"شبح التعويم الخامس".. ما حجم الانهيار المالي في مصر؟ وعلى ماذا يعول السيسي؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في توقيت متزامن نشر موقع "بلومبيرغ" الاقتصادي في 27 أبريل/نيسان 2023، ووكالتا التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" و"موديز" تحليلات قاتمة عن الوضع الاقتصادي المصري، مع اقتراب التعويم الخامس للجنيه.

خطورة هذه التقارير ذات التوقعات السوداوية للاقتصاد المصري، والتي باتت تصدر بشكل متكرر أخيرا، أن هذه المؤسسات الدولية ركزت على صعوبة سداد مصر ديونها، حيث تحتاج القاهرة لسداد 37 مليار دولار عامي 2023 و2024.

وبلغت ديون مصر الخارجية 155 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول 2022، وفقا لآخر تقارير البنك المركزي الصادرة في مارس/آذار 2023.

تقرير "بلومبيرغ" تحدث عن ارتفاع تكلفة التأمين على الديون المصرية بشكل قياسي، ومخاوف بشأن عجز مصر عن السداد، أي اقتراب شبح الإفلاس من مصر.

تحدث عن "نفاد صبر السوق على إصلاحات مصر الاقتصادية التي لم تتحقق"، وكيف أن أسواق الدين "تشهد حالة تأهب لم يسبق لها مثيل، جراء القلق المتزايد من خطر فشل القاهرة في دفع الديون أو فوائد سنداتها في غضون عام من الآن".

"بلومبيرغ" ذكرت أن تكلفة التأمين ضد التخلف عن سداد الديون السيادية في مصر، للأشهر الـ 12 المقبلة، ارتفعت إلى مستوى قياسي، ما أدى إلى زيادة قسط التأمين على العقود لمدة خمس سنوات إلى أوسع نطاق على الإطلاق.

على ماذا يعول؟

إعلان وكالة التصنيف الائتماني الأميركية "ستاندرد آند بورز"، في 21 أبريل 2023 تخفيض "تقويم ديون مصر" إلى "سلبي" بدلا من "مستقر" أي عدم قدرتها على السداد، أثار بدوره قلقا داخليا ودوليا حول حجم الانهيار المالي الجديد القادم.

وبررت الوكالة توقعاتها بحاجة الحكومة المصرية إلى تمويل كبير عام 2023 وكذلك 2024، يقدر بـ 17 و20 مليار دولار على التوالي. 

وهذا ثاني تخفيض، ففي فبراير/شباط 2023، خفضت وكالة موديز التصنيف السيادي لمصر درجة واحدة إلى B3 من B2، بسبب تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي.

ومستويات التصنيف لدى وكالات التصنيف الائتماني تتراوح بين (AAA)، ويعني "درجة أمان عالية"، وهو أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية، ويتضمن درجات تابعة مثل (AA) أو (A).

أما التصنيف (BBB) فيعني "جدارة ائتمانية متوسطة"، والتصنيف (DDD) ويعني "جدارة ائتمانية متعثرة".

وتوقع اقتصاديون أن تسمح الحكومة المصرية أن ينخفض الجنيه المصري إلى 34 للدولار بحلول نهاية ديسمبر 2023، وإلى 35 بنهاية نفس الشهر من عام 2024 و35.07 بعد ذلك بعام، بحسب وكالة رويترز البريطانية 28 مارس 2023.

خبراء تساءلوا: على ماذا يعول رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي للخروج من هذه الأزمة الطاحنة والمأزق الذي يهدد حكمه، وقد يفجر في النهاية ثورة جياع وغضبا شعبيا.

عضو تيار المعارضة المدنية محمد أبو الغار، قال في قراءة للوضع الاقتصادي وتعامل السلطة معه، نشرها على حسابه في فيسبوك، إن خطة السيسي لمواجهة صعوبة الموقف الاقتصادي تتلخص في أمرين.

هما أن "الله لن يتخلى عنه وعن مصر"، وأن "العالم لن يسمح لمصر أن تسقط وسوف يتدخل في الوقت الحرج لإسقاط بعض الديون".

وكرر السيسي نفس الكلام الغامض الذي يؤكد أنه لا يملك أي خطط للتعامل مع الكارثة، خلال خطاب له مطلع مايو/أيار 2023، تحدث فيه عن متابعته مواقع التواصل الاجتماعي والرأي العام وقلق الناس.

لكنه اكتفى بالقول: "طول ما احنا على قلب رجل واحد محدش يقدر يعمل معانا حاجة".

هذه الرؤية زادت القلق، لأن الاقتصاد لا يدار بالأماني والمزايدات الدينية، كما أن التجارب التاريخية أثبتت أن إسقاط أي ديون لا يكون بلا مقابل، وإنما بـ "ثمن سياسي كبير"، أي تنازلات من قبل نظام السيسي في أمور جديدة لا يُعرف ما هي.

