزب الرفاه والفضيلة وأخيرًا حزب "العدالة والتنمية" الحاكم. 

واستدرك يلدرم قائلا، إن هذا الأمر لم ينطبق مع حزب الشعوب الديمقراطي، فلم يصلوا لذات النتيجة التي وصلت لها الأحزاب تلك، فهم لم يتصالحوا مع الديمقراطية ولم يعتادوا عليها، بحيث قلصوا مفاهيم الديموقراطية في "الانتخابات" وتجاوزت البعد المعياري لها، وعليه، فإنه ونتيجة لذلك، الديمقراطية التركية لا تتقبلهم.

"الانفضال عن الإرهاب"

لا يمكن لهؤلاء عبور الحدود الضيقة لهوية سياسية عرقية وإقليمية ومتفككة، لا يمكنهم تحديد المسافة بينهم وبين منظمة إرهابية مسلحة مثل حزب "العمال الكردستاني" والذين يرونه حزبًا، ويرون فيه حديقة خلفية، إن عدم اليقين والتقارب وأحياناً العلاقات بين الديمقراطية والعنف تخلق مشاكل خطيرة، بحسب الكاتب.

وانتقل الكاتب إلى نقطة مهمة وهي عملية وقف إطلاق النار التي حدثت بين العمال الكردستاني والحكومة التركية، وقال "ذات مرة، قاموا بتخريب سعي الأكراد لتمثيل وحل مشاكلهم في وئام مع الديمقراطية. وهم يؤكدون دائما على سياسة المواجهة. ويعمقون الاستقطاب التركي والكردي، ويبقون على أكثر تهديد للهيكل الاجتماعي حيًا نشطًا خدمة لأهدافهم". 

ونوه الكاتب إلى أن الأصل أن يكون هناك مسؤولين منتخبين في كل ركن من أركان الدولة الديمقراطية، موضحًا أن تعيين ولاة المدن رؤساء بلديات بالوكالة هو أمر مؤقت ويجب أن يكون كذلك ولو كان حزب الشعوب الديموقراطي يتصرف بمسؤولية فمن الضروري أن يبتعد عن سياسة الاشتباك السياسي الذي حدث مؤخرًا. 

وختم الكاتب مقاله بالقول، إنه من الضروري أن يبقى رؤساء الحزب على مسافة من الدخول في أي علاقة أو وجه من وجوه الإرهاب، وإلا فإن مواقف الحزب المتناقضة تجاه الدولة والديمقراطية ستؤذي بعناصره وكذلك من صوتوا له في الانتخابات.