أكثر من 200 محاولة.. لماذا تلاحق "لعنة الانقلابات" الأنظمة الإفريقية؟

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إسبانية الضوء على الانقلابات التي عاشتها القارة السمراء، حيث تجاوزت حوالي 200 انقلاب منذ الاستقلال من الاستعمار، نجح نصفها في إزاحة الرؤساء، فيما كان حصاد عام 2021 "ملفتا للانتباه". 

وقالت صحيفة "لافانغوارديا": إن غينيا استيقظت أوائل سبتمبر/أيلول 2021 على طلقات نار بعد انتكاسة استمرت 11 عاما، إذ بعد الفجر بوقت قصير من ذلك اليوم، امتلأت العاصمة بالجيش، وفي غضون ساعات قليلة تم الإطاحة بالرئيس ألفا كوندي، الذي قضى أكثر من عقد في السلطة.

وبضربة واحدة، استسلمت الديمقراطية التي تحققت بعد 52 عاما من الاستبداد، وهو نظام حكم البلاد منذ استقلالها عن فرنسا حتى عام 2010، أمام عدد من القوات الخاصة المارقة التي وعدت بإعادة السلطة إلى الشعب بخطاب ناعم أطلقه القائد الجديد، المقدم مامادي دومبويا.

مثيرة للقلق

وأوردت "لافانغوارديا" أن صورة الرئيس الغيني البالغ من العمر 83 عاما، المحتجز على أريكة في القصر الرئاسي، هي بالفعل جزء من الصور الرمزية للتاريخ الطويل للانقلابات في إفريقيا.

وعلى وجه الخصوص، لم تشهد أي قارة أخرى مثل هذا العدد الكبير من الانتفاضات العسكرية، فمنذ أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، كان هناك أكثر من 200 انقلاب ونجح نصفها تقريبا في إزاحة الرؤساء من مناصبهم.

وأضافت الصحيفة أنه من الستينيات إلى نهاية التسعينيات، كان هناك متوسط ​​أربعة انقلابات في السنة بمعدل نجاح يزيد عن 60 بالمئة.

وبعد تواتر هذا العدد الوفير من الانقلابات بالتزامن مع الاستقلال الإفريقي تغيرت الأوضاع؛ حيث دخلت القارة فترة استقرار في القرن الحادي والعشرين.

وبموجب هذا التغيير، أصبح هذا المعدل بمتوسط ​​انقلابين في السنة، وبنسبة نجاح وصلت إلى أقل من الثلث، بالإضافة إلى التحول نحو الهدوء في البلدان المضطربة سابقا مثل نيجيريا أو غانا.

لكن هذا التوازن قد انتهى مؤخرا، وفي هذا المعنى، شهدت القارة هذا العام، وحده، ثلاث انقلابات أخرى في مالي والنيجر وتشاد. 

ونوهت الصحيفة بأن هذا الاتجاه يثير الكثير من القلق وتساؤلات مبهمة: هل عادت الانقلابات إلى إفريقيا؟ في هذا المعنى، أكد الأستاذ بجامعة سنترال فلوريدا، جوناثان باول، الذي يحلل الانقلابات في العالم، هذه الفرضية.

وفي حوار مع "لافانغوارديا"، قال باول: "إننا نواجه نموا كبيرا في الانقلابات في إفريقيا، لا أعتقد أنها ستصبح متكررة كما كانت في الستينيات أو السبعينيات، لكننا نواجه شيئا مختلفا عما شهدته القارة في السنوات العشر الماضية.

وأشار إلى أنه "من نهاية سنة 2014 إلى 2017، لم تشهد القارة انقلابا واحدا ناجحا، وبدا أننا نترك عدم الاستقرار وراءنا.. لكننا الآن رأينا تغييرا واضحا". 

حب العرش

عموما، في غضون أربع سنوات، أطاح الجيش بزعماء مثل روبرت موغابي في زيمبابوي، وعمر البشير في السودان، وأمادو توماني توري في مالي.

ونقلت الصحيفة عن المحلل والمفكر النيجيري أديمولا أروي، قوله: "للعثور على إجابة لعدم الاستقرار الحالي، يجب علينا تغيير الأسئلة، إذا نظرنا فقط إلى الانقلابات العسكرية، فإننا مخطئون في النهج".

