الإعلام والرأي العام بين التوجيه والتضليل 

أيمن خالد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

التضليل والتعتيم وقلب الحقائق التي تجري في العالم، وتمارسها بعض أنظمة الاستبداد العربي ومن تربى في مدارسها، تؤثر سلباً في صناعة وتوجيه الرأي العام، ما يجعل الأمر بمثابة الجريمة.


جريمة تضليل الرأي العام لا تقف عند حدود بلد معين، فالعالم بأسره مرتبط بمنظومة علاقات ومصالح ثؤثر بعضها في البعض الآخر. وتظهر إشكالية تضليل الرأي العام بتوظيف الإعلام  بوضوح، من خلال إفراغ الرسالة الإعلامية من مضمونها الإنساني وتعطيل المسارات الدقيقة لتأطير الرأي العام، بهدف النهوض بالحياة المدنية بكل جوانبها (السياسية والاقتصادية والاجتماعية). التضليل جعل تلك المسارات منحرفة عن دقة نقل الوقائع والمعرفة وأربك وصولها إلى أهدافها الآنية والمستقبلية.


نعتقد أن تجريم توظيف الإعلام في تضليل الرأي العام أمر مهم. التضليل المتعمد لحرف الرأي العام تجاه قضية معينة، يجعل الإعلام بين خيارين متداخلين، إما شرعية العمل بوصفه مهنة إنسانية وعلماً معرفياً مهماً، أو إنحراف الفعل والسلوك الإعلامي إلى فضاء الجريمة إذا ما تحققت أركانها وعناصرها في ذلك السلوك. وهي الفعل والسبب والنتيجة.

الأمر يحدث عندما تتحرك آلة الإعلام المخابراتية لبعض الأنظمة العربية مسوِقة لفعل التضليل بوسم الثائرين والمعارضين لنظمهم الانقلابية والدكتاتورية بأوصاف واتهامات تدفع إلى تحريض الرأي العام ضدهم، وتساعد في تضليل وإرباك سير العدالة والقضاء. ما أدى ويؤدي يومياً إلى تغييب العشرات في غياهب السجون أو ما يشرع الأحكام الجنائية ضد المعارضين لتنفيذ عمليات الإعدام خارج القانون. 


مواطنو دول الربيع العربي وخصوصا أصحاب الموقف والرأي الحر المعارض، كانوا المثال والضحية لهجمات التضليل والكذب وتزييف الحقائق. 


ما يطرح السؤال حول مفهوم الرسالة الإعلامية، التي وُضعت قواعدها الحقيقية لتكون فرعاً أساسياً بين فروع العلوم والخدمات الإنسانية. لا أن تكون أداة للجريمة والترهيب بيد أصحاب السلطة والنفوذ والمال.


واقع الحال وما تسلكه النظم الاستبدادية وأشباهها، من جرائم يجب أن تدخل حُكماً ضمن إطار جرائم التضليل. يستدعي ذلك من أصحاب الرأي والكلمة كشف الحقائق لكل ما يحيط بالإعلام من خطورة استخدامه للعبث بإرادة الجمهور حَسَن النية. وكشف محاولات مجرمي الأنظمة المتهالكة  للاستيلاء والذهاب بخيارات الشعوب المقهورة ومقدراتها إلى أتون الجريمة والظلام.

ذلك بالإضافة إلى أهمية كشف جرائم التضليل بأبعادها الداخلية والدولية، كخطوة لملاحقة أعداء الإنسانية حتى لا يفلتوا من جرائم القتل والضرر والتشويه. هذه الجرائم تستند إلى فعل التضليل الذي يمثل وصفاً من أوصاف الكذب المنصوص على تجريمه داخليا ودوليا. الأمر  يوجب محاكمة المستبدين والانقلابيين وأذرعهم المشاركة والمساهمة في عملية التضليل وقلب الحقائق، فهذه الجرائم التي لا تخضع للتقادم.


عسكرة الإعلام وتطوير طرق التلاعب بالعقول، قلبت مفهوم الرسالة الإعلامية وحرفت المهنة عن أهدافها الإنسانية والاستفادة منها في إدارة شؤون الحياة بشكلها الطبيعي، أو استغلالها في أوقات الأزمات والمواجهات المصيرية لصالح الشعوب والأمم.


توظيف الإعلام في تضليل الرأي العام، تدور ضمن ثلاث علوم أساسية هي (الإعلام والاجتماع والقانون)، تنتقل من الفضاءات الداخلية إلى الفضاءات الدولية الأوسع، لتشكل جرائم دولية بأوصافها ونتائجها الإجرامية المتمثلة بحجمها واتساع دائرة تدميرها. كما لحق بالعراق عام 2003، والذي بُنيت أساسات غزوه من قبل أمريكا على فكرة تضليل الرأي العام الدولي، وقد كان الإعلام أحد أبرز الوسائل المستخدمة في التضليل الذي اعترف به متخذ القرار ودوائر الاستخبارات الأمريكية.


بالمقابل ومع إدراكنا وقناعاتنا بأن حركة الوعي ونضال الأفراد والشعوب يجب أن لا تنكسر، علينا أن ندرك ونفهم علم الإعلام، وأن شئتم لعبة الإعلام لخدمة حراك التحرر الثوري والمعارض والمقاوم لأننا حتما أمام متغيرات عالمية تتبعها ولادة عصر جديد من التوازنات الإقليمية والدولية، بل ربما ستلد حالة أكثر تقدما في شكل قيادة العالم، خصوصا وأن تكتلات ومحاور عالمية بدأت تتشكل بناء على معطيات تغير شكل النظام العالمي وآليات إدارته.


الإعلام رسالة عالمية وإنسانية ووطنية، توجب على من يتصدى للعمل في هذا المجال أن يدرك مفهوم الرأي العام وأهميته وطرق امتلاك أدوات التحكم به لصالح حرية الرأي والتعبير وإسعاد الشعوب لا قهرها. العالم يتغير بشكل مذهل في وصف الحدود الفكرية ومفاهيم العلاقات الدولية بل ومفهوم الدول القومية نفسها وفق التأثيرات العالمية. 


استغلال الفضاء الإعلامي المتاح والتحكم فيه فلسفة جديدة قادرة على أن تشكل عالماً جديداً متداخلاً في الثقافات والمفاهيم التي ترفض المحددات، الأمر يستوجب إعادة النظر في فهم الحالة القانونية والسياسية والاجتماعية والفكرية التي يجب أن تواكب هذا التطور المذهل الذي إذا تركه أحرار العالم، فسوف يعلو بصوته دعاة الطغيان والاستبداد ومحترفو التضليل والكذب.


يبدو لنا أن حكاية الرأي العام كانت بالأمس رقما، وهي الآن كذلك، وستكون غدا كما كانت بالأمس. الفوز بالرأي العام لا ينتج إلا عن طريق خوض معركة الوعي واحترامه في إطار فهم اتجاهات ومواقف الناس في قضايا تشغل حاضرهم وتلقي بظلالها حتما على مستقبلهم كي يكون الرقم صحيحاً معبراً عن إرادة حرة.


صناعة الرأي العام وحمايته من جرائم التضليل تستوجب تقليل الفوارق المجتمعية في درجات المعرفة والثقافة والإرتقاء بها، حتى يسود مفهوم الرأي  ضمن محيط الجماعة التي ربما ستصل إلى الرأي الأكثر تأييداً مع إشاعة مفهوم احترام الرأي حتى وإن كان منفرداً. 


يقول الفيلسوف جون ستيوارث ميل: "إذا كان كل البشر يمتلكون رأياً واحداً وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفاً، فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة"..

الكلمات المفتاحية