لماذا اختار عشرات آلاف الروس الهاربين من الحرب وبوتين العيش في إسطنبول؟

قسم الترجمة | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، فر آلاف الروس إلى مدينة إسطنبول التركية، قاطعين كل علاقة تربطهم مع نظام فلاديمير بوتين.

وفي مسعى لرصد تفاصيل هذه الرحلات، التقت صحيفة "إيل بوست" عددا من الروس المقيمين في إسطنبول، وسألتهم عن أسباب هروبهم وتفضيلهم العيش في هذه المدينة التركية.

الخوف من الانتقام

تقول الصحيفة الإيطالية إن العديد منهم خشي الانتقام بسبب نشاطهم السياسي أو رفضهم فكرة القتال والتجنيد والتحول إلى "قتلة".

وفي يوم الغزو ولأسابيع عديدة متتالية، كانت الطائرات المتجهة من روسيا إلى أكبر مدينة في تركيا ممتلئة بالكامل بينما كانت التذاكر قد وصلت إلى أسعار مرتفعة للغاية.

وتشرح الصحيفة أن الأسباب التي جعلت العديد من الروس يختارون إسطنبول عديدة، وبعضها عملي للغاية.

في إشارة إلى أن تركيا كانت واحدة من الدول القليلة التي لا تزال تستقبل المواطنين الروس دون الحاجة إلى تأشيرة بعد أن حظرت دول الاتحاد الأوروبي جميع الوافدين من روسيا.

وترى أن المجتمعات الروسية التي نشأت خارج البلاد خلال العام ونصف العام الماضيين تبرهن على أن جزءا كبيرا من السكان الروس لا يوافقون على الحرب، ودليلا كذلك على الوضع الصعب للغاية الذي يعيشه من يعارض بوتين اليوم في روسيا. 

وباتت تركيا الوجهة الرئيسة للمنفيين الروس منذ اندلاع الحرب، إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي مليون شخص قد غادروا البلاد، وأن مئات الآلاف منهم عبروا تركيا قبل مغادرتهم إلى وجهات أخرى وقد بلغ في فترات معينة عشرات الآلاف يوميا. 

وبحسب وزارة الداخلية التركية، بلغ عدد الذين تحصلوا على تصريح إقامة مؤقتة أكثر من 132 ألفا في سبتمبر/أيلول الماضي، وكان معظمهم في إسطنبول.

وينتمي الروس الذين انتقلوا إلى تركيا خلال العام ونصف العام الماضيين إلى طبقتين اجتماعيتين، تلاحظ "إيل بوست" مشيرة إلى وجود فاحشي الثراء، أو الأوليغارشية أو رجال الأعمال.

وتشرح بأن هؤلاء لم يغادروا روسيا إلى الأبد ولكنهم يقضون فترات كبيرة من العام في المنتجعات الساحلية مثل أنطاليا حيث اشتروا فيلات ضخمة وربما تحصلوا على الجنسية التركية.

ويستخدم هؤلاء الأشخاص تركيا كخطة بديلة أي كمكان للجوء ونقل أصولهم في حالة انتهاء الأمور بشكل سيئ في روسيا.

إلى جانبهم انتقل للعيش في إسطنبول أعضاء "البرجوازية الحضرية الروسية"، أي أشخاص ربما كانوا يشغلون وظائف جيدة وذوي مستوى معيشي جيد في روسيا ولكنهم لأسباب مختلفة، ربما الخوف أو بسبب نشاطهم، قرروا مغادرة البلاد.

"لا جدوى من العودة"

يقع مقهى "غراو" في حي كاديكوي في الجانب الآسيوي من مدينة إسطنبول وجميع العاملين فيه تقريبا يتحدثون اللغة الروسية، وفق إيل بوست.

ويقول إيغور كولشين أحد مؤسسي المقهى في مقابلة مع الصحيفة الإيطالية، إنه وصل إلى إسطنبول في نهاية مارس/آذار 2022 ولم يكن في روسيا عندما بدأ الغزو لكنه اعتقد في تلك المرحلة أنه لا جدوى من العودة. 

ويضيف أنه أدرك "منذ عام ونصف العام أنه يتعين عليّ البحث عن أماكن أخرى غير روسيا بسبب تدهور الوضع السياسي والاقتصادي، أعتقد أن جميع أصدقائي من سانت بطرسبرغ قد انتقلوا إلى إسطنبول، تبليسي، الولايات المتحدة والآن ليس لدي سوى القليل من الأصدقاء هناك."

يعد المقهى إحدى النقاط المرجعية للجالية الروسية في إسطنبول، كما ينظم مؤسسه دروسا مجانية في اللغة التركية مرتين أسبوعيا لمن يرغب في الاستقرار في تركيا وتعلم اللغة المحلية.

