حليف نموذجي.. "لوموند" تكشف عن إستراتيجية تأثير الإمارات في أميركا

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على الدعائم التي تستخدمها أبو ظبي للتأثير على السياسة الخارجية الأميركية، حيث تعتبر الإمارات من وجهة نظر واشنطن "حليفا عربيا نموذجيا". 

وقالت الصحيفة نقلا عن تقرير لـ"مركز أبحاث نوريا" في فرنسا: إن "تلك الملكية الغنية للغاية، صاحبة الاستقرار الذي لا يتزعزع، والتي تتمتع بجيش قوي، هي من أتباع الليبرالية الثقافية والمجتمعية الغربية، وهي إحدى ركائز النظام الأميركي في الشرق الأوسط".

واعتبرت أن "التدخل الجامح الذي أظهرته أبوظبي على مدى السنوات العشرة الماضية، ولا سيما لمواجهة تحركات الانتفاضة العربية الشعبية، جعلها تدخل العديد من المسارح الأجنبية، مثل مصر واليمن وليبيا وسوريا، على خلاف مع مصالح الولايات المتحدة".

دولار وانحطاط

وخلال أيام الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، كانت الإمارات تشن "حملة علنية" ضد سياسة التقارب مع طهران، وبمجرد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، لم تدخر أي جهد لتشويه سمعة هذا الترتيب على الساحة السياسية الأميركية، وفق "لوموند".

وفي فترة ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب تدخلت الإمارات في شؤون حاميها، وراء المحيط الأطلسي، وقد اتخذ ذلك التدخل نسقا أكثر شدة، مع حملة تبرعات غير مشروعة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016 والعديد من فضائح التجسس. 

وكشفت وكالة "رويترز"، على سبيل المثال، كيف جند النظام البتروموني (الإماراتي) أعضاء سابقين في وكالة الأمن القومي، وهي جهاز استخبارات أميركي، لمراقبة مئات الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، بمن فيهم مواطنون من الولايات المتحدة.

ولفتت لوموند إلى أن "هذه الممارسات التي غض ترامب الطرف عنها، كان من الممكن أن تضر بالعلاقة الإماراتية الأميركية بعد وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، لكن ذلك لم يحدث".

حيث ساعد قرار أبو ظبي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل على تهدئة المظالم التي ربما كان بعض مستشاري الرئيس الجديد - غالبا أعضاء سابقين في فريق أوباما - قد حملوها ضد هذا الحليف غير المحترم إلى حد ما،  لكن هذا العامل لا يفسر كل شيء.

وسلط تقرير مركز "أبحاث نوريا"، الذي نشر في 31 آذار/مارس 2021، بعنوان "الدولار والانحطاط، نسيج العلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات"، الضوء على عاملين هيكليين لكن غير معروفين في التحالف بين البلدين، المستوى العالي جدا للتغلغل الإماراتي في الاقتصاد الأميركي، والتدخل المتزايد للنظام الملكي الإماراتي في عمليات صنع السياسة الخارجية الأميركية.

ويرى مؤلف التقرير، الباحث الأميركي كولن باورز، أن "الشراكة الإماراتية الأميركية تقوم على محددات اقتصادية واجتماعية أكثر منها على تقارب إستراتيجي حقيقي بين البلدين". 

وبحسب قوله، فإن الإمارات تمارس "سياسة نفوذ داخل العاصمة الأميركية" ذات فعالية كبيرة، الأمر الذي يجعل "احتمال إعادة توجيه العلاقة الإماراتية الأميركية أمرا مستبعدا من قبل إدارة بايدن أو الكونغرس".

وأشار إلى أنه "يمكن رؤية مدى إعادة تدوير البترودولارات الإماراتية في النظام الاقتصادي للولايات المتحدة في البنوك، فقد بلغ حجم الودائع الإماراتية في المؤسسات المالية الأميركية 45.2 مليار دولار (38.4 مليار يورو)".

عمليات الضغط

واستثمر كل من جهاز أبوظبي للاستثمار وشركة "مبادلة" للاستثمار في "ملوك وول ستريت الجدد" أي شركات إدارة الأصول، مثل بلاك روك، وشركات الأسهم الخاصة، مثل كارليل و"كا كا آر" و"أبول"، وهما الصندوقان الاستثماريان الإماراتيان الرئيسان، اللذان ابتعدا عن القطاع المصرفي الأميركي في نهاية العقد الأول من القرن الحالي، بعد خلاف مع بنك "سيتي جروب". 

وقد ضخ الصندوقان أيضا مليارات الدولارات في قطاعي التكنولوجيا والعقارات، مثل كولوني كابيتول، وهي شركة يديرها توم باراك، أحد المانحين الرئيسين لحملة ترامب.

