نيويورك تايمز: كيف ضرب نظام السيسي صناعة الترفيه في مصر؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء مجددا على اتساع مدى القمع الذي يمارسه نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر، مؤكدة أن ما يجري هو أسوأ كارثة تواجه الإعلام والسينما في تاريخ مصر.

وأشارت الصحيفة في تقرير نقلا عن وكالة "رويترز" إلى أن نظام السيسي أطلق موجة من الرقابة تطول صناعة المحتوى الترفيهي والإخباري والإعلامي تضع كثيرا من القيود وتفرض تقديم الشرطة وعناصر السلطة المختلفة بشكل محدد.

ونقلت عن جمال العدل، مدير إحدى أكبر شركات الإنتاج، قوله: إنه لا يستطيع العمل في هذه البيئة التي تتسم بوجود كيان واحد وعين واحدة ورؤية واحدة وذوق واحد.

وعلق التقرير بالقول: "إنها رؤية الرئيس السيسي المتمثلة بالبطولة والفضيلة الوطنية، ويجري تنفيذها بتقنيات مبتكرة".

ضوابط صارمة

ولفت التقرير إلى أن القيود باتت تشمل حجب تصاريح التصوير وقائمة بالموضوعات المحظور على المسلسلات تناولها، كما توجد مجموعات على تطبيق واتساب يتم من خلالها إبلاغ وسائل الإعلام بما يجب أن تتناوله، وتوجد رقابة على المحطات التلفزيونية للإشراف على المخرج منها.

وأوضح أن الحكومة تزداد تدخلا في مجال الترفيه نفسه، مضيفا: "منذ عام 2017، سيطرت شركة جديدة تدعى المجموعة المتحدة لخدمات الإعلام على منافذ الأخبار وشركات الإنتاج التلفزيوني والقنوات مما منحها تأثيرا لا نظير له على ما يقدم في التلفزيون، وطبقت المجموعة قواعد الرقابة الحكومية بحماس".

وتابع التقرير: "قالت عشرات الصناعة ومصادر حكومية لرويترز إن المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية جرى إنشاؤها من قبل الدولة. ووجدت رويترز أن اثنين من أعضاء مجلس إدارتها الأربعة لهم صلات بالمخابرات العامة المصرية وكان يرأس إحدى وحدات الشركة رئيس الاستخبارات سابقا".

يقول ممثلون ينتقدون الحكومة إنهم يخشون الاعتقال، فيما يرى صانعو البرامج أن الأعمال الدرامية التي أنتجوها أصبحت رديئة. وقال أحد المنتجين إن السلطات منعته من العمل في التلفزيون أو السينما، دون إبداء أسباب.

في حين أكد خالد يوسف، عضو البرلمان المصري والمخرج السينمائي البارز ، أن "الحكومة تتدخل في محتوى الدراما. إنهم لا يريدون للناس أن يفكروا".

واعتبر التقرير أن قبضة السيسي على وسائل الإعلام نموذجية للعديد من الحكومات الاستبدادية، من الصين إلى روسيا. 

وتابع "حملة القمع ملحوظة بسبب آثارها خارج مصر. أمة الـ 100 مليون ليست فقط أكثر دول العالم العربي اكتظاظا بالسكان، بل هي موطن لصناعة السينما".

أيام مبارك

وتابع تقرير رويترز "في المقابلات، وصف صانعو البرامج والمسؤولون التنفيذيون في وسائل الإعلام الإخبارية كيف فرض نظام السيسي ضوابط يقولون إنها أكثر صرامة من تلك التي كانت موجودة في عهد حسني مبارك، والذي حكم مصر بقبضة صارمة حتى الإطاحة به في عام 2011".

ويقول صناع البرنامج: إن الرقابة أصبحت الآن أكثر قمعا مما كانت عليه في ظل الحكم الاستبدادي لحسني مبارك، حيث كانت هناك بعض الأعمال التي تكافح وحشية الشرطة. 

وفي عهد مبارك كانت تتم الموافقة على المسلسلات بعد أخذ عينة من عدة حلقات فقط، بينما يصر السيسي على مشاهدة الحلقات كاملة من 30 برنامجا أو أكثر.

وقال محرر في إحدى الصحف الرائدة لوكالة رويترز: إنه "حتى في عهد مبارك، واجه الناشرون الترهيب فقط، في حال كانت هناك مقالات تحمل اسم المخابرات أو الضباط العسكريين، بينما الآن فإن رئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل وضباطه لديهم تأثير قوي ومباشر على ما ينقله الإعلام"، مبينا أن الصحفيين بدأوا يصفونهم بـ "رؤساء تحرير مصر".

