باركوا جرائم الصين.. لماذا زار وفد ديني إماراتي مسلمي تركستان الشرقية؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في خطوة أثارت تنديدا وغضبا حقوقيا وإسلاميا، أجرى وفد من وعاظ الأنظمة القمعية العربية المعروفة بعدائها للحركات الإسلامية، بين 8-9 يناير/ كانون الثاني 2023، زيارة إلى إقليم "شينجيانغ"، موطن أقلية الإيغور المسلمة، الواقع تحت الاحتلال الصيني.

وبدلا من تضامنهم مع المسلمين المضطهدين الذين كانوا بأشد الحاجة إلى زيارتهم، لكشف الفظائع التي يتعرضون لها، استغلت الصين هؤلاء الوعاظ في الدعاية لها وإخفاء جرائم إبادتها المسلمين، لدرجة أنهم باركوا دور بكين في "مكافحة التطرف والإرهاب".

ومنذ عام 1949، تسيطر بكين على إقليم "تركستان الشرقية" الذي يعد موطن أقلية "الإيغور" التركية المسلمة، وتطلق عليه اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة ".

وتشير إحصاءات صينية رسمية إلى وجود 30 مليون مسلم في البلاد، 23 مليونا منهم من الإيغور، فيما تؤكد تقارير غير رسمية أن أعداد المسلمين تناهز 100 مليون، أي نحو 9.5 بالمئة من مجموع السكان.

وفي أغسطس/آب 2018، أفادت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن الصين تحتجز نحو مليون مسلم من الإيغور في معسكرات سرية بإقليم تركستان الشرقية.

وفي تقريرها السنوي لحقوق الإنسان لعام 2018، أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن احتجاز الصين للمسلمين بمراكز الاعتقال، "يهدف إلى محو هويتهم الدينية والعرقية".

غير أن الصين، زعمت حينها أن المراكز التي يصفها المجتمع الدولي بـ"معسكرات اعتقال"، إنما هي "مراكز تدريب مهني" وترمي إلى "تطهير عقول المحتجزين فيها من الأفكار المتطرفة".

رحلة مشينة

الزيارة نظمتها هيئة مشبوهة تابعة للإمارات تسمى "المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة"، بدعوة رسمية من الصين وشارك فيها قرابة 30 عالما محسوبا على أنظمة عربية قمعية تحارب الحركات الإسلامية.

ورأس وفد، الإماراتي علي راشد النعيمي، الذي دافع عن التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، وبرر في بيان، مزاعم الصين أن حملتها ضد الإيغور "هي جزء من سياستها لمكافحة الإرهاب في مقاطعة شينجيانغ".

وتفقد الوفد مدن أورموتشي، وألتاي، وكاشقار، واحتفت وسائل الإعلام الصينية الحكومية، بالزيارة بصورة لافتة.

وقالت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية الحكومية في 9 يناير إن زيارة الوفد الإسلامي هدفها "فهم واضح وأفضل للمنطقة على عكس حملة التشهير التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين".

ونقلت عن رئيس الحزب الشيوعي في منطقة شينجيانغ، أن الوفد يدعم موقف الصين بشأن القضايا المتعلقة بشينجيانغ، في مواجهة الدول الغربية التي تنشر الشائعات مثل الولايات المتحدة لزرع فتنة بين الصين والدول الإسلامية.

وضم الوفد رجال دين من البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية وتونس والإمارات ودول أخرى.

بينهم أسامة الأزهري المستشار الديني لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي الذي أثار ضجة بثنائه على جهود الصين في "مكافحة التطرف وإعادة صهر كل القوميات في ثوب واحد ونسيج واحد".

وتعليقا على زيارته ما يعرف بـ"متحف مكافحة الإرهاب والتطرف"، قال الأزهري للصحيفة إن "معرض الإرهاب كشف لنا جرائم الإرهابيين وأظهر جهود الحكومة الصينية والشعب الصيني لمكافحة الإرهاب".

وسبق أن قامت دول عربية مثل مصر والسعودية والإمارات بالقبض على طلاب مسلمين صينيين يدرسون في الأزهر، أو قدموا لأداء مناسك الحج والعمرة، وقامت بترحيلهم للصين، حيث يجرى تعذيبهم.

انتهاكات جسيمة

وتأسس "المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة" في 10 مايو/ أيار 2018 برعاية رئيس الإمارات محمد بن زايد، بهدف "دعم المسلمين في البلدان ذات الأغلبية غير المسلمة وحمايتهم فكريا وروحيا ومن التمييز العنصري والتطهير العرقي".

وبحسب موقعه الإلكتروني، هو "بيت خبرة لترشيد المنظمات والجمعيات العاملة في المجتمعات المسلمة، وتجديد فكرها وتحسين أدائها من أجل تحقيق غاية واحدة، وهي إدماج المجتمعات المسلمة في دولها".

كما يزعم أن هدفه "تحرير المسلمين في المجتمعات المسلمة من التبعية للتيارات والحركات الفكرية والفقهية والأحزاب السياسية العابرة لحدود الدولة الوطنية، التي تحول دون اندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة".

