خطاب مسموم.. لماذا عادت حملات التحريض الممنهج ضد السوريين في لبنان؟

بيروت-الاستقلال | منذ ١٦ يومًا

12

طباعة

مشاركة

عادت من جديد حملات التحريض والعنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان والمطالبة بترحيلهم إلى بلدهم الأم، وسط تعرضهم هذه المرة لاعتداءات غير مسبوقة.

وشهد عدد من المناطق اللبنانية، نشر بعض المواطنين بلاغات صوتية في الأحياء التي يسكنها لاجئون سوريون تدعوهم لترك منازلهم ومغادرتها “فورا”.

تحريض جديد

وخرج عدد من الشبان يستقلون الدراجات النارية في منطقة برج حمود التابعة للعاصمة بيروت، مطالبين عبر مكبرات الصوت السوريين بإخلاء جميع المحلات التجارية والمنازل قبل نهار 12 أبريل/ نيسان 2024.

وقال أحد الشبان عبر مكبر الصوت: "على جميع السوريين في برج حمود إخلاء جميع المحلات التجارية والمنازل قبل يوم الجمعة وقد أعذر من أنذر".

كما انتشر بيان صادر عن أبناء وأهالي الأشرفية والجوار يطالب السوريين المقيمين في المنطقة بوجوب المغادرة. 

وانتشرت مقاطع مصورة على منصات التواصل الاجتماعي، تظهر تعرض لاجئين سوريين إلى حملات اعتداء وضرب من قبل لبنانيين.

وأظهر أحد المقاطع اعتداء لبنانيين على لاجئ سوري في بلدة طبرجا الساحلية بضرب وحشي نتج عنه كسر في جسمه.

وقال الشخص الذي نشر الفيديو إن العامل كان عائدا إلى منزله مع كيس هدايا صغير لأطفاله بمناسبة عيد الفطر، باغتته مجموعة من الأشخاص وانهالوا عليه ضربا، فيما وقف آخر بعيدا يصور ما يجرى دون تحريك أي ساكن.

وبحسب بيانات رسمية، يوجد حوالي مليوني لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، نحو 830 ألفا منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة منذ توقف لبنان عن استقبالهم رسميا عام 2015 بعدما بدأ السوريون يفرون من بطش أجهزة نظام بشار الأسد الأمنية عام 2011 إبان اندلاع الثورة السورية.

ويرجع البعض اشتعال هذه الموجة من جديد ضد اللاجئين السوريين عقب إعلان الجيش اللبناني في 9 أبريل 2024 أن "باسكال سليمان" المسؤول في حزب "القوات اللبنانية" المسيحي (مناهض لحزب الله والنظام السوري)، تم خطفه وقتله في لبنان ونقل جثته إلى سوريا على "يد عصابة".

وبحسب الإعلام اللبناني فإن "العصابة" عبرت الحدود السورية برفقة جثة "باسكال"، وتوجهوا إلى قرية "أبو حوري" بمنطقة القصير السورية الخاضعة لسيطرة حزب الله، حيث ألقوا جثة القتيل ومنها توجهوا إلى جرماش بمنطقة زيتا السورية.

ولاحقا جرى تسلم جثة "سليمان" إلى بيروت من قبل سلطات النظام السوري، بينما قال الجيش اللبناني إنه قبض على عدد من السوريين المتورطين، وأفاد مصدر قضائي بأن "دافع الجريمة كان السرقة".

لكن كثيرا من الأسئلة طرحت حول ملابسات ودوافع الجريمة التي وصفها حزب القوات اللبنانية بأنها "سياسية".

وأعلن حزب "القوات اللبنانية" التي يقودها سمير جعجع أبرز خصوم نظام الأسد، وزعيم حزب الله حسن نصر الله أن قتل سليمان ”جريمة سياسية موصوفة، وسنتابع المسألة ولن نسكت عن هذه الجريمة التي لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بأي فدية، وليست مسألة خاصة، إنما مسألة سياسية بامتياز".

وحددت الدائرة الإعلامية لحزب "القوات اللبنانية"، في بيان لها عددا من العوامل التي أدت إلى مقتل "سليمان".

وذكرت أن العامل الأول "يتمثّل بوجود حزب الله بالشكل الموجود فيه بحجة ما يسمى مقاومة أو حجج أخرى، وهذا الوجود غير الشرعي للحزب أدى إلى تعطيل دور الدولة، الأمر الذي أفسح في المجال أمام عصابات السلاح والفلتان المسلح، فالمشكلة الأساس إذن تكمن في جزيرة الحزب المولّدة للفوضى".

