حال عودته للبيت الأبيض.. كيف تكون سياسة واشنطن الخارجية في عهد ترامب؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

صرف الخبراء في السياسة الخارجية سنوات في محاولة فهم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وإذا ما كان أحد الصقور أم أحد الحمائم.

وتساءل هؤلاء الخبراء: هل يطمح ترامب لأن يكون مثل الرئيس الأسبق "ريتشارد نيكسون" بحيث يسعى إلى التوافق مع الأعداء، أو ربما مثيله "رونالد ريغان" بحيث يركز على تحقيق "السلام عبر استخدام القوة"؟

ونشرت  مجلة ريسبونسيبل ستيتكرافت (Responsible Statecraft) الأميركية تقريرا استعرضت فيه توجهات ترامب في السياسة الخارجية، إذا ما فاز في الانتخابات المزمع عقدها في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

التحول نحو آسيا
 

وقالت المجلة إن الأسئلة السابقة قد تُطرح بشكل مختلف، وهو: "من ذا الذي يهتم بتوجهات ترامب في الأساس؟".

وبررت ذلك بأن أبحاثا نشرت حديثا تشير إلى أن آراء ترامب الشخصية ليست الجزء الأكثر أهمية في المسألة. وأضافت: "باختصار، إنهم المستشارون يا أغبياء".

وأشارت إلى أن "بعض الباحثين ضموا مجموعة فريدة من محاضر الاجتماعات الرئاسية المتعلقة بالسياسة الخارجية خلال الحرب الباردة".

وأردفت أنه "باستخدام أساليب إحصائية معقدة، وجدوا أن نسبة التشدد لدى مستشاري الرئيس تُعد مؤشرا مهما على ما إذا كان سيتخذ قرارات تصعيدية تجاه الخصم". وقالت المجلة: "قد يبدو هذا بديهيا، لكن آثاره عميقة".

وأوضحت أن "ترامب لديه فرصه -ربما أكثر من أي رئيس في الذاكرة الأميركية الحديثة- للتخلص من المدافعين عن الهيمنة العالمية، ولاستقطاب مؤيدين لسياسة خارجية أكثر تقييدا".

وتابعت: "في الواقع، لدى الرئيس السابق أسماء عديدة له الاختيار من بينها، فمعظم المرشحين لتولي مناصب في إدارته الجديدة يتفقون أن على واشنطن تحويل تركيزها نحو آسيا وذلك من خلال خفض التواجد الأميركي فعليا في أوروبا والشرق الأوسط".

وانتقد السيناتور جيمس فانس -وهو جمهوري من ولاية أوهايو وحليف مقرب من ترامب ومرشح قوي ليكون نائبه- مغامرات القوات المسلحة الأميركية.

ودعا "فانس" إلى تسوية أزمة أوكرانيا عبر التفاوض، كما أنه صوّت، في ديسمبر/كانون الأول 2023، لصالح سحب القوات الأميركية من سوريا.

وأفادت المجلة بأن "هناك مؤسسات بحثية جديدة ظهرت لدعم وجهة النظر هذه، كما أعاد بعض المحافظين القدامى تشكيل أنفسهم تحت شعار "أميركا أولا".

ويسعى هؤلاء إلى المساعدة في تشكيل رؤية مختلفة وأكثر شعبوية للسياسة الخارجية الأميركية.

وقالت المجلة إن "مؤسسة هيريتيج (The Heritage Foundation) تريد أن يعرف الجمهور أنها تغيرت".

فبعد أن كانت ذات يوم موطنا رئيسا للمحافظين الجدد والصقور، أصبحت الآن تدعو الولايات المتحدة بصوت عالٍ للانسحاب من الشرق الأوسط وأوروبا، في حين تعترض على ما تصفه بـ"الإنفاق العسكري غير الفعّال".