وحث السيسي وسائل الإعلام على دعم حكومته، لكن بحلول عام 2016، تدهورت علاقة السيسي مع وسائل الإعلام، تحديدا في أبريل/نيسان من ذلك العام، عندما تنازل عن جزيرتين في جزء إستراتيجي من البحر الأحمر لحليفته السعودية، مما أدى إلى احتجاجات. 

وعندما انضمت بعض الصحف إلى الاحتجاجات، داهمت قوات الأمن نقابة الصحفيين، حيث تم اعتقال صحفيين اثنين ينتقدان الحكومة ووجهت إليهما تهمة نشر أخبار كاذبة، وكان ذلك بداية لحملة أوسع.

وفي عام 2017، أنشأ السيسي المجلس الأعلى لتنظيم وسائل الإعلام للإشراف على جميع الأخبار والترفيه. وتم تكليف لجنة الدراما التابعة لها بمراقبة جميع المسلسلات على التلفزيون المصري. واهتمت اللجنة بشدة بالقضايا الأخلاقية.

وتخضع وسائل الإعلام الإخبارية لمزيد من التدقيق، حيث جرى حظر مئات المواقع الإخبارية والمدونات في السنوات الأخيرة. ويمنح قانون الإعلام الصادر في عام 2018 سلطات الدولة الحق في حظر حسابات وسائل التواصل الاجتماعي ومعاقبة الصحفيين لنشرهم ما تعتبره أخبارا كاذبة.

مجموعات واتساب

وأنشأت وكالات الأمن مجموعتي واتساب لنقل التعليمات إلى المؤسسات الإخبارية حول كيفية تغطية الأحداث، إحداهما تسمى "المحررين" وتديرها المخابرات العامة، والثانية تديرها وزارة الداخلية.  

عندما قُتل 20 شخصا في انفجار خارج مستشفى للسرطان في القاهرة في أبريل/نيسان من هذا العام، كتب مسؤول المخابرات: "لا أريد توسيع تغطية حادث مركز السرطان. التغطية محدودة". وبالفعل التزمت وسائل الإعلام المصرية بذلك.

وفي مايو/أيار الماضي، أدى انفجار وقع بالقرب من المتحف المصري الكبير في القاهرة إلى إصابة 12 سائحا من جنوب إفريقيا على الأقل. وكانت التعليمات عبر واتساب: "يرجى انتظار صدور بيان وزارة الداخلية وعدم إضافة أي شيء إليه". 

وراجعت رويترز التقارير التي نقلتها 4 منافذ إخبارية ووجدت أنها متطابقة تقريبا.

وفي سبتمبر/أيلول، عندما دعا الممثل السابق محمد علي إلى الاحتجاج ضد السيسي في سلسلة من مقاطع فيديو، قالت إحدى الرسائل عبر واتساب: "من فضلك لا تنشر تقارير إخبارية عن محمد علي".  وأطاعت وسائل الإعلام الأمر.

وبالنسبة للعاملين في شبكة التلفزيون "دي ام سي" التي تسيطر عليها أيضا المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، فإن الدولة تتدخل. 

وقبل أن تتمكن المحطة من بث برامجها الإخبارية والرياضية والترفيهية، يحتاج محرروها إلى ضوء أخضر من ضباط المخابرات الذين يرتدون ملابس مدنية ويوجودون باستمرار في إستوديوهات الشبكة، على حد قول موظف حالي وآخر سابق لرويترز.

وقال الموظف السابق: إن الشبكة يديرها ضباط المخابرات الذين حضروا الاجتماعات التنفيذية. وجرت بعض التعيينات العليا من قبل عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة الذي حدد أيضا بعض الرواتب. 

وقال منتج ما زال يعمل في "دي ام سي": إن ضابط مخابرات كان يجلس أحيانا في غرفة التحكم لمعرفة ما يجري في القناة. 

أسوأ كارثة

وقال هشام قاسم، الناشر الصحفي السابق والناشط السياسي: إن "الأضرار التي لحقت بالإعلام المصري غير مسبوقة ولا يمكن تصديقها. ببساطة، هذه أسوأ كارثة إعلامية في تاريخ مصر. إنهم لا يهتمون بالجودة، وإذا كنت لا توافق على أمر، فسيتم إقالتك".

واستحوذت المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي تأسست في عام 2017، على ما لا يقل عن ست صحف ومواقع إخبارية على الإنترنت، وأربع شبكات تلفزيونية تشمل 14 قناة، وأربع محطات إذاعية، والعديد من المسارح ودور السينما.

وقال 8 أشخاص في صناعة وسائل الإعلام نفذوا أعمالا تجارية مع المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية: إن الشركة أنشئت من قبل الدولة. 

