مشروع الانفصال الجنوبي.. كيف أضعف الدولة اليمنية في مواجهة الحوثيين؟

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بدت الذكرى الـ32 لتحقيق الوحدة اليمنية في العام 1990، شاحبة أكثر من أي وقت مضى، مع اتجاه البلد نحو مزيد من التفكك، والأزمات الاقتصادية والسياسية، والوضع الإنساني الصعب، وتلاشي الآمال بعودة اليمن إلى الحقبة التي أعقبت توحد شطريه الشمالي والجنوبي.

وأعاد المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، طرح الشروط التي كان يتحدث عنها باستمرار منذ تشكيله عام 2017، وخصوصا ما يتعلق بفك الارتباط وانسحاب القوات الحكومية من المحافظات الجنوبية والشرقية.

في 21 مايو/أيار 2022، نظم المجلس الانتقالي حفلا فنيا في العاصمة المؤقتة عدن، شهد حضور قادة في هيئة رئاسة المجلس وممثلين عن دوائره.

وألقت قيادات فيه كلمات تضمنت تأكيد التمسك بما وصفوه بالأهداف الرئيسة لإعادة دولة الجنوب، وسط حضور جماهيري محدود لأول مرة منذ تأسيس المجلس الجنوبي المدعوم من أبوظبي قبل ست سنوات.

وبدت احتفالات الانتقالي الجنوبي كإسقاط واجب أمام قواعده الشعبية، فقد أقيمت وسط حضور خجول على غير العادة، ربما نتيجة قرار من قيادة المجلس المشارك في مجلس الرئاسة والحكومة.

في حين أن خفوت النبرة الانفصالية لدى الشارع الجنوبي الباحث عن الخدمات الأساسية المحروم منها في ظل سيطرة الانتقالي دورا في ذلك، وفق مراقبين.

ولا يزال المجلس الانتقالي، يتحكم في الوضع العسكري والأمني في العاصمة المؤقتة عدن بشكل كامل، بعد عودة الحكومة وتشكيل المجلس الرئاسي.

وباتت قواته مكلفة أيضا بتأمين قصر معاشيق الرئاسي بالكامل الذي تقيم فيه الحكومة.

ويعد "المجلس الانتقالي"، أحد القوى المحلية التي صعدتها الحرب في اليمن، بحيث استطاع فرض نفسه قوة سياسية وعسكرية في الجنوب.

وشكل المجلس في 11 مايو 2017، كنتيجة مباشرة لقرار الرئيس عبد ربه منصور هادي بإقالة كل من عيدروس الزبيدي من منصب محافظ عدن، وهاني بن بريك من منصب وزير للدولة وإحالته للتحقيق، في 27 أبريل من ذات العام.

مشهد ضبابي

خلال الفترة الأخيرة في اليمن، شارك "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتيا في السلطة وحصل على مكاسب سياسية كبيرة.

ورغم ذلك فما زال مستمرا في مشروعه الانفصالي على مختلف المستويات، رغم مشاركته في نظام الحكم الجديد منذ نقل السلطة، من الرئيس هادي في 7 أبريل/نيسان 2022 إلى مجلس رئاسي.

ويشارك "الانتقالي"، من خلال رئيسه عيدروس الزبيدي في المجلس الرئاسي، بصفة نائب الرئيس.

وحول هذا الأمر، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، عبد الباقي شمسان، إن "مشروع المجلس الانتقالي أضعف الدولة وشتت جهودها ومواردها وأخر إنهاء الانقلاب بينما استثمر الحوثيون كل الأخطاء وعززوا مكانتهم".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال"، أن "بقاء الوضع ضبابي ورمادي على ما هو عليه سيحقق استقرارا شكليا".

وبين أن هذا "لن يستعيد الدولة وينهي الانقلاب الحوثي والمليشيات سواء في الشمال أو الجنوب خارج سلطة الدولة".

وأوضح شمسان، أن "المجلس الرئاسي لن يحدث أي تحول إلا في حال أجرى تحولا من الشرعية الخارجية إلى شرعية الإنجاز الوطني من خلال تحسين الأوضاع الإنسانية واستعادة صلاحياته في ممارسة السيادة وإعادة تفعيل الموانئ والمطارات".

