باحث قانوني: لا إرادة لدى الدول لإنقاذ من تبقى من المعتقلين السوريين (خاص)

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

شدد الباحث في القانون الدولي والمحامي السوري، ياسر الفرحان، على دور المناصرة الدولية في الدفع نحو إطلاق سراح المعتقلين في سجون نظام بشار الأسد على خلفية الثورة الشعبية.

وأكد الفرحان لـ"لاستقلال"، على أهمية التواصل بين عائلات المعتقلين والمنظمات الحقوقية من أجل العمل بشكل تكاملي لبلوغ العدالة لأبنائهم، ومنع أي تجاوز لقضية المتعلقين في العملية السياسية السورية.

وأشار إلى أن مسار المحاسبة والعدالة "يشهد تقدما" في محكمة العدل الدولية لمساءلة نظام الأسد عن إخلاله باتفاقية مناهضة التعذيب، إضافة إلى  تحركات الحقوقيين السوريين المقيمين في أوروبا لملاحقة المتورطين من النظام بموجب الولاية القضائية العالمية.

وياسر الفرحان (53 عاما) حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة حلب السورية، وعمل سابقا في الائتلاف الوطني السوري المعارض كعضو في الهيئة السياسية واللجنة القانونية، كما عمل مستشارا في الهيئة العليا للمفاوضات السورية في الجولة السادسة منها.

وعام 2011 انطلقت الثورة السورية من احتجاجات شعبية عفوية في المناطق المهمشة تطالب بالحرية والكرامة ووضع حد للقمع والفساد والدكتاتورية، لكن سرعان ما قمع نظام الأسد بالسلاح المظاهرات السلمية فسقط مئات الآلاف من الضحايا، وتشرد الملايين نزوحا ولجوءا، فيما يقبع عشرات الآلاف في السجون.

135 ألف معتقل

ملف المعتقلين يشكل أولوية لدى جمهور الثورة السورية.. كم يقدر عدد المعتقلين في سجون نظام الأسد؟

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 برز ملف المعتقلين كأولوية لدى الأطراف السورية والدولية، منذ اعتقال أطفال مدينة درعا، واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان في ساحة المرجة بالعاصمة دمشق حينما طالبوا بالإفراج عن سجناء الرأي.

 لكن نظام الأسد استمر بسياساته في ملاحقة الناشطين وخطفهم وإخفائهم، الأمر الذي قابله الحقوقيون والإعلاميون بالتطوع لتوثيق بيانات المعتقلين ونشرها.

ومع اتساع دائرة الانتهاكات من النظام تشكلت منظمات مختصة بالتوثيق بطريقة تنسجم مع المعايير الدولية، ونجحت في أن تعتمد مرجعا للجهات الدولية المختصة.

وهذا ساعد في نهاية المطاف على المضي قدما في مسارات العدالة وبغايات كشف المصير، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وعدم إغفال ملف المحاسبة للمتورطين باعتقالهم وتعذيبهم.

تمتلك المنظمات الحقوقية السورية وجهات من المعارضة بيانات عن المعتقلين، حيث تتميز "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" بحصولها على بيانات دقيقة اعتمدت في جمعها وحفظها معايير خاصة طورتها على مر السنوات السابقة، ولديها تحديث مستمر عبر فريق مختص وخبير يتحلى بالمصداقية.

وأعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن قرابة 135 ألف معتقل لدى نظام الأسد معظمهم مفقودون، يمثلون من استطاعت التحقق من بياناتهم.

إلا أن الأعداد الحقيقية أكثر من ذلك بكثير، بسبب الظروف الأمنية التي تعوق إدلاء كل العائلات في مناطق النظام بإفاداتهم عن أقاربهم المعتقلين.

هذا بالإضافة إلى الناجيات والناجين من معتقلات النظام ويتجاوز عددهم مليونا ونصف المليون، وهؤلاء لم ينصفوا بعد، رغم الإفراج عنهم، ومازالوا مع عائلاتهم يعانون الآثار النفسية والجسدية والمالية والاجتماعية بسبب اعتقالهم.

بعد كل هذه السنوات.. لماذا لم يحصل أي تقدم تجاه إطلاق سراح المعتقلين خلال جولات المفاوضات السابقة بين المعارضة ونظام الأسد؟

يعتمد نظام الأسد الاعتقال التعسفي والإخفاء قسرا والتعذيب والتصفية كإستراتيجية أساسية يحكم من خلالها سوريا، وهو يدرك تماما أنه من دون تلك السياسات القمعية لا يمكنه الاستمرار في الحكم.

ولهذا لا ضغوط كافية من أجل أن يغير النظام هذه الإستراتيجية، فضلا عن أن سلوكياته هذه متجذرة لديه وغير قابلة للتغيير، والتي اعتمدها منذ أن استولى (حافظ) الأسد الأب على السلطة عام 1971. 

وعليها استمر في ارتكابها بشار ونظامه بشكل ممنهج وواسع النطاق، ضاربا عرض الحائط بكل نصوص القرارات الدولية في مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان والمطالبات بالإفراج عن المحتجزين وبوقف الاعتقال التعسفي والإخفاء قسرا.

