تسريبات وتلميحات.. هل خان “حزب الله” حماس في طوفان الأقصى؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

منذ بدء حركة المقاومة الإسلامية حماس عمليتها التاريخية داخل مستوطنات غلاف غزة وضرب جيش الاحتلال في عمق مواقعه، والسؤال يدور حول تنسيقها مع حزب الله اللبناني.

برغم نفي قادة حماس وحزب الله وإيران على حد سواء أن يكون أحد قد علم بالمعركة سوى الحركة وحدها، إلا أن تقارير سعودية وأميركية زعمت أنه كان هناك تنسيق لتنفيذ عملية مشتركة وهجوم متزامن، "لكن الحزب تراجع".

وربط أصحاب هذه الرواية ما أسموه "خيانة حزب الله" لحماس بعدم إسنادها للمقاومة في غزة بالشكل والكثافة المطلوبة. 

في المقابل شكك فريق من المحللين بمعرفة حزب الله بموعد المعركة، وهو ما نفته حركة حماس نفسها في أكثر من مناسبة.

حقيقة الاتفاق

وفي 14 يناير/كانون الثاني 2024 نقل مراسل موقع "الشرق" السعودي، من رام الله عن مصادر في "حماس"، وهم يروون قصة "طوفان الأقصى" بعد 100 يوم، تأكيدهم أنه كان هناك اتفاق مع حزب الله في لبنان على غزو إسرائيل معا، لكن الأخير تراجع.

زعم، نقلا عن هذه المصادر، أنه كان هناك اتفاق على تنفيذ "اجتياح بري شامل" يشمل المناطق التي احتلها العدو الصهيوني في عدوان يونيو/حزيران 1967، بما يجبره على التراجع عنها، "لكن الحزب لم يفِ بما اتفق عليه مع الحركة".

بموجب ما رواه مراسل "الشرق"، وقال إنه مُسجل، مع مصادر حماس، فإن التفاهمات بين الحركة والحزب "نصّت على تعطيل عمل الجيش الإسرائيلي ومؤسساته المختلفة وإجبارهم على الانسحاب من الضفة الغربية حتى حدود عام 1967 بما فيها شرق القدس".

كما نصت تلك التفاهمات، على دخول مقاتلي "حماس" من جنوب فلسطين المحتلة (حدود غزة) وعناصر حزب الله من الشمال (جنوب لبنان) معا.

وكذلك انضمام قوات رديفة من سوريا بالتزامن مع تنفيذ حزب الله قصفا صاروخيا للمواقع الحساسة في الكيان الصهيوني مثل محطات الكهرباء والمياه والمطارات مستخدما الصواريخ الموجهة الدقيقة التي يمتلكها.

وبحسب المصادر التي قالت قناة "الشرق" إنها تحدثت لها في تصريحات تلفزيونية فإن حزب الله فوجئ بتوقيت هجوم "حماس"، وفضل التأني لمعرفة ردود الفعل الغربية.

وتشير هذه الفقرة إلى تناقض في رواية "الشرق"، إذ كيف يكون هناك اتفاق على التحرك معا ثم يُفاجأ حزب الله بتوقيت الهجوم؟!

وتقول المصادر لـ "الشرق" إنه عندما وجد الحزب أن الولايات المتحدة حركت بوارجها إلى المنطقة فضل التراجع لتجنب الدمار الذي قد يتعرض له إذا ما نفذ ما اتفق عليه مع الحركة.

وقرر المشاركة في الحرب بصورة رمزية، من خلال ما أطلق عليه "مشاغلة" قوات الاحتلال عبر اشتباكاتٍ محدودة معها في الجنوب اللبناني.

ووفق الموقع السعودي، ذكرت مصادر حماس أن العسكريين من الحركة الفلسطينية وحزب الله بدأوا في التحضير لخطة الاجتياح الشامل هذه بعد العدوان على غزة عام 2021.

وذلك بعدما كشفت تلك المعركة عن ثغرات في الأمن الصهيوني تُمكن مقاتلي الحركة والحزب من تنفيذ اجتياح بري شامل من الشمال والجنوب مترافقا مع قصف صاروخي.

وكان نائب رئيس المكتب السياسي لـ "حماس"، صالح العاروري، والذي اغتاله الاحتلال في 2 يناير 2024 قال في مقابلة تلفزيونية مع قناة الميادين 25 أغسطس/آب 2023، إن "المقاومة جاهزة للحرب الشاملة".

