حدود مفتوحة وزيارات لافتة.. تطبيع لبنان مع نظام الأسد يقترب أم مازال بعيدا؟

مصطفى العويك | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد ساعات قليلة على وقوع الزلزال المزدوج في تركيا فجر 6 فبراير/ شباط 2023، وآثاره المدمرة التي طالت عدة مدن سورية، بعضها تحت سيطرة نظام بشار الأسد، وأخرى تحت سيطرة قوى المعارضة، سارعت جماعة حزب الله الشيعية إلى استغلال الكارثة لانتشال نظام الأسد من عزلته السياسية. 

فقام حزب الله بإطلاق حملة إعلامية وسياسية وإغاثية ضخمة تحت ستار رفع الحصار "الظالم" عن الشعب السوري، ونجدته وتخليصه من آثار قانون "قيصر" الأميركي.

كما ضغط على حكومة تصريف الأعمال اللبنانية التي يتحكم بقراراتها دافعاً إياها إلى فتح الموانئ ومطار رفيق الحريري الدولي لاستقبال المساعدات الإنسانية التي سلمت لنظام الأسد. 

وكذلك إرسال وفد وزاري من حكومة نجيب ميقاتي  رفيع المستوى إلى دمشق للقاء رئيس نظامها بشار الأسد في زيارة تضامنية، هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية ربيع عام 2011. 

وأيضا عمد حزب الله إلى إشراك شخصيات وتيارات وأحزاب سياسية حليفة في حملته الداعمة لدمشق من أجل الإيحاء للعالم بأن لبنان بأسره متضامن مع سوريا الأسد وليس مع الشعب السوري. 

وكذلك استغلال المعاناة الإنسانية للشعب السوري، معارضة وموالاة، من أجل تعبيد الطريق أمام إعادة تطبيع العلاقات اللبنانية – السورية. 

وتشير بعض التسريبات الإعلامية إلى احتمال إجراء رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي زيارة رسمية إلى دمشق يلتقي فيها بشار الأسد، وتكون بمثابة تدشين رسمي لإعادة العلاقات بين بيروت ودمشق. 

علما أن التنسيق بينهما لم ينقطع خلال السنوات الماضية، لكنه كان يعتمد على قنوات غير مباشرة مثل اللقاءات الدورية بين القيادات الأمنية، وزيارات فردية لبعض الوزراء من حلفاء حزب الله.

خرق القطيعة

وفي حملة تكشف عن مدى هيمنة حزب الله على المشهد السياسي في لبنان، وقدرته على التحكم بقرار الدولة اللبنانية وتوجيهه وفق مصالحه، سارع لبنان الرسمي إلى التضامن مع نظام الأسد لا مع الشعب السوري في الكارثة الإنسانية التي تمخضت عن الزلزال الثنائي الذي ضرب جنوب تركيا. 

فقد خرق ميقاتي جدار القطيعة بين بيروت ودمشق منذ عام 2011 باتصال أجراه مع نظيره السوري حسين عرنوس مساء 6 فبراير 2023 لـ"الإعراب عن تضامن لبنان مع سوريا بعد الزلزال الكبير". 

تبعها زيارة وفد وزاري رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية اللبنانية عبدالله بوحبيب إلى دمشق في 8 فبراير، بتكليف من ميقاتي الذي يعد أرفع سلطة حاليا في لبنان في ظل شغور منصب رئيس الجمهورية. 

وفي لقائه مع الأسد "نقل أعضاء الوفد تعازي وتضامن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وجميع أعضاء الحكومة مع سوريا إثر الزلزال" وفق ما أورد الحساب الرسمي لرئاسة الجمهورية السورية. 

كما استعرض أعضاء الوفد مع الأسد "الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية من أجل تقديم المساعدة والتنسيق مع الحكومة السورية"، وهذا ما كان حزب الله يضغط لتحقيقه منذ سنوات. 

لكن الحائل دون ذلك كان خشية الحكومات اللبنانية المتعاقبة من الخروج عن الإجماع العربي. 

وكذلك الحرص على عدم إغضاب الولايات المتحدة الأميركية التي لا تزال تشهر "الفيتو" في وجه كل محاولات الانفتاح على دمشق. 

وعقب الزيارة صرح وزير الأشغال اللبناني علي حمية، الذي يمثل حزب الله في الحكومة لقناة الجديد اللبنانية بأن "الوفد الوزاري إلى سوريا يمثل الحكومة اللبنانية، واليوم مطار بيروت هو مطار دمشق".

علاوة على ذلك، فإن الوفد الوزاري اللبناني كان مؤلفاً من أربعة وزراء، واحد من حزب الله، وآخر من حركة أمل الشيعية، واثنان من التيار الوطني الحر الحزب اليميني المسيحي. 

