موقع فرنسي: العراق سيواجه "انتحارا سياسيا" حال انفك من الروابط الأميركية

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

من جديد، دعا رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لرحيل قوات "التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة" بقيادة الولايات المتحدة والموجودة منذ عام 2014. 

وتكرر هذا الطلب بداية عام 2024 بعد الرد الأخير للجيش الأميركي، الذي كان هدفا لقوات موالية لإيران في العراق منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة.

ويزعم بعض الخبراء أن عواقب مثل هذا الرحيل والانفصال عن واشنطن "ستكون كارثية على بغداد".

غير محصن

وقال موقع "فرانس 24" الفرنسي إن "العراق ليس محصنا -كغيره من بلدان الشرق الأوسط- ضد التداعيات الإقليمية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة".

وأضاف أنه "منذ بدء هذا الحدث الذي يقع مركزه على بعد نحو 1000 كيلومتر من بغداد، ظلت السفارة الأميركية في البلاد وقواعد التحالف الدولي بقيادة واشنطن، لمنع عودة تنظيم الدولة، هدفا للتنظيمات المسلحة القريبة من إيران".

وذكر الموقع أن هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ ضد "حليف إسرائيل" تُطلق  من قبل "المقاومة الإسلامية في العراق".

وهي تجمع من الفصائل المسلحة مدعوم من إيران ومرتبط بـ"الحشد الشعبي"، المنظومة الأمنية التي أصبحت جزءا من القوات العراقية النظامية.

ومع عدم قدرتها على الوصول مباشرة إلى الأراضي الإسرائيلية، أشار الموقع إلى أن "المقاومة الإسلامية في العراق" تهاجم القوات الأميركية التي لديها 2500 مقاتل في البلاد، بشكل يومي تقريبا. 

وفي 4 يناير/ كانون الثاني 2024، في أعقاب رد فعل أميركي آخر أسفر عن مقتل مسؤول في إحدى الفصائل الموالية لإيران في بغداد، أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، تصميمه "القوي" على إنهاء وجود هذا التحالف.

وبهذا الشأن، أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، باتريك رايدر، إلى أن "وزارة الدفاع ليست على علم بأي خطط لانسحاب التحالف".

وأضاف: "مازلنا نركز بشدة على مهمتنا المتمثلة في هزيمة تنظيم الدولة في العراق".

ثقل أكبر

وبخصوص الخطاب الذي يتبناه رئيس الوزراء العراقي، قال مدير المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق، عادل باكوان، إن "شياع السوداني مضطر لأسباب سياسية لتبني هذا النوع من الخطاب ضد الوجود العسكري الأميركي".

وعزا باكوان ذلك لكون "هذا الخطاب الأكثر ربحية من الناحية السياسية والإعلامية، كما أنه الأكثر هيمنة داخل (الإطار التنسيقي)".

وأوضح الموقع الفرنسي أن "الإطار التنسيقي" هو تحالف سياسي عراقي موالٍ لإيران، تشكّل في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وتمكن محمد شياع السوداني من الحصول على منصبه كرئيس للوزراء بفضل دعم "الإطار التنسيقي".

بدوره، قال مدير المركز الفرنسي للأبحاث، باكوان: "لا يجب أن ننسى أن شياع السوداني أصبح رئيسا للوزراء فقط لأنه رُشح من قبل الإطار التنسيقي".

وأفاد بأن "الكلمة الأخيرة تكون في يد هذا التحالف، وليس شياع السوداني، في إدارة علاقات القوة السياسية".

ولذلك، يعتقد باكوان أنه "إذا لم يقف شياع السوداني إلى جانب أولئك الذين يطالبون بإنهاء الوجود العسكري للولايات المتحدة والذين يشوهون صورة واشنطن، الحليف الرئيس للإسرائيليين، فإنه يواجه خطرا بفقدان شرعيته، خاصة مع تصاعد الخطاب المناهض لأميركا منذ بداية العدوان على غزة".

ووصف موقع "فرانس 24" أن حدوث غير ذلك سيكون بمثابة "انتحار سياسي لشياع السوداني، لا سيما قبل عام وبضعة أشهر من الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في أكتوبر 2025".

وتابع باكوان حديثه قائلا "بينما تلقى شياع السوداني دعما كبيرا من الولايات المتحدة والأوروبيين عند تعيينه في منصبه خلال أكتوبر 2022، إلا أنه مصمم على استغلال أي حدث للاحتفاظ بمنصبه".

وفي هذه النقطة، نوه الموقع الفرنسي إلى أن "شياع السوداني قد التقى ما يقرب من 20 مرة، خلال ما يزيد قليلا عن عام، بالسفيرة الأميركية في بغداد،  ألينا رومانوفسكي، وهو أمر غير مسبوق بالنسبة لرئيس وزراء عراقي".