وأكد أن "إسرائيل ستُمنى بهزيمة غير مسبوقة"، وهو ما عده الكثيرون تلميحا صريحا للهجوم قبل أقل من شهر ونصف الشهر على حدوثه في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأضاف العاروري حينها "نحن نتجهز للحرب الشاملة، ونناقش ذلك في الغرف المغلقة مع كل المكونات التي لها علاقة"، وذلك في إشارة واضحة لمكونات المحور الإيراني وخاصة حزب الله الذي ظهر العاروري مع أمينه العام حسن نصر الله عدة مرات.

وقبل رواية موقع "الشرق" السعودي، نقلت مجلة "نيوزويك" الأميركية في 11 أكتوبر 2023، عن ممثل حماس في لبنان أحمد عبد الهادي، تأكيده أن الحركة كانت على تنسيق نشط مع إيران وحزب الله قبل طوفان الأقصى لتنفيذ حرب مشتركة.

قال: "نسقنا مع حزب الله ومع إيران قبل وأثناء وبعد هذه المعركة على أعلى المستويات، لكن تعرضنا على ما يبدو إلى خيانة واضحة ووعود كاذبة من طهران".

"نيوزويك" قالت إن "عبد الهادي" أبلغها عبر موقع إكس (تويتر سابقا) أن "هذا التنسيق تم أيضا ومع فصائل أخرى مما يسمى محور المقاومة قبل الهجوم، وأنه كان له أبعاد عديدة، سياسية وعسكرية وغيرها".

لكن أحمد عبد الهادي نفى التصريحات المنسوبة له مع المجلة، حسبما أكد موقع "المركز الفلسطيني للإعلام" التابع لحركة حماس في 12 أكتوبر 2023.

وأكد قائلا "فوجئتُ بنشر تصريحات منسوبة لي وادعاء إجراء مقابلة لي حول معركة طوفان الأقصى على مجلة نيوزويك، وأؤكد أنها عارية عن الصحة ولم أُدلِ بأي تصريحات لها بهذا الشأن".

و"دعا وسائل الإعلام إلى تحري الدقة وسط الهجمة الإعلامية لتشويه المقاومة وإنجازاتها".

ويرى محللون أن رواية "نيوزويك" نقلا عن عبد الهادي، غامضة لأنها قالت إنها تصريحات عبر "إكس"، دون توضيح أو نشر صورة لهذه المحادثة.

فيما يعتقد آخرون أن عبد الهادي ربما قال هذه التصريحات وهو غاضب من موقف حزب الله الضعيف خاصة أنه منسق حماس في لبنان وعلى صلة بهذه المعلومات، وربما جاء تراجعه خشية تصعيد الخلافات وقت المعركة.

مع هذا رأى محللون أن هناك خيانة حدثت بالفعل من حزب الله لحماس بعد شن العدوان، وأنهم تركوا غزة تواجه مصيرها وحدها، واكتفوا بأسلوب المشاغلة والضرب وفقا لقواعد الاشتباك المتفق عليها مع الاحتلال، بغية تحقيق مصالح خاصة.

وقد عاد موقع "بوليتيكو" الأميركي 18 أكتوبر 2023 لينقل عن "عبد الهادي" أن حماس وحزب الله "تنسقان عن كثب خطواتهما التالية في القتال ضد إسرائيل".

وقال عبد الهادي في المقابلة من مكتبه في مخيم مار الياس للاجئين في بيروت: "كنا نتعاون مع حزب الله قبل الهجوم على إسرائيل وبعده والآن نحن في تعاون كامل".

وأصر على أن حماس لم تعط حليفها حزب الله أي إشعار مسبق بهجماتها ضد إسرائيل في 7 أكتوبر، لكنه شدد على أن الحزب أصبح الآن "مستعدا لحرب كبرى" في الشمال.

وكانت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة نفت أن تكون بلادها شاركت في عملية طوفان الأقصى فور انطلاقها.

هل حدثت خيانة؟

وكان رئيس تحرير صحيفة "وجهات نظر"، العراقي "مصطفى كامل"، قد رجح في مقال كتبه في 19 أكتوبر 2023، إبرام حماس اتفاقات مع حزب الله وجهات أخرى للبدء بحرب شاملة.

"لكن الجهات التي اتفقت الحركة معها أخلت بهذا الاتفاق" وفق قوله، دون أن يحدد من أين استقى هذه المعلومات.

وأشار كامل في مقاله إلى أن "حماس" لم تخطئ، يقينا، في قرارها بمواجهة العدو الصهيوني وفتح جبهة حرب معه في "طوفان الأقصى" فهذا حقها بل واجب عليها.