هذه القرارات لم تكن مسلحة بأدوات ضغط كافية، لم تصدر تحت الفصل السابع في مجلس الأمن ولا تحت مبدأ الاتحاد من أجل السلام من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما لم تتوافر لدى الدول العظمى الإرادة الكافية لتحرك مختلف تفي من خلاله بواجباتها في حماية الشعب السوري من جرائم الإبادة، فعلت ذلك للتخلص من الأسلحة الكيمياوية في سوريا، بذات الأدوات تستطيع التحرك لإنقاذ من تبقى من المعتقلين وللتخلص من المسالخ البشرية.

خطة متكاملة

كيف تقيم أداء المعارضة في طرح قضية المعتقلين في المحافل الدولية وعلى طاولة أي مفاوضات جرت بين ممثلين عن المعارضة والنظام؟

ملف المعتقلين أولوية للأطراف السورية المعارضة، للعمل ضمن خطة متكاملة في الحشد والمناصرة، ومنها على سبيل المثال التأثير بالرأي الشعبي الدولي ليكون ضاغطا على حكومات العالم من أجل تحرك فاعل، خاصة أن الحكومات تهتم بمصالحها وأصوات ناخبيها، وهذا ما علينا التركيز عليه، فلا نبقي قضيتنا في إطار الأوساط المحلية.

مسار المحاسبة والعدالة يشهد تقدما في إطار التحرك الدولي لبعض الدول داخل محكمة العدل الدولية لمساءلة الأسد عن إخلاله باتفاقية مناهضة التعذيب.

وأيضا يتحرك الحقوقيون السوريون المقيمون في أوروبا لملاحقة المتورطين بموجب الولاية القضائية العالمية.

كما أن العقوبات الاقتصادية وسيلة أخرى للضغط على النظام خاصة عبر قانون قيصر الأميركي لعام 2020 الذي استمد اسمه من المصور السوري الذي سرب آلاف الصور للمعتقلين وبات يعاقب المتعاملين مع نظام الأسد، وقد حدد أسبابه الموجبة في مادته الثانية بأن الانتقال بسوريا إلى دولة تحترم حقوق الإنسان تشكل إحدى غايات إقراره.

القرارات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان منصفة للمعتقلين من حيث التوصيف والمطالب، لكن ليس للمجلس سلطة تنفيذية. 

وكذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تمتلك هذه السلطة تحت مبدأ الاتحاد من أجل السلام، وهو ما يحتاج إلى أغلبية كبيرة من الدول الأعضاء.

وفيما مجلس الأمن الدولي معطل بـ"الفيتو" الروسي، لم تتقدم أي دولة بمشروع قرار بمواجهة روسية بصفتها طرفا في النزاع بسوريا، رغم المطالبات بذلك لإتاحة إعمال المواد 27 و52 التي تمنع الدول الأطراف في النزاع من التصويت.

ما الخطوات العملية الناجحة التي يمكن لمنظمات حقوق الإنسان السورية والدولية القيام بها لتحريك ملف المعتقلين بسجون الأسد؟

هناك تقدم في ملف المعتقلين على صعيد "اللجنة الدولية للتحقيق والآلية المحايدة والمستقلة" التي باتت تمتلك مستودعا هائلا من الأدلة الكافية ومن البيانات حول المعتقلين. 

وحاليا تتشكل "المؤسسة الدولية للمفقودين بسوريا" المنبثقة عن الأمم المتحدة والتي جاءت بسبب مطالبات العائلات وروابط الضحايا لإنشاء المؤسسة ورفع صوت عائلات الضحايا.

في لائحة المؤسسة الجديدة سيتم استخدام كل وسائل التكنولوجيا والأقمار الصناعية، فضلا عن الحصول على البيانات المتوفرة لدى معظم المنظمات الدولية التي تسمح أنظمتها بمشاركة بيانات المعتقلين السوريين، ورغم ذلك نكرر المطالبات لتمكين المؤسسة من  دخول السجون السورية ومراقبتها.

هنا لا بد من التذكير بأن بعض الحقوقيين كانوا يطالبون بألا تباشر المعارضة أي جولة مفاوضات مع النظام برعاية أممية أو أي طرف آخر إلا بعد الإفراج عن المعتقلين، وهذا رأي وجيه.

لكن علينا التفكير في تجارب سابقة للمعارضة حينما رفضت أو علقت عام 2012 مشاركتها بالمفاوضات قبل تنفيذ إجراءات بناء الثقة وعلى رأسها الإفراج عن المعتقلين.

بالنسبة لمسار "أستانا" للمباحثات السورية حاولت المعارضة في بداية جولاته استثمار الحضور الدولي الواسع في اجتماعاته للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين دون التخلي عن اعتبار الملف غير قابل للتفاوض، ورغم توقيع مذكرة تفاهم بذلك إلا أن النظام عطل التنفيذ.

كما أن قرار مجلس الأمن 2254 الخاص بسوريا والصادر عام 2015، يكلف مجموعة أصدقاء سوريا استخدام نفوذها الفوري للإفراج عن المعتقلين وعلى مؤسسات المعارضة والمجموعات الحقوقية الضغط في مطالبة هذه الدول بذلك وبشكل فاعل.

في النهاية، فإن استمرار التواصل والتنسيق بين عائلات المعتقلين والمنظمات الدولية والجهات الحقوقية أساسي، من أجل العمل بشكل تكاملي لإطلاق سراح المعتقلين، خاصة أن أصوات العائلات والضحايا هي ضمانة في بلوغ العدالة، ومنع أي تجاوز لقضية المتعلقين في العملية السياسية السورية.