ثلاثة أهداف.. لماذا قصفت روسيا سوق النفط بمناطق المعارضة السورية؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في ظل هدوء نسبي تشهده مناطق المعارضة السورية، بسبب اتفاق وقف إطلاق النار في منطقة إدلب (شمال غرب) الذي دخل عامه الثاني، شنت روسيا هجوما عنيفا على سوق لبيع النفط في ريف حلب الشرقي، الخاضع لسيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.

القصف الروسي في 5 مارس/آذار 2021، جرى بصواريخ باليستية أطلقت من بوارج في البحر المتوسط، على سوق وسيارات محملة بالوقود في بلدة الحمران بريف جرابلس، فيما ساندته قوات النظام السوري بالمدفعية والصواريخ من مواقعها القريبة من المنطقة، ما أسقط 4 قتلى و27 جريحا.

كما تسبب القصف الصاروخي على محطات "تكرير النفط" في مناطق المعارضة، بنشوب حرائق وأضرار مادية كبيرة، إذ احترقت نحو 30 شاحنة وصهريج نقل للنفط، إضافة لحرائق في محطات تكرير النفط البدائية في قرية ترحين بريف مدينة الباب.

تساؤلات عدة أثارها القصف الصاروخي على سوق النفط في ريف حلب الشرقي، بخصوص الأسباب التي دفعت روسيا لتوجيه هذه الضربات، وما الأهداف والرسائل التي أرادت تحقيقها من خلال هذا الهجوم؟

رسائل روسية

وتعليقا على ذلك، قال الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، في حديث لـ"الاستقلال" إن "روسيا تحاول إيجاد مخارج لنظام بشار الأسد حيال الضغوطات الاقتصادية الخانقة التي يعانيها".

وأضاف علوان أن "إحدى هذه الأزمات، هي المحروقات التي شكلت أزمة كبيرة منذ التوتر والمشكلات الأخيرة التي حصلت بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وجعل الأخيرة توقف توريد البترول للنظام عبر شركة قاطرجي لأكثر ممن 35 يوما".

ولفت إلى أن "الاستهداف الكبير نسبيا الذي قامت به القوات الروسية على سوق المحروقات التابع للمعارضة شمال حلب، فيه رسالة روسية صريحة أن روسيا لن تسمح للمعارضة بشراء البترول من (قسد) إن لم يشتر النظام حاجته من هذا البترول، وهو رخيص الثمن نسبيا".

وأردف الباحث السوري المعارض، قائلا: "بذلك تضغط روسيا على المعارضة السورية، لكن الضغط الأكبر على (قسد) التي يهمها تأمين أسواق بيع البترول وخطوط نقله".

القصف الأخير هو الأول من نوعه الذي يطال واحدا من المعابر الواصلة بين "قسد" والمعارضة في ريف حلب، لكنه ليس الأول من نوعه على محطات تكرير النفط المنتشرة بكثرة في قرى المزعلة والكوسا وترحين في المنطقة الواقعة بين الباب وجرابلس بريف حلب.

في 27 فبراير/شباط 2021، تعرضت محطات التكرير في المزعلة قرب جرابلس لقصف صاروخي دمر بعضا من منشآت التكرير. وفي 10 من الشهر ذاته قتل 4 أشخاص على الأقل بقصف صاروخي استهدف منطقة محطات التكرير في ترحين قرب الباب.

وفي بداية يناير/كانون الثاني 2021، استهدفت ترحين أيضا بالصواريخ ما أدى إلى احتراق عدد من محطات التكرير والشاحنات المتوفقة. وبرغم تكرار عمليات القصف إلا أن النظام السوري والقوات الروسية لم يتبنوا أي عملية.

لكن المعارضة دأبت على توجيه أصابع الاتهام لقوات النظام وحلفائها من المليشيات الروسية والإيرانية، بأنها هي المسؤولة عن القصف على المنطقة التي تُعد بوابة استقبال وتكرير النفط القادم من مناطق "قسد" والذي تستفيد منه المعارضة بشكل كبير.

ثلاثة أهداف 

من جهته، قال الباحث السوري، أحمد حسن، خلال تصريحات صحفية في 8 مارس/آذار 2021 إن "الهدف الأول من الاستهدافات الروسية هو ضمان عدم الاستقرار الاقتصادي في المناطق المحررة، وإبقاء المنطقة تحت حالة الضغط العسكري بدون معارك عسكرية، والاكتفاء بتهديد هذا الاستقرار عبر رسائل دورية كل فترة".

وأوضح الباحث أن "الهدف الثاني هو الضغط على قسد والفصائل المتعاونة معها في تجارة النفط وإضعاف مواردها الاقتصادية. وهدف ثالث، يكمن في محاولة روسيا "تجريب بعض الصواريخ الروسية الباليستية التي هي قيد الاختبار حاليا، حيث يتم اختبارها في هذه النشاطات الروسية المتقطعة في كل فترة".