والأخيران هما حليفان لحزب الله وللنظام السوري. في الوقت الذي امتنع الوزراء المستقلون والذين يمثلون قوى سياسية أخرى عن المشاركة مع الوفد، فيما يعكس الانقسام اللبناني حول نظام الأسد، ووجود عدة أحزاب وتيارات سياسية لا تزال تعارض الانفتاح على دمشق. 

بيد أن الأمور لم تقف عند هذا الحد، حيث قام وفد برلماني لبناني بزيارة دمشق ولقاء الأسد. 

وقد ضم الوفد نواباً يمثلون عدة كتل نيابية وآخرين مستقلين، وجميعهم من حلفاء حزب الله والأسد. 

وقال رئيس الوفد النائب علي حسن خليل، عضو كتلة حركة أمل الشيعية، إن الزيارة "فتحت باباً كبيراً لإعادة تموضع جديد للعلاقات اللبنانية السورية في الحياة السياسية الحالية، وخلقت أجواء مختلفة سيبنى عليها لتنظيم بعض الملفات المشتركة من الباب للباب من دون مواربة تماماً كما كانت العلاقات تاريخياً". 

وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات حول إمكانية إجراء زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي زيارة إلى دمشق لتتويج حملة إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق بشكل رسمي. 

ولا سيما مع تعليق قانون "قيصر" ومواقف الدول العربية المؤثرة التي أظهرت ليونة تجاه الأسد. 

لكن اللافت أن السلطات اللبنانية لم يصدر عنها أي موقف رسمي للتضامن مع مناطق المعارضة السورية. 

بل اقتصر الأمر على حملات مساعدات فردية لجمعيات ونشطاء وشخصيات سارعت إلى مد يد العون لإخوانهم السوريين في مناطق سيطرة المعارضة.

انتقادات سياسية

في المقابل، فإن زيارة الوفود الوزارية والنيابية اللبنانية أثارت بعض الانتقادات السياسية في لبنان من قبل المعارضين لنظام الأسد الذين رأوا أن الخطوة لا مبرر لها، وتندرج في إطار التطبيع مع النظام السوري. 

إذ كان يمكن إرسال المساعدات إلى سوريا من دون لقاءات سياسية مع أركان النظام. 

وفي هذا السياق غرد النائب إبراهيم منيمنة، الذي ينتمي إلى تكتل النواب "التغييريّين" المنبثق عن "انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019" قائلاً: 

"هل زيارة الوفد السوري هي لتطبيع العلاقة مع نظام الأسد أم الحرص على الشعب ولإغاثته؟ وإن كان لإغاثته ما جدوى زيارة قصر المهاجرين؟ ألم يكن الأجدى إرسال المساعدات والدعم إلى المناطق المتضررة مباشرة؟ وهل هناك من يسعى لاستغلال المعاناة لأجندات سياسية إقليمية؟". 

كما رأى زميله في كتلة التغييريّين النائب وضّاح الصادق أن "زيارة الوفد الوزاري غير المعني بالمساعدات الإنسانية بهدف تطبيع العلاقات الرسمية إلى سوريا هو استغلال رخيص للكارثة، ولمعاناة الشعب السوري".

في حين قال النائب غياث يزبك، عضو كتلة حزب "القوات اللبنانية"، الذي يعد من أبرز الأحزاب المعارضة للنظام السوري إن "المواقف التي أعلنت من دمشق تعكس استغلالاً للوضع الإنساني في سوريا بعد الزلزال لإعادة الاعتبار للنظام السوري تحت عناوين مختلفة. وكأنهم بذلك يمنحونه صك براءة عن كل ما ارتكبه في لبنان". 

وأكد لصحيفة "الشرق الأوسط" أن "الأمور لا تستقيم بهذه الطريقة مع النظام، حيث للبنان ملفات كبرى تبدأ بالمعتقلين في سجونه، وهو لا يعترف حتى بوجودهم، وترسيم الحدود، وصولا إلى إعادة النازحين". 

وحذر يزبك من أن هذا المسار "سيؤدي إلى المزيد من الشرخ بين اللبنانيين".

وفي هذا السياق كتبت مجلة "الأفكار" اللبنانية أنه "مهما كانت ردود الفعل اللبنانية على المبادرة الحكومية تجاه سوريا، سواء كانت مرحبة أم معترضة، فإن دمشق تلقفتها بإيجابية لأنها أسهمت في كسر الحصار المضروب عليها". 

