خيار تكتيكي.. لماذا تميل أميركا للتعامل بهدوء مع التوتر في الشرق الأوسط؟

يوسف العلي | منذ ١٨ يومًا

12

طباعة

مشاركة

تساؤلات عديدة أثارتها تصريحات مسؤولين أميركيين بخصوص رغبة بلادهم في التهدئة وحل أزمات المنطقة بعيدا عن التصعيد العسكري، لا سيما في قطاع غزة والبحر الأحمر، بعدما دعمت الولايات المتحدة كل هذه الأزمات عسكريا ساعة وقوعها.

وبدعم من واشنطن، تشن إسرائيل عدوانا على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أوقع نحو 110 آلاف بين شهيد وجريح.

كما شكلت تحالفا عسكريا من 24 دولة من أجل مواجهة “الحوثي” اليمنية، التي تنفذ هجمات تعترض الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

دعوات للتهدئة

ولعل آخر دعوات التهدئة هذه، هو ما ورد على لسان مبعوث واشنطن إلى اليمن، تيم ليندركينغ، بقوله إن "الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر تقوّض عملية السلام في اليمن، بعدما كانت الجهود الدولية قاب قوسين من التوصل إلى اتفاق دائم في هذا البلد الذي مزّقته الحرب لسنوات طوال". 

وأوضح المسؤول الأميركي في تصريح نقلته إذاعة "مونت كارلو الدولية" الفرنسية، في 4 أبريل/ نيسان 2024، أن "الضربات العسكرية الأميركية ضد الحوثي تعيقها وتهدف إلى تدمير قدرتها على مهاجمة السفن، لكننا نفضل الحل الدبلوماسي، ونعلم أنه لا يوجد حل عسكري". 

ويشن "الحوثيون" هجمات على سفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إضافة إلى أنهم استولوا على سفينة "جالاكسي ليدار" المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في 20 نوفمبر، وذلك ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حسبما أعلنت ذلك.

من جهتها، شكّلت الولايات المتحدة مع بريطانيا تحالفا عسكريا يضم 24 دولة، وأطلقت عملية "حارس الازدهار" في البحر الأحمر منذ 12 يناير/ كانون الثاني 2024، منفذة أكثر من 400 غارة جوية على مواقع "الحوثي".

أما عن العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي لإيقافه وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر منذ السابع من أكتوبر 2023.

وفي 4 أبريل 2024، هدد بايدن تل أبيب في اتصال مع نتنياهو بجعل الدعم المقدم لإسرائيل مرهونا بخطوات ملموسة، ودعا لفتح ممرات جديدة لإيصال المساعدات إلى القطاع "بشكل كامل وسريع".

وبعد الاتصال بين بايدن ونتنياهو، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: "ما لم نر التغييرات التي نحتاج لرؤيتها (من الجانب الإسرائيلي)، ستحدث تغييرات في سياستنا".

في هذا السياق، أقر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي بوجود "إحباط متزايد" حيال رئيس وزراء إسرائيل. 

وردا على سؤال عما إذا كانت المكالمة الهاتفية تعكس إحباط بايدن من عدم استجابة نتنياهو لطلبات واشنطن، قال كيربي "نعم، هناك إحباط متزايد".

مصلحة داخلية

وبخصوص سياسة عدم التصعيد الأميركية، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي المختص بشؤون الشرق الأوسط، عماد الدين الجبوري، إن "تفضيل الولايات المتحدة الذهاب إلى الحلول السياسية مع الحوثيين يأتي في سياق أحداث ما يحصل بعد مضي 6 أشهر على طوفان الأقصى".

وأوضح الجبوري لـ"الاستقلال" أن "المعطيات الحالية للحرب كشفت للعالم أجمع الوحشية الصهيونية وما ارتكبته من إبادة جماعية في غزة واستهتارها بالقانون الدولي، علاوة على الموقف الغربي بشأن التباين فيما يخص الدعم لإسرائيل وغض الطرف عن الجرائم البشعة".

ولفت إلى أن "الحوثيين ذراع إيرانية، ويتحركون وفق ما تمليه عليهم سياسة إيران الخارجية، وأن ذهاب الولايات المتحدة في المرحلة الحالية نحو عدم التصعيد العسكري، ليس لأنها لا تستطيع السيطرة على هذه الأزمات، بل كونها الفاعل الرئيس في جعل المنطقة العربية غير مستقرة، وهذا يتوافق مع مشروع إيران التمددي داخل الدول العربية".

