"دعم الانتقال الديمقراطي".. هل بدأ فرض الوصاية الأميركية على السودان؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بزعم أن المؤسسات الأمنية وأجهزة المخابرات في حاجة إلى إعادة هيكلة وأنها لا بد أن تخضع للرقابة من قبل الحكومة، يبدو أن السودان بدأ يدخل مرحلة جديدة من الوصاية الأميركية، بإقرار مشروع "دعم الانتقال الديمقراطي".

المشروع الأميركي، يضع خطوطا عريضة لرسم مستقبل السودان، ويحكم قبضة "واشنطن" هناك، ويتجاوز حقبة العداء والعقوبات، إلى تعاون وثيق في ظل سباق الاستقطابات السياسية والعسكرية بين الولايات المتحدة وروسيا.

بنود المشروع 

في 1 يناير/كانون الثاني 2021، أصبح مشروع "دعم الانتقال الديمقراطي في السودان"، قانونا رسميا معتمدا، بعد أن صادق عليه الكونغرس الأميركي، بدعم كاسح من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبناء عليه، تم إدراجه ضمن مشروع التمويل الدفاعي الذي مرره الكونغرس.

المشروع تم تحت مسمى "قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية للعام 2020"، وسيترتب عليه متغيرات كبيرة على مستوى إدارة الدولة، وإعادة هيكلة المؤسسات، وعملية انتقال وتسليم السلطة، بالإضافة إلى إحكام الرقابة على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وإخضاعها بشكل كامل للحكومات المدنية.

القانون الأميركي نص بوضوح على مراقبة أموال الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية، وأصولها، وميزانيتها، والكشف عن أسهمها في جميع الشركات العامة والخاصة.

شمل القانون ضرورة وضع لائحة الأسهم في الشركات العامة والخاصة التي تديرها أو تملكها قوى الأمن والاستخبارات، ونقل هذه الأسهم إلى وزارة المالية أو أي هيئة تابعة للحكومة المدنية.

كما تستهدف واشنطن من خلال مشروعها، تقييم الإصلاحات اللازمة في ملف حقوق الإنسان والمساءلة، مع تضمين تقييم إصلاحات القطاع الأمني في السودان، من قبل الحكومة، وأهمها تفكيك الميليشيات المسلحة، وتعزيز السيطرة المدنية على القوات العسكرية.

مع دعم  فرص تعزيز السلام الداخلي والاستقرار طويل الأمد، ومساءلة قوى الأمن والاستخبارات السودانية، وكذلك محاسبة المتورطين من تلك القوى في جرائم انتهاكات حقوق الإنسان، واستغلال الموارد الطبيعية، وتهديد عملية الانتقال الديمقراطي. 

بالإضافة إلى وقف أي ضلوع لقوى الأمن والاستخبارات في الاتجار غير الشرعي للموارد المعدنية بما فيها النفط والذهب، وكذلك وضع خطة يمكن من خلالها للحكومة السودانية استرجاع أي ممتلكات أو أرباح للدولة تم تحويلها لحزب المؤتمر الوطني (المنحل) أو لأي مسؤول فيه. 

المشروع الأميركي، توعد بفرض عقوبات على المخالفين حتى لو كانوا من المسؤولين، وتتراوح هذه العقوبات بين تجميد الأصول وإلغاء تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة.

دعم أمريكي

في نفس يوم إقرار مشروع القانون الأميركي، أعلن رئيس الوزراء السوداني "عبد الله حمدوك"، أنه سيتم إعادة تشكيل مجلسي السيادة والوزراء وتعيين المجلس التشريعي.

وخلال كلمة، بثها التلفزيون الرسمي، يوم 1 يناير/كانون الثاني 2021، بمناسبة ذكرى مرور 65 عاما، على استقلال السودان، قال حمدوك: "لم تنقطع مشاوراتنا مع مختلف مكونات السلطة الانتقالية من أجل استكمال هياكل الحكم، وستشهد الأيام القليلة القادمة تشكيل مجلس الوزراء، وإعلان المفوضيات، والمجلس السيادي، وكذلك المجلس التشريعي".

وذكر أن "الحكومة تسعى لأن يكون المجلس التشريعي ممثلا لكل قطاعات وفئات الشعب السوداني، ليضطلع بمهامه التشريعية والرقابية المُوجهة لمسار الفترة الانتقالية". 

"حمدوك" وحكومته يحظيان بدعم أميركي كبير خلال الفترة الماضية، وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت واشنطن رفع اسم السودان رسميا من قائمة الدول التي تعدها راعية للإرهاب.

ومن أبرز أوجه الدعم أيضا ما أعلنه مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية، تيبور ناجي، يوم 14 أغسطس/آب 2020، من  أن "بلاده ستحظر دخولها على كل المتورطين في تقويض عمل الحكومة المدنية الانتقالية بالسودان".

