شركة "كير سيرفيس" نموذجا.. كيف حول عسكر مصر المدنيين إلى عبيد بالسخرة؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في الأسابيع الأخيرة، جرى تداول اسم شركة مصرية عاملة في مجال الأمن والحراسة بكثرة، لا سيما وهي واحدة من أهم أذرع جمهورية الضباط في مصر. 

وشهدت شركة "كير سيرفيس" التي تمثل واجهة من كبار الجنرالات والضباط المتقاعدين لصالح الجيش والمخابرات في مصر،  إضرابا قويا في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2023.

وشارك فيه نحو 400 عامل تابعين لـ"كير سيرفيس" ويعملون في معسكر قوات حفظ السلام في الشيخ زويد وشرم الشيخ بـسيناء بسبب الفساد وسوء الأوضاع وتدني الأجور.

ومنذ 2011 وعلى مدار عقد كامل شهدت الشركة المحكومة بالجنرالات العديد من الإضرابات والصدامات المتكررة مع عمالها وموظفيها. 

ولطالما ارتفعت الأصوات التي تطالب بمحاسبة كبار مسؤولي الشركة، وجلهم لواءات ورتب رفيعة، وفدوا من الجيش والأجهزة الأمنية، ما ساهم بتحصينهم من الحساب والعقاب. 

وهكذا أصبحت "كير سيرفيس" نموذجا مصغرا للدولة المصرية، القابعة تحت حكم نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي جاء بانقلاب عسكري، وحكم البلاد بقبضة أمنية. 

فكيف انتهكت "كير سيرفيس" حقوق عمالها؟ وما موقعها بين شركات الأمن والحراسة في مصر؟ 

وقائع فساد

ووقع الإضراب من قبل العمال الذين يقدمون خدمات متنوعة داخل معسكر قوات حفظ السلام، من بينها أعمال السباكة، وورش الصيانة، وخدمات النظافة، والطبخ، والمغسلة، إضافة إلى السوق التجارية.

وأورد عدد من العمال في تصريحات لمواقع صحفية مصرية محلية مثل "مدى مصر" أن المحتجين اعترضوا في الأساس على تدني رواتبهم الشهرية التي يصل متوسطها إلى 4 آلاف جنيه (129 دولارا) لمن يعمل عدد سنوات تصل إلى 25 سنة، أما عمال النظافة فمرتباتهم لا تتعدى ألفي جنيه (65 دولارا).

وقال أحد العمال في تصريحات خاصة لموقع "درب" المحلي، إنهم لم يحصلوا على زيادة في مرتباتهم منذ بداية أزمة وباء كورونا في 2020،

وأورد أنه قبيل تجديد العقود أقرت القوة الدولية زيادة قدرها 50 بالمئة من المرتب ولم يتم صرفها حتى بعد تجديد العقود في بداية أكتوبر 2023.

وأتبع: ورغم هذه المعلومات فوجئ العمال بقرار من إدارة (كير سيرفيس) بزيادة في المرتب قدرها 25 بالمئة فقط".

ونقل الموقع المصري عن العامل شهادة تتعلق بواقعة فساد كبيرة ارتكبتها إدارة الشركة من كبار الضباط المتقاعدين.

وذلك عندما أفاد بأن القوة الدولية أقرت بدل وجبة جافة يصل قدره إلى 12 دولارا يوميا (370 جنيها مصريا)، لكن الإدارة كانت تصرف لهم بدل وجبة جافة قدره 300 جنيه شهريا (9 دولارات).

وتم التساؤل أين تذهب بقية الأموال المصروفة للعمال كبدل للوجبة الجافة؟ 

لذلك طالب المعتصمون بتحري الشفافية، كما طالبوا بالحصول على الترقيات والدرجات المتأخرة.

فضلا عن ضمانات الرعاية الصحية، حيث أشاروا إلى أن خامة الزي الرسمي الذي تصرفه لهم "كير سيرفس" تسبب لهم مشاكل جلدية، بالإضافة للسكن غير المجهز وغير الآدمي.

وأكدوا في معرض اعتصامهم أنهم لن يتنازلوا عن زيادة مرتباتهم بنسبة 100 بالمئة، نظرا لعمل الكثير منهم منذ وجود القوات الدولية في بداية الثمانينيات.

تجدر الإشارة إلى أن العاملين بمعسكر قوات حفظ السلام، من التابعين لشركة "كير سيرفس" نظموا إضرابا واعتصاما عن العمل في العام 2011 و2012 بسبب المطالب السابق ذكرها، من تدني الرواتب وبخس الحقوق والفساد العام. 

وفي 7 مارس/ آذار 2022، تقدم النائب البرلماني عن دائرة الأقصر، بهاء الدين أبو الحمد، بطلب إحاطة يتضمن أن شركة "كير سيرفس" تستغل عمال الأمن البسطاء وترفض تطبيق الحد الأدنى للأجور.

واختص أبو الحمد بالذكر مجموعة العاملين في معسكر قوات حفظ السلام بسيناء، وذلك لطول فترة عملهم ولحقوقهم المهدرة على مدار سنوات. 
 


رسالة تهديد 

ومع ذلك في 28 ديسمبر 2023 أعلن العمال فض الاعتصام (جزئيا) بعد اجتماع جرى مع قائد معسكر قوات حفظ السلام، بمناطق الشيخ زويد وشرم الشيخ والعريش "إيفان ويليامز".

ووعد ويليامز بمخاطبة الشركة وحل أزمتهم وتلبية طلباتهم، ولكن على مراحل تصل إلى 3 أسابيع، ومن المثير للتساؤل، لماذا يتواصل قائد القوات الدولية مع الإدارة المصرية؟

رغم أن العمال هم مسؤولية الشركة، وكان يجب أن ترسل من يتفاوض معهم ويعمل على حل مشكلاتهم. 

