بعد الانقلابات.. ما تداعيات انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من إيكواس؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في 28 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو،" الانسحاب الفوري" من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس".

وجاء في بيان مشترك تُلي على وسائل الإعلام الرسمية أن قادة دول الساحل الثلاث، "مع تحملهم كل مسؤولياتهم أمام التاريخ، واستجابةً لتوقعات وتطلعات شعوبهم، يقررون بسيادة كاملة الانسحاب الفوري لبوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا".

واتهم البيان المجموعة "بالخضوع لتأثير قوى أجنبية" و"خيانة مبادئها"، وبأنها تشكل "تهديدًا" للدول الثلاث.

من جانبها، قالت إيكواس في بيان إن الدول الثلاث "أعضاء مهمون في المجموعة" التي "تبقى ملتزمة بالتوصل إلى حل تفاوضي للمأزق السياسي" الناتج عن إعلان انسحابها، مبينة أنها لا تزال تنتظر "إبلاغا رسميا ومباشرا" بهذا القرار.

انقلابات وصدامات
 

علق معهد دراسات إيطالي في تقرير عن الحيثيات والتبعات المحتملة لهذا الانسحاب بأنه يشكل شرخا آخر في منطقة الساحل غير المستقرة.

 وقال معهد الدراسات السياسية الدولية إن "هذا الانسحاب يشكل تحديًا غير مسبوق أمام هذا التكتل الإقليمي الذي يمثل التحالفات التقليدية مع الولايات المتحدة وأوروبا، خصوصا أن المزيد من الدول الأعضاء باتت ترغب في التحرر منه".
 

يذكر المعهد أن الخلافات بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والعواصم "المتمردة" الثلاث قد تفاقمت في الأشهر الأخيرة.

 وأشار إلى أن الكتلة، التي تشكلت عام 1975 "لتعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي" بين الدول الأعضاء، اضطرت إلى مواجهة تعدد الانقلابات العسكرية، خاصة ما حدث في مالي عام 2020 وبوركينا فاسو 2022 ثم النيجر في 2023.

وكانت قد علقت عضوية هذه البلدان وفرضت على مالي وبوركينا فاسو عقوبات شديدة. 

وفي أغسطس/آب 2023، بلغ التوتر ذروته مع النيجر على إثر الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم، وتهديد المجموعة بالتدخل عسكريا، بينما  كان رد مالي وبوركينا فاسو بالتلويح بالتدخل للدفاع عن حليفتهما.

ومنذ ذلك الحين، هددت العواصم الثلاث مرارا وتكرارا بالانسحاب من الكتلة وأعلنت تشكيلها "تحالف دول الساحل" ووقعت اتفاقا للدفاع المشترك.

وينص هذا التحالف على أن الهجوم على إحدى الدول الموقعة سيعد بمثابة هجوم على جميع الدول الأخرى، ويمكن لجميع الأطراف الرد بشكل فردي أو جماعي، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة.

في أعقاب هذا الزلزال الجيوسياسي، كما يصفه معهد الدراسات الإيطالي، وأمام موجة المشاعر المتنامية المعادية لفرنسا، اضطرت باريس، القوة الاستعمارية السابقة، إلى سحب سفرائها ووحداتها العسكرية المتمركزة والمنتشرة في المنطقة.

وبذلك تركت فراغا سرعان ما ملأته روسيا، عسكرياً وسياسياً، لكنه يغذي المخاوف من إمكانية أن يتوسع نشاط الجماعات المسلحة الموجودة حالياً في النيجر ومالي وبوركينا فاسو نحو البلدان الساحلية في خليج غينيا المستقرة نسبيا إلى حد الآن، مثل غانا وتوغو وبنين وساحل العاج.

اتهامات وضغوط 

وخلال يناير، أعربت منظمة إيكواس عن أسفها من تأجيل جولة المفاوضات مع السلطات النيجرية، بسبب ما وصفته بـ"مشاكل فنية" مرتبطة بالطائرة التي كان سيسافر الوفد على متنها.

وأكدت المنظمة أنها تعتزم إعادة تحديد موعد جديد لاستئناف المناقشات مع السلطات النيجرية في أقرب وقت ممكن، مشيرة إلى التزامها بإيجاد تسوية سياسية للأزمة في النيجر عن طريق التفاوض.