لاحظت الصحيفة في الدرس الذي حضرته أن جميع الطلاب من الروس ومن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عاما.

وتؤكد أن أغلبهم أثرياء كان لديهم وظائف جيدة في روسيا على سبيل المثال في قطاع تكنولوجيا المعلومات وكان انتقالهم إلى إسطنبول بسهولة نسبية.

يزعم جميع الطلاب الذين قابلتهم الصحيفة بأنهم انتقلوا إلى إسطنبول لأسباب تتعلق بالعمل بشكل أساسي وليس لأسباب سياسية. 

إلا أنهم اعترفوا بمجرد أن أغلق الصحفيون الإيطاليون جهاز التسجيل وانتهت المقابلة، أن الحرب شكلت سببا آخر دفعهم لمغادرة بلدهم معربين عن رغبتهم في العودة إلى روسيا في يوم من الأيام.

تذكر الصحيفة الإيطالية أن جزءا كبيرا من المهاجرين الروس غادر البلاد في بداية الغزو بين نهاية فبراير ومارس 2022، وذلك بعد إقرار قانون بعد وقت قصير من بدء الحرب.

 نص القانون على عقوبة السجن لمدة تصل إلى 15 عاما أو غرامات باهظة على كل من ينشر "أخبارا كاذبة" عن روسيا وعن الحرب والقوات المسلحة.

قرار آخر دفع آلاف الروس إلى مغادرة البلاد جاء في سبتمبر 2022، مع إعلان فلاديمير بوتين عن "التعبئة الجزئية" لعدة مئات الآلاف من جنود الاحتياط لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا.

سانيا غاليموفا مقيمة روسية أخرى بأسطنبول تقول إنها "وصلت إلى تركيا بعد وقت قصير من بدء الحرب، لقد هربنا بالفعل، أدركت أن عائلتي بأكملها كانت في خطر". 

وتابعت "كان من الممكن أن يأخذوا زوجي ويرسلوه إلى أوكرانيا وهو ما كان أن يشكل كارثة لا لأنه كان سيخاطر بحياته فحسب ولكن لأنه كان من الممكن أن يصبح قاتلا وذلك أسوأ".

"لن نصمت"

غاليموفا هي أحد المؤسسين لمكتبة "بولتوري كومناتي" التي تبيع الكتب باللغة الروسية فقط وتقع في وسط مدينة إسطنبول على بعد خطوات من متحف البراءة الذي أسسه الكاتب الحائز على جائزة نوبل أوهران باموك.

بالنسبة للمقيمة الروسية، "افتتاح مكتبة روسية في إسطنبول يعد شكلا من أشكال النشاط، أنا لست جندية ولست نجمة مشهورة على إنستغرام" مضيفة أن فتح مكتبة هو طريقتها لمساعدة الروس الذين فروا من نظام بوتين.

وتابعت "جواز سفري الروسي لا يزال صالحا" لذلك تعد في نظر الدولة الروسية مجرد سيدة أعمال في الخارج، مؤكدة أن" قطاع النشر بشكل عام ضد النظام".

يوجد في إسطنبول مكتبة أخرى للكتب أسسهما المنفيون الروس في العام ونصف العام الماضيين، افتتحها كل من أوليغ وساشا تشيرنوزوف اللذين كانا يعيشان في سانت بطرسبرغ قبل أن يقررا مغادرة روسيا في بداية الحرب. 

تختلف مكتبتهم عن مكتبة غاليموفا، فهي متخصصة في الكتب الفنية وجميعها تقريبا باللغة الإنجليزية. 

تقول ساشا للصحيفة الإيطالية إن الأمر كان "خطيرا بالنسبة لنا، اليوم يمكنك العيش في روسيا ولكن عليك أن تظل صامتا تماما وفي اتفاق كامل مع الحكومة". 

وتضيف"لقد أدركنا أننا لسنا مستعدين للبقاء صامتين وأننا إما سنغادر البلاد أو سينتهي بنا الأمر في السجن في غضون بضعة أشهر".

من جهته، يشير أوليغ إلى " أن هناك الكثير من المعارضين في روسيا لكنهم معرضون لخطر الاعتقال والذهاب إلى السجن". 

ويذكر أن هذا حدث في عام 2022 لكثير من الناس والفنانين والصحفيين والسياسيين، لذلك بحسب اعتقاده " ليس من الضروري أن تكون ناشطا سياسيا حتى تكون في خطر".

مثل معظم الروس الذين أجرت صحيفة " إيل بوست" مقابلات معهم، لا يخطط أوليغ وساشا للعودة إلى روسيا أو بالأحرى يأمل الجميع في العودة لكنهم يعلمون أنه لا يمكنهم ذلك طالما مازال نظام بوتين في السلطة.

الكلمات المفتاحية