وطرحت تساؤلات مشككة في رواية السرقة، دارت حول كيفية تمكن الجناة من اجتياز جميع الحواجز بين لبنان وسوريا برفقة الجثة، خاصة أن الجيش اللبناني عزز دورياته على الحدود في سبتمبر/ أيلول 2023، وعمل على إقفال عدد من طرقات التهريب بالسواتر الترابية من ضمنها جرماش شمالي قضاء الهرمل لمنع دخول السوريين باتجاه الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية.

ومنها طرح موقع "نداء الوطن" المحلي تساؤلا مفاده "من لديه كل هذه القدرة على خطف سليمان من منطقة مسيحيّة في وضح النهار، والانتقال من مكان إلى مكان آخر، من قلب البلد إلى الحدود، وإلى ما بعد الحدود، دون أن يصادف أي حاجز أمني؟".

وعلى خلفية مقتل سليمان، تعالت المخاوف من عمليات ترحيل جماعية بعد موجة من العنف والتحريض التي بدأت تتسع، لا سيما مع خطاب الحكومة اللبنانية وبعض الشخصيات السياسة التي استغلت الحادثة للتحريض على طرد اللاجئين.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي بعد لقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في قرية بكركي في 13 أبريل 2024، أن الحل الأساسي لملف النازحين يتمثل في "عد معظم المناطق في سوريا آمنة لترحيل السوريين الذين أتوا إلى لبنان تحت عنوان اللاجئين".

 في حين رأى البطريرك الماروني، بشارة الراعي، حين ترأسه مراسم دفن "سليمان" أن اللاجئين السوريين "باتوا يشكلون خطرا على اللبنانيين في عقر دارهم".

قلق وتحذيرات

أمام تصاعد التحريض على اللاجئين السوريين، دعت "هيئة التفاوض السورية" المعارضة، الحكومة والأحزاب والقوى السياسية في لبنان، والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان واللاجئين، والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لتحمّل مسؤولياتهم في ضمان سلامة وأمن اللاجئين السوريين في لبنان، والعمل على وقف حملات التحريض.

وقال رئيس الهيئة، بدر جاموس، في بيان 12 أبريل، إن "‏تصاعد الخطاب العنصري التحريضي المسموم ضد اللاجئين السوريين في لبنان، من قبل مسؤولين رسميين لبنانيين وسياسيين، أمر يدعو للقلق الشديد على سلامة هؤلاء اللاجئين، وهو مُدان بقوة لما له من تبعات وعواقب أمنية وإنسانية كارثية".

وأضاف جاموس، أن "المطالبة بترحيل اللاجئين السوريين في لبنان قسرا، وعدم الاكتراث بالمخاطر التي تنتظرهم، تعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني، وخرقا للشرعية الدولية لحقوق الإنسان، ومخالفا لكل الأعراف الدولية والإنسانية التي تفرض حماية اللاجئين وعدم إعادتهم إلى الأماكن التي تُشكل خطرا على حياتهم".

وأكد أن “عودة اللاجئين السوريين الآمنة والكريمة تبدأ بانصياع النظام للقرارات الدولية، وتغيير البنية الأمنية القمعية والتي مازالت تعمل بالطريقة نفسها، مع تطبيق القوانين الخاصة باللاجئين وضمان سلامتهم حتى يتوفر الأمان والاستقرار لعودتهم إلى أماكن سكنهم".

ومنذ سنوات، بدأ لبنان في رفع صوته عاليا إزاء وجود اللاجئين السوريين، إذ طالب المجتمع الدولي بإعادتهم إلى مدنهم، بغض النظر عن تحقيق انتقال سياسي وبيئة آمنة ومستقرة كما تنص القرارات الأممية.

وتواصل السلطات اللبنانية الضغط على اللاجئين السوريين عبر إقرار المزيد من الخطط والبرامج التي تهدد وجودهم، رغم التحذيرات الأممية بأن العودة غير آمنة بعد إلى بلدهم الأم.

وفي خطوة جديدة، أعلن وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، في 5 مارس/آذار 2024 إطلاق "خارطة طريق لتنظيم الوضع القانوني للسوريين"، تهدف إلى تطبيق القوانين اللبنانية فيما يخص السكن وشرعية العمل في المؤسسات.

وبما أن كثيرا من الحوادث في لبنان باتت تستغل ورقة اللاجئين السوريين فيها، فقد رأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن "أعمال العنف والتهديدات العشوائية التي استهدفت السوريين عقب مقتل سليمان أثارت حالة من الذعر بين العائلات السورية في لبنان".

وشددت المفوضية على أنها "تراقب هذه التطورات عن كثب وتتابع الحالات الفردية للاجئين الذين أبلغوا عن تعرضهم للاعتداء أو العنف أو الإخلاء".

من جانبه، أعلن وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، أن خطة إعادة اللاجئين السوريين من لبنان إلى بلادهم ستستأنف نهاية أبريل 2024، بالتنسيق مع نظام الأسد.

