يلجأ إلى متطوعين لسد العجز.. لماذا لا يعين السيسي معلمين جددا؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يغب عن ذاكرة المصريين 10 سنوات من "السخرة" عاشها أجدادهم في حفر قناة السويس (1859- 1869)، وفي شق الترع والمصارف بعهد أسرة محمد علي؛ ولكن يبدو أنهم في عهد رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، أصبحوا على شفا زمن جديد أكثر إرهاقا.

وقبل أيام من انطلاق العام الدراسي في مصر 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أثار وزير التعليم طارق شوقي الجدل بقراره الاستعانة بمتطوعين من خريجي الكليات التربوية لسد عجز المعلمين بالمدارس الحكومية.

الوزير قرر في 20 سبتمبر/ أيلول 2021، فتح باب التطوع للعمل بالمدارس من حملة المؤهلات العليا، أو بمقابل 20 جنيه  (1.28 دولار) للحصة الواحدة وبحد أقصى 24 حصة أسبوعيا وبما لا يتجاوز مبلغ 1600 جنيها شهريا (102.5 دولار)، ولمدة 11 شهرا فقط.

وأعلن الوزير أنه سيجري بحث الموقف الأمني للمتقدمين منعا لتسرب منتمين لجماعة الإخوان المسلمين، مع صرف المقابل للمقبولين من موازنة مديرية التعليم في المحافظات ومن صناديق وحسابات خاصة بعيدا عن الموازنة العامة للدولة.

واشترط الوزير على المتطوعين عدم المطالبة بالتعيين أو الحصول على الخدمات الصحية أو التأمينية.

مع ذلك مثل القرار فرصة لملايين العاطلين من الخريجين للالتحاق بالعمل على أمل التثبيت الحكومي بالوظيفة ذاتها لاحقا، كما حدث إثر ثورة يناير 2011، من تثبيت آلاف المدرسين المؤقتين.

لكن شوقي، قطع ذلك الرجاء، وأكد في 23 سبتمبر/ أيلول 2021، عبر فضائية "إم بي سي مصر"، أنه "لن يكون هناك تعيينات في الجهاز الإداري للدولة"، وأن "تخصيص 20 جنيها للمعلم في الحصة لا تمثل إهانة على الإطلاق".

وبلغ معدل البطالة في مصر نحو 7.3 بالمئة من إجمالي قوة العمل في الربع الثاني "أبريل/نيسان – يونيو/حزيران" لعام 2021، وفق تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) 15 أغسطس/آب 2021.

ويقل مبلغ 1600 جنيها (102.5 دولارا) التي جعلها الوزير كحد أقصى لما يحصل عليه المتطوع عن الحد الأدنى للأجور البالغ 2400 جنيه شهريا (153.8 دولارا)، ويقل بكثير عن متوسط معدل الفقر العالمي للدول النامية (3.2 إلى 5.8 )دولار للفرد يوميا، طبقا للبنك الدولي.

وكان نقيب المعلمين المصريين خلف الزناتي كشف عن عجز كبير في أعداد المدرسين في المدارس الحكومية يصل إلى 259 ألف معلم، وفقا لإحصاء 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

الزناتي قال لصحيفة "اليوم السابع" المحلية 7 سبتمبر/ أيلول 2021، إن "هذا العجز ارتفع، نتيجة لخروج آلاف المعلمين على المعاش دون أي تعيينات جديدة، في مقابل استمرار زيادة أعداد الطلاب سنويا".

عجز كبير

وبلغ عدد المدرسين في التعليم الحكومي عام 2014 أكثر من 1.4 مليون معلم، فيما نقص عدد المدرسين في 2021 إلى أقل من 900 ألف، ما يعني نقصا بحوالي نصف مليون مدرس، وفق نقيب المعلمين.

وخلال عام 2020، وصل أعداد المعلمين المحالين على المعاش نحو 50 ألف معلم، ومن المتوقع خروج 50 ألفا ثانية في 2021، و50 ألفا آخرين عام 2022، ما يعني تفاقم الأزمة وتدهور التعليم خاصة مع زيادة أعداد الطلاب بشكل كبير، وفق مراقبين.

وعن أعداد الطلاب، أكدت رئيسة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم يوهانسن عيد، 20 سبتمبر/ أيلول 2021، خلال مؤتمر أن عدد الطلاب في التعليم قبل الجامعي زاد من 15 مليون طالب إلى 21 مليونا بزيادة من 800 إلى 700 ألف سنويا.