لذا يرى مصريون أن البلاد أمام كارثة بسبب سياسات السيسي الفاشلة، حيث لا توجد لدى السلطة "حلول" لها سوى الدعاء، أو استجداء الدائنين والاعتماد على كرمهم، منوهين أن "هذا لن يكون بلا ثمن".

ما الثمن؟

يؤكد الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، أن الأزمة التمويلية في مصر مزمنة لأن هناك حالة من الإصرار من قبل النظام على عدم الخروج منها من خلال قرارات إدارية فاشلة.

أوضح لـ "الاستقلال" أن الحالة المصرية "ليست ميؤوس منها ولكن يتطلب الخروج منها أمرين".

الأول، ضرورة تقليص وتراجع معدلات الفساد في مصر في المعاملات الداخلية والخارجية للنظام، وخاصة سطوة الجيش على الاقتصاد، والرشا المنتشرة في أجهزة الدولة.

والثاني: معالجة سوء الإدارة الاقتصادية، لأن السياسات الموجودة الآن تسير في عكس الاتجاه الصحيح، فمثلا مطلوب أن تتبنى الحكومة زيادة الإنتاج وتقليص الواردات، ولكنها تتوسع في الاستيراد من الخارج.

أيضا تعاني البلاد من نقص موارد النقد الأجنبي، ومع هذا، وعلى العكس، تتوسع الحكومة في الأمور التي تحتاج إلى هذا النقد.

وأبرز مثال على ذلك، القرض الأخير بـ 8 مليارات يورو لاستيراد عربات قطار المونوريل والسريع، برغم أنه يمكن تأجيل ذلك، وهذا مؤشر دال على سوء الإدارة الاقتصادية، وفق الصاوي.

ويوضح أن النظام المصري لن يكون لديه مخرج من الأزمة، وفي ضوء انصرافه عن تبني سياسات اقتصادية رشيدة، إلا بالاقتراض من الخارج، وهو أمر سيكون بسعر فائدة عالي جدا.

يشير إلى أن آخر قرض مصري من الخارج كان بفائدة 7.5 بالمائة، والقروض الخاصة بالسندات الإسلامية كانت فائدتها التي ستدفعها مصر 10 بالمائة وهو من أعلى معدلات الفائدة على الصكوك.

وحول ما طرحه "أبو الغار" بشأن اعتماد السيسي على إلغاء دول ومنظمات جزءا من ديون للقاهرة لأنها لن تسمح أن تسقط مصر، يؤكد الصاوي أن هذه بالفعل هي الإستراتيجية التي يعول عليها النظام.

لكنه يحذر من أن التجربة التاريخية أظهرت أن هذا (إسقاط ديون) لم يحدث إلا مقابل "ثمن سياسي" عال جدا تدفعه الدول.

وحدث ذلك في أزمة الخليج، حين دخلت مصر الحرب لتحرير الكويت مع الولايات المتحدة كثمن سياسي، مقابل إسقاط الغرب ونادي باريس والخليج نصف ديونها.

أوضح أن الوضع الآن، بالنسبة للسيسي، يشير إلى أنه لم تتحقق شروط هذا التنازل السياسي بعد، ولا يعرف ما هو هذا التنازل، كي يكون هناك مقابل له بحذف بعض الدول والصناديق الدولية ديونها عن مصر.

حذر من أن النظام المصري الحالي مستعد لتقديم هذه التنازلات السياسية، ما سيضعف الموقف والقرار المصري السياسي أكثر في الفترة القادمة.  

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية خليل العناني لـ "الاستقلال" أن الوضع الاقتصادي المصري "كارثي"، ويتجه لمزيد من التأزم.

توقع أن "تسير مصر باتجاه سيناريو دولة فاشلة عاجزة عن تلبية احتياجات مواطنيها الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وحياة كريمة"، لو استمرت الأوضاع على ذلك.

أشار إلى أن تقرير "بلومبيرغ" حول ارتفاع تكلفة التأمين على الديون المصرية بشكل قياسي، والمخاوف من العجز عن السداد، يطرح تساؤلا مفاده: هل يقترب شبح الإفلاس من مصر؟!

خطوات فاشلة

بدلا من مواجهة السلطات هذه المخاطر والمخاوف الاقتصادية وصراخ المصريين من الغلاء وتوقع انهيار جديد للعملة، بسياسات ترشيد حكومية اتجهت لثلاثة خطوات فاشلة.

أولها استمرار نظام السيسي في سياسة الاقتراض الفاحش، وطلب قرض جديد بقيمة 8 مليار يورو (من مجموعة بنوك أوروبية) لتمويل استيراد عربات فاخرة للقطار السريع والمنوريل لعاصمته الإدارية التي يسارع الزمن للانتقال إليها كمنطقة خضراء يتحصن فيها من غضب المصريين.