وفي تصريحات نقلتها وكالة "تاس" الروسية في 13 أبريل 2024، أشار شرف الدين إلى أنه "تم إعداد قوائم النازحين الراغبين بالعودة إلى ديارهم وتسليمها إلى الجهات الأمنية".

وذكر شرف الدين أن البرنامج الجديد سيجعل من الممكن تنفيذ الاتفاق الثنائي مع النظام السوري الذي تم التوصل إليه في سبتمبر 2023، والذي توقف تنفيذه بسبب تدهور الوضع في الشرق الأوسط، والذي ينص على أنه خلال عام سيتمكن نحو 200 ألف سوري من مغادرة لبنان إلى بلادهم.

فيما رأى كثير من المراقبين أن عملية "الاغتيال السياسي" التي نالت "سليمان"، جرى استغلال ورقة اللاجئين السوريين للتغطية عليها عبر التحريض عليهم في هذا التوقيت واتهام بعضهم بتنفيذ "الجريمة".

وفي هذا الصدد، أوضح الكاتب والباحث اللبناني، أسعد بشارة، أن "العملية التي تشكل استكمالا للاغتيال السياسي هي للتشويش على أسباب الاغتيال ودوافعها، وهذا التشويش حصل عبر استهداف اللاجئين السوريين".

وأضاف بشارة قائلا عبر تصريح تلفزيوني في 13 أبريل، أن "هناك من يريد الاصطدام مع اللاجئين الذين يتوقون للعودة إلى سوريا بكرامة ولكن يمنعهم النظام السوري وحلفاؤه".

"فتنة مسيحية"

بدوره، رأى المحامي اللبناني نبيل الحلبي، أن "من له المصلحة المباشرة للتحريض على اللاجئين السوريين في هذا التوقيت هو النظام السوري المسبب الأول بتهجير السوريين من أراضيهم سواء إلى لبنان أو الدول الأخرى".

وأضاف الحلبي في حديث تلفزيوني منشور في 14 أبريل أن "ما حدث عقب اغتيال سليمان هو عملية تحوير الجريمة وأخذها لمكان آخر عبر اتهام اللاجئين السوريين بالوقوف خلفها للتشويش على التحقيق الجدي على الجريمة السياسية وخلق فتنة بين التيارات السياسية المسيحية التي كانت تتضامن مع الثورة السورية واللاجئين وحقوقهم الإنسانية".

ومضى يقول: "من يدير هذه الفتنة هي بعض الغرف السوداء الأمنية إضافة إلى أحزاب مثل التيار الوطني الحر (مؤيد لحزب الله)؛ من أجل عملية تحريض وتحوير الحقائق ولفت الانتباه عما جرى من اغتيال".

وتابع: "أعتقد أن الحكومة اللبنانية الحالية لها مصلحة في دفع أي حالة شعبية باتجاه ملف اللاجئين السوريين، فبعدما قامت الحكومات المتعاقبة في لبنان بسرقة ودائع اللبنانيين من المصارف والبنوك وإفلاس الدولة، تشتّت انتباه المواطنين بأن اللاجئين السوريين هم من وراء الأزمة الاقتصادية".

واستطرد: "الهدف من ذلك هو استثمار حزب الله والنظام السوري والحكومة اللبنانية لهذه الفوضى"، وفق الحلبي.

واستدرك قائلا: "حسب رصدنا لعملية التحريض التي سبقت هذه الاعتداءات الجديدة، بحيث من يقوم بتوزيع المنشورات ضدهم والرسائل الصوتية عبر تطبيق الواتساب هم أفراد من أجهزة الأمن اللبنانية يتبعون لأحزاب معروفة بقربها للنظام السوري".

ونوه الحلبي إلى "رصد قيام النظام السوري وحزب الله بإدخال سوريين إلى لبنان والزج بهم ضمن مجتمعات اللاجئين السوريين من أجل إحداث فتنة بين المسيحيين والسوريين ثم تنتقل الفتنة إلى داخل الأحزاب المسيحية وبين السنّة".

وختم بالقول: "ولكن كل هذه الأزمات المتراكمة في لبنان منذ سنوات سببها حزب الله وسيطرته على مفاصل القرار الوطني والمؤسسات الرسمية". 

وليس خفيا في لبنان حجم الخلاف بين القوى المسيحية حول سلاح “حزب الله” الذي يهيمن به على البلد.

وتدعو الأحزاب المسيحية غير المتحالفة مع حزب الله إلى تسليم سلاح الأخير إلى الدولة وفقا للدستور وقرارات الشرعية الدولية، لا سيما القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2004 الذي ينص على نزع سلاح المليشيات في لبنان.

وترجع فكرة إنشاء "حزب الله" في لبنان لعام 1982 حيث أشرف على تأهيله الحرس الثوري الإيراني، وزودته طهران منذ ذلك الوقت بالسلاح والمال، حتى بات كيانا مستقلا.