وجاء ذلك، بعد اتهام رئيس الحكومة الانتقالية علي محمد الأمين زين لإيكواس "بسوء النية في التعامل مع النيجر، ومحاولة إخضاعها لأجندات خارجية معروفة"، في إشارة إلى الحكومات الغربية.

وبينما يتزايد السخط الشعبي بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية ونقص الأدوية، تؤكد المجالس العسكرية أن الأولوية القصوى لبلدان منطقة الساحل ليست الانتخابات الحرة بل قتال الجماعات المسلحة التي تغزو حدودها سهلة الاختراق.


 

وتتهم هذه الأنظمة تكتل إيكواس بالتخلي عنهم لسنوات وتركهم بين أيدي حكومات فاسدة غير قادرة على التعامل مع تهديد الإرهاب وانعدام الأمن.

 كما تزيد العقوبات الاقتصادية المفروضة على هذه الدول من الاحتجاج، خصوصا وأنها لم تسفر عن نتائج من الناحية السياسية.
 

وإنما كان لها آثار ضارة على سكان واقتصاد البلدان المعنية التي تجد صعوبة في دفع رواتب موظفيها، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير. 

تداعيات الانسحاب

أوضح المعهد أن هذا الوضع الذي يصفه بالمقلق والمتفاقم في ظل ما يطلق عليه البعض "بريكسيت (انفصال وخروج) على النمط الإفريقي"، يهدد بإلحاق الضرر باقتصادات الدول الثلاث التي تعد الأفقر في الكتلة.

 لا سيما وأنها لا تملك منافذ إلى البحر وتخاطر بفقدان الوصول إلى السوق المشتركة وتقويض حرية حركة المسافرين ونقل البضائع.

إلى جانب هذا، أثار إعلان الدول الثلاث اعتزامها الانسحاب من الكتلة الاقتصادية الرئيسة لغرب إفريقيا جدلا واسع النطاق في القارة وخارجها. 

فبينما تباينت الآراء حول عواقب هذا الإعلان، لاحظ  كثير من المتابعين أن اتهام الأنظمة العسكرية لقادة المنظمة " بالخضوع إلى تأثير القوى الأجنبية" يأتي بعد أن تناوب مسؤولون عن روسيا والصين والولايات المتحدة على تنفيذ زيارات رسمية إلى القارة.

في الأثناء، استضافت العاصمة الايطالية روما أعمال القمة الإيطالية-الإفريقية في 29 يناير بحضور العشرات من قادة دول القارة وتمحورت حول التعاون والمصالح المشتركة.

استنتج معهد الدراسات الإيطالي أن الولايات المتحدة وأوروبا تعيدان إطلاق الدبلوماسية والتعاون مع إفريقيا بعد سنوات من عدم الاهتمام الذي أدى إلى تزايد نفوذ بكين وموسكو.

وقد التزمت روما، التي تترأس هذا العام أيضًا مجموعة السبع، بجعل التنمية الإفريقية موضوعا رئيسا لرئاستها.

إلا أن قرار الانسحاب المعلن عنه من المنظمة الإفريقية يشكل عقبة جديدة على طريق عودة الاهتمام الغربي بالقارة.

كما يطرح الإعلان رغم أنه لم يكن مفاجئا في ضوء العلاقات المتوترة بين الطرفين، سلسلة من التساؤلات بشأن المنطقة بأكملها وخارجها، وفق المعهد.

 أولى هذه التساؤلات يتعلق بالكيفية والإطار الزمني الذين سيترجم بهما هذا الإعلان إلى إجراء رسمي ملموس.

ويشير كذلك إلى تساؤل بشأن الكيفية التي سينعكس بها سعي الدول الثلاث إلى تحقيق الاستقلالية السياسية والأمنية وربما الاقتصادية أيضًا، بشكل ملموس على سكان هذه البلدان ذات الاقتصادات الهشة والتي تعاني من ضغوط أمنية شديدة.

كما يطرح إعلان الانسحاب أسئلة متزايدة التعقيد بالنسبة لإيكواس التي لم تتوصل إلى نتائج ملموسة فيما يتعلق بالتفاوض مع المجالس العسكرية، رغم طرحها مجموعة من الخيارات بما في ذلك الإنذارات والتهديدات بالتدخلات العسكرية وفرض العقوبات.