ويتمثل السؤال في: ما هي الديمقراطية؟ ومن هنا، نستنتج أن ما يحدث هو نتيجة لانعدام الشرعية، وعلى وجه الخصوص، يعمل بعض القادة على تعديل الدستور للبقاء في السلطة، وهي نسخة مدنية من الانقلاب، وبغض النظر عما إذا كان انقلابا مدنيا أو عسكريا، فهو "انقلاب في نهاية المطاف".

في الواقع، كان هذا هو تحديدا ما حدث في غينيا، حيث تصاعد السخط بعد أن قام كوندي بتعديل الدستور للوصول إلى فترة ولاية ثالثة، وهو ما تجسد على أرض الواقع في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2020". 

وأوردت الصحيفة أن الزعيم الغيني ليس الوحيد، منذ عام 2015، تجاهلت 13 حكومة إفريقية القيود الحالية للحد من فترات الولاية وغيرت الدستور للبقاء في السلطة.

وفي القارة السمراء، لا يعد حب العرش جديدا؛ ففي الغابون كان عمر بونجو في السلطة لمدة 53 عاما والزعماء الأبديين مثل تيودورو أوبيانغ في غينيا الاستوائية ويوري موسيفيني في أوغندا لمدة 43 و34 عاما على التوالي.

في هذا السياق، هناك بيانات تشير إلى استخدام المؤسسات للحصول على موطئ قدم في المقعد الرئاسي، ووفقا لدراسة أجراها مركز الأبحاث النيجيري "أس بي أم أنتيليجنس"، أجريت 304 انتخابات عامة أو رئاسية في إفريقيا من عام 1990 إلى 2021، فاز خلالها 25 مرشحا فقط في المعارضة.

ونوهت الصحيفة بوجود دول إفريقية أخرى تفرض قيودا على عدد الفترات الرئاسية للمرشح الواحد، والتي لا تتجاوز السنتين، كما تملك ثمانية من بين هذه المجموعة تقييمات لا يستهان بها، من حيث الحوكمة الرشيدة.

تدهور الديمقراطية

ونقلت الصحيفة أن مدير المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية، جوزيف سيغل، يعتبر أن التدهور في احترام المعايير الديمقراطية في العقد الماضي أدى إلى حالة عدم الاستقرار الحالي، كما يحمل الغرب المسؤولية في ذلك.

وصرح سيغل قائلا: "رغم أن تحركات بعض القادة للتحايل على الضوابط والتوازنات الضعيفة للسلطة التنفيذية قد قوبلت باحتجاجات على المستوى الوطني، إلا أن الاتحاد الإفريقي والهيئات الإقليمية الأخرى تسامحت معها، كما تجاهل المجتمع الدولي هذه التجاوزات.

وتابع: "تزامن ذلك مع فترة قلصت فيها الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما من الفاعلين الديمقراطيين الدوليين من أهمية دعمهم للتطور الديمقراطي، كان هذا التآكل للمعايير الديمقراطية بمثابة مؤشر للجيوش الإفريقية".

وبحسب سيغل، فإن العقوبات القليلة التي فرضت على قادة الانقلاب المالي عام 2020، رغم الإطاحة بحكومة ديمقراطية، "فتحت الأبواب" أمام تطور الانقلابات في القارة.

وأوضح أن "الشرط الرئيس وراء الانقلاب هو تصور أن الأعراف الديمقراطية لن تحظى بالدفاع عنها على المستوى الإقليمي أو الدولي. بعبارة أخرى: يعتقد الضباط العسكريون أنهم يستطيعون الإفلات من العقاب".

وفي الحديث عن الدوافع الأخرى وراء تصاعد التحركات الانقلابية، أشارت الصحيفة إلى وجود عوامل تاريخية وراء ذلك، ويضاف إليها الفقر أو عدم كفاءة الحكومة، إلى جانب ظروف جديدة مثل عدم الاستقرار بسبب تقدم التنظيمات الإرهابية أو السخط الاجتماعي بسبب التأثير الاقتصادي للوباء أو المسافة بين الشعوب وقادتها.

ونقلت الصحيفة أن المحلل الجنوب إفريقي ريان كامينغز يرى أن التقدم الرقمي في القارة عامل آخر؛ حيث إن الشباب المتصلين بالإنترنت أصبحوا قادرين على حشد الأصوات والتعبير عن استيائهم من حكوماتهم، وفي ظل الأزمة الاقتصادية وتقدم التنظيمات الإرهابية، تلاحق لعنة الانقلاب القارة السمراء.