في ذكرى ميلاد الشاذلي.. السيسي يبحث في تكريمه عن شرعية مفقودة

محمد ثابت | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وصفه عسكريون كثيرون بالعقل المدبر للهجوم العسكري الناجح على خط الدفاع "بارليف" الإسرائيلي في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973م، الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب الجيش المصري في حرب رمضان، وصاحب خطة "المآذن العالية" المرتبطة بالقوة في محاربة العدو الصهيوني، وبالرمزية في نسبتها للمساجد.

في الأول من أبريل/نيسان الجاري مرت الذكرى الـ97 لميلاد الشاذلي، المُتوفى في 10 من فبراير/شباط 2011م قبل سويعات قليلة من تنحي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.

كان الشاذلي ثاني أشهر قائد عسكري مصري يتعرض لحالة من نكران الدور والإبعاد والتهميش أو السجن، فقد سبقه الرئيس الأسبق اللواء محمد نجيب، الذي لم يحترم رفاقه الأصغر منه سنا مكانته، ووضعوه رهن الإقامة الجبرية حتى وفاته عام 1984م.

قلادة النيل

لاحقا وفي عهد الدكتور محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر، تم تكريم الشاذلي ومنحه "قلادة النيل"، أعلى وسام مصري رسمي، وتسلمت زوجته القلادة في حضور وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، وإطلاق اسمه على الدفعة 109 لعام 2012م من خريجي الكلية الحربية.

بعد انقلاب السيسي على مرسي في 3 يوليو/تموز 2013م،  وحسب مراقبين "حاول السيسي البحث عن شرعية مفقودة، من خلال التمسح في تاريخ الشاذلي  أحد رموز حرب أكتوبر فاجتمع بأسرته أيضا، وقام بتكريمه وإطلاق اسمه على أحد المحاور الرئيسية التي تربط طريق السويس الإسماعيلية الصحراوي في 2015م (7)، واحتفت وسائل إعلام النظام باللقاء وهللت له على نطاق واسع".

ميلاد ونبوغ

في الأول من أبريل/نيسان 1922م وُلد الشاذلي، أحد أهم الشخصيات العسكرية المصرية المعاصرة بقرية شبراتنا بمركز بسيون بمحافظة الغربية، ثم هيأت له الأقدار فرصة الالتحاق بالكلية الحربية في فبراير/شباط 1939م، وكان عمره آنذاك لم يتجاوز 17 عاما.

تخرج الشاذلي من الكلية الحربية برتبة ملازم أول في يوليو/تموز 1940م، وتم انتدابه في الحرس الخاص بالملك الراحل فاروق من عام 1943 حتى 1949م.

وعقب يوليو/تموز 1952م ظهرت مواهب وقدرات ونبوغ الشاذلي أكثر، فقبلها بعام واحد انضم إلى الضباط الأحرار، وأسس وقاد أول قوات للمظلات في مصر عام 1954م، وشارك في صد العدوان الثلاثي عام 1956م.

 ومن مجهودات الشاذلي العسكرية خارج مصر قيادته للواء مشاة في حرب اليمن خلال عامي 1965، 1966م.

وفي عام 1967م تولى قيادة الصاعقة في الجيش المصري، كما كون مجموعة خاصة من القوات عُرفتْ بمجموعة الشاذلي، وبعد اختراق إسرائيل لمنطقة البحر الأحمر العسكرية عُيِنَ قائدا للمنطقة (1).

عقب تولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات الحكم صدر قرار بترقية اللواء الشاذلي إلى رتبة فريق، وتعيينه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة في 16 مايو/آيار 1971م.

شارك الشاذلي في إعداد الخطة الخاصة بالهجوم على إسرائيل وقواتها المحتلة لجزء من مصر "سيناء"، وكان حريصا على أن تناسب خطته فترة زمنية ملائمة للعمليات العسكرية، ونجح في تكبيد العدو مزيدا من الخسائر، وقطع اليد الطولى لإسرائيل، أو ما أطلق عليه حائط الصواريخ أي القوات الجوية ومنعها من التقدم في البداية لمسافة 10 كلم من قناة السويس.

