بأسلوب إسرائيل.. هذه خطة مليشيا "مودي" الهندوسية لتغيير هوية كشمير

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ إلغاء حكومة رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" الحكم الذاتي الجزئي لإقليم كشمير وضمه رسميا إلى الهند 5 أغسطس/آب 2019، سعت لتغيير هويته الإسلامية وتركيبته السكانية.

في هذا اليوم قررت الحكومة الهندية إلغاء المادة 370 من دستورها، والتي منحت كشمير، ذات الأغلبية المسلمة وضعا شبه مستقل لما يقرب من 70 عاما. 

وجرى وضع كشمير بالكامل تحت سيطرة الحكومة الهندية المركزية، بقيادة "مودي"، وتعرضت الولاية بأكملها لحملة عسكرية وغلق كامل وقطع للإنترنت واعتقالات بالجملة وقتل معارضين للحكم الهندوسي.

قانون 2019 الذي ضم أراضي كشمير، تبعه نقل هندوس إلى الإقليم لتغيير تركيبته المسلمة، على غرار زرع إسرائيل أراضي الضفة الغربية بالمستوطنات اليهودية لتهجير الفلسطينيين ثم ضمها.

ضمن هذه الخطة جرى نقل أعداد من متطرفي حزب بهاراتيا جاناتا التابع لرئيس الوزراء وعائلاتهم إلى كشمير، وضمنهم بلطجية حركة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" الهندوسية المتطرفة المعروفة اختصارا بـ "آر إس إس".

هذه المجموعات تعتنق شريعة هندوسية متطرفة هي عقيدة "هندوتفا" العنصرية التي تشجع أنصارها على قتل المسلمين وتخريب ممتلكاتهم وإغلاق شركاتهم ومقاطعتها.

نفذت هذه المجموعات عشرات المجازر والاعتداءات ضد المسلمين على أسس عنصرية دينية ضمن عمليات طمس وتغيير هوية المنطقة المسلمة، مثلما فعلوا في ولايات آسام، وأوتار براديش، أواخر سبتمبر/أيلول 2021.

ردا على هذه الجرائم بدأت "جبهة المقاومة" الإسلامية باستهداف هندوس يعتدون على المسلمين، وقتلت 4 منهم، فانطلقت حملة هندوسية لقتل المسلمين بوحشية واتهامهم بالإرهاب رغم أن السلطات تمارس أبشع أنواع الإبادة ضدهم. 

ومنذ تولي حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي السلطة عام 2014؛ اتبع رئيس الحكومة مودي سياسات تضطهد المسلمين الذين يمثلون نحو 16 بالمئة من عدد سكان الهند. 

ماذا جرى؟

بحسب ما نشرت وكالة أسوشيتدبرس 10 أكتوبر/تشرين أول 2021 قتل ما لا يقل عن 28 شخصا، بينهم سياسيون، في كشمير هذا العام في هجمات، منهم 21 مسلما و7 هندوس وسيخ.

وخلال ذات الشهر، قتل سبعة آخرون في حوادث منفصلة، أربعة منهم من الهندوس والسيخ، وثلاثة مسلمين، لكن الإعلام العالمي يركز فقط على قتلى الهندوس.

ساعد على ذلك، سعي حكومة الهند لتصوير ما يجري على أنه هجوم إرهابي من جانب المسلمين، لا احتلال، وزعمت أن إرهابيين جاؤوا من باكستان نفذوا الهجمات، بغية كسب تعاطف العالم وتبرير جرائم الإبادة الهندوسية للمسلمين.

وسبق للشرطة الهندية الاعتراف 28 ديسمبر/ كانون أول 2020 بقتل المسلمين على الهوية وادعاء أنهم إرهابيون، حيث اتهمت ضابطا بالجيش بقتل ثلاثة مدنيين مسلمين من كشمير، والسعي لتدبير مقتلهم على أنه معركة مسلحة وهمية.

ونفذت السلطات حملة اعتقالات ضخمة شملت قرابة 500 مسلم بحسب أسوشيتدبرس، معظمهم مدرسين من مدينة سريناغار. وقدر موقع Free Press Kashmir عدد المعتقلين بـ 700 مسلم في يومين وتحدث عن "اعتقالات جماعية".

وأطلقت يد تنظيم "آر.إس.إس" الهندوسي المتطرف لينتقم من المسلمين ويضربهم حتى الموت.

