عبدالمجيد الزنداني.. علامة يمني داعم للثورات ومقارع للعلمانية يرحل بالمنفى

منذ ١٣ يومًا

12

طباعة

مشاركة

بعيدا عن بلده اليمن، رحل العلامة الإسلامي الشيخ عبد المجيد الزنداني عن عمر 82 عاما، قضى جلها مسترشدا بالقرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وتوفي الزنداني الذي عرف بين الناس بمواقفه الجريئة خدمة للشريعة الإسلامية، في أحد مستشفيات إسطنبول التركية يوم 22 أبريل/نيسان 2024.

وقالت أسرته، في بيان: "ببالغ الحزن والأسى وبقلوب راضية بقضاء الله وقدره، ننعى وفاة والدنا الشيخ العلامة عبد المجيد بن عزيز الزنداني، الذي توفاه الله عز وجل إليه يومنا هذا الإثنين".

وقد شهدت جنازة الشيخ الزنداني حضورًا مهيبًا حضره عدد من الرموز الإسلامية والسياسية، على رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كما شهد مجلس العزاء حضورا عربيا وإسلاميا لافتا، على رأسهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، و رئيس حركة حماس بالخارج خالد مشعل.

ووصفت الهيئات الدينية المسلمة في الدول الإسلامية، الشيخ الزنداني في نعيها له بـ "كبير علماء اليمن" و"أبرز أعلام علماء الأمة الإسلامية" في عصرنا الراهن.

ورحل الشيخ الذي تُزَيّن وجهه لحية حمراء، تاركا خلفه إرثا من تأصيل الإعجاز العلمي في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية.

وخاصة أن له جهودا علمية إسلامية كثيرة، وباعا طويلا في مقارعة العلمانية والتغريب، عبر نشر القيم الإسلامية الصحيحة.

أيد الداعية الزنداني ثورة اليمنيين عام 2011 حينما كان رئيس مرجعية العلماء في اليمن، واصطف مع مطالب المعتصمين آنذاك أمام جامعة صنعاء وقال إنه "لا شرعية لحاكم لا يرتضيه شعبه، وإن الشعب هو صاحب الحق في اختيار حكامه ونوابه".

وعد خروج الشبان في مظاهرات "حقا دستوريا وشرعيا، وهو نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ما دعا المعتصمين إلى الاستمرار في مسيرتهم والحفاظ على سلميتها.

كما قاد وقتذاك وساطة بين الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وأحزاب اللقاء المشترك من أجل العودة للحوار والقبول بحكومة وحدة وطنية، تشغل فيها المعارضة رئاسة الحكومة ووزارات سيادية، وتهيئة الأجواء لانتقال سلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة خلال شهرين.

مسيرة إيمانية

ولد الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني عام 1942، في قرية الظهبي بمديرية الشعر من محافظة إب إحدى محافظات اليمن، ولكن أصله من منطقة "زندان" في مديرية أرحب بصنعاء.

تلقى تعليمه الأولي لدى مدرسي القرآن الكريم بمسقط رأسه، والتحق بالدراسة النظامية في عدن، ثم انتقل إلى مصر للدراسة الجامعية، فالتحق بكلية الصيدلة في القاهرة ودرس فيها سنتين ثم تركها بسبب اهتمامه بالعلم الشرعي، وأخذ يقرأ في علوم الشريعة.

وفي القاهرة كان يتردد على الجامع الأزهر نظرا لاهتمامه بالعلوم الشرعية، وهناك التقى الكثير من المشايخ بغية تعميق معارفه في هذا الميدان.

وانكب على الدراسة على يد العلماء والمشايخ في الأزهر الشريف قبل أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية ويلتقي كبار علمائها.

في مصر، كان الزنداني يتردد على مجالس جماعة الإخوان المسلمين واحتك بقياداتها وأعضائها وتأثر بمنهجها وفكرها.

ولما اكتشفت السلطات المصرية اتصالاته بالجماعة اعتقلته وفصلته من الجامعة التي كان يدرس فيها ثم طردته خارج مصر.

عاد إلى صنعاء مع قيام الثورة اليمنية ضد الحكم الإمامي عام 1962، كما لعب دورا كبيرا بعد عقود من ذلك في الحرب التي دارت ضد الاشتراكيين وحلفائهم من أحزاب أخرى عام 1994 في اليمن، وسميت حرب الانفصال.

وقد طارد هو والشيخ عبد الله الأحمر بنود العلمانية في الدستور اليمني، ونجحا في إضافة بند ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر كل التشريعات.

كما حصل فيما بعد على شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية في السودان.