ومنذ الانقلاب العسكري منتصف 2013، توقفت التعيينات الحكومية بالمدارس وباقي الجهات الحكومية.

 ورغم أن الحكومة أعلنت مسابقة لتعيين 120 ألف مدرس مؤقت عام 2020، فإنه أنه جرى تجميدها، وتسريح نحو 36 ألف معلم مؤقت في مسابقة جرت عام 2019.

تلك الحالة تنطبق أيضا على التعليم الأزهري الذي يعاني من تراجع أعداد المعلمين في ظل خروج الكثيرين للمعاش دون تعويض العجز بالتعيينات الجديدة.

وبلغ عدد الملتحقين بمعاهد الأزهر الشريف نحو 1.7 مليون طالب عام 2019، قام على تعليمهم حوالي 170 ألف معلم في ذلك العام، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي).

 واستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بتخفيض عدد موظفي القطاع الإداري في الدولة تسعى الحكومة للتخلص من مليوني موظف من حوالي 5 ملايين و800 ألف حاليا.

قرار الوزير الاستعانة بمتطوعين أثار الكثير من الغضب والانتقادات والتساؤلات حول مستقبل التعليم في مصر بهذه الطريقة، منتقدين صرف الوزير على مشروعات التطوير التي أثبتت فشلها، وإنفاق النظام على مشروعات عملاقة وتجاهل التعليم والمعلم والمدارس.

ورغم تبني الوزير تطبيق منظومة "التابلت المدرسي" في مرحلة التعليم الثانوي، والامتحانات الإلكترونية منذ عام 2018، حتى امتحانات 2021، إلا أن التجربة فشلت تماما بشهادة الطلاب وأولياء الأمور وخبراء ومراقبين.

وحل التعليم المصري ما قبل الجامعي بالعام 2018 بالمركز 93 عالميا، وفق مؤشر جودة التعليم في تقرير التنافسية لمنتدى دافوس.

 فيما حلت وفق التقرير بالمركز 94 عن العام 2019، كما جاءت في المركز الـ 12 بين الدول العربية من بين 14 دولة شملها التقرير.

شوقي الذي تولى منصبه فبراير/ شباط 2017، قال عن تكلفة تطوير التعليم في تصريح 16 أبريل/ نيسان 2018، إن البنك الدولي قدر تكلفة تطوير التعليم بملياري دولار يلتزم البنك منها بنصف مليار دولار ومصر تتكفل بالباقي.

وفي 16 سبتمبر/ أيلول 2020، قال رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، إنه تم إنفاق 100 مليار جنيه على التعليم الجامعي وقبل الجامعي؛ فيما بلغت مخصصات التعليم بموازنة 2021/2022، نحو 388.1 مليار جنيه.

وبحسب تقرير: "مصر 2020" الصادر عن "مجموعة أكسفورد التجارية"، فإنه برغم ما تبناه الوزير من برنامج إصلاح للتعليم عام 2018، بدعم شخصي من السيسي الذي أعلن 2019 عاما للتعليم؛ إلا أن هناك مشاكل كبيرة تواجه المنظومة التعليمية.

وأشار التقرير إلى ارتفاع نسبة الطلاب إلى المعلمين، وضعف البنية التحتية وميزانية التعليم، إذ يتوجب أن يكون الإنفاق الحكومي على التعليم 4 بالمئة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي.

التقرير تضمن رصد الباحثة بشركة "بلتون المالية" تقى الوزيري، أن بعض الفصول الحكومية تضم 50 طالبا، فيما أكدت على هذه النقطة رئيسة قسم السياسة العامة والإدارة بالجامعة الأميركية بالقاهرة (AUC) غادة برسوم، قائلة: "أوجد النظام بيئة لا تسمح بالتعلم".

ولفتت "مجموعة أكسفورد التجارية" بتقريرها أن "البنية التحتية للمدارس بحاجة للاستثمار والتحسين"، مشيرة إلى ما نشرته وسائل إعلام محلية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بأن 20 بالمئة من المباني المدرسية غير صالحة للاستخدام أو متداعية.