وثانيها رفع أسعار 32 من السلع التموينية المدعمة التي تعد آخر قشة يتعلق بها غرقي الفقراء، مثل الأرز والسكر وزيت الطعام والمكرونة والدقيق.

إذ قررت وزارة التموين من أول مايو/أيار 2023 زيادة أسعار جميع أنواع السلع على بطاقات الدعم، مع خفض أحجام وأوزان سلع أخرى مثل الجبنة واللبن بحسب بيان لعضو المكتب الإعلامي للوزارة رمضان الشحات.

وارتفعت أسعار بيع السلع المدعومة بنسبة تزيد على 50 بالمائة مقارنة بمتوسط أسعارها بداية عام 2022، مع ثبات مبلغ الدعم بقيمة 50 جنيهًا لكل مصري شهريا.

أما الثالثة التي تثير جدالا حول جدواها فهي استمرار طرح شركات وأصول للبيع في البورصة، وضم 10 شركات للجيش لا شركتين فقط هذه المرة، دون أي إعلان عنها.

ويأتي هذا وسط توقعات اقتصادية دولية تؤكد أنه "ليس هناك شهية لأي استثمارات في مصر أو شراء شركاتها"، حسبما نقلت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية 28 أبريل/نيسان 2023 عن "مصدر مصرفي مطلع".

وأعلن رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، 29 أبريل 2023 طرح عشر شركات جديدة تابعة للجيش ضمن برنامج الطروحات إلى جانب شركتي صافي ووطنية خلال موعد لم يحدده، مشيرًا إلى أن حكومته تستهدف جمع ملياري دولار قبل نهاية يونيو 2023 لسداد ديون.

ولم يذكر مدبولي قيمة الفجوة التمويلية والأموال المطلوب من مصر سدادها خلال 2023، وما إذا كانت هناك موارد تمويلية أخرى تعتمد عليها الحكومة في سداد التزاماتها إلى جانب عوائد برنامج طرح بيع شركات؟

وهو ما دفع الخبيرين الاقتصاديين هاني أبو الفتوح ووائل النحاس، للقول لموقع "مدى مصر" 29 أبريل 2023 إن تصريحات رئيس الوزراء "تفتقد للجدية وتؤكد على عدم تعويل الحكومة على برنامج الطروحات، وعدم جديتها في بيع الشركات التي أعلنت عنها".

أزمة أخرى متوقعة بسبب نقص العملات الأجنبية هي أن مخزون مصر من القمح لا يكفي لأكثر من شهرين.

وهو ما يعني أن مصر قد تواجه أزمة نقص حاد وصعوبة في احتياجاتها من القمح بسبب زيادة فاتورة استيراده، وفق وكالة "بلومبيرغ" 23 أبريل 2023.

ونقلت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية 28 أبريل 2023 عن مصدر مصرفي مطلع على المفاوضات (الاقتصادية) بين مصر والإمارات، أن صندوق أبوظبي السيادي "القابضة إيه دي كيو"، أداة الاستثمار الإماراتية الرئيسة في القاهرة قد علق مشروعاته داخل البلاد.

وقال المصدر المصري: "ليست هناك شهية لأي استثمارات جوهرية في الوقت الراهن، وأبوظبي صارت أكثر ميلاً لتقديم الدعم عبر برامج صندوق النقد الدولي".

وبموجب اتفاق صندوق النقد الدولي، من المنتظر أن تحصل مصر على تمويل إضافي بقيمة 14 مليار دولار من "شركائها الدوليين والإقليميين"، وذلك عبر إصلاحات "تشمل التصفية المستمرة للأصول المملوكة للدولة" بحسب الصندوق.

بينما يقول المحللون إن القاهرة ليس أمامها كثير من الحلول الأخرى -بخلاف بيع الأصول- لجمع رأس المال، في ظل قلق المستثمرين الأجانب وعرقلة القطاع الخاص نتيجة المحنة الاقتصادية وهيمنة الجيش.

ولا يتعلق الأمر بالإمارات فقط، فالأمر نفسه ينطبق على صناديق الثروة السيادية في السعودية وقطر، إذ أكد تقرير لشبكة سي إن إن الأميركية مطلع مارس/آذار 2023 أن الدولتين مثل بقية الخليج تترددان في ضخ استثمارات في مصر.

أما سبب فتور الحماس الخليجي للاستثمار في مصر، فمرده إلى وضع الجيش في الأنشطة الاقتصادية، والشكوك في رغبة قياداته بقيادة السيسي في إدخال إصلاحات تحد من المصالح الاقتصادية للعسكر التي توسعت وفق "فايننشيال تايمز".

ويمتلك الجيش أو يسيطر على ما يصل إلى 40 بالمئة من الاقتصاد خارج الميزانية الرسمية للدولة، وهناك تقديرات مختلفة تزيد أو تقل عن ذلك، وفق تقديرات عالمية.