قالت "جبهة المقاومة" في تبريرها للهجوم على مدرسة وصيدلية، وقتل أربعة هندوس إنها "استهدفت المدرسين لأنهم عاقبوا الطلاب المسلمين وأجبروهم على تحية علم المحتل".

وفي ذلك إشارة لإجبار نيودلهي المدارس الكشميرية على رفع العلم الهندي وتحيته مؤخرا بالقوة.

وأكدت في بيان أن المدنيين الثلاثة كانوا يعملون لصالح قوات الأمن الهندية، وأن الصيدلي كان ينتمي إلى جبهة "آر إس إس" القومية الهندوسية العسكرية المتطرفة التي يرتبط بها حزب رئيس الوزراء مودي.

بحسب ما نشرت صحيفة "هندوستان تايمز" 8 أكتوبر/تشرين أول 2021 تتهم الشرطة الهندية تارة مسلحين من جماعة "جبهة المقاومة" الكشميرية، وتارة أخرى تتهم إرهابيين قادمين من باكستان.

هذه الجماعة التي تقول سلطات نيودلهي إنها تنتمي إلى "عسكر طيبة" الإسلامية المسلحة، تزعم الشرطة الهندية أنها أعادت تجميع صفوفها بعدما قتلت قوات الأمن زعيمها "محمد عباس شيخ" في 23 أغسطس/آب 2021.

اتهمت الشرطة الهندية "جبهة تحرير مورو" الإسلامية بأنها واجهة لمنظمات مسلحة مقرها باكستان مثل عسكر طيبة وحزب المجاهدين، وترسلها إسلام آباد لقتل الهندوس.

وظهرت جبهة تحرير مورو الإسلامية، أو "جبهة المقاومة" في أعقاب تحرك الحكومة الهندية لتقسيم ولاية جامو وكشمير إلى منطقتين تحت الإدارة الفيدرالية في أغسطس/آب 2019.

من المجرم؟

وحمل الكشميريون رئيس الوزراء "مودي" المسؤولية عن اندلاع العنف الديني بسب سعيه لتغيير وضع كشمير وتركيبته السكانية بالقوة، للقضاء على الأغلبية المسلمة، بحسب ما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية 7 أكتوبر/ تشرين أول 2021.

أوضحت الصحيفة أنه مودي ينقل المزيد من الهندوس إلى كشمير لتغيير تركيبتها السكانية، ما دفع مجموعة المقاومة الإسلامية للرد بالمثل على العنف الهندوسي.

ذكرت أن "مودي" قمع حتى المعارضة الديمقراطية ووضع العديد من قادتها قيد الإقامة الجبرية، ما يثير مخاوف أن يحل المتشددون، الذين بدؤوا تصعيد أنشطتهم العنيفة، محل هذه المعارضة الإسلامية الديمقراطية.

منظمة هيومن رايتس ووتش اتهمت حكومة الهند في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بانتهاك حقوق الإنسان وتنفيذ سياسات قمعية أدت إلى زيادة انعدام الأمن بين الكشميريين.

قالت إن "قوات الأمن الهندية لها تاريخ طويل في ارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القضاء لأشخاص يزعم أنهم متشددون في عمليات مكافحة التمرد".

"ميناكشي جانجولي" مدير قسم جنوب آسيا في هيومن رايتس قال: "الكشميريون عالقون في عنف لا ينتهي من هجمات المسلحين وانتهاكات السلطات الحكومية وقوات الأمن".

تقرير صادر عن مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 2019 أكد أن الهجمات في كشمير أسفرت عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص منذ عام 1989 غالبيتهم من المسلمين.

وفي 14 سبتمبر/أيلول 2021 كشفت باكستان وثائق من 131 صفحة تدين الهند بارتكاب "جرائم حرب" في كشمير.

ينقسم الملف إلى ثلاثة أقسام، الأول يتناول جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الهندي، والثاني حركة المقاومة المحلية، والثالث يتناول فرض التغيير الديمغرافي بغرض حصار الكشميريين وتقليص وجودهم.

خطورة ما تفعله حكومة مودي الهندوسية المتطرفة هو أنها تقضي على التعايش بين المسلمين والهندوس في كل الهند وكشمير عبر عقيدة الـ"هندوتفا".