وبين أنه يجب أن يكون للمجلس "موارد ويرفع علم الجمهورية اليمنية ويمارس صلاحياته، في إنهاء كل المشاريع والرهانات غير الوطنية أو ذات البعد الانفصالي".

ويعد المجلس الانتقالي أبرز المستفيدين من عملية نقل السلطة في اليمن، فخلافا لتعيين عيدروس الزبيدي نائبا لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، جرى تعيين القيادي الانفصالي، محمد الغيثي، رئيسا للهيئة التنفيذية للتشاور والمصالحة.

وهما شخصيتان، ضد مشروع الدولة الواحدة ويشغلان مناصب قيادية في المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال.

فعيدروس الزبيدي يشغل منصب رئيس المجلس الانتقالي، بينما يعد محمد الغيثي، نائباً لرئيس الإدارة العامة للشؤون الخارجية بالمجلس.

كما حصل المجلس الانتقالي على حقيبة سادسة في حكومة المحاصصة المشكلة بموجب "اتفاق الرياض"، وذلك بعد ترقية محافظ عدن الموالي للانفصاليين، أحمد حامد لملس، إلى منصب وزير دولة وعضو في مجلس الوزراء.

أشار الأكاديمي شمسان، إلى وجود تداخل في السلطات خصوصا في لجنة التشاور والمصالحة التي يجرى الآن صياغة نظامها الداخلي.

 وبين بالقول، "ما زال هناك ضبابية كبيرة في صلاحيات رئيس المجلس الرئاسي وكذلك النواب، ينبغي ضبطها بحيث لا تتداخل ونغيب داخل المناطق الرمادية".

وأكد شمسان أن "من المهم وجود القيادة السياسية في الجغرافيا اليمنية وهذا في غاية الأهمية، حتى يلمس المواطنون الوجود للهيئات السياسية وفكرة الدولة، التي افتقدوها بما في ذلك السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية".

واستطرد بالقول، "سقف تطلعات المواطنين ارتفع جدا ومجلس الرئاسة ما زال غير متناغم وهناك جماعات داخله لها أجندات أخرى لا تتسق مع المعلن عنه من الحفاظ على الوحدة اليمنية واستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب".

مشاريع متعددة

وحلت الذكرى السنوية الـ32 للعيد الوطني، في 22 مايو 2022، وسط حالة من التشظي تزداد يوما بعد يوم على أثر الحرب المستمرة للعام الثامن على التوالي، بين الحكومة اليمنية المدعومة بتحالف تقوده السعودية والحوثيين المدعومين من إيران.

ولم تشهد العاصمة المؤقتة عدن أي احتفالات رسمية من الحكومة اليمنية أو مجلس القيادة السياسي أو تظاهرات أخرى للمجلس الانتقالي، كما حدث في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية.

واكتفى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، بكلمة وجهها للشعب اليمني من قصر "معاشيق" بذكرى الوحدة اليمنية الـ32، وحرص على استخدام كلمة "التوحد" بدلا من "الوحدة"، في كثير من فقرات خطابه.

وشرح معنى الوحدة وقيمتها، متجنبا للمصطلح الصريح، حتى لا يقع في استفزاز المجلس الانتقالي الجنوبي، بحسب مراقبين.

فيما شهدت مدن جنوبية أخرى كمدينة عتق مركز محافظة شبوة والحوطة في لحج المحاذية لعدن، والمكلا مركز إقليم حضرموت شرق اليمن، وأرخبيل سقطرى، تظاهرات محدودة لحشود تابعة للمجلس الانتقالي.

رفعت تلك المظاهرات الأعلام الشطرية، وهتفت بشعارات تطالب بالانفصال، وإخراج القوات الشمالية مما بقي من محافظات جنوبي البلاد.

وفي العاصمة صنعاء غابت مظاهر الاحتفاء بالعيد الوطني، نظرا للتهميش المتعمد من قبل سلطة مليشيا الحوثي، في ظل استمرار المعاناة التي تكونت بفعل حالة التمزق والانقسام بسبب ظروف المرحلة الاستثنائية، واستمرار الحرب، وتحولها إلى عوامل تهديد لكيان اليمن الموحد.