لكن المثير أن "كير سيرفيس" لم تكتف بتجاهل المطالب والإصرار على الموقف، إذ كشف أحد العمال لموقع "مدى مصر" في مطلع يناير/ كانون الثاني 2024 عن تلقيهم رسالة بريدية من "مجهول" تحتوي على تهديدات من مسؤول كبير في الشركة، طالبهم بفض الاعتصام، وحذرهم من تنظيم فعاليات احتجاجية داخل مواقع العمل. 

ومن النماذج الدالة على طبيعة تعامل الشركة مع موظفيها، ما أورده الموظف السابق بالشركة خالد الجوهري، في منشور على موقع "فيسبوك" في 7 سبتمبر/ أيلول 2023.

وقال: "حسبي الله ونعم الوكيل في شركة (كير سيرفيس) قدمت استقالتي من 15 يوما، قالوا تعالى يوم 7 سبتمبر، ذهبت اليوم، وبعد وقفة من 8 صباحا إلى 12 ونص ظهرا لاستلام مستحقاتي.. قالوا لي عليك (3 جنيهات ونص) طب وأول شهر اشتغلنا فين معرفش أقوالهم أنا عاوز المسؤول.. هنا جاء أحدهم يقول لي أنا اللواء أحمد محمد شكري، واذهب اشتكيني ولا يوجد لك شيء".

وأتبع: "شركة (كير سيرفيس) أكبر شركة أمن على مستوى الجمهورية، إدارتها كلها لواءات متقاعدون، سبتها (تركتها) بسبب سوء معاملة مشرفي الأمن، غير الراتب الذي لا يسلم كاملا".


الشركة والمعسكر 

وبدأت قصة "كير سيرفيس" مع معسكر قوات حفظ السلام، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1978 التي تعهد خلالها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر بإنشاء قوات متعددة الجنسيات لضمان التزام مصر وإسرائيل بتنفيذ بنود الاتفاق.

وفي أغسطس 1981 وقعت مصر والولايات المتحدة وإسرائيل اتفاقية تخص عمل تلك القوات التي تمركزت في شمال وجنوب سيناء وفي صحراء النقب.

بموجب الاتفاقية بلغ عدد أفراد القوة في سيناء نحو 1154 فردا من 13 دولة أغلبهم من الأميركيين حيث يبلغ عددهم 452 فرد.

وتشرف القوات متعددة الجنسيات على مراقبة انتشار حرس الحدود على الجانب المصري من الحدود إلى غزة، ومراقبة حجم التواجد العسكري المصري في سيناء، فضلا عن ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران (قبل أن يتنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية).

ونظرا لاحتياج القوات متعددة الجنسيات في سيناء إلى خدمات لوجستية، فقد تعاقدت مع شركة مصرية لتلبية متطلبات أفرادها.

وكانت الشركة هي "كير سرفيس" التي تقدم خدمات في مجالات متعددة مثل الحراسة والأمن والنظافة وتوريد العمال.

وتأسست "كير سرفيس" عام 1979 لتلبية طلب السفارة الأميركية بالقاهرة بوجود شركة أمن خاصة لحراسة السفارة بجوار قوات الشرطة المصرية وقوات المارينز، وكان التأسيس الأولي للشركة بعضوية اثنين من الأجانب واثنين من المصريين تحت قيادة لواء مخابرات عامة متقاعد.

ويعمل بـ"كير سيرفيس" حاليا نحو 25 ألف عامل بحسب الموقع الرسمي للشركة، وتتولى مهام النظافة في مطارات القاهرة وأسوان والإسكندرية.

فضلا عن حراسة وتنظيف نحو 14 بنكا، كما تعمل في معسكرات حفظ السلام في سيناء في عدة أعمال مثل السباكة والطبخ وغسيل الملابس وخدمات النظافة وعمليات الصيانة.

ويقود الشركة حاليا اللواء عادل عمارة، إضافة إلى مجموعة ضباط آخرين مثل اللواء وصفي عرفة والعميد عصام سليم.


وتعليقا على القضية، قال الباحث المصري في شؤون العمال سيد زناري، إن "شركات الأمن والحراسات والخدمات واحدة من سراديب الدولة المصرية، ولها بيزنس ضخم وواسع ومحدد، حيث يقتصر روادها منذ تأسيسها على ضباط المخابرات والجيش والشرطة". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "ليس ذلك فحسب بل إن من يدخلون تلك الشركات ويعملون بها من أصغر عامل إلى المديرين والرؤساء والفنيين، لابد أن يخضعوا إلى تدقيق من الأجهزة الأمنية تحديدا المخابرات والأمن الوطني". 

وذكر زناري أن جهاز المخابرات العامة كان له السطوة الكاملة على شركات الأمن وتحديدا (كير سيرفيس) و(كوين) و(فالكون) حتى أصدر السيسي عام 2015 قانون شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال.

ومضى يقول: "وتضمنت مواد القانون السماح لوزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة التابعة لهما تأسيس شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال، بعدما كانت حكرا على المخابرات وحدها". 

وختم بالقول: "المشكلة الحقيقية التي يواجهها العاملون في تلك الشركات منذ قديم الأزل أنهم يعاملون كمجندين لا كموظفين مدنيين، حقوقهم مسلوبة ويخضعون لتحكمات كبار الضباط، ولا يستطيع أحد أن يأتي لهم بحقوقهم ولا القضاء المدني نفسه".