ويعد الزنداني أحد أبرز مؤسسي حزب الإصلاح اليمني (الإخوان المسلمين في اليمن)، الذي تأسس بعد الوحدة بين شطري البلاد يوم 13 سبتمبر/أيلول 1990 على يد الراحل عبد الله بن حسين الأحمر شيخ قبائل حاشد بصفتها تجمعا سياسيا ذا خلفية إسلامية.

كان السهم الأصوب في مسيرته هو تأسيسه جامعة الإيمان في اليمن عام 1993، وكذلك الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، حيث انشغل الشيخ بتأصيل الإعجاز العلمي في النصوص الشرعية، وتفسير العديد من الظواهر الكونية من خلاله.

وجامعة الإيمان لها عدد من الفروع في محافظات اليمن وأقسامها متنوعة في اللغة والشريعة والاقتصاد والإعجاز العلمي والإعلام تخرج فيها آلاف الطلاب.

وهي أكبر جامعة إسلامية ولعبت دورا كبيرا في محاربة القيم العلمانية، وبالمقابل نشر القيم الإسلامية في كثير من دول الوطن العربي حتى باتت أكبر صرح أكاديمي إسلامي على مستوى الوطن العربي والإسلامي.

كان الزنداني من مناضلي ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد الإمامة، ووقف مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في حربه ضد الانفصاليين بجنوب اليمن صيف 1994.

وترأس هيئة علماء اليمن، غير الحكومية والتي تضم مشايخ سنة بارزين، وقد تأسست إبان أحداث الثورة الشعبية التي اندلعت مطلع فبراير/شباط 2011، وأطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح.

صاحب الحُجة

يرتبط اسم الشيخ عبد المجيد الزنداني بعدة مجالات وقضايا داخل اليمن وخارجه، فهو أحد رواد ما يعرف بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وأحد أوائل من وضعوا اللبنات الأولى للتنظيمات الإسلامية في اليمن.

فقد وسع مداركه من خلال المطالعة واستنطاق النصوص الشرعية ومحاولة فهمها في ضوء الحياة المعاصرة والاكتشافات العلمية.

يعد الزنداني أحد أهم المطلوبين للأجهزة الأمنية الأميركية بتهمة مساندة ما يسمى "الإرهاب".

واتهم الشيخ، الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بالوقوف وراء اتهامه بدعم ما يسمى "الإرهاب"، ونفى موافقته على التعاون مع وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) لرفع اسمه من القائمة.

ومنذ أن أعلنت أميركا أنها تطلب رأسه لم يغادر اليمن خشية اعتقاله، إلا عقب اندلاع الثورة عام 2011.

وفي برنامج تلفزيوني قال الزنداني، إن أحد القساوسة اللبنانيين قال له مرة في صنعاء "إذا كانت بلادك لا تحميك من الأميركان، فتعال إلينا وأنا سأحميك وأضعك في دير من أديرتنا".

وقد أمضى الزنداني عدة سنوات مدرسا في الجامعات السعودية، وشكل فريقا في المدينة المنورة للبحث في الطب النبوي والإعجاز الطبي في السنة النبوية.

كما أسس في مكة المكرمة الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة واشتهر بأبحاثه في هذا المجال وناظر الكثير من العلماء الغربيين وأسلم بعضهم على يديه.

وتُرجِم كثير من خطبه ودروسه ومناظراته إلى عدة لغات، خصوصا أنه مهتم بعدة مجالات علمية بينها الطب والجيولوجيا وعلوم البحار والبيولوجيا والفلك وعلم الأرصاد وعلم الإحداثيات.

لقد كان الشيخ مثار جدل نتيجة الانقسام والصراع السياسي في الساحة اليمنية، وقد سبق له أن أصدر موقفا واضحا في هذا الإطار، وخاصة بممارسات الحوثيين وقتلهم اليمنيين بالسلاح الإيراني.

وكثيرا ما دعا من مقر إقامته في تركيا جميع القوى السياسية اليمنية إلى التوحد ورفض الخلاف والسعي للصلح فيما بينهم، قائلا إن "ذلك سيمكن جميع القوى من مناصرة فلسطين وشعبها".

وأيد الزنداني لاحقا عملية عاصفة الحزم التي أطلقتها السعودية بدعم عربي في اليمن، ودعا اليمنيين إلى مناصرة الشرعية وإعلان تأييدها والانتماء إليها.

