ما دلالات اغتيال المخابرات التركية زعيم تنظيم الدولة بالشمال السوري؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع مايو/ أيار 2023، القضاء على زعيم تنظيم الدولة المدعو أبو الحسين القرشي، في عملية ناجحة للمخابرات التركية بالشمال السوري.

وفي ضوء ذلك الإعلان، رأت صحيفة "صباح" التركية، أنه لم يعد للولايات المتحدة حجة للبقاء في سوريا ودعم تنظيمات مسلحة مثل أذرع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" بالمنطقة، تحت ذريعة "محاربة الإرهاب".

نهاية التنظيم

وقالت الصحيفة التركية إن تنظيم الدولة كان قد انزوى تحت الأرض بعد أن فقد هيمنته ميدانياً في سوريا والعراق، وذلك بعد تكبده خسائر فادحة على مستوى قيادته من كبار المسؤولين التنفيذيين في السنوات الأخيرة.

آخر هذه الخسائر كانت عندما أعلن الرئيس أردوغان في بثٍّ مباشر أن زعيم التنظيم أبو الحسين القرشي قد تم تحييده نتيجة لعملية قامت بها المخابرات التركية في سوريا.

حيث قام القرشي الذي تبعه جهاز المخابرات لفترة طويلة بعد تحديد مكانه وهويته، بتفجير العبوة الناسفة المثبتة عليه مثل غيره من قادة التنظيم السابقين ليموت منتحراً خلال العملية.

وسيكون تقييم نتائج هذا التطور من منظور نفوذ تركيا ومستقبل تنظيم الدولة في المنطقة مفيدًا في فهم قيمة العملية.

وتحييد القرشي الذي استخدم بلدة سندريس في عفرين كمكان للاختباء، كان بمثابة نقطة إيجابية لصالح المخابرات التركية وشركائه في المعارضة السورية.

وبالإضافة إلى العمليات التي نُفِّذت في النقاط التي تسيطر عليها امتدادات "بي كا كا" في شمال شرق سوريا، فإن حقيقة عدم السماح للعناصر الإرهابية بالوجود في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا أظهرت القدرة العملياتية لجهاز المخابرات التركي.

ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تمَّ قَتل الزعيم الرابع لتنظيم الدولة نتيجة عمليات عسكرية، في حين تمَّ التعرف على اثنين من القادة الثلاثة الأوائل وقتلهم على يد الولايات المتحدة أثناء اختبائهم في مناطق سيطرة المعارضة في شمال سوريا.

حيث قتل أبو بكر البغدادي في منطقة حارم بريف إدلب، وقتل أبو إبراهيم القرشي في نفس المنطقة قرب بلدة أطمة، وقتل أبو حسن القرشي في ريف درعا جنوبي سوريا.

وبينما تم تحييد جميع قادة تنظيم الدولة الثلاثة المعنيين نتيجة للعمليات المشتركة للمخابرات والعناصر العسكرية الأميركية، استخدمت الولايات المتحدة هذه العمليات كمبرر لوجودها في المنطقة.

وفي بعض التقارير العملياتية التي نشرتها وحدة القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، تم تقديم الشكر لامتدادات "بي كا كا" مثل تنظيم وحدات حماية الشعب “واي بي جي”  لتعاونها. وقد وصفت هذه التقارير هذه الامتدادات بـ "الشريك المحلي".

وبالنسبة للصحيفة التركية فإن هذا الأمر يعد جزءا مهماً من إستراتيجية "إضفاء الشرعية" على وجود تنظيم وحدات حماية الشعب “واي بي جي” في المنطقة.

فاعل حاضر

وبهذه العملية الأخيرة، أكدت الصحيفة التركية أن أنقرة باتت الفاعل الوحيد في كشف وتعقب وتدمير جميع أنواع العناصر الإرهابية في شمال سوريا بأكمله.

وبالنظر إلى السلطة التي يخصصها النظام السوري للمليشيات في الأراضي السورية، وسجل روسيا المتوسط ​​ضد عناصر تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب الإرهابية بالإضافة إلى القدرة الاستخباراتية المحدودة لكليهما في المنطقة؛ لا يبدو أن هناك أي قوة من شأنها إجراء تغييرات جادة في شمال سوريا غير الولايات المتحدة وتركيا.