وأضافت أن "التحول في مؤسسة هيريتيج يعكس تغييرات أوسع في الحركة المحافظة يعود تاريخها إلى انتخابات ترامب الأولى عام 2016".

تصحيح الأخطاء الفادحة

ومن جانبه، قال مدير الأبحاث في "مركز تجديد أميركا" (CRA)، ذي التوجه المحافظ، ميكا ميدوكروفت، إن الموقف الحقيقي لمن يرفع شعار "أميركا أولا" هو القول بأن العقود القليلة الماضية اتسمت بسلسلة من الأخطاء الفادحة.

وأضاف ميدوكروفت -الموظف السابق في البيت الأبيض في عهد ترامب- أن "الطبقة القيادية لدينا فشلت بشكل كبير".

وأوضح أن تلك الأخطاء وقعت "خلال ما يسمى باللحظة أحادية القطب، عبر إطلاق حملة صليبية عالمية ضد الإرهاب وتجاهل صعود الصين".

ويأمل الواقعيون المحافظون أن يسمح هذا التحول بتركيز كل اهتمام البلاد على الإعداد لحرب مع الصين بشأن تايوان، أو ردع بكين.

بدوره، قال أليكس فيليز جرين، المستشار السابق للسيناتور الجمهوري جوش هاولي: "لا تزال الصين تمثل أكبر تهديد للمصالح الأميركية في العالم اليوم، لكننا لا نتصرف وفقا لذلك".

وأضاف: "وجهة نظري هي أن الإدارة الجديدة ستحتاج بكل تأكيد إلى إعطاء الأولوية لهذا الأمر". وبحسب المجلة، فإن "فيليز جرين" يعتمد على تحقيق "السلام من خلال القوة".

وهذا التوجه يمثله أيضا إلبريدج كولبي، نائب مساعد وزير الدفاع للإستراتيجية وتطوير القوات من عام 2017 إلى 2018 خلال إدارة ترامب، وأحد الصقور البارزين بشأن الصين.

ووفق مجلة ريسبونسيبل ستيتكرافت الأميركية، يبدو أن "كولبي" يستعد للحصول على دور رئيس في إدارة ترامب الجديدة.


 

وقالت: "بغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء هذا التحول الكبير، فقد استثمر المحافظون كثيرا في سبيل تحقيقه".

وترى أن "الجهد الأكثر تأثيرا هو مشروع هيريتيج 2025، الذي جمع ملايين الدولارات لتحديد الموظفين المحتملين لإدارة ترامب الثانية، ووضع سياسات تساهم في إعادته للبيت الأبيض".

ويعتقد الباحث في "مركز تجديد أميركا"، سومانترا مايترا، أن مشروع 2025 أكثر توافقا مع توجه ترامب لسياسة "أميركا أولا"، التي تعد فكرة أكثر تحديدا وتوجيها نحو المصلحة الوطنية.

علاوة على ذلك، فقد رحب ويل روجر، الذي رشحه ترامب سفيرا له في أفغانستان، بتحول مؤسسة هيريتيج نحو "نهج أكثر حذرا في السياسة الخارجية".

لكن ترى المجلة أنه "لا تزال توجد بعض الأسباب للتشكيك في نوايا مؤسسة هيريتيج".

إذ يوضح البيان الرئيس لمشروع 2025 أن واضعي تلك النغمة المحافِظة ليسوا مستعدين تماما للتخلي عن التزامهم بمحاربة "الإرهاب العالمي"، ومحاصرة أعداء أميركا على الرغم من حالة الضعف التي هم عليها الآن.

وبطبيعة الحال، فإن مؤسسة هيريتيج ليست اللاعب الوحيد هنا، إذ أوضح "مايترا" أن "مركز تجديد أميركا" سيكون لاعبا رئيسا في التخطيط لولاية ترامب الثانية.