من جهته، قال القائد العسكري في فصائل المعارضة، فاروق أبو بكر، إن "معلومات لدينا تؤكد أن القوات الروسية وجهت إنذارا لقسد مؤخرا، بأنها ستقصف المعابر والمنشآت النفطية في حال واصلت قسد تصديرها للنفط نحو مناطق المعارضة".

وأضاف نائب القائد العسكري لـ"فرقة المعتصم" في "الجيش الوطني السوري" خلال تصريحات صحفية في 6 مارس/آذار 2021 أن "روسيا تريد توجيه كامل توريدات نفط قسد نحو مناطق سيطرة النظام".

وفي السياق، قال وزير الاقتصاد والمالية في "الحكومة المؤقتة" عبد الحكيم المصري خلال تصريحات صحفية في 6 مارس/آذار 2021 إن روسيا "تريد تحقيق أهداف عديدة من خلال استهداف منشآت التكرير التابعة للمعارضة، بينها إحراج تركيا، والضغط على المنطقة المحررة شمال غربي سوريا اقتصاديا ومنع دخول النفط الرخيص".

ومن ضمن الأهداف الروسية في القصف، بحسب المصري، هو "إجبار المعارضة على الاعتماد على النفط المستورد عن طريق تركيا وهذا سعره مرتفع مقارنة بأسعار النفط الوارد من مناطق قسد".

وأكد أن "هذا الأمر سيسبب أزمة اقتصادية ومعاشية تشبه إلى حد ما تلك التي تعيشها مناطق النظام". وأوضح أن "وقف بيع النفط للمناطق المحررة وبيعها فقط للنظام يهدف إلى التخفيف من أزمة الوقود لدى النظام".

لكن الوزير في "الحكومة المؤقتة" عاد وأوضح خلال تصريحات أخرى في 8 مارس/آذار 2021، أنه رغم حجم الكارثة التي ضربت أسواق المحروقات في ريف حلب الشمالي، إلا أن أنها لن "تؤثر اقتصاديا"، لأن المناطق الخاضعة للإدارة التركية تعتمد أيضا على المحروقات القادمة عبر طرق الترانزيت من أربيل في العراق، ومرورا بالأراضي التركية.

"تركيا مقصودة"

وعلى الصعيد ذاته، رأى الباحث السياسي آزاد حسو، المقرب من "قسد" خلال تصريحات صحفية في 7 مارس/آذار 2021 أن "روسيا تتصرف وكأنها الوريث الأساسي للدولة السورية"، لافتا إلى أنها تريد التحكم بكل الموارد الاقتصادية في البلاد، وخاصة البترولية والزراعية والمائية.

وأوضح حسو في حديثه أن "روسيا تحاول منع أي طرف سوري، سواء الإدارة الذاتية أو النظام أو قوى المعارضة السورية بشكل عام، من اتخاذ قرارات لا توافق عليها. تريد توزيع موارد سوريا بحيث ينال كل السوريين 10 في المئة منها، ويذهب الباقي إلى الميزانية الروسية".

ونوه المحلل السوري الكردي إلى أن القصف الروسي للصهاريج والحراقات البدائية "رسالة من موسكو إلى جميع الأطراف، مفادها بأن كل شيء في سوريا يجب أن يكون رهن إرادتها"، مشددا على أن "الروس يحاولون فرض إرادتهم على كل السوريين".

أما الباحث المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، فقد رأى خلال تصريحات صحفية في 7 مارس/آذار 2021 أن الروس "يريدون حرمان القوى المسيطرة على المنطقة من الاستفادة من النفط وإيراداته".

ولفت إلى أن هذا القصف "لا يخلو أيضا من رسائل سياسية للجانب التركي الذي يعتبر منطقة القصف مجال نفوذ له في سوريا". وقال "يريدون (الروس) أن يتحرك الأتراك لتنفيذ اتفاقاتهم حول فتح الطرق الدولية وإبعاد جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) عن مناطق سيطرة الفصائل التي تدعمها أنقرة".

وحمّل الائتلاف السوري المعارض، روسيا مسؤولية القصف الصاروخي على منطقة عملية "درع الفرات" الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني السوري" والقوات التركية، شمال سوريا.

وجاء في بيان للائتلاف السوري المعارض في 6 مارس/آذار 2021 أن "الهجوم الإجرامي على الحمران وترحين، يمثل تصعيدا خطيرا وإرهاب دولة من الاحتلال الروسي".

وأكد الائتلاف المعارض في البيان أن ما حصل "جريمة جديدة لإشعال الوضع وتفجيره واستمرار فرض أجواء القتل والقصف والإجرام"، داعيا إلى "موقف دولي حازم يضع حدا للخروقات والجرائم المستمرة ويجبر روسيا على احترام التزاماتها".