وهي عقيدة دينية قومية متطرفة تجمع بين "التطرف الديني الهندوسي" و"الغلو القومي الهندي"، لذا ينفذ أنصارها أعمالا عنصرية دموية ترقى حسب باحثين إلى مرتبة الإرهاب.

ويشجع مودي حركة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" المتطرفة على ممارسة أعمال العنف الديني الوحشي ضد المسلمين، وجعل عقيدة "هندوتفا" تسيطر على الخطاب السياسي والإعلامي بالبلاد. 

تبنى حزب بهاراتيا جناتا الحاكم عقيدة "هندوتفا" كأيديولوجية رسمية له عام 1989. ويعتنق نفس العقيدة المنظمة القومية الهندوسية "راشتريا سوايا مسڤاك سانغ" التي تتبنى مصطلح "هندو راشترا" أي (الأمة الهندوسية).

بحسب تقارير غربية، تضم "آر إس إس" التي تأسست عام 1925، اليوم ستة ملايين عضو، ومعظم قادة أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا، بمن فيهم مودي، أعضاء في الحركة التي كانت سببا في فوزه الساحق في انتخابات 2014.

يصف بعض علماء الاجتماع الهنود حركة الهندوتڤا بأنها "فاشية"، بحسب "موسوعة المعرفة"، إذ تعتنق مبدأ الأغلبية المتجانسة والهيمنة الثقافية.

شباب هذه الحركة المتطرفة يرتدون قبعات سوداء وسراويل بألوان القوات النازية، ومسلحون بعصي وسكاكين وبنادق ويؤدون استعراضات عسكرية لقمع المسلمين.

طمس الهوية

يقول عبد الحميد صيام، المحاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز في نيوجيرسي الأميركية إن "الهند تتصرف تماما مثلها مثل الكيان الصهيوني، الذي سبق الهند باعتبار الضفة الغربية بما فيها القدس جزءا لا يتجزأ من إسرائيل".

يوضح في مقال نشره بجريدة القدس العربي 7 أكتوبر/تشرين أول 2021 أن مودي تجاهل في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر/أيلول من نفس العام قضية كشمير تماما.

وقلد بذلك رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت الذي تجاهل في كلمته كذلك أي ذكر لقضية الشعب الفلسطيني وكأنها غير موجودة.

انتقد "صيام" تجاهل معظم القادة العرب والمسلمين في كلماتهم أمام الجمعية العامة، قضية كشمير أيضا كما يتجاهلون فلسطين باستثناء "حفنة أقل من أصابع اليد الواحدة وكأن المأساة غير موجودة".

لا تقلق هذه الخطوات المسلمين فقط، بل أيضا الهنود المدافعين عن تقاليد البلاد العلمانية أيضا، ويخشون أن يكون هدف "مودي" هو تكريس "دولة هندوسية" على غرار "الدولة اليهودية" في فلسطين.

في 4 يوليو/تموز 2021 خطب سوراج بال آمو زعيم حزب بهاراتيا جاناتا في أنصاره بمدينة "غوروغرام" قائلا: "يجب طرد المسلمين من الهند".

وأشاد بمنع سكان قرية "بوهرا كالان" بناء مسجد في قريتهم وناشد الحشد قائلا: "اقتلعوا أساسات مثل هذه المساجد وألقوها بعيدا"!.

منذ إلغاء حكومة الهند «الوضعية الخاصة» لإقليم كشمير عام 2019 شرعت في ضم كامل لأراضيه المحتلة، وفق ما يسميه حزب مودي "الحل النهائي"، مستعيرا كلمات النازية حول وجود اليهود في أوروبا.

بعد ذلك القرار اندلعت في كافة أنحاء الإقليم، احتجاجات لأن الوضع الجديد يسمح للمواطنين الهنود الهندوس بالانتقال إلى كشمير وتملك الأراضي، وبناء المعابد.

حولت الهند الإقليم لثكنة عسكرية ونشرت قرابة مليون جندي وضابط من القوات العسكرية وشبه العسكرية المتمركزة في المنطقة، وأغلقت كشمير تماما وقطعت الاتصالات الهاتفية والإنترنت والبث التلفزيوني.

وضعت في السجن القيادة السياسية الكشميرية بأكملها، واعتقلت ما لا يقل عن 13 ألف شاب كشميري وأخضعت العديد منهم للتعذيب. 