الخلاف الشهير

حدث خلاف شهير أثناء حرب أكتوبر بين السادات والشاذلي حول تطوير الهجوم المصري في عمق سيناء، إذ رأى الشاذلي أن إمكانيات وحجم القوات المصرية، وبوجه خاص غطاء الصواريخ لن يسمحوا بالنجاح، وفي المقابل لم يؤمن السادت بذلك الرأي، بل ازداد إصرارا على رأيه بتطوير الهجوم.

كانت نتيجة تمسك السادات برأيه حدوث ثغرة في الجبهة المصرية "ثغرة الدفرسوار" المعروفة التي أوشكت على تغيير مسار الحرب كلها (2).

وصل الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس أركان القوات المسلحة آنذاك إلى حد خطير، إذ صرخ الأول في الشاذلي: "أنا لا أريد أن أسمع منك مرة ثانية هذه الاقتراحات الخاصة بسحب القوات من الشرق، إذا أثرت هذا الموضوع مرة أخرى سوف أحاكمك".

ظهر الخلاف في "مركز 10" حيث كانا يديران العمليات ضد العدو الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول 1973م، بعدها أمر السادات بمحو صور الشاذلي من جواره بغرفة العمليات الحربية، وإبراز صور المشير محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة العمليات أثناء حرب أكتوبر، وهو ما عدله مبارك لاحقا بإبعاد صور الجمسي، ووضع صورته بدلا منها.

معركة الدفرسوار

في صباح 16 من أكتوبر/تشرين الأول 1973، كانت الأعصاب مشدودة في مركز 10 بسبب ما يقول عنه الشاذلي في كتابه "مذكرات حرب أكتوبر": "وصلتنا معلومات عن اختراق العدو صباح يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول، وكانت المعلومات الأولية مقتضبة ولا تثير أى انزعاج، وكان البلاغ يقول: لقد نجحت جماعات صغيرة من العدو فى العبور إلى الضفة الغربية ويقوم الجيش باتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء عليها".

ويؤكد  الشاذلى: "رغم هذه المعلومات المطمئنة فقد رفعت درجة استعداد اللواء المدرع 23 الموجود فى القاهرة، وأصدرت إليه أمرا إنذاريا بأن يستعد للتحرك إلى الجبهة فى قطاع الجيش الثانى، وفى خلال نهار يوم 16 بدأت المعلومات تصل إلينا بأن عددا من كتائب الصواريخ قد هوجمت بواسطة دبابات العدو، وكانت بعض هذه الكتائب على عمق حوالى 15 كيلو مترا غرب القناة".

في نفس اليوم ذهب السادات إلى مجلس الشعب ليعلن خطاب الانتصار، فيما كان الموقف مضطربا على جبهات القتال، فكما يقول الجمسي في مذكراته المعنونة بـ"حرب أكتوبر": "القيادة العسكرية الإسرائيلية بصدد القيام بعمل عسكرى يعيد الثقة للجيش الإسرائيلى بنفسه" مضيفا: "فكان إقدامها على مغامرة معركة الدفرسوار، وفى نفس الوقت كانت القوات المصرية تدفع بكل بسالة فى اتجاه عدم تحقيق هدف إسرائيل".

في هذه الأجواء الأكثر من متوترة عقدت القيادة العسكرية بعد ظهر 16 من أكتوبر/تشرين الأول مؤتمرا لبحث الموقف، وعنه يقول الشاذلي: "اتفقت مع الوزير (وزير الحربية آنذاك المشير أحمد إسماعيل) على أن نقوم بتوجيه ضربة قوية ضد العدو فى منطقة الاختراق صباح يوم 17، ولكننا اختلفنا مرة أخرى على طريقة توجيه هذه الضربة ... ".

وقف الوزير إسماعيل ضد فكرة الشاذلي بسحب القوات من الشرق إلى الغرب، رغم إجماع العسكريين، بمن فيهم قائد اللواء 25 المدرع، المطلوب سحبه، لتقوم القوات المصرية بتوجيه ضربة ضد الثغرة من الغرب.

بعد وصول السادات إلى مركز القيادة شرح الشاذلي له خطته للقضاء على الثغرة، لكن السادات لم يمهله، بل صرخ به لأنه لا يريد سماع مثل هذه الاقتراحات، وأنه سيقدمه للمحاكمة إذا فعلها ثانية، ويضيف الشاذلي: "حاولت أن أشرح له بأن المناورة بالقوات شيء والانسحاب شيء آخر ولكنه كان فى ثورة عارمة لا يريد أن يسمع".