وعند تأسيسه، أكد الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية في قطر الدكتور معتز الخطيب، أن "هذا المجلس يستهدف الوجود الإسلامي في الغرب والتحكم بمستقبل مسلميه".

وأوضح في تدوينة عبر فيسبوك، أن "أبوظبي تسير وفق خطة شاملة ليس لتصفية النشاط الإخواني عربيا وأوروبيا فقط، بل تسعى إلى تشكيل سياسات وأفكار وتكتلات متنوعة جدا للتحكم والسيطرة".

وأكد أن استهداف الإمارات الوجود الإسلامي في الغرب جاء لأنه "المجال الذي هيمن عليه الإخوان المسلمون لعقود وأنشأوا كيانات ومؤسسات ومجتمعات مسلمة استلزمت التأصيل لخطاب ديني يواكب ذلك كله من خلال اتحاد المنظمات الإسلامية والمجلس الأوروبي للإفتاء وغيرها".

ولفت الخطيب إلى أن طموح المجلس الإماراتي الرسمي الجديد يشمل تجديد الخطاب الدیني، وهي عبارة مبتذلة للغاية، وتدبير الشأن الدیني كالإمامة والإفتاء والتعليم، وإعداد وتهيئة القيادات الإسلامية في الغرب.

وحذر من أن هذا المجلس يسعى للمطالبة بحلّ كلِّ مؤسسات وجمعيات يرى أنها مخالفة للأنظمة العربية الحاكمة.

لذا دعا الخطيب إلى "رسم خريطة للشخصيات التي تسير في فلك هذا المجلس وجغرافيتها، لأن المرحلة المقبلة ستكون عسرة، ومسألة خنق الحريات والتمكين للاستبداد أصبح معولما بسلطتي المال والسياسة والنفوذ".

وجزم بأن "هناك دومًا شخصيات ومجموعات مهيأة للقيام بدور الأداة المنفذة".

تنديد واسع

وردا على هذه الزيارة، أكد رئيس  "المؤتمر العالمي للإيغور" دولكون عيسى، أن مشاركة المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة في هذه الزيارة الدعائية وترديد رواية الحكومة الصينية "أمر مشين".

وقال في تصريحات لموقع "ميدل إيست آي البريطاني في 11 يناير، إن الصين غالبا ما تستخدم ذريعة مكافحة الإرهاب لتبرير تجريم "الممارسات والمظاهر العادية والقانونية للمسلمين، مثل اللحية أو الحجاب وحيازة المصاحف".

وأضاف أن هؤلاء العلماء كانت لديهم فرصة خلال زيارتهم لإقليم شينجيانغ لطرح أسئلة حقيقية حول المعاناة الفعلية للإيغور، وإدانة الإبادة الجماعية الحالية علانية، وإظهار أنهم كممثلين للمجتمع الإسلامي العالمي يهتمون بمسلمي الإيغور، لكنهم لم يفعلوا.

من جانبه، دعا "اتحاد علماء تركستان الشرقية" الوفد، لمعرفة حقيقة ما يجري من قمع ووضع المسلمين في معسكرات اعتقال وغسيل عقولهم لإبعادهم بالقوة عن دينهم والترويج للدعاية الصينية.

وأكد أن هدف الزيارة "تجميل وجه النظام الشيوعي الذي يقمع المسلمين"، مضيفا أنهم كانوا سيرحبون بزيارة علماء المسلمين لو زاروا معسكرات الاعتقال الصينية، ولم يسيروا على برنامج أعدته الحكومة الشيوعية لخداعهم.

وأوضح الاتحاد أن من قاد وأشرف على زيارة العلماء هم موظفو الأجهزة الأمنية الصينية، وأكد أن زيارتهم كانت مراقبة بالكامل، منتقدا مشاركة هؤلاء العلماء في تصوير الشعب المسلم الصيني على أنهم "إرهابيون" لأنهم يطالبون بحقوقهم.

أيضا انتقدت "الرابطة الأميركية الإيغورية" عبر تويتر زيارة وفد العلماء الصين للترويج للقمع، مؤكدة أنهم كانوا يتمنون أن يستمع أعضاء الوفد لمسلمي الإيغور عن حرب الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، لكنهم لم يفعلوا.

عربيا، اتهم الحقوقي المصري بهي الدين حسن عبر تويتر قيام هؤلاء العلماء بمباركة اضطهاد المسلمين في الصين بصفته مكافحة للتطرف والإرهاب!

كما انتقد الشيخ حامد العلي زيارة 30 ممن يطلقون على أنفسهم علماء مسلمين تركستان الشرقية وإشادتهم بسياسات ما تسمّيه الصين "مكافحة الإرهاب" والاستماع للمسؤول الشيوعي الصيني أن شعب الإيغور المسلم إرهابي.

فيما كتب الشيخ حامد العلي، أن 30 ممن يطلقون على أنفسهم علماء مسلمين من 14 دولة زاروا تركستان الشرقية وأشادوا بسياسات ما تسمّيه الصين "مكافحة الإرهاب"التي تتبعها ضد الإيغور.

وأضاف عبر تويتر: قاموا بجولة في معرض نظمته الصين عن "مكافحة الإرهاب" ويشرح لهم المسؤول الشيوعي الصيني أن شعب الإيغور المسلم إرهابي ويستحق!