لكنه قال: "قد تكون أخطأت في تقييم مواقف قوى بعينها كانت ربما تعول عليها في دعمها، ليس لفظيا بل على سبيل مستويات أكبر بكثير، أي الفعل العسكري بالتحديد".

أضاف: "أكثر ما أخشاه أن تكون حماس توصلت إلى تفاهمات مع أطراف معينة في المحور الإيراني، أهمها حزب الله في لبنان، على البدء بحرب شاملة، برية وصاروخية، لكن الجهات التي اتفقت الحركة معها أخلت بهذا الاتفاق!".

وقد ألمح لهذه الخيانة أيضا رئيس حزب "القوات اللبنانية"، الماروني، سمير جعجع، حين تحدث عن عملية اغتيال صالح العاروري وهو في منطقة يحميها حزب الله.

وتساءل في تسجيل فيديو له: أين كان الحراس الـ 6 الذين عينهم حزب الله لحماية العاروري؟

ثأر حماس من خيانة حزب الله .. #وسام_الطويل

أين كانوا الحراس الـ6 الذين فرزهم حزب الله لحماية صالح العاروري منذ ان جاء الى لبنان، ولماذا لم يكن ولا واحد منهم معه حين تم اغتياله؟! pic.twitter.com/Eb09UWhhFH

— شريف حجازي (@sharifhijazi11) January 8, 2024

وقد أشار تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي 15 يناير 2024 حول مرور 100 يوم للحرب مع حماس، إلى أن "متابعة نماذج عمليات حزب الله تشير إلى محاولته وضع حدود للقتال".

أي وضع الحرب في "مجال جغرافي ضيق" عبارة عن بضعة كيلومترات عن الحدود وعلى طولها، وأمام أهداف ثابتة نسبيا، واستخدام سلاح قصير المدى، دون ترسانة سلاح حزب الله كلها.

وأن يهاجم بصواريخ مضادة للدروع وقذائف مدفعية وصواريخ قصيرة المدى ومسيرات (فشلت في الوصول إلى أهدافها في حالات كثيرة).

وأكد هذا حسن نصر الله في خطابه له 14 يناير 2024، حين قال إن حزب الله يعمل بشكل محسوب جدا، لكن إذا أراد العدو الحرب فسيرد بحزم وسيستخدم كل إمكاناته.

تحليل المعهد أشار إلى أنه رغم هجمات إسرائيل في عمق جنوب لبنان والمس ببنى تحتية إستراتيجية وأهداف نوعية لحزب الله على مسافة بعيدة عن الحدود، ومن ثم تحدي تل أبيب قواعد اللعب معه، استمر رد الحزب كما هو في حدود معينة.

أوضح أن "الضرر العسكري لبيئة حزب الله أكبر منها لدى الجيش الإسرائيلي، الذي دمر جميع مواقع ونقاط مراقبة الأول على طول الحدود، كما دمر قيادات ومخازن سلاح وأهدافا إستراتيجية".

قال: "رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه حزب الله جراء استمرار القتال، فإن الحديث يدور عن ثمن قابل للتحمل كونه يخدم الدفع قدما بأهدافه الإستراتيجية وأهداف المحور الذي يقف على رأسه هو نفسه إلى جانب إيران".

وأشار المعهد الإسرائيلي إلى عدة أهداف يسعى لها حزب الله خلال طوفان الأقصى من بينها "تحسين ميزان القوة والردع لصالحه في اليوم التالي لحرب غزة".

وكذلك "الإسهام في تحقيق مصالح إيران، مثل المس بإسرائيل وإضعافها، لا سيما إزاء استعداد طهران المحدود للرد بشكل مباشر على النشاطات الإسرائيلية ضدها".

وخلص التحليل إلى أن "حزب الله غير معنيّ بحرب شاملة في هذه المرحلة، ونعرف ذلك من خصائص قتاله ومن خطابات حسن نصر الله، رغم تهديده العلني بأن حزبه سيعمل بدون ضوابط وبكل الوسائل التي بحوزته وبدون قوانين أو حدود إذا ما اندلعت حرب كهذه".

القسام والفجر

بالتزامن مع أحاديث "الخيانة" رصد محللون تفاصيل سعي كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس. لإنشاء قوات لها في لبنان بالتعاون مع قوات الفجر الإسلامية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الله الشيعي.