ونظرا لتوسعها، أصبحت الشركة تهيمن على الجداول الزمنية للتلفزيون وتحديد البرامج التي تبثها، حيث فرضت الرقابة الحكومية بصرامة.

راجعت "رويترز" الوثائق التي قدمتها المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية لدى السلطات منذ تسجيلها. ولم تكشف هذه المستندات عن ملكية الشركة، لكنها حددت أعضاء مجلس إدارتها الأربعة.

وقال مصدران مخابراتيان لرويترز: إن اثنين من أعضاء المجلس لهم صلات بجهاز المخابرات، أحدهم، ياسر أحمد صابر أحمد سليم، الذي كان في السابق ضابط مخابرات. 

وأظهرت وثيقة أخرى أن رئيس الاستخبارات كامل نفسه كان في مجلس إدارة شركة تلفزيون تسمى "دي ميديا" التي أصبحت الآن جزءا من المجموعة المتحدة.

بالنسبة لمنتج مثل العدل، فإن هيمنة مشتر واحد كبير، المتمثل بالمجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية وظهور منظم جديد صارم، جعل إنتاج وبيع الأعمال الدرامية صعبا على نحو متزايد.  

ونقلت رويترز عن العدل قوله: "اعتقدت أنني سأقوم بالإنتاج على أي حال، وإذا لم تشترها القنوات المحلية، فيمكنني بيعها خارج مصر". لكن مداهمة الشرطة لشركة إنتاج منافسة دفعته للتوقف عن التصوير أيضا للابتعاد عن المشاكل.

يقول العدل: وبعض صانعي البرامج الآخرين، إنهم ساندوا في البداية تدخل الدولة في سوق التلفزيون لأسباب اقتصادية، حيث كانت العديد من القنوات في مصر لا تحقق الربح. ويعزى ذلك جزئيا إلى أنهم كانوا يزايدون على بعضهم البعض بحثا عن محتوى.

كما أن تكلفة المسلسل الذي تنتجه شركة العدل وآخرين كانت في ارتفاع، وأجور الممثلين في تصاعد مستمر.  وكان العدل من بين من يطالب بتنظيم الأسعار، حتى أنه كان يأمل من الدولة أن تضع سقفا للأجور، لكن التدخل ذهب بعيدا، فالسلطات الآن هي التي تقرر أن تعمل أو لا.

وقال مخرج آخر، رفض الكشف عن هويته: إنه يعتقد أن السيسي يحاول التحكم في الرواية، مشيرا إلى أنه كان يتعين عليه توقيع وثيقة يتعهد فيها بعدم إدراج أي مشاهد تهين الشرطة.

أعمال رمضان

وأضاف هذا المخرج أن جهود الرئيس تخاطر بنتائج عكسية، حيث يلجأ المشاهدون بشكل متزايد إلى القنوات التي يديرها المصريون خارج البلاد، ويقدمون عروضا ذات مناظر بديلة أو رقابة أقل مثل قناتي "مكملين" و"الشرق" اللتين تبثان من تركيا.

وبحسب تقرير "رويترز"، عقد المسؤولون الحكوميون اجتماعا مع مجموعة من الكتاب والمخرجين الموثوق بهم، وفقا لمصدرين اطلعا على الاجتماع، حدد خلاله المسؤولون المواضيع والأفكار التي أرادوا رؤيتها في المسلسلات التي ستعرض في رمضان المقبل. 

كما أخبروا الكتّاب والمخرجين المجتمعين أن الدراما يجب ألا تُظهر ضباط الشرطة أو أفراد أجهزة الأمن في صورة سلبية، وهم يخونون زوجاتهم، على سبيل المثال.

يشكوا الكثير من المصريين من أن السيسي يحرمهم حتى من الحق في قضاء وقت ممتع. قبل وصوله إلى السلطة، كان بإمكان جمهور رمضان الاختيار من بين 40 عمل درامي أو أكثر لاستكشاف القضايا الاجتماعية والعلاقات الأسرية والغموض والجريمة. 

لكن خلال شهر رمضان الماضي، لم يكن هناك سوى 25 عملا، 15 منها صُنعت بواسطة شركة تدعى "سينرجي"، وهي جزء من المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية. 

وأظهرت العديد من الأعمال أن ضباط الشرطة يقاتلون "قوى الشر"، وهو مصطلح يستخدمه السيسي لوصف شخصيات المعارضة والمتشددين الإسلاميين.

ونقل تقرير "رويترز" عن الممثل عمرو واكد قوله: إن مثل هذه العروض تؤكد على مدى تراجع صناعة الترفيه في مصر.