تقليص الدور الأميركي

وأوردت المجلة أن ترامب نفسه قرأ وأيد -على الأقل جزئيا- ورقة لـ"مايترا"، نشرها "مركز تجديد أميركا"، دعا فيها إلى تقليص الدور الأميركي في حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى حد بعيد.

وعلى الجانب الآخر، يواصل الصقور التقليديون في منظمات، مثل معهد "أميركان إنتربرايز" (American Enterprise Institute) ومعهد هوفر (Hoover Institution)، السيطرة على وسائل الإعلام الرئيسة والمحافظة، حسبما يشير ميدوكروفت.

ومع ذلك، يظهر أن العديد من المحافظين الجدد البارزين، مثل جون بولتون المستشار السابق لترامب، قد انفصلوا إلى حد بعيد عن حركة MAGA أو "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، الداعمة لترامب.

وهو أمر قد يصنّفهم كأشخاص غير مرغوب فيهم في أي فريق قد يشكله ترامب مستقبلا في البيت الأبيض.

وبجانب مؤسسة هيريتيج، فإن "معهد سياسات أميركا أولا" (America First Policy Institute) يشكك في جدوى استمرار المساعدات الأميركية لأوكرانيا، ويضغط بشدة على أوروبا لتحمل المزيد من أعباء الدفاع عن نفسها.

وقالت المجلة: "غالبا ما يظهر شركاء معهد سياسات أميركا أولا -ومنهم فريد فليتز، وكيث كيلوج، وجون راتكليف- في قوائم مستشاري ترامب الحاليين والمحتملين في المستقبل".

وأضافت: "بحسب ما ورد فإنه يتشاور أيضا مع وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، والسيناتور توم كوتون (جمهوري من أركنساس)، اللذين يعدان من بين أكثر الشخصيات تشددا في السياسة الأميركية".

وتابعت: "لكن كما تُظهِر بعض  الجهود، مثل مشروع 2025، فإن ترامب لن يظل عالقا على كل الجبهات في تلك الأسماء التي تمثل المدرسة التقليدية".

وأردفت: "يُقال إن الرئيس السابق يفكر في ريتشارد غرينيل (القائم بأعمال مدير الاستخبارات القومية في إدارة ترامب)، وكاشياب باتيل (المسؤول السابق في وزارة الدفاع) لشغل مناصب عليا في إدارته".

وأفادت المجلة بأن "لدى كل منهما نزعة تجنح بعض الشيء لعدم التدخل خارجيا".

وقالت إن تلك المؤسسات البحثية -التي هي بمثابة "بيت أبيض" ينتظر تولي مهامه رسميا- لديها القليل من خط المحافظين الجدد عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، إذ تعطي اهتماما خاصا لمواجهة النفوذ الإيراني ودعم إسرائيل.

وأضافت: "على سبيل المثال، عندما أمر ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا عام 2019، أثارت هذه الخطوة ضجة بين الخبراء السياسيين، الذين رأوا أن ذلك سيترك حلفاءنا الأكراد في مأزق".

وأقنع المبعوث الخاص إلى سوريا آنذاك، جيمس جيفري، ترامب بترك قوات رمزية في سوريا، لكنه كشف لاحقا أنه كان يستخدم بعض الخدع "حتى لا نوضح لقيادتنا العدد الحقيقي لقواتنا هناك".

وشددت المجلة على أن "ترامب يتطلع إلى التأكد من عدم حدوث ذلك مرة أخرى".

وفي هذا السياق، تريد مؤسسة هيريتيج من الإدارة الجديدة إجراء تغييرات شاملة في الموظفين، من شأنها أن تسمح لترامب باستبدال الآلاف من البيروقراطيين الفيدراليين بكوادر أكثر تعاطفا مع توجهاته.

وأكدت المجلة على أنه "بغض النظر عن هذه التحديات، فإن القرارات التي سيتخذها ترامب في فترة ولاية ثانية محتملة، قد يكون لها تأثير هائل ودائم على التوجه المحافظ في السياسة الخارجية".