جودة نوعية وثقة محلية.. هكذا وصل لاجئون سوريون لعضوية ورئاسة بلديات ألمانية

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يواصل اللاجئون السوريون التأكيد على دورهم الفاعل في المجتمعات الجديدة التي وصلوا إليها في أوروبا، بعدما أجبرتهم آلة نظام بشار الأسد العسكرية على البحث عن موطن جديد لهم بعيدا عن واقع الحرب.

وفي خطوة تاريخية ضمن الإنجازات الجديدة للاجئين السوريين في ألمانيا، نجح لاجئان سوريان في الفوز بمنصب رئاسة البلدية في ولايات مهمة.

ويعيش في ألمانيا حوالي 924 ألف لاجئ سوري، منذ أن رحبت بهم المستشارة السابقة أنجيلا ميركل خلال ذروة أزمة اللاجئين في عام 2015.

إنجازات جديدة

وفاز اللاجئ السوري ريان الشبل بمنصب رئيس بلدية أوستلسهايم في ولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية في 3 أبريل/نيسان 2023، بعدما حصل على الأغلبية المطلقة (55.41 في المئة) من الأصوات في الانتخابات، بحسب ما ذكر موقع مجلة شتيرن الألمانية.

والشبل المنحدر من مدينة السويداء والذي أصبح العمدة الجديدة للبلدة يبلغ من العمر 29 عاما، درس الإدارة المالية والمصرفية بسوريا، وقد وصل إلى ألمانيا عام 2015، وتعلم اللغة سريعا هناك.

ثم عمل الشبل في التدريب المهني كمساعد إداري في منطقة كالف، قبل أن يقود حملته الانتخابية فيها، وينال طموحه في بلدة لا تربطه بها أي جذور تاريخية.

وخاض الشبل الانتخابات كمرشح غير حزبي على الرغم من انتمائه لحزب الخضر الألماني منذ عام 2017.

قبل أن يتقدم في الاستحقاق على مرشحين من أبناء البلدة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 2500 نسمة، بعدما أقنعت حملته الناخبين بأنه الشخص الأنسب لهذه المهمة على حساب منافسه ماركو ستراوس.

وقال الشبل الذي سيبقى لمدة 8 سنوات على رأس البلدية في لقاء تلفزيوني: "لدينا الكثير من المهام التي يجب معالجتها في أوستلسهايم منها ما يتعلق بتحسين رعاية الأطفال والمسنين ويجب أن نحقق ذلك في أسرع وقت".

وجاء فوز الشبل، بعد أسبوع من فوز السوري الألماني، مايك جوزيف (40 عاما)، من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، بجولة الإعادة لمنصب عمدة فرانكفورت، متفوقا على منافسه أوفي بيركر.

وينحدر جوزيف من مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، لكنه وصل إلى ألمانيا مع عائلته عام 1987، ولا يصنف في فئة اللاجئين الجدد.

وهو حاصل على شهادة في العلوم السياسية من جامعة Fachoberschule، وترأس مكتب التخطيط والإسكان في بلدية فرانكفورت منذ عام 2016.

وركز جوزيف في برنامجه الانتخابي على القضايا الاجتماعية والأمنية والاقتصادية، وقال إنه من الضروري عدم وجود أي مناطق محظورة يكثر فيها العنف وتجارة المخدرات.

ونقلت وسائل إعلام ألمانية عن مواطنين التقى بهم الشبل خلال حملته قولهم: إن ما تهمهم هي كفاءته لا أصله". وأضاف أحدهم: "نحن بحاجة لمرشح جيد، لا أهتم إن كان سوريا أو ألمانيا أو رومانيا".

تجربة ديمقراطية

ووفقا لمجموعة أبحاث الهجرة، فإن 1.2 بالمئة فقط من رؤساء بلديات المدن الألمانية لديهم خلفيات مهاجرة، وهو رقم ضئيل مقارنة بـ 27 بالمئة من سكان ألمانيا الذين يعودون لأصول من دول أخرى.

اللافت أن الإنجاز الجديد للسوريين في دول الشتات ولا سيما ألمانيا لم يكن الوحيد، فقد سبق الشبل، ابن بلده "حسان الخاطر" من مواليد عام 1989، والذي فاز بمقعد في بلدية كاسل الألمانية - فرع الأجانب - بعد صدور نتائج الانتخابات المحلية في مارس/آذار 2021.

وحينها كان برنامج الخاطر الانتخابي هو "العمل على المساعدة في اندماج ناجح وعيش مشترك للأجانب في كاسل وإيصال صوتهم للبرلمان المحلي للمدينة".

وقد حصل الخاطر على درجة الماجستير في القانون من جامعة غوتنغن الألمانية في سبتمبر/أيلول 2021.