اعتقالات وانتهاكات

وفي وصفه لأوضاع المدارس في ظل إصرار النظام على غلق باب التعيين، يقول أحمد رفاعي (مدرس بالمرحلة الابتدائية): "نعاني منذ سنوات من قلة عدد المدرسين مع وصول الكثيرين لسن المعاش، ويتحمل أغلبنا ذلك العجز ويعمل لنحو 5 و6 حصص يوميا".

ويضيف لـ"الاستقلال"، أن "العجز وصل إلى عمال النظافة حتى صرنا نستعين ببعض النساء للتنظيف بشكل دوري مقابل ما يتبرع به كل معلم من راتبه"، مبينا أن "الحال وصل حدا لا يمكن تحمله".

ويشير إلى أن "العجز في الإداريين ومدرسي النشاط والخدمة الاجتماعية تسبب في وقف الكثير من الأنشطة، وفي المقابل يجري تحميل بعض المدرسين تلك المهام بجانب حصصهم اليومية"، معتقدا أن "الاستعانة بمتطوعين حل مؤقت وفيه ظلم شديد للجميع".

المدرس (م.ع) يلفت في حديثه لـ"الاستقلال"، إلى جانب آخر وهو أن "بطش النظام منذ العام 2013، طال آلاف المدرسين، إذ جرى قتل واعتقال الآلاف منهم، فيما فر الكثيرون خارج البلاد، إلى جانب اضطرار من بقي خارج السجون للخروج في سن المعاش المبكر".

ويوضح المدرس الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا من المعاقبة أن "العملية التعليمية خسرت بفقدانها هؤلاء خيرة معلمي مصر، والذين لا يمكن تعويضهم"، مبينا أن الاستعانة بمعلمين متطوعين غبن لهم وللتلاميذ الذين يحتاجون معلما يؤدي عمله بحب".

ومطلع أغسطس/ آب 2021، صدق السيسي على القانون رقم 135 لسنة 2021، بشأن الفصل بغير الطريق التأديبي، لأي موظف بالجهاز الإداري للدولة يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين.

النائب البرلماني السابق طلعت خليل، انتقد قرار وزير التعليم، قائلا عبر "فيسبوك": عندما قرأت القرار بشأن سد العجز فى المدرسين عبر المتطوعين "تذكرت مقاول أنفار عمال التراحيل الذي كان يأتي بالفلاحين الغلابة لحقول الباشا في مواسم جني المحصول بمقابل زهيد".

وتابع: "هكذا تتعامل وزارة التعليم مع أبنائنا حملة المؤهلات وكأنهم عمال بالسخرة مستغلة في ذلك أزمة البطالة الطاحنة... وتناست الحكومة أن سياستها هي التي أدت إلى معدلات البطالة المرتفعة" .

ووجه خليل تساؤلاته إلى أعضاء مجلس الوزراء، قائلا: "هل تقبل على ابنك أن يعمل بـ٢٠ جنيها في الحصة؟ وهل تقبل ألا يكون له مزايا تأمينية بصندوق التأمين الاجتماعي وفي العلاج؟ وهل تقبل على ابنك أن لا يكون له حماية قانونية في ممارسة العمل؟".

ولفت إلى أن "الحكومة توسعت في إدراج مبالغ في (الباب الرابع) مكافآت لغير العاملين عن خدمات مؤداة في الموازنة بمبلغ مليارين و76 مليون جنيه، وهذا يؤكد أنها ستتحول لمقاول أنفار وستأتي بشبابنا العاطل لسد العجز لديها فى الجهاز الإداري بالسخرة".

 وأضاف في تدوينة أخرى: "لن يتم تطوير التعليم ومتوسط مرتب المدرس شهريا 2800 جنيها (180 دولار) شهريا، ما يعني أن المدرسين من الفقراء"، مطالبا النظام بعدم المتاجرة بشعارات كاذبة ومواجهة الحقيقة إذا كنا جادين في بناء الوطن بمنظومة تعليم جيدة.

إذلال واحتقار

ويقول الأكاديمي المصري بالجامعة الإسلامية بماليزيا رجب أبومليح، إن "مثل هذه القرارات تأتي على المنظومة التعليمية من أساسها، وتخرج مصر من ذيل القائمة في مقاييس جودة التعليم بحيث تكون خارج التصنيف وخارج المقاييس كلية".

ويضيف لـ"الاستقلال": "وحيثما خرب التعليم والتعلم خرب كل شيء؛ ولو نظرنا للتعليم والتعلم في ضوء الكليات الخمسة التي جاءت الشريعة لحفظها، فإنه يسهم بشكل أساس وواضح في مقاصد الشريعة الكلية".