ومع وجودها العسكري الذي بدأته بعملية درع الفرات، أظهرت تركيا القدرة والإرادة، اللّتين أظهرتهما للجمهور الدولي من خلال عملياتها العسكرية عبر الحدود وعملياتها الإرهابية، في سندريس مرة أخرى.

كما أن تحييد تركيا وشريكها المحلي الجيش الوطني السوري لزعيم تنظيم الدولة جعل كل الاتهامات بعدم الكفاءة في مكافحة تنظيم الدولة باطلة.

كذلك استهداف جهة أخرى غير الولايات المتحدة أحد زعماء تنظيم الدولة للمرة الأولى سيجعل من هذه العملية حجر زاوية مهم في تاريخ الصراع السوري.

وعند النظر إلى تنظيم الدولة، فإن مقتل الزعيم الرابع، أي ما يسمى بالخليفة عندهم، بالإضافة إلى العشرات من كبار المديرين التنفيذيين الذين فُقِدوا في السنوات الأربع الأخيرة، هو ملخص لتآكل السلطة الذي عانى منه التنظيم بعد التدخل الأميركي.

خسائر مستمرة

وبعد خسارة تنظيم الدولة أمام قوات وحدات حماية الشعب المدعومة من الولايات المتحدة في بلدة باغوز جنوب شرق سوريا في عام 2019 وعدم تمكنه من بسط هيمنته على المنطقة منذ ذلك اليوم.

انزوى التنظيم في العالم السفلي، كما فعل بين عامي 2007 و2010، واختار توجيه أنشطته نحو العمليات الإرهابية التي سيظل تأثيرها محدودًا على النطاق المحلي. 

وبناء على هذا، نفذت خلايا تنظيم الدولة هجمات عديدة ضد النظام السوري والمليشيات المدعومة من إيران في المنطقة الصحراوية بين أرياف دير الزور وحمص والرقة.

وعدا المناطق المعنية، فقد نفذت خلايا تنظيم الدولة  عمليات استهدفت فيها الجيش الوطني السوري في شمال غرب سوريا، وعمليات أخرى استهدفت فيها وحدات حماية الشعب في شمال شرق سوريا.

ولا تزال خلايا تنظيم الدولة تصنع لنفسها اسمًا بالاغتيالات والغارات التي تستهدف بها كلا من عناصر النظام والمعارضة السابقة في الجزء الغربي من البلاد.

وأدت الخسائر المادية والإنسانية إلى تآكل قدرة تنظيم الدولة على العمل، ووجهت التنظيم إلى إجراء العمليات بتكلفة أقل إلَّا أنَّها أقل تدميراً.

إلى جانب هذا، فإن الخسائر المستمرة من القيادة جعلت التنظيم، الذي أصبح بالفعل هدفًا للتلاعب والتوجيه من قبل عناصر استخبارات أجنبية؛ كما يصبح مع أي جهة إرهابية مسلحة لا تنتمي لدولة، أكثر عرضة لهذه التأثيرات من أي وقت مضى.

وقد أدّى عدم استقرار مستوى القيادة ومقتل العناصر ذات الخبرة في التنظيم إلى اختفاء إمكانية رسم خارطة طريق للمنظمة، بحيث لم تعد أنشطة التنظيم تتجاوز الإجراءات المحلية.

ومع فقدان تنظيم الدولة لزعيمها للمرة الرابعة على التوالي، فقد أصبح التنظيم بعيداً كل البعد عن امتلاك الأعضاء القياديين الذين بإمكانهم رسم إستراتيجية جديدة لها على المدى القصير.

وبطبيعة الأمر، فقد أسهم هذا الوضع في التقليل من التهديدات التي قد يشكلها التنظيم.

ومن ناحيةٍ أخرى، سيؤدي الضعف القيادي في تنظيم الدولة إلى زيادة جهود الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، التي ترغب في إضفاء الشرعية على سياساتها في المنطقة من خلال التنظيم، وذلك لتوجيه التنظيم من خلال قنوات استخباراتية أخرى.