وتضيف "الأفكار" نقلاً عن مصادر قريبة من دمشق (لم تسمّها) أن "الموقف الإيجابي السوري تجاه لبنان ليس وليد الساعة، ذلك أن أبواب دمشق كانت مشرعة دائما للبنانيين، وتحديداً للحكومات المتعاقبة منذ العام 2011. 

لكن المشكلة كانت دائماً تكمن في الحسابات اللبنانية التي لا تريد تجاوز الإجماع العربي على مقاطعة سوريا". 

وتنقل عن مصدر سياسي سوري رفيع المستوى "استبعاد دمشق أن يكون الزلزال مقدمة لإعادة تطبيع العلاقات على أكثر من صعيد، على اعتبار أن ميقاتي لن يتخذ في ظل هذه الظروف خطوة في هذا الإطار لكن هذه الخطوة لا بد أن تأتي قريباً".

استثمار الكارثة

وفي الإطار نفسه تقول الصحفية بتول يزبك، إن ما فعله حزب الله في هذه القضية "مثال عن الاستثمار السياسي في الأزمات حد الوقاحة، بحيث تتحول كل كارثة وكل أزمة إلى فرصة استثنائية لاستعراض التضامن والمساعدة وتوسيع النفوذ... واللصوصية على حساب القتلى". 

وأضافت لـ"الاستقلال" أن "حزب الله أطلق حملة "رحماء"  المؤلفة من عدة قوافل مسيرة ومحملة بالمساعدات العينية للشعب السوري، وأحاطها بتغطية إعلامية واسعة من أجل "إثبات أنه المنقذ الوحيد لشعوب المنطقة في الأزمات وعند المصائب". 

وتابعت: "ومن جهة ثانية، استغل النكبة التي لحقت بالسوريين لصالح توسيع نفوذه في المنطقة واستئناف تهريب مقاتليه وأسلحته والسلع عبر الحدود والمعابر التي فتحت أمام المساعدات اللبنانية". 

وأشارت نقلا عن مصادر لم تسمها إلى "نقل حزب الله لعشرات الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و25 سنة إلى مناطق حلب وإدلب في سوريا بحجة الإغاثة. 

ورأت يزبك استناداً إلى مصادرها أن حزب الله يحاول استغلال هذه الأزمة من أجل "الاستيلاء على المناطق المحررة والآمنة".

فيما كتبت غوى حلال في موقع "أساس ميديا" تحت عنوان "حكومة لبنان على طريق الشام.. متى يسلكها ميقاتي؟" أن "الوفد الوزاري شكل من لون سياسي واحد". 

وأضافت: "إذ امتنع الوزراء السنة، ولا سيما وزير الصحة ووزير البيئة، والوزيران الدرزيان عن الانضمام إلى عداده". 

ونقلت عن وزير الزراعة عباس الحاج حسن، ممثل حركة أمل الشيعية في الحكومة، قوله "قد يكون الزلزال قربانا في سبيل تعزيز العلاقات العربية- العربية، واللبنانية السورية على وجه التحديد". 

كما نقلت عن أعضاء الوفد الوزاري قول بشار الأسد أنه "لن يغلق باباً يفتح باتجاه سوريا، وهو ما فهم أنه استعداد لفتح صفحة جديدة مع الآخرين". 

وترى حلال أن هذا الموقف "يعزز التساؤل عن إمكان استغلال لبنان، كما فعلت بعض الدول العربية، تعليق قانون "قيصر" لتثبيت الانفتاح باتجاه سوريا. 

والقيام بترجمة قريبة للحوار الهاتفي الودي بين رئيسي الحكومتين السورية واللبنانية، بزيارة ميقاتي إلى سوريا". 

لكنها تشير إلى أن قيام ميقاتي بهذه الخطوة "دونها محاذير تتصل بكونه رئيس حكومة لبنان ورجل أعمال له امتداداته الخارجية وأعماله التي يخاف عليها من العقوبات الأميركية". 

وتخلص إلى القول بأن "البرودة في العلاقات اللبنانية السورية لن تتغير". 

فالذهاب بعيدا في التماهي مع رغبة لبنانية (تقصد حزب الله وحلفائه) عارمة بالانفتاح على سوريا ضرب من الأحلام، ذلك أن الحسابات ما تزال هي نفسها، وأي علاقة جديدة ترتبط بالموقف العربي".

وأصدرت الولايات المتحدة قانون "قيصر" لمعاقبة أركان النظام والمتعاملين معه سواء كانوا دولا أم كيانات، "كجدار حماية" من محاولات نسف الحل السياسي بسوريا وطبقته في 17 يونيو/ حزيران 2020.

وبموجب العقوبات، بات أي شخص يتعامل مع النظام السوري معرضا للقيود على السفر أو العقوبات المالية بغض النظر عن مكانه في العالم.