جال بخاطر الشاذلي على الفور تقديم استقالته ولكنه آثر صالح الوطن، فصمت حتى أقاله السادات في 12 ديسمبر/كانون الأول 1973م.

وكان الأمر صعبا على نفس الشاذلي عندما تجاهل السادات اسمه في الاحتفالية التي أقامها بمجلس الشعب (البرلمان) لتكريم قادة نصر أكتوبر(3).

البحث عن الذات

بعد مرور سنوات، وتحديدا في عام 1978م اتهم السادات الشاذلي، وذلك من خلال مذكرات الأول "البحث عن الذات" صفحة 348، بالتخاذل بل حمله مسئولية الثغرة، وأنه عاد منهارا من الجبهة موصيا بسحب القوات من الشرق.

دفعت كلمات السادات الشاذلي للرد بنشر مذكراته عن حرب أكتوبر مؤكدا أن الحقيقة هي أن السادات أصر على اتخاذ قرارات خاطئة تسببت في الثغرة، ثم تضليل الشعب لإخفاء الحقيقة وحصار الجيش الثالث لمدة تزيد عن 3 أشهر.

وقال إن السادات "تنازل عن نصر أكتوبر بالموافقة على فض الاشتباك في المفاوضات الأولى المعروفة بنفس الاسم، وذلك بسحب القوات المصرية إلى غرب القناة" (4).

موقف الشاذلي المشرف أكده الجمسي، أيضا، في مذكراته (مذكرات الجمسي حرب أكتوبر 1973) قائلا: "لقد عاصرت الفريق الشاذلي خلال الحرب، وقام بزيارة الجبهة أكثر من مرة، وكان بين القوات في سيناء في بعض هذه الزيارات، وأقرر أنه عندما عاد من الجبهة يوم 20 أكتوبر لم يكن منهارًا، كما وصفه السادات... هذه هي الحقيقة أقولها للتاريخ".

عقب عزل السادات للشاذلي من رئاسة أركان حرب الجيش، قرر أيضا إبعاده عن القوات المسلحة، بل عن مصر، فعينه سفيرا للبلاد في إنجلترا خلال عامي 1974، 1975م، ثم سفيرا بالبرتغال من 1975 حتى 1978م، قبل أن يستقيل الشاذلي من جميع المناصب إثر مفاوضات "كامب ديفيد"، التي اعتبرها مزيدا من التفريط في نصر أكتوبر، وإهدارا لحقوق مصر والعرب.

انتقل الشاذلي بعدها للحياة في الجزائر مصدرا مذكراته عن الحرب، متهما السادات بإساءة استخدام سلطاته والإهمال الجسيم وتزييف التاريخ، وقدم بلاغا للنائب العام بذلك.

محاكمة غيابية

عقب صدور مذكرات الشاذلي حاكمه نظام مبارك غيابيا عام 1983م، واتهمه بإفشاء أسرار عسكرية، وحكم عليه بالسجن 3 سنوات وتم وضع أملاكه تحت الحراسة، وحرمانه من التمثيل القانوني وتجريده من الحقوق السياسية.

وفي مساء 14 من مارس/آذار 1992م، عاد الشاذلي إلى مصر، بعد 14 عاما من النفي في الجزائر، وعلى الفور تم القبض عليه من المطار، ليقضي مدة الحكم عليه بالسجن الحربي التابع للجيش الثالث الميداني، ومصادرة جميع الأوسمة والنياشين الخاصة به، ووجهت إليه تهمتا: نشر كتاب بدون موافقة مسبقة عليه، وأقر الشاذلي بها.

أما التهمة الثانية فهي: إفشاء أسرار عسكرية، وهو ما أنكره الشاذلي شارحا أنها أسرار حكومية وليست عسكرية، مطالبا بمحاكمة علنية، وهو ما تم رفضه تماما.

عقب خروجه من السجن توارى الشاذلي عن الأنظار، إلا من لقاء مطول على شاشة قناة الجزيرة عام 1999م، جدد به الحديث عن خلافه الأشهر مع السادات بحرب أكتوبر (1).

وفي 10 فبراير/شباط 2011م، وقبل يوم واحد من تنحي مبارك عن الحكم توفي الشاذلي، وكرمه الثوار في قلب ميدان التحرير، قبل جنازته العسكرية والشعبية.