ولم تتزين شوارع صنعاء عاصمة الوحدة بالعلم اليمني، كما جرت عليه العادة، إضافة إلى غياب مراسيم الاحتفال الرسمي والشعبي، وكذلك اختفاء تام للمهرجانات والعروض الكرنفالية، في مختلف الميادين العامة بصنعاء.

على الصعيد الشعبي، احتفل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت بالمناسبة الوطنية، التي عدوها أهم إنجاز يمني في التاريخ الحديث.

ونشر العشرات شعارات مختلفة للعيد الوطني لقيام الجمهورية بالإضافة إلى الأناشيد والأغاني الوطنية.

واندلعت الحرب في سبتمبر/أيلول 2014، بسبب سيطرة الحوثيين على الدولة وتدخل التحالف بقيادة السعودية، وإطلاق المليشيا العنان لمشاريع فوضوية أطاحت مفهوم الدولة، وأدت لإعادة اليمن عقودا إلى الوراء.

مرحلة جديدة

ولا الجنوب الذي أعلن المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا إدارته الذاتية عليه يعد جنوبا بالكامل، ولا الشمال أصبح بيد السلطة الشرعية بالكامل.

ويعود ذلك إلى ضعف السيطرة الحكومية على الأرض، وإقامة الرئيس عبد ربه منصور هادي لأكثر من 7 سنوات في السعودية التي تهيمن على قراراته وعلى سلطته.

وكذا وقوف دولة الإمارات ومساندتها للحركة الانفصالية في الجنوب ودعمها ماديا وعسكريا، وإنشاء المليشيات المحلية ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي بين الأحزمة والنخبة وتسخيرها ضد السلطة الشرعية.

وتتزامن ذكرى تحقيق الوحدة، مع متغيرات سياسية كبرى على الصعيد اليمني، بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ونقل صلاحيات الرئيس مع ارتفاع صوت المطالبة بـ"فك الارتباط" وإعادة تركيبة الدولة الواحدة إلى ما قبل 21 مايو 1990.

ودخل جنوب اليمن وشماله في وحدة اندماجية في 22 مايو 1990، بعد ماراثون طويل من المفاوضات بين الدولتين تتويجا لمبادئ ثورتي 26 سبتمبر/أيلول 1962 ضد حكم الأئمة في الشمال، و14 أكتوبر/تشرين الأول 1967 ضد الاحتلال البريطاني في الجنوب.

خلصت المفاوضات إلى اتفاق بين رئيس الشطرين حينها، علي عبد الله صالح (شمال)، وعلي سالم البيض (جنوب)، على الدخول في وحدة اندماجية تحت اسم (الجمهورية اليمنية).

وجاء ذلك بعد الإطاحة بالنظام الملكي للإمامة الزيدية بشمال اليمن في انقلاب قاده ضباط قوميون عام 1962، وبعد أن أصبح الجنوب مستقلا بعد ثورة مسلحة بدأت عام 1963، ضد الاستعمار البريطاني الذي كان يسيطر على عدن.

تركز الخطاب السياسي في أوساط القوميين في الشمال والاشتراكيين في الجنوب، الذين أسسوا النظام الماركسي الوحيد في العالم العربي عام 1970، على هدف واحد هو توحيد اليمن.

تحقق هذا الهدف رغم صعوبات وعراقيل جمة، بينها مواجهات مسلحة بعد حوادث حدودية بين الشمال والجنوب وقعت عام 1979، وعرقلة بعض الأطراف الإقليمية بما في ذلك السعودية التي وقفت مع الانفصاليين بطريقة غير مباشرة.

وقرار توحيد اليمن، جاء بعد تحولات ثورية في الشمال من الملكية التي كانت تدعمها السعودية إلى الجمهورية التي دعمتها مصر، وخروج بريطانيا من جنوب البلاد.

بعد اندماج شطري اليمن، ترأس علي عبد الله صالح الذي حكم الشمال منذ عام 1978، البلاد الموحدة، وكان نائبه علي سالم البيض من الجنوب.

لكن سرعان ما تلاشى الفرح بالوحدة لتحل مكانه خيبة الأمل، بعد أن سعت قيادات في الجنوب إلى الانفصال عام 1994، ليجرى بعدها قمع المحاولة بقوات قدمت من الشمال وعرفت حينها بقوات (الشرعية).