إغلاق "باب الخلق".. ما الذي أزعج نظام السيسي من برنامج اجتماعي تاريخي؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار سنوات قليلة حقق برنامج "باب الخلق" للإعلامي المصري محمود سعد نسبة مشاهدات عالية، والأهم أنه خلق حالة رضاء لدى المصريين بمختلف توجهاتهم وأطيافهم، فيما يشكل وضعا نادرا بسبب الاختلافات المريرة والأوضاع السياسية القائمة. 

سعد الذي روى القصة ببساطة وبأسلوب الحكاء القديم، لم يعجب استمراره النظام المصري، فجرى منعه في سبتمبر/أيلول 2021، من قبل الأجهزة الأمنية، ما تسبب في استياء عام تصاعد خلال أكتوبر/تشرين الأول 2021، وتساؤلات عن مدى قلق السلطة من الإعلام وأي صوت مؤثر حتى ولو لم يكن صداميا. 

مضمون مختلف

في 12 فبراير/ شباط 2018، بدأ الإعلامي محمود سعد أولى حلقات برنامج "باب الخلق" على شاشة قناة "النهار" الفضائية المصرية.

سبب تسميته "باب الخلق" ذكر سعد أنها نسبة إلى المنطقة التي نشأ وترعرع فيها، أحد أكبر وأهم الأحياء الشعبية التاريخية بمحافظة القاهرة. 

محتوى البرنامج والمضمون الذي يقدمه، كان اجتماعيا تاريخيا متنوعا بعيدا كل البعد عن الواقع السياسي وأزماته، حيث تحدث من خلاله عن نشأته وأفراد أسرته وعن الشخصيات التي أثرت فيه وساعدت في تكوينه الفكري.

ثم انطلق إلى المجتمع وقصصه ونوادره وأهم شخصياته الحالية والسابقة، الشعبية والمتميزة، في شكل قصة يتم سردها من خلال الحلقات. 

تارة يتحدث سعد عن قصة الإمام الحسين (رضي الله عنه) في حلقة بتاريخ 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وعن كيفية رفضه الظلم والطغيان، وصولا إلى استشهاده في واقعة كربلاء في القرن الأول من الإسلام. 

وتارة يذهب إلى السجن الحربي بقلعة محمد علي في القاهرة، ويقوم بتصوير زنزانة الشيخ عبدالحميد كشك، أحد أهم علماء الإسلام المعاصرين الذين وقفوا أمام الرؤساء السابقين جمال عبدالناصر، وأنور السادات، حيث حاكموه ووضعوه داخل السجن الحربي.

وصور محمود سعد مكان احتجاز الشيخ وسرد الأحداث في حلقة 12 أبريل/ نيسان 2021، ومن أهم ما قال فيها "أن الجلاد يموت، ويبقى الفكر"، و"السجن لم يستطع قتل الفكرة والقضاء عليها". 

وفي أحيان أخرى ذهب سعد إلى مواطنين من المجتمع استطاعوا تحقيق نجاح باهر، مثل التاجر الملهم لشخصية عبدالغفور البرعي الشهيرة، في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي".

 وكذلك استضاف سعد فقرات طبية، للدكتور حسام موافي، عالم الطب البارز، وأستاذ أمراض الجهاز الهضمي بكلية طب القصر العيني. 

ذلك المحتوى المتنوع لقرابة 3 سنوات، حظي بمتابعات واسعة على الشاشات، أو من خلال صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

حظر مفاجئ

استمر الحال كما هو عليه، حيث يقدم محمود سعد البرنامج بشكل دوري روتيني، والمتابعات تتزايد بمئات الآلاف وأحيانا الملايين، إلى أن جاء 23 سبتمبر/ أيلول 2021، ليعلن الإعلامي عن وقف عرض برنامجه "باب الخلق" على شاشة قناة النهار، على أن يستمر عرضه على قناته الرسمية في موقع "يوتيوب".

ونشر عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "صباحكم جميل، قريب جدا هتقدروا تتابعوا باب الخلق كمان على قناتنا على يوتيوب". 

الإعلان شكل صدمة لمتابعي البرنامج وتساؤلات عن السبب الحقيقي لإيقافه، خاصة وأنه لم يصطدم بالسياسة ولا يخالف الحاكم.

ومع البحث ذهبت التفسيرات إلى رسائل مبطنة تم تقديمها خلال حلقة قدمها في 12 سبتمبر/ أيلول 2021، عن "حجاج الخضري" الذي كان أحد أبطال مصر في مواجهة الحملة الفرنسية عام 1897.

وعظم محمود سعد من شأن الثائر المصري ضد الفرنسيين، ثم تناول إعدامه على يد الوالي محمد علي منذ قرنين رغم أن الخضري كان ممن ساندوا الأخير في الوصول إلى الحكم.

وفي رسالة اعتبرت مقصودة وموجهة طالب سعد بأن يحكي الآباء لأبنائهم نموذج حجاج الخضري لكل الأجيال، لأنه عاش أكثر من قاتليه.

وشدد سعد على عبارة "في سالف العصر والأوان، ليس أكثر من هذا" وذكر أكثر من مرة، "كل من ساند محمد علي قام الوالي الجديد بالتخلص منه، ومنهم حجاج الخضري"، ما عزاه البعض إلى أنه قصد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي ومن عاونوه ثم غدر بهم. 