وإشارة إلى الدعم الأميركي لشياع السوداني، أوضح باكوان أن "دعم واشنطن قد مُنح في ظل شروط معينة، بما في ذلك السيطرة على تصرفات تنظيمات المليشيات واعتدال خطاب (الإطار التنسيقي) ضد الوجود الأميركي وتخفيف التوترات السياسية مع الأكراد والسنة". 

لكن أقل ما يمكن قوله -وفق باكوان- هو أن "شياع السوداني لم يتمكن من الوفاء بالوعود التي قطعها للأميركيين، والذين استجابوا من جانبهم بشكل مثالي للمطالب العراقية ذات الطبيعة الأمنية والاقتصادية".

التأثير الإيراني 

وكما نقلت "فرانس 24"، يزعم باكوان أن "القطيعة مع الولايات المتحدة وانتهاء وجود التحالف الدولي سيكون بمثابة كارثة، إن لم تكن مأساة مطلقة، للعراق واقتصاده".

ويتنبأ باكوان بأن "العراقيين إذا اختاروا الانفصال، فإن بغداد تخاطر بالتعرض للعقوبات ورؤية اقتصادها بأكمله يتأثر بـ(النمط الإيراني) بسبب العقوبات الأميركية".

ويرى أنه "دون الوصول إلى الدولارات الأميركية والحسابات التي يديرها الاحتياطي الفيدرالي، الذي تمر عبره جميع عائدات النفط العراقي، ستخسر البلاد مليارات الدولارات"، فضلا عن المخاطر الأمنية التي قد تعيشها البلاد بسبب وجود تنظيم الدولة.

ولذلك، حذر باكوان من أنه "في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر، قد يأخذ التهديد الذي يشكله المسلحون، دون وجود التحالف الدولي والجيش الأميركي، حجما أكبر".

من جانبه، أشار الموقع إلى أنه "ليس من الغريب أن تعلن إيران عن دعمها دعوة رئيس الوزراء العراقي لانسحاب القوات الأجنبية من البلاد".

وهنا تساءل باكوان ساخرا: "هل يوجد من يستطيع تصور أن يصرح القادة الإيرانيون رسميا بأن العراقيين ما زالوا بحاجة إلى الوجود العسكري الأميركي في العراق؟".

ولكن بالنظر إلى الواقع، لفت إلى أن "إيران تستفيد كثيرا -بطريقتها الخاصة- من وجود الأميركيين في جوارهم، خاصة وأن مليارات الدولارات تمر كل عام من العراق إلى إيران لتعزيز اقتصادها".

علاوة على ذلك، أكد باكوان أن "إبادة العراق على المستويين الاقتصادي والأمني ​​ستكون لها تداعيات وعواقب لا يمكن السيطرة عليها ولا تُقدر بثمن بالنسبة لطهران".

من زاوية أخرى، يدعي مدير المركز الفرنسي للأبحاث أن "الإيرانيين لو أرادوا حقا التخلص من الوجود العسكري الأميركي، لكانوا قد اتخذوا إجراءات جذرية".

ويتابع باكوان: "لقد كان لديهم الإمكانية، بوجود 80 منظمة مليشيا تضم ​​ما لا يقل عن 220 ألف مقاتل، لتحويل العراق إلى جحيم للولايات المتحدة بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني عام 2020، لكن لماذا لم يفعلوا ذلك؟".

ولفت الموقع الفرنسي إلى أنه "رغم الخطابات العدائية، يبدو أن الجنود الأميركيين المتمركزين في العراق مستعدون للبقاء"، مؤكدا أنه "من الواضح أنهم لن يغادروا بين عشية وضحاها".

وفي هذا الصدد، وبموجب اتفاقية "الإطار الإستراتيجي" التي تربط العراق والولايات المتحدة، إذا أخطر أحد الطرفين الآخر بنيته الانسحاب من الاتفاقية، لن يصبح الانسحاب ساري المفعول إلا بعد مرور عام على تاريخ هذا الإخطار.

وبالعودة إلى عام 2014، أشار باكوان إلى أن الولايات المتحدة عادت إلى العراق بعد احتلال تنظيم الدولة جزءا كبيرا من الأراضي العراقية في ذلك الوقت. 

ولفت إلى أن "التحالف بقيادة الولايات المتحدة تمكن من العودة بسبب التوافق الوطني بين الفصائل العراقية، الشيعة والسنة والأكراد والعرب، على طلب عودتهم بسبب الخطر الذي كان في البلاد".

واليوم، كما يزعم الخبير، "يتطلب الأمر نفس الإجماع الوطني لمطالبتهم بالرحيل، وعلى العكس من ذلك، هناك مطالبات قوية ببقاء الأميركيين في الأراضي العراقية".