خلفت قواتها مئات القتلى وآلاف الجرحى الكشميريين ممن احتجوا وتظاهروا، واستخدم جنودها الاغتصاب كسلاح حرب على طريقة الصرب تجاه البوسنة المسلمين، وهدموا وحرقوا أحياء وقرى بأكملها، وقيدت حرية الدين والتعبير والتجمع.

كان السلاح الأخطر هو العمل على تغيير النسيج الديموغرافي في الإقليم، مثلما تفعل إسرائيل في القدس والضفة الغربية، بعد إقرار قانون جديد يسمح للهندي من خارج كشمير بالبناء والتملك فيها.

سرقة بالقانون

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، أصدرت وزارة الداخلية الهندية مجموعة قوانين جديدة للأراضي الخاضعة للإدارة الهندية في كشمير، مما أتاح لأي مواطن هندي شراء أرض في المنطقة.

ضمن عملية الابتلاع والتطهير العرقي وتحويل الأغلبية المسلمة في كشمير إلى أقلية ضعيفة مفككة مقهورة، أصدرت الهند في السنتين الأخيرتين 4.2 مليون شهادة إقامة لتغيير الهيكل الديموغرافي في الإقليم.

رصد تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 11 أغسطس/آب 2021 تفاصيل عمليات التطهير العرقي و"هندسة" الهند للتركيبة السكانية وتغييرها لطمس الهوية الإسلامية بجلب الهندوس للإقليم وطرد المسلمين وقمعهم وقتلهم.

قالت إن "الهند تعمل على إعادة الهندسة الديموغرافية لسكان كشمير" عبر برنامج لترسيم الحدود.

وآخر لتقسيم دوائر كشمير وجامو الانتخابية إلى عدة وحدات انتخابية جديدة بطريقة تعطي ثقلا عدديا للمنطقة الجنوبية من جامو، حيث يتركز الهندوس الذين جلبتهم حكومة الهند وأعطتهم حق الإقامة هناك.

أكدت أن "هذه التغييرات الديموغرافية، مع إعادة تشكيل الدوائر الانتخابية ستسمح للسياسيين الهندوس القوميين بتحقيق هدفهم القديم المتمثل في تنصيب رئيس وزراء هندوسي في كشمير".

بدأت نيودلهي خلال العام 2021، طرح تصاريح الإقامة للهنود غير الكشميريين، ما زاد مخاوف انتقال آلاف الغرباء والهندوس إلى الإقليم وتحويل السكان المحليين الذين يشكلون أغلبية مسلمة إلى أقلية سياسية في وطنهم. 

كما بدأت حكومة رئيس الوزراء مودي الهندوسية المتطرفة في تطبيق مئات القوانين والسياسات الهندية الفيدرالية في كشمير لتفكيك هياكل الحكم الذاتي هناك.

كما خفضت نسبة الكشميريين بجهاز الخدمة المدنية الهندية من 50 إلى 33 بالمئة، بغرض زيادة الموظفين الهندوس في إدارة كشمير.

وتقع كشمير بين الهند وباكستان والصين في شمال شرق آسيا، وتبلغ نسبة المسلمين فيها حوالي 90 بالمئة والهندوس 8 بالمئة والسيخ نحو 1 بالمئة.

وترجع جذور النزاع حولها إلى فترات قديمة في التاريخ، فالمنطقة كانت تابعة للعديد من الدول، بدءا بالدولة الإسلامية أيام الدولة الأموية حتى ظهور المغول ونزعها من المسلمين.

ومنذ تقسيم شبه القارة الهندية في 1947، أصبحت كشمير محلا للنزاع بين الهند وباكستان. وبسبب هذا الإقليم اندلعت الحرب بين الجارتين النوويتين ثلاث مرات أعوام 1948، 1965، و1971، وقتل خلالها نحو 70 ألفا من الطرفين. فضلا عن الحوادث الحدودية التي تقع على فترات.

وترفض الهند حل الصراع عبر الاستفتاء الشعبي لتقرير مصير الإقليم لأنها تعرف النتائج مسبقا والتي لا تصب في مصلحتها حيث إن أغلبية الشعب في كشمير من المسلمين ويفضلون الانضمام إلى باكستان.

كما تدرك نيودلهي جيدا الأهمية الإستراتيجية التي يتمتع بها هذا الإقليم مما يجعلها تتمسك به ولا تفكر في التنازل عنه.