مع تضاؤل دعم كييف.. لماذا تركز روسيا على احتلال أراض جديدة شرق أوكرانيا؟

منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تواصل القوات الروسية التقدم ببطء وقضم المزيد من الأراضي الجبهة الشرقية لأوكرانيا، وذلك في ظل ضعف الدعم العسكري المقدم لكييف لصد الغزو المستمر منذ فبراير/شباط 2022.

فقد مكنت الكمية الهائلة من القوى البشرية والأسلحة الروسية، موسكو من تجاوز دفاعات أوكرانيا وتحقيق تقدم ميداني جديد في شرق أوكرانيا.

تقدم ميداني

وأعلنت موسكو في 5 أبريل/نيسان 2024 سيطرة قواتها على بلدة فوديانيه التي تبعد حوالي خمسة كيلومترات عن مدينة دونيتسك في شرق أوكرانيا.

وتقع "فوديانيه" غرب مدينة أفدييفكا شرق أوكرانيا والتي أحكم الروس قبضتهم عليها في فبراير/شباط 2024، مما يشير إلى توسيع روسيا نطاق سيطرتها شيئا فشيئا.

كما تنصب جهود القوات الروسية راهنا، على محاولة السيطرة على بلدة تشاسيف يار، الواقعة على بعد نحو 20 كيلومترا إلى الغرب من باخموت التي وقعت في مايو/أيار 2023 في قبضة روسيا بعد معارك عنيفة استمرت أشهرا.

والبلدة تكتسي أهمية إستراتيجية للقوات المتقاتلة للسيطرة على منطقة دونباس في الشرق الأوكراني، إذ إن مرتفعات تشاسيف يار ستمنحهم موطئ قدم قويا وستمكنهم من استهداف مدن تقع على ارتفاعات أدنى.

وتأتي هنا في المقام الأول كراماتورسك كبرى مدن المنطقة تحت السيطرة الأوكرانية وتشكل محورا لوجستيا أساسيا للجيش الأوكراني.

وتكتسي المدينتان قيمة كبيرة بالنسبة لموسكو، فقبل عقد سيطر انفصاليون موالون للروس لفترة وجيزة على المدينتين في بداية الاشتباكات مع كييف.

وعلى خط الجبهة الحالية، تشكل تشاسيف يار أيضا مدخلا إلى باخموت، وهذا يدلل على تصميم القوات الروسية على تعزيز ما حققته أخيرا من مكاسب ميدانية، عبر احتلال تشاسيف يار.

وضمن هذا الإطار، أفاد معهد دراسة الحرب (ISW) الأميركي، في 5  أبريل 2024 أنه من شأن استيلاء روسيا السريع على تشاسيف يار أن يمثل انتكاسة مروعة لكييف مع استمرار القوات الروسية في التقدم ببطء على الجبهة الشرقية لأوكرانيا. 

وبحسب ما قاله وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال اجتماع عسكري، فإنه منذ بداية عام 2024 “أصبح ما مجموعه 403 كيلومترات مربعة من أراضي المناطق الجديدة في الاتحاد الروسي تحت سيطرتنا”.

وذلك في إشارة إلى مناطق لوغانسك وخيرسون ودونيتسك وزابوريجيا الأوكرانية التي أعلنت موسكو ضمها نهاية سبتمبر/أيلول 2022 وتسيطر عليها جزئيا في خطوة رفضها المجتمع الدولي وعدها غير شرعية.

وقدر معهد دراسات الحرب (ISW) الأميركي مطلع أبريل 2024 أن روسيا سيطرت على 505 كيلومترات مربعة من الأراضي في أوكرانيا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأشار المعهد إلى أن "المعوقات المادية" تحد من قدرات الجنود الأوكرانيين على "القيام بعمليات دفاعية فعالة".

وشدد على أن "فرص استغلال مواطن الضعف الأوكرانية" ستتسع طالما أن البلاد تعاني نقصا في الأسلحة وصعوبات في تجنيد عسكريين جدد.

وتزامنا مع التقدم الروسي الميداني الجديد، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 6 أبريل 2024 إن بلاده ليس لديها ذخيرة كافية لشن هجوم مضاد على روسيا، لكنه أوضح أن كييف بدأت في تلقي البعض منها من شركائها للدفاع عن نفسها.

تضاؤل الإمدادات 

خلال الأشهر الأخيرة طفت على السطح بقوة تأخر وتضاؤل الإمدادات العسكرية الواصلة لكييف من حلفائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

إذ تعرقلت في الكونغرس الأميركي حاليا حزمة تمويل بقيمة 60 مليار دولار، لكن هناك آمالا في أن يتحرك المشرعون لإقرارها خلال الفترة القادمة.

حتى إن وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) ناقشوا في مطلع أبريل 2024 إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو لدعم أوكرانيا، فيما حثهم الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ على ضمان إمدادات الأسلحة على المدى الطويل لقوات كييف.

ومع التقدم البطيء في هجومها المضاد وعدم إظهار روسيا أي علامة على الانسحاب، تواجه أوكرانيا حربا مطولة تتطلب دعما طويل الأمد من حلفائها الذين يركزون أيضا على دعم إسرائيل في عدوانها على الفلسطينيين.

ويعتقد الخبراء أن القوات الروسية تستخدم مواردها على نحو أكثر عقلانية مما كانت تفعل في المعارك في بداية غزوها عام 2022.

مع بداية الطقس الأكثر دفئا في أوروبا الشرقية، تكثف روسيا هجومها على أوكرانيا بهجمات ليلية بالصواريخ والطائرات بدون طيار على البنية التحتية والأهداف العسكرية، وعلى الأرجح قبل هجوم بري كبير هذا الصيف، كما يقول خبراء عسكريون.

وخاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جعل من الاستيلاء على دونباس، وهي منطقة غنية بالموارد وتضم عددا كبيرا من السكان الناطقين بالروسية، أمرا أساسيا لأهدافه الحربية.

إذ يعتقد خبراء عسكريون أوكرانيون وغربيون أن موسكو تستعد لشن هجوم بري كبير في وقت ما في أواخر مايو/أيار أو يونيو/حزيران 2024 بهدف اختراق الخطوط الدفاعية الأوكرانية واحتلال المزيد من الأراضي.

ويربط الخبراء العسكريون التكتيكات التي يتبعها الجيش الروسي مستغلا ضعف الدعم الأوكراني، بعمليات التقدم الميداني وأخذ مزيد من المساحات.

ولاحظ معهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث عسكري في واشنطن يراقب الغزو الروسي، أن موسكو بدأت في إرسال المزيد من الدبابات ومركبات المشاة القتالية للمشاركة في هجماتها على طول الخطوط الأمامية.

ولا يزال القتال الدامي والقصف والهجمات الجوية مستمرة في ساحات القتال التي تمتد أكثر من 400 ميل من منطقة خيرسون على البحر الأسود إلى البلدات والقرى الواقعة شمال غرب لوهانسك، وهي مدينة كبرى شرق أوكرانيا تخضع لسيطرة القوات المدعومة من روسيا منذ عام 2014.

لكن من الواضح أن روسيا تركز على ضرب أهداف عسكرية وغير عسكرية أبعد بكثير من الخطوط الأمامية.

فقد قالت "DTEK" أكبر شركة طاقة خاصة في أوكرانيا، إنها فقدت 80 بالمئة من قدرتها على توليد الطاقة عقب هجمات روسية.

وينظر إلى الهجوم على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا على أنه دليل إضافي على أن روسيا تخطط لشن هجوم كبير.

ومن خلال مهاجمة شبكة الكهرباء، تأمل روسيا في عرقلة قدرة أوكرانيا على نقل الجنود والمعدات عن طريق السكك الحديدية وتسعى إلى شل اقتصاد البلاد.

ديناميكيات فعالة

وضمن هذه الجزئية، قال بن باري، زميل بارز في قسم الحرب البرية في مركز أبحاث الدفاع والأمن التابع للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، في تحليل خلال مارس 2024: "في أسوأ السيناريوهات، قد تكون أجزاء من خط المواجهة في كييف معرضة لخطر الانهيار".

وأشار إلى أن نجاح روسيا منتصف فبراير 2024 في الاستيلاء على مدينة أفديفكا التي انسحبت منها قوات كييف بعد معارك لأشهر، إلى جانب مكاسبها الإقليمية منذ ذلك الحين، "يثير تساؤلات حول ما إذا كان التقييم الأوكراني في أواخر عام 2023 بأن الحرب ستصل إلى طريق مسدود في عام 2024 قد يكون متفائلا".

وراح يقول: "إن استعداد موسكو للسيطرة على الأراضي في مواجهة أعداد كبيرة من الضحايا، إلى جانب زيادة إنتاج قذائف المدفعية، يتناقض مع الافتقار إلى إمدادات غربية مستدامة من ذخيرة المدفعية إلى كييف".

 وذهب بن باري للقول: "إن هذه الديناميكيات هيأت الظروف لإحداث تحول في زخم الحملة البرية مع بدء العام الثالث من القتال في الغزو الروسي واسع النطاق".

وتابع قائلا: "من المرجح أن تشن روسيا سلسلة من الهجمات الكبرى خلال فصلي الربيع والصيف مصممة لإيقاع خسائر في صفوف الأوكرانيين، ودفع المدافعين غربا وتوسيع سيطرتها على الأراضي المحتلة، خاصة في دونيتسك ولوهانسك في شرق أوكرانيا".

لا سيما أن "إمدادات ذخيرة المدفعية والذخائر والصواريخ الباليستية من إيران وكوريا الشمالية باتت تغير ميزان القوة النارية ضد أوكرانيا"، وفق بن باري.

وقدر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أن روسيا، التي حشدت بالفعل عدة مئات الآلاف من الرجال، يمكنها الاستمرار في حملة هجومية لبعض الوقت.

ووفقا للمعطيات، تمكنت موسكو من جلب عدد كاف من الجنود المتعاقدين للحفاظ على هيكل قوتها، كما وضعت اقتصادها في حالة حرب، حيث يمثل إجمالي الإنفاق العسكري الآن ثلث ميزانيتها الوطنية ويصل إلى حوالي 7.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

في المقابل، أطلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحذيرات مفادها أنه ما لم تتم الموافقة على الحزمة الأميركية المتوقفة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات قريبا، فسيتعين على قواته "العودة والتراجع بخطوات صغيرة". كما حذر من أن بعض المدن الكبرى قد تكون معرضة لخطر السقوط.

وقد نقلت مجلة "بوليتيكو" الأميركية، عن ضباط أوكرانيين قولهم، إن هناك خطرا كبيرا من انهيار الخطوط الأمامية في المناطق التي قرر الجنرالات الروس تركيز هجومهم عليها.

علاوة على ذلك، وبفضل الوزن الأكبر بكثير من حيث الأعداد والقنابل الجوية الموجهة التي تقصف المواقع الأوكرانية منذ أسابيع، فمن المرجح أن تكون روسيا قادرة على "اختراق خط المواجهة وتدميره في بعض الأجزاء"، بحسب قولهم.

وقال أحد الضباط: "ليس لدينا أزمة عسكرية فحسب، بل لدينا سياسية كذلك"، مضيفا: "روسيا الآن تجمع الموارد وستكون مستعدة لشن هجوم كبير في شهر أغسطس 2024 تقريبا، وربما قبل ذلك".

الكلمات المفتاحية