وعلق الحقوقي والسياسي المصري أسامة رشدي على إيقاف البرنامج عبر "تويتر" قائلا: "محمود سعد جلس في بيته.. لم يتحملوا منه أنه حكى قصة لمناضل مصري اسمه حجاج الخضري أعدمه محمد علي بعد أن غدر به".

وتابع: "نظام المماليك الجدد لم يتحملوا سيرة ثائر ضد الحملة الفرنسية، ولم يتحملوا من يثني على هذا الثائر المصري القديم، فالطغاة ملتهم واحدة".

وكذلك غرد الصحفي المصري جمال سلطان، "بمناسبة وقف برنامج محمود سعد رغم أنه غير سياسي، يذكر أن المباحث في عهد عبد الناصر هددت كاتب باب (حظك اليوم) في صحيفة الجمهورية بالاعتقال، لأنه كتب يوما لمواليد شهر يناير، (ستقابلك عقبات)، (لن تتحقق أحلامك اليوم)، (احذر)، ولم يكن المحرر منتبها إلى أن الزعيم من مواليد شهر يناير". 

المستبد المستظلم 

وصف الباحث الإعلامي المصري عبد الرحمن الشرقاوي، الحالة الإعلامية المصرية القائمة تحت مظلة نظام عبد الفتاح السيسي، بأنها الأسوأ في تاريخ البلاد حتى أشد سوءا من الحقبة الناصرية. 

وقال الشرقاوي لـ"الاستقلال"، إنه "لو عقدت مقارنة بسيطة بين الحقبتين، سنجد أن زمن عبد الناصر خرج فيه مجموعة من أبرز الصحفيين والكتاب والأدباء والفنانيين".

وواصل: "إن لم يكن هناك حرية على المستوى السياسي، كان هناك تميز في بقية المجالات، وهو ما ظهر في أعمال صلاح جاهين، وعبدالرحمن الأبنودي، وغيرهم". 

وأضاف: "أما في عهد النظام القائم فحتى ذلك الهامش وتلك الحرية المقنعة لا يسمح بها، ولو على سبيل إظهار وجود شكل من أشكال المعارضة والحريات الإعلامية، كما كان يحدث في عهد (الرئيس الأسبق حسني) مبارك".

وهو ما ذكره الكاتب الصحفي عبدالله السناوي، عندما استنكر غياب الحرية الإعلامية والمعارضة تماما، وقال إن "عهد مبارك كان أفضل". 

واستطرد: "أضيف عليه أن حتى أنظمة البعث في سوريا والعراق كانت أخف وطأة، حيث كان هناك نوع من المعارضة في الفنون والمسرح، رغم القمع الشديد".

ولكن حاليا مصر في حالة نضوب شامل فلا رأي ولا حرية، ولا حتى إعلاما اجتماعيا هادفا مسالما، كما كان يفعل محمود سعد، وفق ما قال.

وأردف: "لا أعلم ما الذي أثار قلق المنظومة القائمة إلى درجة المنع والحظر لمثل هذه البرامج، إلا أن تكون موقنة أنها على أرضية هشة".

تبعات خطيرة 

أما الإعلامي المصري طارق محمد، فقال لـ"الاستقلال"، إن "برنامج (باب الخلق) لمحمود سعد أحدث اختراقا مهما في خارطة الإعلام بشكلها الحالي".

فمن جهة حقق إجماعا عاما غير معتاد، وأيضا حاز على شعبية جارفة من قبل الجماهير، وهذا في حد ذاته مقلق لأي منظومة استبدادية، خاصة وأن محمود سعد لم يكن على وئام مع أمن وإعلام السيسي، وتم منعه أكثر من مرة ثم تحييده تماما.

وذكر أن البرنامج (باب الخلق) في فكرته الأساسية، لم يكن على مستوى برامج التوك شو الكبرى والتفاعلية، التي يسوق لها ويصرف عليها الملايين.

وأضاف: "لكن سعد المخضرم بأدواته وخبرته استطاع أن يحول هذه القماشة المحدودة إلى حالة خاصة ومؤثرة، تابعها الجمهور المصري الشاب قبل الكبار، ما تسبب في استفزاز واستنفار للمسؤولين عن الإعلام في مصر داخل أجهزة الأمن والمخابرات، ليتم منع البرنامج بين عشية وضحاها".

وذكر الإعلامي المصري، "قبل سنوات تم منع برنامج الإعلامي عمرو الليثي بسبب لقاء شارع مع سائق (توك توك) كادح، تحدث من قلبه عن وضع مصر المتردي، وعن تاريخها العظيم، ليتم فورا وقف البرنامج ومطاردة السائق والقبض عليه".

بعدها تم اعتقال فرقة (أطفال الشوارع) الساخرة، التي كانت تقدم محتوى ترفيهيا عبر مواقع التواصل.

 وبعد وقت من السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام ومنع كل الأصوات المختلفة حتى ولا أقول المعارضة، يتم إيقاف المحتوى الاجتماعي الجيد، ليتصدر الشاشة إعلاميو التعبئة والتحريض والفتنة، حيث لا مجال للعقل والهدوء، وفق قوله.

واختتم حديثه بأن: "حالة الإعلام الأوحد، لها تبعات خطيرة على المجتمع والنظام الحاكم نفسه، فمن العجيب عدم الاعتبار مما حدث قبل نكسة 67 عندما أغلق المجال أمام حرية الرأي والتعبير، والآن الحالة مماثلة، ومن الممكن أن يحدث انفجار في أي وقت نتيجة حالة الكبت القائمة".