وأكد الجبوري أن "دعوات واشنطن للتهدئة تتعلق حاليا بانتخابات الرئاسة الأميركية التي تبعد 6 أشهر فقط، خصوصا أن الاستطلاعات تشير إلى تراجع شعبية بايدن، وهم بلا شك لا يريدون الخسارة وذهاب الرئاسة إلى غريمه دونالد ترامب، أي أنه صراع ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري".

وعلى هذا الأساس، يرى الجبوري، أن "إدارة بايدن وسياستها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط تتجه إلى عدم التصعيد ليس لإنهاء المشكلات أو لجعل المنطقة العربية تستقر أكثر، بل إنها لصالح الداخل الأميركي، وهناك شيء يُعد بنحو إيجابي لكسب شعبية أكثر بايدن".

كما رأى الخبير أن "الأمر فيه تنفيس للجانب الإسرائيلي، فهذه العزلة الدولية تجاه إسرائيل بسبب الإبادة البشرية التي تقوم بها الأخيرة بحق سكان قطاع غزة، ونالت الأطفال والنساء والشيوخ وجل الضحايا من المدنيين، والآن يدنو العدد من 110 آلاف ما بين شهيد وجريح".

وتابع: "هذا الأمر يدعو الولايات المحتدة في سياستها الآنية إلى عدم التصعيد؛ حتى يكون هناك تفرّغ أكثر لكيفية الالتفاف على الناخب الأميركي بالدرجة الأولى، لأن الإعلام الأميركي والغربي تحت السيطرة الصهيونية، لذلك يريدون إعطاء الأميركيين شيئا في هذا الاتجاه".

وخلص الجبوري إلى أن "الولايات المتحدة الآن تتجه إلى شأنها الداخلي، لأن الانتخابات الرئاسية تجرى بعد 6 أشهر، وبالتالي هي تريد تهيئة الأرضية في الداخل لهذا الأمر ليس أكثر".

ويواجه بايدن، الداعم لإسرائيل، ضغوطا متزايدة قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية، على خلفية تعامله مع حرب غزة، إذ يضغط عليه حلفاء لجعل مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية التي ترسلها واشنطن رهنا بإصغاء نتنياهو لدعوات للتهدئة، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في 5 أبريل.

صفقة مرتقبة

وبخصوص آخر مستجدات الضغط الأميركي لإيجاد التهدئة في غزة، كشفت صحيفة عبرية أن "الولايات المتحدة تضغط بكل ثقلها لإنجاز ملف التهدئة بين حركة حماس وإسرائيل"، مشيرة إلى أن "واشنطن ليست مستعدة لأقل من صفقة تبادل أسرى ومحتجزين ووقف لإطلاق النار".

وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في 8 أبريل، بأن "الولايات المتحدة أكثر تصميما من أي وقت مضى على التوصل لاتفاق بين حماس وإسرائيل، خاصة أن أشياء كثيرة تعتمد على هذا الاتفاق".

وأشارت إلى أن "ذلك يأتي بالتزامن مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع وبقاء لواء عسكري واحد فقط"، مؤكدة أن "مجلس الحرب قام بتوسيع التفويض الممنوح لفريق المفاوضات بشكل كبير بناء على طلب بايدن".

ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن مصادر وصفتها بالمطلعة، قولها إن "رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، وضع خطة للتهدئة على طاولة المفاوضات التي يديرها الوسطاء"، مؤكدا أن "هناك ضغوطا أميركية هائلة لإتمام صفقة".

ووفق الصحيفة، فإن "الأميركيين سئموا مماطلة جميع الأطراف، ويريدون أن يروا صفقة للتهدئة"، مبينة أن "هناك تقدما في محادثات التهدئة واتفاقا على الأمور الأساسية بين جميع الأطراف، رغم التأكيد الإسرائيلي على أن الفجوات لا تزال كبيرة".

وشهدت جولة المفاوضات الجديدة بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وإسرائيل، والتي عُقدت بالعاصمة المصرية القاهرة، في 7 أبريل، "أجواء إيجابية"، وأحرزت "تقدما ملحوظا" في تقريب وجهات النظر بشأن التوصل إلى هدنة في قطاع غزة.

وذكرت قناة "القاهرة" الإخبارية، في 8 أبريل نقلا عن مصدر مصري رفيع المستوى (لم تكشف هويته)، أن المحادثات شهدت تقدما، مضيفا أن "هناك توافقا على المحاور الأساسية بين جميع الأطراف المعنية".

وعُقدت جولة المفاوضات بمشاركة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية بيرنز، ورئيس مخابرات النظام المصري عباس كامل، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن، ووفد من حركة "حماس" برئاسة خليل الحية، وآخر إسرائيلي برئاسة رئيس الموساد ديفيد برنياع.