والخاطر تخرج في كلية الحقوق في جامعة "الفرات" بدير الزور السورية وانتقل إلى ألمانيا لاجئا منتصف عام 2015، قبل أن يتمكن من إتمام جميع مراحل اللغة وصولا إلى DSH في جامعة "كاسل".

وأوضح الخاطر لـ "الاستقلال"، أن الانتخابات التي حصل فيها على مقعد في المجلس الاستشاري تجرى مرة كل 5 سنوات، وهي المرة الأولى التي يترشح فيها لاجئ سوري.

وأضاف أنه رشح نفسه لهذه الانتخابات منذ مطلع عام 2021، مبينا أن المجلس الاستشاري يعد جسرا بين الحكومة الألمانية في مدينة "كاسل" والأجانب في المدينة، ويعمل على تمثيل جميع جنسيات العالم في المدينة عدا الألمانية وهو صلة الوصل في جميع مفاصل الدولة.

وعن تجربته السياسية الجديدة يقول الخاطر: "استطعت أن أثبت نفسي في دولة عظمى فيها من كل الجنسيات وأن أخوض أول تجربة ديمقراطية وأمارس حقي في ذلك بكل أشكالها بعد حصولي على الجنسية الألمانية".

 ورأى الخاطر، أنه "ألقى على عاتقه المسؤولية لأن يكون صوتا للأجانب المقيمين على الأراضي الألمانية في مدينة كاسل لتحقيق مطالب من وثقوا به وانتخبوه".

نموذج تراكمي

وتأتي نجاحات السوريين الذين يحظون بدعم وتأييد من المواطنين الألمان، كنموذج تراكمي على مدى العقود الماضية، استطاع أقرانهم بالوصول إلى مناصب حكومية هناك.

ففي عام 2021 حقق ثلاثة ألمان من أصل سوري فوزا في الانتخابات البرلمانية اثنان منهم بعضوية البرلمان الألماني "البوندستاغ"، والثالث بعضوية برلمان ولاية برلين، وهم رشا نصر ولمياء قدور، وجيان عمر والثلاثة يعيشون في ألمانيا قبل عام 2011.

في ألمانيا أكثر البلدان الأوروبية التي تحتضن اللاجئين السوريين، أظهر هؤلاء استعدادا خاصا للاندماج، على سبيل المثال عبر المهارات اللغوية القوية والالتزام بالقوانين السارية.

إذ أكد مكتب الإحصاء الفيدرالي في بيان له 10 مايو/أيار 2022، حصول 19 ألفا و95 سوريا على الجنسية الألمانية خلال عام 2021.

وبين أن السوريين احتلوا المرتبة الأولى بعدد التجنيس، تلاهم الأتراك بـ12 ألفا و245، والرومان ثالثا بـ6 آلاف و920.

وقد شارك العديد من اللاجئين السوريين في ألمانيا ممن حصلوا على الجنسية بالتصويت للمرة الأولى في الانتخابات التي جرت على مستوى البلاد في 26 سبتمبر/أيلول 2021، لاختيار المستشار الجديد خلفا لأنجيلا ميركل.

ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية عن طارق سعد طالب العلوم السياسية والبالغ من العمر 28 عاما والذي حصل على الجنسية الألمانية وخاض تجربة التصويت للمرة الأولى قوله: "عاش آباؤنا في ظل نظام سياسي مختلف لسنوات طويلة (في سوريا)، وهذه فرصة لتنشئة جيل جديد في ألمانيا".

وخلصت دراسة أجراها مجلس الخبراء المعني بالدمج والهجرة في ألمانيا ونشرها عام 2020، إلى أن 65 بالمئة من المواطنين ذوي الأصول غير الألمانية أدلوا بأصواتهم عام 2017، مقابل نسبة بلغت 86 بالمئة بين الألمان الأصليين.

وذكرت الدراسة أنه "كلما طالت المدة التي قضاها الأشخاص في ألمانيا، كلما زادت احتمالات شعورهم بالتفهم وقدرتهم على المشاركة في الحياة السياسية".

ويمثل هذه الصعود السياسي للسوريين الفارين من بطش نظام الأسد صفحة جديدة في كتاب من سبقوهم ممن لمعوا في بلاد المهجر بخبراتهم ومعارفهم ومهاراتهم في البلدان التي هاجروا إليها في مختلف أنحاء العالم، حتى تبوأوا حقائب وزارية.

ومن هؤلاء عمر الغبرا الذي عينه رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو مطلع عام 2021 وزيرا للنقل في البلاد. وقد حملت السنوات الأخيرة أسماء سورية مهاجرة للوصول إلى مناصب حكومية في أوروبا.

فقد تمكنت السورية الهولندية محار فتال التي ترشحت عن حزب "اليسار الأخضر" من الفوز  بمقعد في مجلس بلدية مدينة أوتريخت رابع أكبر المدن الهولندية خلال الانتخابات التي جرت منتصف مارس 2022.