ووقتها نشر بيانا في 14 أبريل 2015 رأى فيه "أن استحواذ الانقلابيين على الأسلحة مع ما أصاب المؤسسة العسكرية والأمنية من خلل جعلها غير قادرة على حماية نفسها وأسلحتها، ما حدا بالقيادة الشرعية إلى أن تستنجد بجيرانها في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية للقيام بما أوجبه الله عليهم من واجبات شرعية في مثل هذه الحال".

وعقب ذلك البيان المذكور بأيام، أقدم مسلحو مليشيا الحوثي على تفجير منزل الشيخ في قرية زندان بمديرية أرحب شمال العاصمة صنعاء.

"دعم الربيع العربي"

ودعا الزنداني في كثير من الأحيان لإقامة وحدة إسلامية، وقد شرح وجهة نظره في مناسبة صحفية بقوله: “على الحكام استفتاء شعوبهم، هل تريدون قيام اتحاد إسلامي أم لا؟”.

وأردف: "فإذا قالت الشعوب إنها تريد اتحادا إسلاميا فعلى الحكام أن يحترموا إرادة هذه الأمة، وعليهم أن يترجموها إلى واقع عملي محسوس بإقامة برلمان إسلامي موحد، وسوق إسلامية مشتركة ويسيروا في ذلك خطوة خطوة".

في الموقف من فلسطين، لطالما دعا الشيخ الزنداني، إلى بذل الغالي والرخيص دفاعا عن المسجد الأقصى، وهو ما تجلى كذلك في آخر لقاء له حيث تحدث عن ضرورة دعم حركة المقاومة الإسلامية حماس.

وفي مطلع عام 2009 حينما كانت إسرائيل تشن عدوانا على غزة، دعا العلامة اليمني، الحكومات العربية إلى فتح معسكرات تدريب للمتطوعين من الشباب الذي يرغب في الانضمام للمقاومة في القطاع، وقتال القوات الإسرائيلية التي تشن حرب إبادة على الفلسطينيين.

وفي الموقف من الربيع العربي، قال الزنداني عام 2012 في لقاء صحفي، إن الغرب بعد أن فشل في وقف الثورات حاول أن يحتويها حتى لا تخرج منها حكومات بعيدا عن تسلطه.

وأوضح أن الدول الغربية تحاول الآن فرض هيمنتها ووصايتها على الثورة اليمنية وشعب اليمن مستقبلا.

وعندما اندلعت ثورة السوريين ضد نظام بشار الأسد، دعا الزنداني إلى تسليح الجيش السوري الحر، قائلا إن من حق الشعب هناك الدفاع عن نفسه لمواجهة القتل والمذابح التي يتعرض لها، مؤكدا أن "ما يجرى في سوريا وصمة عار في جبين الإنسانية".

ونعت الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، إلى أعضائه وأنصاره وجماهيره وإلى عموم الشعب اليمني والأمة العربية والإسلامية الشيخ الجليل الزنداني عضو الهيئة العليا للإصلاح ورئيس مجلس شوراه سابقا.

وقال بيان النعي: "لقد خسر اليمن برحيل شخصية سياسية وتربوية واجتماعية قائدا وطنيا كبيرا عرفه الشعب اليمني إلى جانبه حاملا لقضاياه ومدافعا عن مكتسباته وحقوقه". 

وأشار إلى أنه كانت للشيخ الراحل "أدوار بارزة في التعليم وأسهم في نشره وتشييد البنى التحتية لهذا القطاع الذي كان ينظر له كمدخل رئيس لحل المشكلات التي يعاني منها المجتمع اليمني".

كما لم يتوقف الشيخ الزنداني رحمه الله عند مجال واحد، حيث “أسهم بفاعلية في مجال الدعوة والإرشاد، وفي محاربة المعتقدات الخاطئة التي اتكأت عليها الإمامة في تجهيل الشعب وإضعافه”.

وأردف البيان: "وقد أولى القضايا والمشاكل بما فيها النزاعات وقضايا الثأر التي كان يعاني منها المجتمع اليمني اهتماما كبيرا وبذل ما في وسعه لحلها وإصلاح ذات البين ووقف نزيف الدماء اليمنية جراء الثارات والحروب القبلية، ونجح في حل كثير منها في أكثر محافظات الجمهورية".

بدوره أكد الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، أن الزنداني، ممن أثروا بعلمهم ونشاطهم الروحي والسياسي في الحياة اليمنية خلال العقود الماضية.

وقال: “في بداية عام 1994 كان الفقيد عضوا في مجلس الرئاسة وأتذكر أن الرئيس علي صالح أخبرني أننا كلفنا الشيخ الزنداني بقيادة الدولة أثناء غيابنا في عمان لتوقيع وثيقة العهد والاتفاق”.