وقال ناجي آنذاك: "هذا الإجراء يأتي في إطار دعم الولايات المتحدة للحكومة المدنية الانتقالية"، مشيرا إلى أن بلاده "تتطلع للشراكة مع السودان في الجوانب الاقتصادية".

مضيفا أن "عددا من الشركات الأميركية بدأت بنشاطاتها في الخرطوم من ضمنها مايكروسوفت، وزوم، ومونيتور بورسيستيم التي تعاقدت مع سودابت (شركة نفطية)، بخطة مشروع بلغت تكلفته 900 مليون دولار".

طبيعة المرحلة

السياسي السوداني الدكتور "إبراهيم خضر"، قال لـ"الاستقلال": "كان من الطبيعي بعد كل التنازلات التي قدمتها حكومة حمدوك، والمجلس السيادي أن يدخل السودان إلى أحضان المجتمع الدولي من بوابة التطبيع مع إسرائيل".

وأضاف: "هناك تقارب مع الولايات المتحدة، التي ألزمت حكام السودان الجدد بشروطها، ثم قدمت لهم أوجه الدعم لبناء مؤسسات جديدة أقرب إلى النهج الأميركي في المنطقة، بعد سنوات من العقوبات والنزاعات". 

وتابع: "ما يحدث بوضوح ودون تجميل في التسميات، خيانة لا مراء فيها، فواشنطن اعتمدت شبكة عملاء جدد في بلادنا، وهم بدورهم سلموا البلاد إليها، حتى أن شروط المشروع الأميركي للانتقال الديمقراطي، والتهديدات للمخالفين، تؤكد أن المستهدف يفوق مصلحة الشعب".

"خضر" أكد أن "العملية أقرب بتحديد مسار وبداية مرحلة جديدة، تكون فيها الخرطوم طوعا للقوى الدولية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".

وأوضح: "رأينا كيف خان حمدوك أمانته بدعوته لاستقدام بعثة أممية من قبل، وتلقيه دعما من دول الاتحاد الأوروبي وتحديدا فرنسا لرأب تصدعات نظامه، وحمايته من المتربصين به، فهو قد اعتمد منهج الحماية الخارجية لحكمه وسلطته من البداية، وفتح البلاد أمام التدخلات الأجنبية". 

وشدد أن "السودان لا يجب أن يعامل كدولة محتلة أو خاضعة للوصاية الغربية، ومؤسساتها يجب أن تكون مستقلة ونابعة من الإرادة الشعبية، وإذا كانت المؤسسات الأمنية والجيش ستخضع للهيكلة، فمن يقوم بذلك الشعب ممثلا في حكومة منتخبة بالكامل، لا حكومة مفروضة لا تتمتع بالأهلية ولا الشعبية لدى المواطنين".

وحذر السياسي السوداني من "دخول السودان في لعبة أممية من خلال الصراع بين القوى الدولية وتحديدا روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، وجميعهم لديهم أطماع كبيرة في السودان الغني بموارده وموقعه في القارة الإفريقية".

قطع الطريق

الإستراتيجية الأميركية المتقدمة في السودان، لها أهداف عدة، ومن ضمنها قطع الطريق على روسيا في هذه المنطقة، وهو ما أكدته صحيفة "الراكوبة" السودانية المحلية بقولها: "عقب إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لاحت في الأفق نذر سباق عسكري بين روسيا وأميركا على السودان". 

وأضافت: "بعد أسابيع قليلة من إعلان روسيا عزمها إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، سارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى إعلان رغبتها في إقامة تعاون عسكري وثيق مع السودان، بما يشبه تكشير الأنياب الأميركية، وفيتو غربي على الاتفاقية الروسية". 

الباحث في مركز "كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط، "صامويل راماني"، كتب أيضا في 11 يوليو/تموز 2019، تقريرا بعنوان "يد موسكو في مستقبل السودان"، قال فيه: "روسيا تتطلع إلى بناء قاعدة في الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر لزيادة تأثيرها في القرن الإفريقي وتوسيع حضورها في مضيق باب المندب".

وذكر أن "الدفاع الروسي المستميت عن المجلس العسكري الانتقالي في السودان داخل مجلس الأمن الدولي، يظهر الأهمية المتزايدة التي يكتسيها الاصطفاف الروسي إلى جانب الخرطوم انطلاقا من مصالح موسكو الاقتصادية وتطلعاتها الجيوسياسية في إفريقيا جنوب الصحراء".

وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلن السودان عن تلقيه هدية عسكرية من روسيا، حيث ذكرت وكالة الأنباء السودانية "سونا" أن "قيادة القوات البحرية السودانية تتسلم بقاعدة بورتسودان البحرية، سفينة التدريب الحربية (فلمنجو) المهداة من جمهورية روسيا الاتحادية".

وقتها، أضافت الوكالة عبر صفحتها الرسمية بموقع "تويتر" أن "هذه الخطوة تأتي في إطار التعاون العسكري بين الخرطوم وموسكو".