وبحسب التقرير، فإن قيمة محفظة جهاز أبوظبي للاستثمار وشركة "مبادلة" للاستثمار في الولايات المتحدة تتراوح بين 250 مليار دولار و50 مليار دولار، وهي بالأحرى في الحد الأعلى من هذا النطاق.

 يضاف إلى ذلك المساهمة الإماراتية التي تعود بالنفع للمجمع العسكري الصناعي الأميركي، التي وصلت إلى مستوى قياسي عام 2020، قرابة 23 مليار دولار لأسطول من طراز F-35 وطائرات بدون طيار وصواريخ.

واستدرك الباحث باورز قائلا: "لكن عند توليه منصبه، أصدر بايدن مرسوما بتجميد هذه العقود، لكن نظرا لأنها نظير للاعتراف بإسرائيل، يعتقد القليل من المراقبين أنه يمكن إلغاؤها".

ووفقا لباورز، لا يمكن اختزال إحجام الديمقراطيين عن مواجهة أبوظبي إلى هذا التشابك في المصالح المالية. 

تعامل رجل الإمارات القوي محمد بن زايد مع الانتقال من عهدة ترامب إلى عهدة بايدن بعناية أكبر بكثير من نظيره السعودي محمد بن سلمان، الذي قرر رئيسه الأميركي الجديد الابتعاد عنه بسبب تورطه في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي. 

لكن التقرير قال إن "مستوى استثمار أبو ظبي في الأسواق الأميركية زاد من تكلفة المواجهة السياسية المحتملة، فيما يتم تشجيع المسؤولين الأميركيين المنتخبين وصناع القرار السياسي هيكليا على الحفاظ على نهج للعلاقة مع أبو ظبي على أساس الوضع الراهن".

وتتناول دراسة "نوريا" في جزئها الثاني عمليات الضغط التي دبرها السفير الإماراتي بواشنطن، يوسف العتيبة، السفير العربي الأكثر نفوذا في واشنطن منذ بندر بن سلطان، في المنصب من الثمانينيات إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والصديق المقرب لعائلة بوش. 

وكان هذا الدبلوماسي قادرا على استغلال عيوب نظام الحكم الأميركي بشكل رائع، وهو "الانحطاط" وفقا للمؤلف.

شبكة ضخمة

ويرصد التقرير الدعم المالي الذي تقدمه الإمارات للعديد من تلك المراكز، ويجعل الخبراء المستقلين ظاهريا هم الزبناء، والذين كثيرا ما يتم استجوابهم من قبل الصحفيين والمسؤولين المنتخبين، وإقامة علاقة وثيقة، وحتى التبعية، مما يسمح لهم بالتأثير في نقاشات السياسة الخارجية. 

كما أمنت أبو ظبي خدمات مجموعة من الاستشاريين المكلفين بتوضيح الرؤية الإماراتية المعادية لإيران ودمقرطة المنطقة، ونشرها في أروقة السلطة. 

وخلال يوليو/تموز 2020 وحده، قامت شركة آكين غامب - التي هي مثل جميع شركات الضغط في الولايات المتحدة- بالإعلان عن نشاطها حيث أجرت ما لا يقل عن 167 اتصالا مع محاورين سياسيين نيابة عن الإمارات-.

ولفت التقرير إلى أن "العالم الصغير لواشنطن يعمل عن طيب خاطر في فراغ، وتحتوي تلك المكاتب الصغيرة على العديد من الأعضاء السابقين في الإدارة الديمقراطية، ولا سيما إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، مع دفتر عناوين واسع للغاية".

وأضاف أن " الفريق الحاكم الحالي لبايدن يضم شخصيات كانت في أدوارها السابقة في القطاع الخاص، تتعامل مع المستثمرين الإماراتيين".

ونبه التقرير إلى أنه "من خلال تجهيز نفسها بشبكة ضخمة من صناع الرأي، سواء كانوا معلقين أو محدثين أو شخصيات بارزة ذات رأس مال اجتماعي كبير، تسعى الإمارات إلى توجيه الطريقة التي تنظر بها واشنطن إلى الشؤون الدولية وتدير سياستها السياسية الخارجية".

وأوضح أن "دول الخليج العربية الأخرى، ولا سيما قطر والسعودية، تنفق ثرواتها الضغط على واشنطن، لكن لا أحد دفع بهذه الممارسة المتأصلة في السياسة الأميركية إلى نفس المستوى من التطور مثل الإمارات". 

وأعرب تقرير مركز "نوريا" عن قلقه من أن "استمرار دعم الولايات المتحدة لأبو ظبي يهدد بتوطيد السلطات الاستبدادية في الشرق الأوسط وتعميق التفكك الاقتصادي في المنطقة".