"فهو أي التعليم؛ يحفظ الدين من الغلو والتطرف، ومن الانحلال والإلحاد، ويحفظ النفس حفظا معنويا بالتزكية والأخلاق الحميدة، وحفظا ماديا بالتداوي والتطبيب، ويحفظ العقل بالعلم والتعلم المنهجي، ويحمي النسل من الانحراف والرذيلة، ويحافظ على المال من الإسراف".

الأكاديمي المصري يوضح أن "أول ركن من أركان العملية التعليمية هو المعلم؛ فالتعامل معه بهذا الإذلال والاحتقار يهدم العملية التعليمية، فلا اقتصاد ولا اجتماع ولا سياسة ولا دولة".

ويتابع: "لو قارنا ما ينفق على التعليم في مصر التي يعيش على أرضها قرابة 100 مليون نسمة، وبين ما ينفق على التعليم في إسرائيل ولم يصل تعداد سكانها 5 ملايين؛ لعرفنا أين نحن، وما المطلوب منا حتى نضع أقدامنا على أول سلم من سلالم النهضة والتطور".

ويقول الأكاديمي المصري أحمد رشاد، إن "أردنا الرفعة والنهضة والازدهار للأوطان، علينا تمكين (رسل العلم)، وظيفيا ومعيشيا ونفسيا واجتماعيا، فسر نجاح البلدان ذات الاقتصادات القوية، يكمن في التعليم، وتمكين المعلمين".

ويضيف لـ"الاستقلال": "سئل إمبراطور اليابان عن أسباب تقدم دولته بفترة وجيزة، فقال: (بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، وأعطينا المعلم حصانة دبلوماسية، وراتب وزير)"، مشيرا إلى أنها "كلمات معدودة لخصت أهمية المعلم، ومكانته بالمجتمع".

المدير العام الأسبق لكلية التربية جامعة "بني سويف"، يتابع سرده: "وفي سنغافورة منح المعلم كافة الحقوق (مادية، معنوية، مهنية)، إذ اعتبرته من يحدد مستقبل الوطن، وكان المعلم البطاقة الرابحة لدولة فنلندا لتحقيق نهضة تعليمية ومخرجات لا تضاهى".

"وأصبح المعلم في كوريا الجنوبية من أثرياء المجتمع، ليضاهي المشاهير والنجوم ورجال الدولة، وأعدت له أميركا مسارات متعددة لتوفر له راتبا قويا وحوافز استثنائية"، يؤكد رشاد.

ويلفت إلى أن "واقع رواتب المعلمين في المدارس المصرية يأخذنا إلى فوضى تهين رسل العلم، فبات إشكالية رمت بظلالها على مجتمع المعلمين منذ سنوات، إذ تعاني التدني والتفاوت غير المبرر الذي تحكمه محاباة أفرزت عدم المساواة".

ويوضح أن تلك الحالة "دفعت بعض المعلمين إلى امتهان أعمال إضافية، للوفاء بالتزاماته الحياتية، فمنهم البائع، وكاتب الحسابات، وعامل توصيل الطلبات للمنازل، والسائق الخاص".

من جانبه، يؤكد رئيس حزب الجيل والمنسق العام للائتلاف الوطني للأحزاب ناجي الشهابي، أن المدرسة المصرية في مراحل التعليم قبل الجامعي بعهد الوزير طارق شوقي؛ خرجت من الخدمة وفصولها أصبحت خالية من الطلاب.

ويضيف لـ"الاستقلال" أن "رؤية شوقي التي طبقها بإصرار غريب بالرغم من معارضة أهل المهنة من الخبراء والفنيين والمعلمين، ومتلقي الخدمة من الطلاب وأسرهم ؛ أضرت ضررا بالغا بالجيل الحالي".

ويشير إلى أن "تخلف المدرسة المصرية وغياب دور المعلم فيها، أدى إلى انتشار الدروس الخصوصية بديلا عنهما"، متسائلا: "من يحمي هذا الرجل الذي خرب ودمر التعليم المصري وتجرأ على الدستور ولحساب من يعمل؟".

الشهابي، يدعو "الدولة المصرية إلى إنقاذ التعليم والمدرسة المصرية وإنقاذ الأجيال من التلاميذ والطلاب من هذا الوزير".