ورجح بعضهم أن يكون تشكيلها له علاقة بعدم الثقة في دور حزب الله في إسناد المقاومة في غزة، كما حدث في مواجهة مايو/أيار 2021.

ورغم إشادة كثيرين بسماح حزب الله، للحركة بتشكيل فرع "القسام-لبنان" منذ عام 2022 وتدشينه رسميا أواخر 2023 ليشارك في قصف إسرائيل من جنوب البلاد، عد آخرون ذلك مؤشرا أن حماس تفعل هذا لعدم ثقتها في الحلفاء.

وسبق أن أشار تقرير لـ "الاستقلال" إلى أن هجمات القسام فرع لبنان، تأتي بتنسيق مع قوى لبنانية من بينها أيضا "قوات الفجر" التابعة للجماعة الإسلامية السنية، التي تقاوم إسرائيل من ذلك البلد، نشأت قبل حزب الله.

وأوضح تقرير سابق آخر لـ "الاستقلال" أن هذا الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، تاريخه أقدم من إنشاء حزب الله الشيعي اللبناني.

وبدأ التنسيق لتشكيل هذه القوات الحمساوية في لبنان عام 2021 عقب آخر مواجهة مع الاحتلال في مايو من العام نفسه.

وزارت وفود من قيادات حماس، حزب الله والجماعة الإسلامية اللبنانية، دون الكشف عن سبب الزيارة، لكن مخابرات إسرائيل وأميركا أكدتا أنها بهدف تنسيق عسكري.

تردد حينئذ أن مجموعات "القسام" التابعة لـ "حماس" لديها وجود في عدد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، منها البص والبرج الشمالي في منطقة صور، جنوب البلاد وعين الحلوة في مدينة صيدا، وبرج البراجنة ببيروت.

كما تردد أنهم بدأوا في تدريبات هناك بدعم من حزب الله، والجماعة الإسلامية اللبنانية، وبتنسيق بين حماس وإيران.

وفي 24 أغسطس 2021 كشف موقع "إنتليجنس أونلاين" الاستخباري الفرنسي، أن مدير المخابرات المصرية عباس كامل، زار لبنان والتقى نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، وهاشم صفي الدين.

وجاء ذلك بناء على طلب أميركي "ليحذر من تعاون حزب الله مع حماس في تشكيل محور جديد ضد إسرائيل".

وقال وزير جيش الاحتلال السابق بيني غانتس في لقاء مع مراسلي الشؤون العسكرية في وسائل الإعلام العبرية نشرت تفاصيله صحيفة "معاريف" 31 أغسطس 2021، إن حركة "حماس" تعمل من أجل إقامة بنية تحتية في لبنان.

وقد زار رئيسا مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق "مئير بن شبات" وخليفته في المنصب "إيال حولاتا" القاهرة والتقيا عباس كامل لهذا الغرض في 8 أغسطس 2021.

وفي 3 ديسمبر/كانون أول 2021 قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، إن حركة "حماس" أنشأت "سرا" فرعا لذراعها العسكري في لبنان، لفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل في حال اندلعت مواجهة جديدة مع قطاع غزة.

وزعمت الصحيفة أن صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، الذي اغتالته إسرائيل في 2 يناير 2024، هو من تولى إدارة وإنشاء الفرع الجديد للحركة في لبنان.

وادعت أن "حماس أدركت أن هذا لن يغير موازين القوة، ولكنه أداة من شأنها أن تسمح لها بتشتيت انتباه إسرائيل أثناء الصراع في غزة".

وقبل طوفان الأقصى بسبعة أشهر، كتب المحلل الأمني بصحيفة "إسرائيل اليوم" يوآف ليمور 15 مارس/آذار 2023 يحذر من "محور حزب الله – حماس".

وأكد أن محافل الاستخبارات والتقدير في إسرائيل تتفق على أن هذه السنة هي الأكثر تفجرا من أي وقت مضى.

ربط بين تحركات لحزب الله على الحدود اللبنانية وبين تسريع حماس تموضعها في لبنان، لا سيما في مخيمات اللاجئين في صور وصيدا. 

قال إن هذا النشاط يقوده العاروري، المسؤول عن النشاط الخارجي للذراع العسكري لحماس، والذي يسعى لتثبيت جبهة إضافية ضد إسرائيل تستخدم في حالة تصعيد في غزة أو الضفة.

وأكد أن العاروري جند ورجاله مئات الفلسطينيين ودربوهم على إطلاق الصواريخ وإعداد العبوات وزرعها.

الكلمات المفتاحية